دفاعًا عن
ديوان التأمين
مصباح
كمال: دفاعًا عن ديوان التأمين – شبكة الاقتصاديين العراقيين
مصباح-كمال...-دفاعًا-عن-ديوان-التأمين.pdf
أرسل
لي أحد الزملاء مادة منشورة في أحد المواقع الإلكترونية كرسالة موجهة إلى رئيس
الوزراء ورئيس لجنة مكافحة الفساد ورئيس هيئة النزاهة، مكتوبة بصياغة ضعيفة وبسخرية
وتهويل (’فساد ... هي أكبر مصيبة في القرن‘) وعداء لرئيسة الديوان وكالةً (كاتب الرسالة
يكشف عن ضحالة علمه لا بل جهله إذ يسمي الديوان "شركة"!)، ويبدو لي أن
كاتب هذه الرسالة يبغي الإساءة والطعن بشخص الآنسة إسراء صالح داؤد وبعمل ديوان
التأمين.[1]
استفسرت
من أحد زملاء المهنة في العراق حول خلفية هذه الرسالة فكتب لي الآتي:
في الفترة السابقة أصبح ديوان التأمين مثل (نكرة
السلمان) لوزارة المالية حيث يتم نقل المعاقبين إلى ديوان التأمين رغم أن بعض
هؤلاء قد تصل درجة وظيفته الى معاون مدير عام.
هؤلاء الاشخاص بدأوا بسرقة بعض الملفات من القسم القانوني ونشرها على صفحات
الفيسبوك والتك توك وتناولها أحد الاعلاميين الانتهازيين ونشرها بإحدى القنوات الفضائية.
من خلال قراءة ما تم نشره يتضح أن الناشر
ينقل بدون أن يفهم أو يعرف ما الذي ينقله، مجرد المحاولة بالطعن بالسيدة اسراء
رئيسة الديوان.
كتبتُ في الماضي انه من المحزن أن الصحافة
التأمينية في العراق تعاني، بشكل عام، من ضعف في فهم مؤسسة التأمين، وعدم قدرة على
فهم تفاصيل العملية التأمينية، وقد كانت لي إشارات بهذا الشأن.[2] ويمتد هذا أحيانًا إلى بعض العاملين في قطاع
التأمين وحتى من يحتل منهم مواقع تنفيذية مهمة في الشركات التي يعملون فيها. باستثناء بعض الحالات فإن التغطية الإعلامية
لنشاط قطاع التأمين في العراق لم يتحسن كثيرًا حتى الآن.
إن ديوان التأمين هو
الأقدر على الرد على هذه الرسالة الفجة التي تفتقر إلى قواعد التخاطب السليم. ومن المؤسف أن العراق صار يشهد المزيد من هذا
النمط في الخطاب كما بانَ خلال الأشهر القليلة الماضية في بذاءة التعامل مع
المعارضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وهو خطاب يقوم على
الاستهانة بالمرأة وقدراتها في التفكير وفي العمل وإدارة الشؤون العامة، والانحطاط
الفكري بشكل عام.
في هذا التعليق القصير اكتفي
بالكتابة عما هو مسكوت عنه وهو غياب سياسة سليمة للاستخدام لدى وزارة المالية. فالوزارة تنظر إلى المؤسسات التأمينية التابعة
لها (ديوان التأمين، شركة إعادة التأمين العراقية، شركة التأمين الوطنية، شركة
التأمين العراقية) كمكبات للتخلص من بعض الموظفين "المعاقبين" في مؤسسات
أخرى تابعة لها (مثل الهيئة العامة الضرائب والهيئة العامة الكمارك)، وهو موضوع
كتبت عنه أكثر من مرة. إن هذه السياسة وما
يرشح منها من كتابات، كهذه الرسالة القبيحة، تسيء لقطاع التأمين بشكل عام لأنها
تخلق انطباعًا سلبيًا عن القطاع.
إن ديوان التأمين لم يكن
وحده الذي تأثر بتبعات سياسة التعيينات في دوائر وزارة المالية، فشركات إعادة التأمين
العراقية والتأمين الوطنية والتأمين العراقية هي الأخرى عانت من هذه السياسة،
لاسيما في تعيين رؤساء الشركة. إن شركات
التأمين، وكذلك ديوان التأمين، هي مؤسسات لا يستقيم عملها مع التوجهات والتدخلات
السياسية والحزبية والطائفية. وكما كتبت
قبل سنوات فإن تقليص استقلالية هذه المؤسسات، مالياً وإدارياً، يضعف من كفاءتها في
الأداء والتطوير، وهو ما يشهد عليه حال العديد من شركات القطاع العام. ومن المفترض أن وزارة المالية تعرف بأن ديوان
التأمين مؤسسة رقابية عامة يجب أن لا تضم كوادرها وموظفيها من كان موضوعًا
للمساءلة والعقوبة في الهيئات الأخرى للوزارة.
