إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2024/12/03

The Industrial Bank and Insurance in the mid Twentieth Century

 

ملاحظة حول حضور التأمين في المصرف الصناعي في منتصف القرن العشرين

 

 مصباح كمال


نشر أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

مصباح كمال*: ملاحظة حول حضور التأمين في المصرف الصناعي في منتصف القرن العشرين – شبكة الاقتصاديين العراقيين

مصباح-كمال-ملاحظة-حول-حضور-التأمين-في-المصرف-الصناعي-في-منتصف-القرن-العشرين.pdf

 

 تقديم

 ليس هناك مسح عام عن حضور التأمين في عمل المصارف العراقية والشركات الصناعية والخدمية قبل 2003 وربما بعدها،[1] وليس معروفًا إن جرى البحث في هذا الموضوع.  وأعني بالحضور هنا مساهمة هذه الكيانات في رأسمال شركات التأمين، أو شراء حماية التأمين لمقراتها وممتلكاتها ومستخدميها، أو فرض شرط التأمين على المتعاملين معها.  ما أثار فضولي بهذا الشأن هو استلامي مؤخرًا[2] لكراس صغير صادر عن المصرف الصناعي قبل خمس وسبعين عامًا يحمل العنوان الآتي:

 

المصرف الصناعي، قانون تأسيس مصرف صناعي رقم 12 لسنة 1940 والإرادة الملكية المرقمة 248 والمؤرخة 26/5/45 ونظامه رقم 41 لسنة 1947 وعقد تأسيسه ونظامه الداخلي (بغداد: مطبعة الحكومة، 1948)

 

وهو ما سنركز عليه في هذا المقال.  فيما يلي سأقتبس ما ورد في هذا الكراس من إشارات للتأمين متبوعًا بتعليقات قصيرة.  من المؤسف أن لا يضم الكراس مقدمة للتعريف بهدف نشره والتعريف بالمصرف الصناعي نفسه.

 

الهدف وراء تأسيس المصرف

 

يعود تاريخ إنشاء المصرف إلى عام 1935 من قبل الحكومة العراقية باسم المصرف الصناعي الزراعي.  بعد خمس سنوات أقدمت الحكومة على فصل النشاط الصناعي كمصرف صناعي مستقل يتولى المساهمة في تطوير قطاع الصناعة العراقي العام والخاص والمختلط.  وهو الآن مسجل كشركة عامة وفق أحكام قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997.

 

وهنا ينهض سؤال: هل كانت فكرة تأسيس البنك الصناعي عراقية صرفة أم جاءت بالتنسيق مع المستشارين البريطانيين المبثوثين في العديد من مؤسسات الدولة العراقية لممارسة "السيطرة من خلال النفوذ"؟[3]

 

وكما يرد في المادة الثانية من قانون تأسس مصرف صناعي رقم 12 لسنة 1940 فإن الهدف هو "انهاض صناعة البلاد ومساعدتها ويقوم المصرف بوجه خاص بالأعمال التالية:

 

أ‌-      القيام بمشاريع صناعية على حسابه الخاص مباشرة.

ب‌-  تأليف شركات مساهمة صناعية خاصة أو عامة والاشتراك بأسهمها.

ج-  المساهمة في شركات صناعية موجودة أو تؤلف لهذه الغاية.

د-  التسليف على المواد الأولية المستوردة لحساب أصحاب المصانع وعلى منتوجاتهم المصدرة.

هـ- إقراض أصحاب المصانع والمشاريع الصناعية بقصد تأسيس المصانع أو توسيعها أو تحسينها.

و-  التوسط في استيراد المواد الأولية لحساب أصحاب المصانع وفي تصدير منتوجاتهم.

ز-  تسليف التجار الذين يتعاطون مع مؤسسات المصرف ويشترون ويبيعون موادا أو منتجات لها علاقة بالمشروع لقاء تأمينات وشروط تعين بنظام."

 

بفضل أحكام هذه المادة يستطيع البنك أن يلعب دورًا في توفير التمويل اللازم للنشاط الاقتصادي الخاص والعام والمختلط (الائتمان القصير والطويل الأجل)، مع التأكيد، كما تقضي المادة الثالثة، على أنه "لا يجوز للمصرف أن يقرض أو يساهم في مشاريع صناعية إلا إذا كانت أكثرية رؤوس أموالها عراقية."  وهو ما يؤشر على نزعة وطنية عراقية.  وبهذا الشأن نقرأ ما يفيد أن الحكومة العراقية طلبت عام 1933 من الشركات الأجنبية العاملة في العراق استبدال مستخدميها من الأجانب بمستخدمين عراقيين، قدر المستطاع.[4]

 

مساهمة المصرف الصناعي في رأسمال شركة التأمين الوطنية

 

فيما يخص قطاع التأمين فإن المصرف الصناعي ساهم في رأسمال شركة التأمين الوطنية عام 1950 عند تأسيسها كشركة حكومية وبنسبة 12.5% من رأسمال الشركة إلى جانب مساهمة المصرف الزراعي والمصرف العقاري ومصرف الرافدين.  لا تصنف شركة التأمين الوطنية كشركة صناعية ومع هذا فإن المصرف ربما يكون قد تجاوز هدف القانون (المادة الثانية-ب- تأليف شركات مساهمة صناعية خاصة أو عامة والاشتراك بأسهمها) لأسباب غير معروفة.[5]

 

هل ساهم المصرف في رأسمال شركات تأمين أخرى؟

 

لا نعرف إن كان المصرف الصناعي قد شارك في رأسمال شركات تأمين أخرى.  نعرف بأن بعض المصارف ساهمت في رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية لكن المعلومات عن أسماء المساهمين ليست متوفرة في الأدبيات التي أطلعنا عليها.  نقرأ في المادة الرابعة من قانون تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية رقم 21 لسنة 1960 شركة مساهمة ما يلي:

 

1- للجهات التالية ان تساهم في رأسمال الشركة بالنسبة المبينة ازائها:

ا‌- الحكومة والمصالح والمؤسسات والمصـارف الرسمية وشبه الرسمية بستين بالمئة.