إن من كتب الرسالة يجهل
أن ديوان التأمين لا يتمتع بالاستقلالية ولهذا فإن التعيينات في الديوان تخضع
لأهواء من يحتل موقع وزير المالية. ولمن
يرغب بالتعرف على بعض تفاصيل التعيينات التي أقدمت عليها وزارة المالية في مؤسسات
التأمين العائدة لها يمكن مراجعة بعض مقالاتي ومنها "رسالة استقالة وزير المالية وسياسة الاستخدام في
الوزارة - تعيين مدراء شركات التأمين العامة نموذجاً" وكذلك "هل لحكومة
السوداني موقف من قطاع التأمين: تأملات في بنيان منخور." [3]
كما
أن اعتداء من كتب الرسالة على شخص رئيس ديوان التأمين وكالة الآنسة إسراء صالح
داؤد يكشف عن جهله بخلفيتها القانونية وسيرتها الوظيفية التي بدأتها بالعمل في
شركة التأمين الوطنية (نينوى وبعدها بغداد) قبل أن تتولى رئاسة الديوان. ويكشف أيضًا عن جهل بالأعمال التي قامت بها في
تطبيق القواعد الرقابية المتاحة بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005،
والعمل المستمر على إكمال التعليمات المطلوبة بموجب هذا القانون. ويجهل كاتب
الرسالة أن "اعطاء موافقات واجازات لشركات [تأمين] وهمية ... من قبل مديرة
الشركة" [رئيسة ديوان التأمين وكالة] اسراء صالح داؤد لا يخضع للأهواء أو
المصالح الشخصية إذ أن منح إجازة مزاولة النشاط التأميني يتم وفق الأحكام الواردة
في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.
إن
المناخ العام و"الفلسفة الاقتصادية" للاقتصاد الحر، التي تم إطلاقها مع
الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 ويجري العمل على ترويجها، يكاد أن يكبّل قدرة
ديوان التأمين على رفض طلبات إجازة شركات تأمين جديدة خاصة وأن سوق التأمين
العراقي صار يعاني من تخمة في عدد شركات التأمين.
ذكرت
في مقابلة صحفية مع السيد مصطفى الهاشمي[4] (مجلة
الشبكة العراقية، أيار 2024) عبر تبادل الرسائل الإلكترونية أن هناك ما يقرب من
أربعين شركة تأمين في العراق لكن معظمها تفتقر للموارد المالية والفنية الكافية
فهي، كما يصفها بعض العاملين في القطاع، ليست إلا "دكاكين" لبيع المُنتج
التأميني لعدد محدود من طالبي التأمين. ويشكك
البعض الآخر بمصادر تمويل رأسمالها، وحتى الغرض من تأسيسها إذ أنها قد لا تكون غير
واجهات لغسل الأموال. وهذه تهم كبيرة لم
تخضع للتحقيق، ولا يُعرف عن ديوان التأمين أنه يتحقق من هوية مؤسسي شركات التأمين
الخاصة، ومصادر رأسمال هذه الشركات، وكفاية مؤهلات مجالس إدارتها (هذا إن كان هناك
مجالس إدارة حقيقية)، وكفاية مؤهلات الطاقم الفني للعاملين فيها، في حال وجود مثل
هذا الطاقم.
إن
ديوان التأمين ليس محصنًا من الضغوط الخارجية، ضغوط أصحاب السلطة والمقربين منهم
التابعين للمؤسسات الطائفية الحاكمة، التي تدفع باتجاه تأسيس شركات تأمين جديدة
(مصادر تمويلها مشكوك فيها) وتعمل على استحصال إجازة مزاولة المهنة من
الديوان. مع هذا، وحسب ما يردنا من
معلومات، فإن ديوان التأمين يعمل جهده على تطبيق أحكام القانون ذات العلاقة. في أوائل سنة 2023 تقدمت مجموعة من رجال
الأعمال بمشروع تأسيس شركة جديدة لإعادة التأمين لكن ديوان التأمين لم يرخص هذه
الشركة حسب المعلومات المتوافرة لدينا.
وهذا يشير إلى أن الديوان يتصرف بعقلانية ويجدّ في الحصول على الضروريات
الأساسية لمثل هذا المشروع قبل الإقدام على منح إجازة العمل.[5] كما أن هناك حالات عن تعليق إجازة ممارسة
المهنة لواحد أو أكثر من شركات التأمين الخاصة لعدم التزامها بأحكام قانون تنظيم
أعمال التأمين لسنة 2005 والتعليمات الصادرة بموجبها.[6] وفي ظني أن موضوع الرسالة ينصبُّ على تلك
الشركات التي حاول ديوان التأمين تعليق إجازتها لعدم امتثالها لأحكام قانون تنظيم
أعمال التأمين لسنة 2005. اسماء هذه
الشركات ليس معروفًة، ربما لأن ديوان التأمين وبسبب الضغوط المختلفة من
"المتحكمين" بالشأن العام لم يستطع تعليق إجازتها. هذا الوضع يعكس ضعف
دولة المؤسسات في العراق ولذلك فإن من يستحوذ على مصادر المال من أفراد الطبقة
الرأسمالية الهجينة المدعمة بالمليشيات الطائفية هو الذي يمتلك القرار الأخير في
إدارة الشؤون العامة، وله التأثير الأكبر على سير العمل الإداري. وديوان التأمين ليس بمأمن من هذا الوضع.