ب‌- يطرح اربعون بالمائة من اسهم الشركة للاكتتاب به في اكتتاب عام.  وفي حالة بقاء اسهم غير مكتتب بها فان الجهات المذكورة في الفقرة الاولى تلتزم بالاكتتاب بها بنفس النسبة.  وتطبق نفس النسبة في حالة زيادة رأسمال الشركة.

2- يعتبر معدلا كل نصّ يخالف احكام هذه المادة في قوانين وانظمة تأسيس المؤسسات والمصالح والمصارف وشبه الرسمية وذلك لغرض تطبيق احكام هذا القانون.[6]

 

وقبل عدة عقود كتب أحد الكتاب ما يلي حول هذه المادة:

 

نصت المادة الرابعة من قانون تأسيس هذ الشركة على أن تساهم الحكومة والمصالح والمؤسسات والمصارف الرسمية وشبه الرسمية بنسبة ستين بالمائة من رأس المال ويطرح الباقي للاكتتاب في القطاع الخاص. ... وبعد طرح الأسهم للاكتتاب، لم يكتب من القطاع الخاص سوى 9% فقط ساهم بمعظم هذه النسبة بعض شركات التأمين العاملة في العراق.[7]

 

ليس معروفًا أسماء الأطراف التي شاركت في رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية عند تأسيس الشركة (1960).  لقد بحثت في مكتبتي الصغيرة عن التأمين في العراق ولم أستطع الحصول على أسماء الأطراف المساهمة في رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية وقت تأسيسها عام 1960.  وبحثت أيضاً في الشبكة العنكبوتية وسألت بعض الزملاء القريبين من الشركة لكنني لم أحصل على ما هو مبتغى.  يؤشر هذا على فقر المعلومات الخاصة بتاريخ التأمين في العراق.

 

نظام المصرف الصناعي رقم 41 لسنة 1947 ومتطلبات التأمين

 

نقرأ في ص 6-7 المادة الحادية عشرة التي تنص على الآتي:

 

إذا قرر المجلس قبول مال منقول أو غير منقول تأمينا لديه وكان ذلك المال معرضا لخطر الحريق فيجب أن يؤمن عليه في إحدى شركات الضمان (السكورتا)[8] التي يعتمد عليها المصرف ويكلف صاحب المال اما بإجراء معاملة التأمين بذاته وعلى نفقته وتحويل مستند التأمين (البوليسة) لأمر المصرف واما بتخويل المصرف اجراء معاملة التأمين على أن يدفع صاحب المال النفقات الضرورية لها.

 

يفهم من هذه المادة أن المصرف قد يطلب تأمينًا (ضمانًا) لما يقدمه من تسليف أو إقراض لأصحاب المشاريع الصناعية.  وقد يكون هذا المال منقولاً (قابلاً للنقل دون فقدان صورته الأصليّة كالمجوهرات الذهبيّة) أو غير منقول (كالأبنية والعقارات، المعدات وأدوات العمل، المعادن قبل أو بعد الاستخراج، المزارع، المخزون).

 

إذا كانت هذه الأموال مُعرّضة لخطر الحريق يجب التأمين عليها من هذا الخطر (لا يرد ذكر لأخطار أخرى كالسرقة أو أخطار الطبيعة كالفيضانات وهي أخطار يمكن أن تتعرض لها المجوهرات).  ويجب إجراء التأمين مع شركة تأمين معتمدة لدى المصرف من قبل صاحب المال وعلى نفقته مع تسمية المصرف كمستفيد من غطاء وثيقة التأمين (وهو المعني بتحويل assignment مستند التأمين (البوليسة/وثيقة التأمين) لأمر المصرف.  أو يتولى المصرف بنفسه إجراء التأمين على أن يتحمل صاحب المال النفقات الضرورية لمعاملة التأمين (مصاريف الكشف على المال، مصاريف تخمين قيمته، وقسط التأمين).  وتؤكد المادة الرابعة عشر من نظام المصرف تحميل المقترض بأعباء "جميع ما يُصرف لإجراء معاملة التأمين والرهن كنفقات الكشف وأجور المخمنين وأجرة خزن المنتوجات وتحرير العقود وتسجيلها وأجور الضمان ..."  ويجري التأكيد على هذا الشرط في المادتين التاليتين (ص 34):

 

المادة السادسة والعشرون – اذا بيعت المنتوجات المصدرة بشرط قبض ثمنها من المشتري عند تسلمها فللمصرف أن يسلف أصحابها مبلغ لا يزيد عن 70 بالمائة من ثمن بيعها في محل تسليمها عند أخذه بوليسة الشحن والتأمين (السيكورتا) محولتين لأمره على أن يدفع صاحب المنتوجات نفقات الشحن والتأمين مقدما.

 

المادة السابعة والعشرون – يستوفي المصرف عمولة عن توسطه في التصدير يتفق عليها مع أصحاب المنتوجات تضاف إليها فائدة المبالغ المسلفة ونفقات الشحن والتأمين والمخابرات البريدية والبرقية والتلفونية عند الحاجة.

 

ونقرا في المادة الثانية عشرة (ص 7):

 

إذا تبين للمصرف أن الأموال المنقولة المرهونة لديه معرضة لخطر التلف ينذر المدين بأن يتخذ التدابير المانعة لوقوع الخطر في مدة لا تتجاوز خمسة أيام وعند عدم إجراء المدين الاحتياطات التي تدرأ الخطر فللمصرف ان يتخذ ما يراه مناسبا من التدابير على نفة المدين وان كان خطر التلف لا يمكن الحيلولة دونه فللمصرف بقرار من المجلس ان يبيع الأموال المرهونة فورا بعد الانذار.

 

الأموال المنقولة المرهونة هنا تضم الأموال المنقولة المقدمة كضمانة للمصرف لأغراض الحصول على التسليف أو الإقراض.  ويتعين على المستلف أو المقترض اتخاذ التدابير المانعة لوقوع خطرَ تلفٍ (ضرر) تتعرض لها الأموال المنقولة خلال مدة لا تتجاوز خمسة أيام.  الاشتراط هنا هو على اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الخطر وليس التأمين منه لأنه من المفترض، عادة، أن تكون الأموال المنقولة سليمة وصالحة للاستعمال كي تكون قابلة للتأمين.

 

كيف يتسنى للمصرف معرفة إمكانية تعرّض المال المنقول إلى خطر التلف؟  تنشأ هذه المعرفة، وارتباطًا بالمادة الحادية عشرة، بفضل معاملة إجراء التأمين التي تشمل الكشف الموقعي على الأموال للتعرف على سلامتها من أخطار محتملة يمكن أن تتسب في تضررها (انهيارها).  على سبيل المثل، احتمال التعرض لخطر الفيضان، أو ضعف في الدعامات/الجدران الساندة التي إن ظلت دون تدابير مانعة لتحقق الخطر فغياب التدابير قد يؤدي إلى انهيار البنيان.  أي إن المطلوب هو اتباع إجراءات إدارة الخطر: تشخيص مصدر الخطر، احتمال تحققه وما يترتب عليه من ضرر، واتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون تحقق الخطر أو تحويل آثار الخطر إلى طرف آخر (شركة التأمين) في حال عدم كفاية الإجراءات الوقائية بحد ذاتها.

 

وكما بالنسبة للتأمين من خطر الحريق وعند عدم إتخاذ المدين الاحتياطات التي تدرأ الخطر فللمصرف ان يتخذ ما يراه مناسبًا من التدابير على نفقة المدين.  وإذا كان خطر التلف لا يمكن الحيلولة دونه فللمصرف بقرار من المجلس (مجلس إدارة المصرف الصناعي) ان يبيع الأموال المرهونة فورًا بعد انذار المقترض (وذلك لضمان حصول المصرف على ما يعوضه عن خسارة عدم استرداد القرض من المقترض).

 

آمل أن تثير هذ الورقة القصيرة اهتمام المعنيين بتاريخ التأمين في العراق لبحث موضوع التأمين في المؤسسات المصرفية والصناعية والتجارية وغيرها من الكيانات الاقتصادية وغير الاقتصادية فمثل هذا البحث سيعرفنا على مدى انتشار التأمين في قطاعات الاقتصاد العراقي.

24 كانون الثاني/يناير 2024


[1] من خلال بحث سريع في الشبكة العنكبوتية استهدينا إلى بعض الدراسات الأكاديمية لكنها غير ذي صلة بموضوع مقالنا.  أنظر على سبيل المثل: دینا طالب وعبید خیون الخفاجي، "دور المصرف الصناعي العراقي في تطویر القطاع الصناعي المختلط،" مجلة دراسات محاسبیة و مالیة،  المجلد الثامن، العدد ٢٤، الفصل الثالث، ٢٠١٣.  jpgiafs,+(9)د.عبيد (1).pdf

 

كما أن هناك عدد من بحوث الدبلوم العالي في التأمين، المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية، جامعة بغداد، وهي أيضًا غير ذي صلة، تدرس مكانة التأمين وإدارة الخطر في بعض المنشآت العامة ومنها:

 

مهدي صالح حميد علي، دور وأهمية التأمين في المنشأة العامة للصناعات الكهربائية (1979)،

عذراء عبد الهادي، تقييم مخاطر أنشطة الشركة العامة للصناعات الجلدية في ظل ظروف السوق المحلية (2016)

أسيل مهدي صالح، تقييم إدارة الخطر في الشركة العامة للصناعات الميكانيكية باعتماد المواصفات (2017)

 

[2] أشكر الدكتور محمود علي كمال على إرسال نسخة مصورة من هذا الكراس وإشارته إلى أنه يضم فقرات لها علاقة بالتأمين.

 

الكراس مصور كملف بي دي إف، أصله كان محفوظًا في مكتبة جامعة برنستون في الولايات المتحدة Princeton University Library

 

يمكن قراءة الكراس بالنقر على هذا الرابط:

https://jpgiafs.uobaghdad.edu.iq/index.php/JAFS/article/download/587/365/744

 

[3] للتعريف بدور المستشارين البريطانيين في الوزارات العراقية وبعض مؤسسات الدولة أنظر:

Joseph Sassoon, Economic Policy in Iraq, 1932-1950 (London: Frank Cass, 1987), pp 21-28.

https://books.google.co.uk/books/about/Economic_Policy_in_Iraq_1932_1950.html?id=W7k9d0nZPqQC&redir_esc=y

نتمنى على الباحثين الشباب دراسة وتقييم دور المستشارين الأجانب الذين عملوا في العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي (2003).

[4] Joseph Sassoon, op cit, p 25.

[5] مساهمة البنك الصناعي في تأسيس مشاريع صناعية، أو الاشتراك بأسهمها، أو التسليف أو الإقراض موضوع يحتاج إلى بحث تاريخي-اقتصادي هو خارج قدراتنا.

 

[6] مجلس القضاء الأعلى، قاعدة التشريعات العراقية: https://iraqld.e-sjc-services.iq/LoadLawBook.aspx?page=1&SC=&BookID=3586

 

[7] كاظم الشربتي، التأمين نظرية وتطبيق (بغداد: مطبعة الإرشاد، الطبعة الخامسة، 1974.  صدرت الطبعة الأولى عام 1964)، ص 123-124.

 

فيما يلي نص المادة الرابعة من قانون تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية رقم 21 لسنة 1960 شركة مساهمة (مجلس القضاء الأعلى، قاعدة التشريعات العراقية):

 

"1- للجهات التالية ان تساهم في رأسمال الشركة بالنسبة المبينة ازائها:

ا‌- الحكومة والمصالح والمؤسسات والمصـارف الرسمية وشبه الرسمية بستين بالمئة.

ب‌- يطرح اربعون بالمائة من اسهم الشركة للاكتتاب به في اكتتاب عام.  وفي حالة بقاء اسهم غير مكتتب بها فان الجهات المذكورة في الفقرة الاولى تلتزم بالاكتتاب بها بنفس النسبة.  وتطبق نفس النسبة في حالة زيادة رأسمال الشركة.

2- يعتبر معدلا كل نصّ يخالف احكام هذه المادة في قوانين وانظمة تأسيس المؤسسات والمصالح والمصارف وشبه الرسمية وذلك لغرض تطبيق احكام هذا القانون."

https://iraqld.e-sjc-services.iq/LoadLawBook.aspx?page=1&SC=&BookID=3586

 

[8] (السكورتا) وتكتب أيضًا (السيكورتاه) بمعنى التأمين، وكانت شائعة الاستعمال قبل 1950.  وهناك قانون يحمل عنوان قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) العثماني لسنة 1905، ويشكّل جزءًا من تاريخ التشريع في العراق.  أنظر مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 28-38.

 

كلمة (البوليسة) أو (البوليصة) policy هي الأخرى كانت شائعة، وحتى اليوم فإن بعض الكتاب، وخاصة في لبنان، يميل إلى استخدام (البوليصة) بدلاً من وثيقة التأمين.

Ministry of Planning & Government Contracting Consulting Guide: Ambiguous Positions

 

وزارة التخطيط والتأمين والدليل الإرشادي للاستشارات التعاقدية الحكومية: مواقف ملتبسة

 مصباح كمال

نشر أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال: دفاعًا عن ديوان التأمين – شبكة الاقتصاديين العراقيينمصباح-كمال...-وزارة-التخطيط-والتأمين-والدليل-الإرشادي-للاستشارات-التعاقدية-الحكومية-مواقف-مل.pdf

وزارة التخطيط و التأمين و الدليل الارشادي للاستشارات التعاقدية الحكومية: مواقف ملتبسة – شبكة الاقتصاديين العراقيين

مدخل: حول غياب الاهتمام بالتأمين وإدارة الخطر في الوزارات العراقية

 

لا يُعرف عن الوزارات العراقية اهتمامها بالتأمين باستثناء وزارة المالية بحكم مسؤوليتها القانونية،[1] إذ أن تشكيلاتها تضم في الوقت الحاضر (أيلول 2024) ثلاث شركات عامة هي شركة التأمين الوطنية (1950) وشركة التأمين العراقية (1959) وشركة إعادة التأمين العراقية (1960) إضافة إلى ديوان التأمين (2005). وكذلك استثناء وزارة التخطيط التي اختصت منذ سبعينيات القرن الماضي بشروط المقاولة للأعمال الهندسية[2] وترد فيها شروط خاصة بالتأمين على المشاريع الإنشائية والمسؤولية المدنية التي قد تنشأ من تنفيذ الأعمال.

 

لا يوجد حسب علمنا دائرة متخصصة بإدارة الخطر والتأمين في الوزارات العراقية والتشكيلات التابعة لها. كمثال، قبل عقد كتبنا التالي عن وزارة النفط:

 

غياب قسم متخصص للتأمين وإدارة الخطر insurance and risk management department يعكس خللاً في تصور الأخطار الاحتمالية، الطبيعية والبشرية، التي قد تتعرض لها المنشآت النفطية.  قطاع النفط العراقي الوطني متخلف، من هذه الناحية، مع ما يماثله في البلدان المتقدمة وبعض البلدان العربية المنتجة للنفط.  والبون شاسع، تأمينياً، بين العراق وهذه البلدان. وحسب علمنا، ليس هناك حالياً خطط لتأسيس مثل هذا القسم المتخصص، ولم يُطرح الموضوع للنقاش داخل الوزارة أو خارجها، ولم تتقدم شركة/شركات التأمين العراقية المؤمِنة على بعض منشآت الوزارة باقتراح لتأسيس مثل هذا القسم المتخصص.[3]

 

في تقديرنا إن هذا الوضع لم يتغير في وزارة النفط أو في الوزارات الأخرى أو في أي من المنشآت التابعة لها.[4]  بعد سنتين من نشر كتاب وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية نشرنا مقالنا "مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية وغياب التأمين في التشكيلات الإدارية للشركة،" لنؤكد مرة أخرى مسألة غياب التأمين في تفكير الحكومة العراقية.[5] وقد ثبتنا نفس الموقف تجاه مشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية.[6]

 

وليس معروفًا لنا إن كان غياب إدارة الخطر يجد بديلًا له، ولو هزيلًا، في نظام التدقيق الداخلي/الرقابة الداخلية للسيطرة على المخاطر التشغيلية، فهو يمكن أن يكون أداة لتحسين كفاءة المنشآت والمؤسسات من خلال تحسين التحكم في المخاطر.

 

مما يحُّز في النفس أن العراق القديم شهد الإرهاصات الأولى لبعض ملامح إدارة الخطر والتأمين، لكن شيئًا منها لم يرشح في وجدان أصحاب الشأن والقرار في العراق المعاصر.[7]

 

وكنت قد دعوت في مقال لي إلى "تأسيس أقسام متخصصة للتأمين وإدارة الخطر في الشركات الصناعية الكبيرة، العامة والخاصة، والمحافظات والوزارات."[8]

 

وزير سابق للتخطيط والنظرة الدونية لقطاع التأمين العراقي

 

بتاريخ 19 كانون الثاني 2009 نقلت إحدى المواقع الإخبارية تصريحًا لوزير التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي آنذاك علي غالب بابان، جاء فيه أن

 

"الفساد والبيروقراطية وعدم وجود شركات التأمين وعدم الاطمئنان من الوضع الأمني كل هذه الأسباب تجعل المستثمر يتردد في المجيء للبلد" حسب قوله." ( نيوزماتيك/بغداد، 19/1/2009) (التأكيد من عندي)

 

على إثر هذا التصريح بعدم وجود شركات للتأمين في العراق كتبنا رسالة إلى جمعية التأمين العراقية للعمل على وقف الإساءة لقطاع التأمين العراقي.

 

وقبل ذلك كانت وزارة التخطيط قد أصدرت تعليمات سنة 2008 تسمح بالاستيراد وفق شروط تتيح للمجهز التأمين على البضائع خارج العراق، وهو يعكس تجاوز الجهد الوطني في مجال التأمين.[9]

 

وكان لوزارة التخطيط مواقف مماثلة في وقت لاحق كانت موضوعًا لمقال لنا نقتبس بعض ما جاء فيه:

 

نقرأ في الصحف العراقية أخباراً عن التفريغ اليومي للبضائع المستوردة من السفن في الموانئ العراقية، وإرساء عقود المشاريع على شركات وطنية وأجنبية وبأقيام عالية جداً لكننا قلما نقرأ عن تأمين هذه البضائع الداخلة إلى العراق أو المشاريع الإنشائية وغيرها من الأصول والمصالح والمسؤوليات القانونية التي تنشأ منها.

 

غياب التأمين يعني ببساطة غياب أقساط التأمين التي كان من الممكن أن تستفيد منها شركات التأمين العراقية لو قامت بالتأمين على هذه البضائع والمشاريع والمصالح والمسؤوليات.  التأمين المسكوت عنه هو بمثابة السر المفضوح لكن أحداً من المسؤولين لم يُعره ما يستحق من انتباه.  السيد وزير التخطيط زعم مرة عدم وجود شركات للتأمين في العراق. ودعا في وقت لاحق إلى تأسيس شركات للتأمين.[10]

 

في وقت لاحق تناولنا موقف وزير التخطيط السابق المرحوم مهدي حافظ من التأمين كشف فيه فهمًا محدودًا لقطاع التأمين العراقي، وهو ما ناقشناه في مقال بعنوان "قطاع التأمين العراقي: مناقشة لتقرير البنك الدولي ورأي الدكتور مهدي حافظ."[11]

 

إن ما عرضناه هنا يظل ناقصًا ما لم يتم الرجوع إلى مواقف وتصريحات صادرة من وزير التخطط أو وزارة التخطيط، وهو ليس متوفرًا لنا.

 

شروط المقاولات الإنشائية في العراق

 

ليس لدينا معرفة بتاريخ شروط المقاولات الإنشائية في العراق. ربما يجد هذا التاريخ بعض جذوره في المبادرات الفردية في تنظيم العمل الهندسي. ولنا هنا أن نشير إلى ما كتبه رفعة الجادرجي أن نيازي داود فتو (1909-1976) كان "أول مهندس عراقي أسس مكتباً هندسياً منتظماً، بأسلوب مهني معتبر.  كان الرجل دقيقاً ومهنياً في أسلوب العمل والمراجعة والمراسلة وحفظ الأوراق والجداول التقنية والتجارية، وكذلك في التتبع العلمي عن طريق الكتب والمجلات، وفي تهيئة المواصفات وشروط التعهد.  وكل هذا بأسلوب لما يزل بسيطاً وبدائياً ولكن يتسم بروح الإخلاص والاتقان."[12] (التأكيد من عندي).

 

ونعرف أن الهيئة التوجيهية في وزارة التخطيط أصدرت قرارًا يحمل الرقم 4 في 23/11/1971 ضمَّ ضوابط لتوفير الحماية التأمينية للمشاريع الإنشائية الحكومية وأوصت بما يلي:

 

1.  اعتماد النص الموحد لشروط التأمين في كافة عقود المقاولات الهندسية المدنية التي تنفذ لصالح القطاع العام.

 

2.  عدم توقيع العقد مع المقاول (خاص أو عام) بعد الإحالة ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز.

 

3.  عدم صرف أية سلف أو مستحقات مالية إلى المقاول ما لم يقدم وثيقة التأمين المطلوبة. ويكون المدير المالي أو المحاسب مسؤولاً خلاف ذلك.[13]

 

لقد جاء القرار بصيغة "توصيات" إلا أن هذه التوصيات تحوّلت إلى توجيهات مُلزمة بفعل الممارسة حتى أن المقاول، العراقي أو الأجنبي، الذي كان يتغاضى عن التأمين يضطر في نهاية الأمر إلى اللجوء إلى شركة التأمين (شركة التأمين الوطنية) لاستصدار ما كان يعرف بأجر المثل كي يستطيع تسوية وغلق حساباته مع رب العمل (صاحب المشروع) واستلام مستحقاته منه.[14]

 

تبع ذلك إصدار وزارة التخطيط للشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية والكهربائية والميكانيكية والكيمياوية سنة 1972. وكانت هذه الشروط تستند إلى شروط الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين فيديك (FIDIC) المعروفة بالكتاب الأحمر. وتم تعديلها سنة 1987.[15] وفي نفس السنة أصدرت الوزارة شروط المقاولة لأعمال الهندسة الكهربائية والميكانيكية والكيماوية، وهو يستند على الكتاب الأصفر لفيديك.

 

بعد سنوات قليلة من إصدار الشروط العامة تم إطلاق ما سُمي بالخطة الانفجارية (الخطة الخمسية للسنوات 1976-1980).  ورغم المآخذ العديدة[16] على هذه الخطة التي اعتمدت مبدأ حرق المراحل في التنمية الاقتصادية فإن المشاريع التي تضمنتها كانت مصدرًا مهمًا للتأمين الهندسي من قبل شركات المقاولات العراقية والأجنبية مع شركة التأمين الوطنية (وكانت الشركة الوحيدة المتخصصة بمزاولة التأمينات العامة).

 

بتاريخ 1 كانون الثاني 2005 أقدمت الوزارة على إعادة إصدار جديد للشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية، الجزء الاول والثاني.[17]  وتُفصّل المادة الحادية والعشرون: التأمين على "الأعمال" وغيرها، والمادة الثالثة والعشرون: التأمين على المسئولية عن الغير.[18]

 

وزارة التخطيط والدليل الإرشادي للاستشارات التعاقدية الحكومية والموقف من التأمين[19]

 

يهدف هذا الدليل الإرشادي الذي أعدته دائرة العقود الحكومية العامة في وزارة التخطيط بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID (2018)، كما جاء في المقدمة إلى "توفير المعلومات التعاقدية بسهولة وشفافية لكلا القطاعين العام والخاص" لضمان "توحيد كافة الاستشارات الصادرة عن الدائرة لعامي 2017 و2018." (ص 3، 4)

 

يتوزع محتوى الدليل على الموضوعات التالية:

 

1.  الاستشارات الخاصة بتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنـــــــة 2014 والضوابط الملحقة بها (ص 6-35)

2.    الاستشــــارات الخاصة بالوثائق القياسيـــــة (التخصصية وغيـــر التخصصية) (ص 36-50)

3.  الاستشارات الخاصة بالتعليق والرفع والادراج من القائمة السوداء وقائمـة الشركات المتلكئة (ص 51-53)

الملاحق/الإعمامات المشار اليها في الاستفسارات

 

وما يهمنا لأغراض هذه الورقة هو الإجابات المتعلقة بالاستفسارات التأمينية، وهي مجدولة في الدليل: حقل للاستفسارات يقابله حقل للأجوبة.

 

ترد الإشارات إلى التأمين تحت باب الاستشــــارات الخاصة بالوثائق القياسيـــــة (التخصصية وغيـــر التخصصية) (ص 36-50)، نقتبسها فيما يلي وفق تسلسلها ورقم الصفحة التي وردت فيها متبوعة بتعليقاتنا.

 

 

 

صفحة 38

تسلسل

الاستفسار

الإجابة

11

مصادقة الوثائق القياسية الخاصة بالمناقصين مثل (شهادة التأمين، شهادة المنشأ، السلامة والبيئة) والتأكد من صحة صدورها؟

تضمنت الفقرة (13/1) من الشروط العامة للعقد الوثائق المطلوبة من المجهز وتم عكسها في الشروط الخاصة وعلى جهة التعاقد ادخال اية وثائق تراها ضرورية ومطلوبة ليتم تقديمها من قبل المجهز وادخال اية معلومات تخص التأكد من صحة صدورها على ان تراعى جهة التعاقد السياقات الاصولية المعتمدة بهذا الشأن وما ورد في ضوابط تصديق الوثائق

 

هذه هي أول إشارة للتأمين في الدليل، اقتبسناها فقط من باب حصر عدد المرات التي يرد فيها ذكر مفردة التأمين. وهنا يأتي التأمين مرتبطًا بـ "شهادة التأمين" والتي يمكن أن تكون بصيغة مذكرة تغطية cover note صادرة من شركة تأمين أو وسيط تأمين، أو وثيقة تأمين كاملة. لا يرد هنا ما يفيد أن "شهادة التأمين" يجب أن تكون صادرة من شركة تأمين مسجلة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين. ولعل الإشارة إلى صحة صدور شهادة التأمين قد تدفع رب العمل/صاحب المشروع إلى إثارة السؤال حول الجهة المصدرة لشهادة/وثيقة التأمين.

 

صفحة 39

22

هل تخضع الية استدراج العروض لاستقدام شركات التأمين لغرض ابرام عقود التأمين لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة2014 والوثائق القياسية الصادرة؟

الاجابة على هذا الاستفسار يقتتضي [يقتضي] مراعاة ما يلي  أ – اذا كان عقد التامين اي ان طرفي عقد التأمين هما المؤمن [له] (المقاول) والمؤمن له  شركة التأمين) فان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 والوثائق القياسية لا تسري على هذا النوع من العقود .ب- اذا كان طرفي عقد التأمين هو الشركة العامة وشركة التأمين فان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 تسري على هذا العقد بكافة الاجراءات التعاقدية ويتم اعتماد الوثيقة القياسية الخاصة بعقود الخدمات غير الاستشارية.

 

سيلاحظ القارئ التصحيح الذي أدخلناه على هوية المؤمَن له (المقاول) والمؤمِن (شركة التأمين). ربما جاء الخلط في التشخيص سهوًا وكان بالإمكان تجنبه لو أخضع الدليل إلى مراجعة. صياغة هذه الإجابة ملتبسة. يتضح من الإجابة أن تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 لا تسري على عقد التأمين بين المقاول وشركة التأمين (وكان من المناسب التفريق ابتداءً بين العقود الحكومية وعقود القطاع الخاص المحلي والأجنبي) في حين أن التعليمات تسري على عقد التأمين بين شركة عامة [تابعة للدولة] وشركة التأمين.

 

صفحة 34

36

خامسا: ما هي المعلومات التي تخص التأمين والنسب الواجب وضعها لكل نوع من العمل؟

٥) فيما يخص الفقرة (خامساً) فبأمكانكم مفاتحة شركات التأمين لبيان النسب الواجب وضعها لكل نوع من العمل .

 

يتعجب القارئ المطلع على إثارة مثل هذا الاستفسار الذي يفتقر إلى تشخيص واضح لما هو مطلوب، فهو يعكس جهلًا أو معرفة ناقصة لدى المقاول الذي أثار الاستفسار. ربما كان هناك سياق للاستفسار لم يأتي الدليل على ذكره. نفترض أن "المعلومات" هنا لا تعني تلك التي تذكر في العقود الإنشائية فيما يخص وثائق التأمين التي يطلبها رب العمل وإنما المعلومات التي تطلبها شركة التأمين؛ لكن هذا اجتهاد في التأويل قد لا يكون صحيحًا. أما مسالة "النسب الواجب وضعها لكل نوع من العمل" فهي غير واضحة إلى حد أن الاجتهاد في التفسير يدخلنا في متاهة. ويبدو أن من كتب الدليل الإرشادي لم يستقصي من صاحب الاستفسار ما هو المطلوب من الاستفسار واكتفى بتوجيه صاحب الاستفسار إلى "مفاتحة شركات التأمين لبيان النسب الواجب وضعها لكل نوع من العمل."

 

ص 46

54

ما المقصود ببولصيات [ببوليصات] التأمين ووثائق التأمين؟ وكيف يتم ادخال الفترة المحددة لتأييد اجراء التأمين  بولصيات [بوليصات] التأمين؟ وعلى اية قاعدة بيانات نعتمد في تحديد:

-الحد الاعلى لمبلغ الخصم، وما هو الحد الاعلى.

-الحد الادنى لمبلغ التأمين عن مخاطر الطرف الثالث وما هي [هو] مبلغ التأمين؟

بولصيات [بوليصات] التأمين ووثائق التأمين وعلى اي قاعدة بيانات يعتمد والحد الاعلى لمبلغ الخصم فأنها (تحدد وفقا لقانون التأمين والضوابط والتعليمات الصادرة من قبل شركات التأمين).

 

إذا غضضنا النظر عن الأخطاء الإملائية فإننا نقف مشدوهين تجاه بؤس الفهم للتأمين بحيث أن صاحب الاستفسار يريد توضيحًا لبوليصات التأمين ووثائق التأمين وكأن هناك فرقًا بينهما.

 

ويريد صاحب الاستفسار أيضًا معرفة قاعدة بيانات مناسبة ليقوم بتحديد "الحد الأعلى لمبلغ الخصم" ويعيد السؤال: "وما هو الحد الاعلى [لهذا المبلغ]؟"  ليس هناك سياق لهذا السؤال ولهذا من الصعوبة معرفة ما يعنيه بـ"الحد الأعلى لمبلغ الخصم". ترى هل المعني بالسؤال هو الخسارة المهدرة deductible، وتُعرف أيضًا بالاستقطاع أو الفرنشيزة ( franchiseفي التأمين البحري) أو فقرة التحمل excess، وتنصبُّ على مبلغ محدد أو نسبة محددة يخصم من مبلغ التعويض يتحمله المؤمن له.

 

ثم يسأل عن "الحد الادنى لمبلغ التأمين عن مخاطر الطرف الثالث" ويعيد السؤال: "وما هي [هو] مبلغ التأمين". يعكس هذا الاستفسار الفقر في تقييم المخاطر المرتبطة بالمشروع الإنشائي، وجهل معرفي لدى بعض المقاولين المحليين المنتفعين من سلطة الدولة والأحزاب المحاصصية الحاكمة. ولا نستبعد أن يكونوا من أنصاف المتعلمين الطارئين على قطاع الإنشاءات (كما كان الحال في ظل النظام الدكتاتوري الذي كانت بعض دوائره ترسي المقاولات الإنشائية المدنية الصغيرة على أزلامه). هذا الوضع يتطلب تثقيفًا مستمرًا من شركات التأمين للمقاولين.

 

هناك اعتبارات عديدة تؤخذ بنظر الاعتبار لتقييم مخاطر الطرف الثالث التي قد تمتد آثارها على الإصابات البدنية، بما فيها الوفاة، والأضرار المادية لممتلكات الطرف الثالث، إضافة إلى الأضرار البيئية التي قد تنشأ من تنفيذ أعمال المشروع مما يتطلب ترتيبات تأمينية خاصة. من بين هذه الاعتبارات عدد الأطراف المشاركة في المشروع الإنشائي (المقاول الرئيسي، المقاول الثانوي أو المقاولون الثانويون، الموردون)، موقع المشروع، طبيعة المشروع (على سبيل المثل، هل المشروع هو توسيع لما هو قائم) وغيرها.[20]

 

من باب اللطف نقول إن إجابة كاتب الدليل الإرشادي ليست دقيقة فهو يقول إن "بولصيات [بوليصات] التأمين ووثائق التأمين وعلى اي قاعدة بيانات يعتمد والحد الاعلى لمبلغ الخصم فأنها (تحدد وفقا لقانون التأمين والضوابط والتعليمات الصادرة من قبل شركات التأمين)."  ففيما يخص قانون التأمين (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي لم يذكرها) فإنه لا يُحدد ما يسميه "الحد الأعلى لمبلغ الخصم."  إن العبارة لا ترد في القانون.

 

وفيما يخص شركات التأمين فلها ضوابط اكتتابية ومنها ما يتعلق باشتراط حد أدنى للخسارة المهدرة (هذا بافتراض أنها هي المقصودة في عبارة الحد الأعلى لمبلغ الخصم). وعلة هذا الاشتراط هو تجنب الشركة تحمُّل التكاليف الإدارية المترتبة على التعامل مع مطالبات التعويض الصغيرة، وكذلك كتحوط من الخطر أو المؤثر المعنوي moral hazard ودفع المؤمن له لاتخاذ إجراءات منع وقوع الحوادث.[21]

 

كان بإمكان كاتب الدليل الإرشادي إرشاد صاحب الاستفسار فيما يخص مبلغ "الحد الادنى لمبلغ التأمين عن مخاطر الطرف الثالث" إلى شروط المقاولة لأعمال الهندسة الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية الجزء الاول والثاني (الصادر في 1 كانون الثاني 2005) حيث نقرأ في المادة الثالثة والعشرون: التأمين على المسئولية عن الغير

 

1.     التامين على المسؤولية عن الغير

2.     الحد الأدنى لمبلغ التامين على المسؤولية عن التغير

يجب أن يتم مثل هذا التامين لدى شركه التامين الوطنية في العراق بموجب شروط يوافق عليها "صاحب العمل" وبمبلغ لا يقل عن المبلغ المدون في القسم الثاني من شروط المقاولة، وعلى "المقاول" أن يقدم "للمهندس" أو "ممثل المهندس" وثيقة أو وثائق التامين ووصولات دفع أقساط التأمين.[22]

 

تعليق عام

 

القاعدة العامة في وضع أي دليل، وخاصة الدليل الرسمي/الحكومي، هي ضمان الوضوح لتقليص مساحة سوء الفهم.  لكن الدليل الإرشادي لا يرقى إلى المستوى المتوقع منه كمستند (في مجال التأمين) ترجع إليه الأطراف المعنية بعقود الإنشاء. وهذا ما لمسناه في عرضنا لموضوع التأمين في الدليل، فهو فقير في الصياغة اللغوية ومفاهيم التأمين ويضم أخطاءً طباعية كان بالإمكان تجنبها لو أخضع الدليل لمراجعة فاحصة. ومن المستغرب أن لا تنتبه دائرة العقود الحكومية العامة في وزارة التخطيط والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (والتأمين ليس غريبًا على الوكالة الأمريكية وعلى برامجها) إلى اهمية خلو الدليل من هذه العيوب.

 

14 أيلول/سبتمبر 2024



[1] تغيرت تابعية هذه الشركات من وزارة الاقتصاد التي قُسّمت في أواسط سبعينيات القرن الماضي إلى وزارتين: وزارة التجارة الخارجية ووزارة التجارة الداخلية وألحق قطاع التأمين بالأخيرة. في العام 1977 تم دمج الوزارتين تحت اسم وزارة التجارة. وكان قطاع التأمين آنذاك يتشكل من الشركات الثلاث والمؤسسة العامة للتأمين.

 

ألغيت المؤسسة العامة للتأمين بـمـوجـب قـرار مـجـلـس قـيادة الـثـورة المنحل الـمـرقـم 193 في 4/1/1987 ونقلت حقـوقـهـا والتزاماتها إلى الشركات الـتـابـعـة لـهـا والـتـي ارتبطـت بمركز وزارة الـمالـيـة على ان تحـتـفـظ الشركات باستقلالهـا الـمـالـي والإداري وشخصيتها المعنوية ونقلت صلاحيات رئيس المؤسسـة العامـة للتأمين إلى المدراء العامين للشركات فـي كـل ما يـتـعـلـق بالأمور الإدارية والماليـة والفنيـة وحسـب مقتضيات العمل.

 

فؤاد عبد الله عزيز، "واقع التأمين في العراق: نبذة تاريخية، موقع History of Iraq، 29 آب 2008. https://iraqshistory.blogspot.com/2008/08/

 

[2] قد يكون هذا التاريخ غير صحيح ولذلك فإن دور وزارة التخطيط في هذا الجال يحتاج إلى تقصي.

 

[3] مصباح كمال، وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 11-12.

[4] نتمنى على القراء تصحيح معلوماتنا بهذا الشأن.

 

[7] مصباح كمال، "استدراك حول إدارة الخطر والأشكال الأولية لها في الحضارة السومرية،" الثقافة الجديدة، العد 438، تموز 2023، ص 43-49. نشر المقال فيما بعد في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.  راجع أيضًا: مصباح كمال، البحث في الأشكال الأولية للتأمين في العراق القديم ومباحث أخرى (مكتبة التأمين العراقي، 2023).  الكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: https://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2023/03/Early-Forms-of-Insurance-in-Iraq-draft.pdf

 

[8] مصباح كمال، "قطاع التأمين العراقي: قضايا ومقترحات للتطوير،" شبكة الاقتصاديين العراقيين، ص 20.  قطاع-التأمين-العراقي-قضايا-ومقترحات-مصباح-كمال.pdf (iraqieconomists.net)

أتمنى على القراء المهتمين توفير ما لديهم من معلومات حول تأسيس إدارات للخطر والتأمين في الوزارات والإدارات المحلية والشركات العامة والخاصة.

 

[9] للاطلاع على مزيد من التفاصيل راجع: مصباح كمال، "رسالة غير مكتملة إلى جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق: لنعمل على وقف الإساءة لقطاع التأمين العراقي،" مجلة التأمين العراقي: https://misbahkamal.blogspot.com/2009/01/blog-post_23.html

[10] مصباح كمال، "نزيف أقساط التأمين في العراق،" مجلة التأمين العراقي: https://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/blog-post_23.html

وكذلك فؤاد شمقار، "في الدفاع عن قطاع التأمين العراقي،" مجلة التأمين العراقي: https://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/1.html

 

[12] رفعة الحادرجي، الأخيضر والقصر البلوري: نشوء النظرية الجدلية في العمارة (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، ط 1، 1991)، ص 40. نأمل أن تستفز هذه الإشارة المقتضبة كاتبًا أو باحثًا للكشف عن تاريخ شروط المقاولات.

[13] مصباح كمال، دراسات حول قطاع التأمين العام في العراق (مكتبة التأمين العراقي، 2020)، ص 207.

 

[14] "وصل القبض بديلاً عن التأمين،" نشرت في المواقع التالية:

                 http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/02/receipt-voucher-or-insurance-policy.html

                http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/03/Misbah-Kamal-Avoiding-Construction-Project-Insurance.pdf

                http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/03/a-state-owned-company-not-insuring-its.html

 

[15] هذه المعلومات مقتبسة من موقع: https://www.facebook.com/iraqi.civil.eng/photos/a.321852241188710/1608335532540368/?type=3

للتعريف الموسع بالشروط القياسية الصادرة من فيديك FIDIC، التي يُشار إليها عادة بألوان أغلفتها، راجع: نائل بني، الأخطار والتأمين في صناعة الإنشاء، ترجمة تيسير التريكي ومصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف، 2017)، الفصل الثاني عشر، ص 551-582.  وللتعريف بما تعنيه ألوان أغلفة الشروط راجع الهامش 2، ص 552.

 

[16] صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني 1951-2006 (دمشق، بيروت، بغداد: دار المدى، 2009)، ص 200-2012.

صلاح حزام، "شيء عن الخطة الانفجارية في العراق،" موقع كتابات: https://kitabat.com/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/

 

[18] ربما تنهض المناسبة مستقبلًا لدراسة شروط التأمين هذه.

 

[19] العنوان التفصيلي للدليل هو "الدليل الإرشادي للاستشارات التعاقدية الحكومية في مجال تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2)  لسنة 2014 والضوابط الملحقة بها والوثائق القياسية وآلية الأدراج في القائمة السوداء وقائمة الشركات المتلكئة 2018 – 2017" ويمكن قراءة نص الدليل بالنقر على هذا الرابط: https://mop.gov.iq/wp-content/uploads/2024/01/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-2017-%D9%88%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-2018.pdf

 

أشكر الدكتور همام مسكوني على تعريفي بهذا الدليل عند مراجعته لمقالي "وقفة مع جدول تسعير أخطار التأمين الهندسي،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: مصباح-كمال...-وقفة-مع-جدول-تسعير-أخطار-التأمين-الهندسي.pdf (iraqieconomists.net)

 

[20] لمعرفة المزيد راجع: The Insurance Institute of London, Report of Advanced Study Group 208B, Construction Insurance, (London, The Institute, 1999), p 15-16.. ويضم الكتاب عروض تفصيلية للمسؤولية المدنية المرتبطة بتنفيذ مشاريع تشييد الجسور، محطات توليد الكهرباء، بناء السدود.

 

[21] راجع فصل "محاولة للتفسير الاقتصادي للخسارة المهدرة التي تفرضها شركات التأمين" في مصباح كمال، التأمين: مقتربات تاريخية واقتصادية ومعاصرة، (بيروت: منتدى المعارف، 2022)، ص 139-142.  نشر أصلًا كتعليق في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

د. سناء عبد القادر مصطفى: ما هي ســـبل نجاح الاســـتثمار في المشاريع الصغرى والمتوسطة في العراق؟ مشروع دراسة – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)