إن
نقد ديوان التأمين[7]
كمؤسسة عامة لا يكون من خلال التهجم على طاقم العاملين فيه. فترويج خبر/رسالة غير
موثقة (لا تضم الرسالة أية مستندات داعمة لما ورد فيها) والانتقاص من الأشخاص ليس
بديلًا عن فحص تاريخ الديوان ومن تولى رئاسته منذ تأسيسه سنة 2005 والكشف عن مكامن
القصور ليس فقط لدى الديوان بل وزارة المالية التي يتبعها. فعلى سبيل المثل، إن المادة 7 من قانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 تنص على الدرجة الخاصة لرئيس الديوان:
المادة -7-
أولا-
يدير الديوان رئيس بدرجة خاصة يعين بناء على اقتراح الوزير خلال مدة لا تتجاوز (30)
ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون، لمدة (4) أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة
واحدة فقط.
وهو ما لم يتحقق حتى الآن والسؤال الذي ينتظر
الإجابة منذ تأسيس الديوان سنة 2005 هو: لماذا؟ لكن الوزارة، وخاصة في ولاية وزيرة المالية
الحالية، تقوم بتدوير موظفين من مؤسسات تابعة لها إلى ديوان التأمين دون استشارة
الديوان للتأكد من حاجة الديوان لمثل هؤلاء الموظفين. يكشف هذا الوضع عن غياب استقلالية الديوان بسبب
التأثيرات السياسية (وزارة المالية). ترى
لِمَ لم تُناقش استقلالية الديوان عن وزارة المالية[8]
حتى الآن والتفكير، مثلًا، بربطه بالبنك المركزي العراقي باعتبار أن البنك يتمتع
بالاستقلالية بقوة القانون المؤسس له وهذه الاستقلالية ستنسحب على الديوان رغم أن
استقلالية البنك تعرضت في صيف 2012 لهزة قوية ظالمة في عهد رئيس مجلس الوزراء نوري
المالكي.
إذا كان كاتب الرسالة، أو من يقف وراءه، مهتمًا
حقًا بما أورده من معلومات غير موثقة فعليه تقصي أصولها لدى المصدر الأم (وزارة
المالية) وليس ديوان التأمين.
إن هذ الرسالة المنشورة في موقع إلكتروني فضلًا
عن إساءته لشخص رئيسة الديوان وكالة وعمل ديوان التأمين هو إساءة لقواعد العمل
الصحفي الصحيح.■
[1] رابط الرسالة بابل
الان (babilnow.com)
[2] على سبيل المثل:
▪
مصباح كمال، "جريدة العراق اليوم وشركة الحمراء
للتأمين: مثال آخر على الكتابة الصحفية عن التأمين،" مجلة التأمين العراقي:
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/11/blog-post_04.html
▪
مصباح
كمال، "التأمين في الصحافة العراقية وتضليل الفرد العادي: حالة التأمين
الإلزامي من حوادث السيارات،" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2013/02/press-misrepresentation-of-insurance.html
▪
صباح كمال، "عزت الشابندر
يتهم مدراء شركة التأمين الوطنية ورئيس ديوان التأمين بالفساد،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/07/عزت-الشابندر-يتهم-ديوان-التأمين-وشركة-التأمين-الوطنية-بالفساد-.pdf
[4] كان محررا للشؤون
الاقتصادية في جريدة الصباح، وهو من بين قلة من الصحفيين العراقيين المهتمين
بالشأن التأميني ويكتب عنه بحرص مستفيدًا من المعرفة التأمينية لدى الغير.
[5] للاطلاع على خلفية هذا
الموضوع وحججنا بشأنه راجع: مصباح-كمال-ملاحظات-حول-مشروع-تأسيس-شركة-جديدة-لإعادة-التأمين-في-العراق.pdf
[6] لم أطلع
على قرارات ديوان بهذا الشأن. ما أعرفه أن
تعليق إجازة شركة التأمين يكون لفترة محددة، ربما لحين تعديل الشركة المعنية
لأوضاعها، أو إخضاع الشركة لغرامات مالية وردت أحكامها في قانون تنظيم أعمال
التأمين لسنة 2005. ربما يتبرع ديوان
التأمين بالمعلومات المناسبة بهذا الشأن.
[7] كتبت غير مرة تقييمًا
ونقدًا لديوان التأمين جمعت بعضها في كتاب بعنوان ملاحظات حول الرقابة على قطاع
التأمين العراقي (مكتبة التأمين العراقي، 2021)، وبعضها الآخر منشور في موقع
شبكة الاقتصاديين العراقيين.
[8] للتعرف على موقف من استقلالية الديوان راجع: مصباح كمال، "في
"استقلالية" ديوان التأمين العراقي ورئاسته،" مجلة التأمين
العراقي: http://misbahkamal.blogspot.com/2012/12/on-independence-of-diwan-and-its.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق