في "استقلالية" ديوان التأمين العراقي ورئاسته
مصباح كمال
لماذا لا يزال الديوان
يدار بالوكالة؟
منذ تأسيس ديوان التأمين العراقي سنة 2005 لم يُشغلْ موقع رئيس الديوان بالأصالة، فقد
تناوب على الموقع بالوكالة فؤاد عبدالله عزير (2005) وضياء حبيب الخيون
(2006-2009) وفيصل منهل تايه الكلابي (2011) الذي لا يزال يشغل الموقع وكالة حتى
تاريخ كتابة هذه الورقة. خلفية عزيز
تأمينية، وخلفية الخيون مصرفية، وخلفية الكلابي محاسبية، وهي خلفيات لا تتعارض مع
إشغال موقع رئاسة الديوان، وجميعهم يتمتعون بخبرات عملية طويلة.
وقد استعلمتُ من فؤاد عبدالله عزيز،
باعتباره أول رئيس بالوكالة، عن تاريخ إشغاله للموقع وما آل إليه وضعه فأفادني
بالتالي في رسالة إلكترونية بتاريخ 29 تشرين الأول
2012:
"استلمت رئاسة الديوان بالوكالة منذ
تأسيسه ولغاية تقاعدي في 31 / 12 / 2005.
وقد كتب وزير المالية قبل التقاعد بثلاثة اشهر تقريبا لغرض تثبيتي بما يعني
التعاقد لخمسة سنوات أو ثلاثة وفق القانون ولم يصل رد بالموافقة او الرفض لحين مغادرتي
الوظيفة.
كما تعلم فاني عملت في الوطنية منذ 14 / 9
/ 1966 وقد اصبحت مديرها العام بداية عام 1992 وفي 18 /11 / 1996 نقلت الى وزارة
المالية كمدير عام فيها بعدها نقلت الى مدير عام المركز التدريبي المالي والمحاسبي
ثم الى مدير عام شركة اعادة التامين العراقية منذ عام 1998. نقلت بعد التغيير، عند استيزار عادل عبد المهدي
للمالية، الى مستشار فني للوزير وبقائي مشرفا على الاعادة العراقية وعند تأسيس
الديوان عينت رئيسا له بالوكالة ثم وكيلا لوزارة المالية عندما اصبح علي عبد
الامير علاوي وزيرا للمالية وعندها تركت ادارة الاعادة العراقية لتعارض ذلك مع
رئاستي للديوان."
والسؤال الذي يثيره هذا الوضع هو لماذا لم يُعّين رؤساء
الحكومات (اياد علاوي، إبراهيم الجعفري، نوري المالكي) رئيساً أصيلاً
للديوان؟ هل هو عدم قناعة الرؤساء بوجود
شخص مؤهل قادر على احتلال الموقع؟ لا
نعتقد ذلك لأن الوكلاء الثلاثة أصحاب اختصاصات في النشاط التأميني أو قريبون منه ولهم
خبرة طويلة. هل أن التوافق المحاصصي لم
يتحقق طيلة السنوات الماضية وحال دون تعيين رئيس بالأصالة؟ يعتقد البعض بذلك، لأن المحاصصات
الطائفية–الاثنية هو النظام العام لدولة عراق ما بعد 2003، وهو ذات النظام الذي
يكمن وراء الازمة السياسية-الاقتصادية القائمة.
وقد قرأنا مؤخراً أن البرلمان سيناقش "مشروع قانون إنهاء
إدارة المناصب الحكومية بالوكالة، في محاولة للحيلولة دون تعيين رئيس الحكومة نوري
المالكي مُقربين منه في المناصب الشاغرة. ويشغلُ
العشرات من المناصب المدنية والأمنية أشخاص يديرون عملهم بالوكالة، من دون موافقة
البرلمان."
موقع رئيس ديوان التأمين العراقي يصنف ضمن الدرجات
الخاصة. وبهذا الشأن تنص المادة 61 من
الدستور على أن "أصحاب الدرجات الخاصة من الموظفين الذين تعينهم الحكومة في
المناصب العليا المهمة، يجب أن تعرض أسماؤهم على مجلس النواب للحصول على الثقة." (حسين علي داود، الحياة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢).[1]
وينص قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 على الدرجة الخاصة
لرئيس الديوان في المادة التالية:
المادة -7-
أولا-
يدير الديوان رئيس بدرجة خاصة يعين بناء على اقتراح الوزير خلال مدة لا تتجاوز
(30) ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون، لمدة (4) أربع سنوات قابلة للتجديد
لمرة واحدة فقط.
الحكومات العراقية الأربع منذ 2003 (أياد علاوي، وإبراهيم
الجعفري ودورتين لنوري المالكي) أخلّت بمتطلبات القانون واكتفت بتعيين رئيس
للديوان بالوكالة. عدم إشغال موقع رئيس
الديوان بالأصالة ينعكس سلباً على أداء الديوان، وهو ما يدل عليه افتقار الديوان
إلى الكوادر، ومحدودية نشاطه في الوقت الحاضر.
ومن المفيد هنا اقتباس فقرة من رسالة فؤاد عبدالله عزيز مؤرخة
في 14 تشرين الثاني 2012 تفصح الكثير عن الديوان وتغني عن الإفاضة في التعليق:
[فيما يخص] ديوان التامين لا بد لي ان اورد
حقيقية تاريخية عنه اساسها اصدار قانون التامين حينها بضغط مستعجل من ادارة
الاحتلال ايام
وزارة اياد علاوي وعادل عبد المهدي، وزيرا للمالية. وكان واضحا ان القانون يهدف الى رفع احتكار
[شركة التأمين] الوطنية و[شركة التأمين] العراقية للأعمال الحكومية، اضافة الى
ادخال صناعة التامين ضمن اقتصاد السوق رغم ان اعمال التامين البحري لشحنات سلطة
الاحتلال كانت تسند الى شركة ألأي آي جي[2] [AIG] جهارا. والعقدة هنا كيف ستتعامل [وزارة] المالية مع
كيان للديوان تحـت التأسيس باعتباره هيئة رقابية مستقلة لابد وان تخصص له الاموال
اللازمة ضمن الموازنة العامة، وهو ما حاولت حينها بإصرار بتعاون مع الزميل العزيز
فاضل النجار ولكننا لم نفلح، وبقيت التشكيلة البسيطة للديوان عبارة عن رئاسة
بالوكالة وتنسيبات عدد من الموظفين من شركات التامين. ويبدو ان افهام الوزارة وما فوقها بدور الديوان
اصبح امرا عسيرا.
مفارقات في استقلالية
الديوان
يرد في موقع الديوان التعريف التالي للديوان:
"تأسس ديوان التأمين العراقي واستمد
صلاحياته بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وهو هيئة مستقلة يرأسها رئيس
الديوان."
والسؤال الذي ينهض هنا هو: ما المقصود بالاستقلالية؟ وهل ان الديوان مستقل حقاً؟
ديوان التأمين العراقي لا يرد له ذكر في الدستور الذي حدد
الهيئات المستقلة بالاسم في المادتين 102 و 103 كما سنذكر لاحقاً. لعل التعريف يستمد مفهوم الاستقلال من المادة 5
من قانون 2005:
"المادة-5-
أولا-
يؤسس بموجب هذا القانون ديوان يسمى (ديوان
التأمين) يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والاداري، وله تملك
الاموال المنقولة وغير المنقولة اللازمة لتحقيق أهدافه والقيام بجميع التصرفات
القانونية ويمثله رئيس الديوان أو من يخوله." [التأكيد
من عندنا]
لكن هذا الاستقلال مُقيّد وقابل للتساؤل في ضوء العمل الفعلي
للديوان منذ تأسيسه،[3]
وكما يرد في الموقع أيضاً حيث نقرأ، في مجال تحقيق أهداف الديوان فقرة عن "القيام
بأية وظائف أخرى ذات صلة بقطاع التأمين يقترحها رئيس الديوان ويوافق عليها وزير
المالية لغايات تنظيم سوق التأمين."
ونضيف إلى ذلك أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، فالديوان يرتبط
بوزير المالية ووزارته بصيغ مختلفة، والمواد التالية من القانون توضح ذلك دون
الحاجة إلى شرح [كل التأكيدات من عندنا]:
"المادة-5-
ثانيا- يكون مقر الديوان في بغداد وله أن ينشئ
فروع له في ارجاء العراق بقرار من رئيسه بموافقة الوزير.
ثالثا- ينظم هيكل وتشكيلات الديوان بتعليمات
يصدرها الوزير بناء على اقتراح رئيس الديوان.
المادة-6-
يهدف الديوان الى تنظيم قطاع التأمين
والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور
صناعة التأمين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني
ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في
سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:
سادسا- أي مهام اخرى تتعلق بقطاع التأمين
يقترحها رئيس الديوان ويوافق عليها الوزير لتنظيم سوق التامين.
المادة
-7-
أولا- يدير الديوان رئيس بدرجة خاصة يعين بناء
على اقتراح الوزير خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا
القانون، لمدة (4) أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.
رابعا-
لا يجوز اعفاء رئيس الديوان من منصبه قبل انتهاء مدته الا بقرار من رئيس الوزراء
وموافقة مجلس الرئاسة بناء على اقتراح من الوزير أو مفوضيه النزاهة العامة ولأسباب
مبررة.
المادة-8-
يتولى رئيس الديوان:
خامسا-
اعداد برامج وخطط لتطوير قطاع التامين ورفع مستوى خدماته بالتشاور مع الوزارة.
سادسا- اعداد مشاريع القوانين والانظمة
والتعليمات المتعلقة بأعمال التامين ورفعها الى الجهات المعنية.
سابعا-
اعداد الموازنة السنوية للديوان ورفعها الى الوزارة.
المادة-11-
يعد
الديوان خلال شهر حزيران من كل سنة تقريرا عن أعمال ونشاطات التأمين في العراق عن
السنة المالية السابقة لإعداد التقرير، على أن يقدم هذا التقرير الى الوزير
في موعد اقصاه نهاية شهر أيلول من كل سنة لإبداء ملاحظاته عليه.
المادة-103-
لرئيس
الديوان بموافقة الوزير
إصدار أنظمة داخلية تلزم الأشخاص بالتأمين ضد أخطار معينة.
يذكر الديوان في موقعه الإلكتروني "الروابط المفيدة"
التالية:
دائرة تسجيل الشركات
وزارة التجارة
الهيئة العامة للضرائب
البنك المركزي العراقي
ولكن الموقع لا يذكر وزارة المالية رغم ارتباطه بها!
والغريب أيضاً أن موقع وزارة المالية الإلكتروني لا يأتي على
ذكر ديوان التأمين العراقي كدائرة أو هيئة مرتبطة بالوزارة! وعندما أجرينا بحثاً عن الديوان في الموقع لم
نعثر على نص بشأنه. ولكن، وتحت باب
القوانين والأنظمة، في نفس الموقع، يرد ذكر "تعليمات إجازة وسيط التأمين
وتنظيم أعماله وتحديد مسؤولياته."
[تعليمات رقم 10 لسنة 2006، أصبحت نافذة اعتباراً من 26/3/2007]
ضمان استقلالية الديوان
عن وزارة المالية
دعونا ضمن مشروع صياغة سياسة لقطاع التأمين إلى
"تعزيز مؤسسات التأمين" وحددنا ضمن ذلك "العمل على ضمان استقلالية
ديوان التأمين العراقي عن وزارة المالية وتكريس مكانته كمؤسسة شبه حكومية." وقتها علق الأستاذ عبد الباقي رضا على هذه
الدعوة قائلاً:
"قبل ضمان استقلالية ديوان
التأمين تعزيز جهازه الفني بعناصر مؤهلة وتدريبهم لدى سلطات الرقابة في الدول
العريقة في اعمالها كمصر والاردن. ان دور الرقابة على شركات التأمين الخاصة التي
كثر عددها دون تعزيز امكانياتها الفنية مهم جدا حمايةً لحقوق المؤمن لهم."[4]
وكتب السيد ضياء هاشم مصطفى:
ان ضمان استقلالية ديوان التأمين
العراقي عن وزارة المالية قد لا اجده نافعا في الوقت الحاضر وخاصة ان الديوان لا
يتوفر فيه الحد الادنى للكفاءة التأمينية مما يعني انه لأجل ان يقوم بدوره
الرقابي، كما نص عليه قانون التأمين رقم 10 لسنة 2005، فسيحتاج الى كوادر ومستلزمات
عديدة وبالتالي ارتفاع كبير في المصاريف الادارية له، قد لا تغطيها نسبة 1% من
اقساط التأمين للشركات العاملة والتي تسددها للديوان، وان أية زيادة في هذه النسبة
ستشكل عبئا اضافيا على شركات التأمين. عليه
فإنني ارى ان يبقى ديوان التأمين تابعا لوزارة المالية في الوقت الحاضر على ان
تتولى الوزارة دعمه ماديا وايجاد هيكلية واضحة وبكوادر متقدمة ولا باس ان تكون
بعقود مع بعض الكوادر التي خرجت من القطاع بسبب السن القانوني لكي يستطيع الديوان
القيام بواجبه الرقابي الهام وقطع الطريق امام فوضى المنافسة غير الفنية الحاصلة
الان في السوق.[5]
في الدعوة إلى الاستقلال كان في بالنا الاستفادة
من نموذج البنك المركزي العراقي – أي النموذج الذي لا يخضع للمصالح السياسية. ويبدو الآن بأننا لم نكن واقعيين في دعوتنا
خاصة بعد إقالة د. سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، من منصبه وما رافقها من تعيين
محافظ بالوكالة وتطورات أخرى تثير الكثير من التساؤل حول نوايا رئيس الوزراء
والنخبة الحاكمة. وكان الأستاذ عبدالباقي
والسيد ضياء هما الصحيحان بشأن تعزيز الديوان من خلال تطعيمه بالكوادر المدربة
وإيجاد هيكلية تنظيمية مناسبة له للقيام بوظيفته الرقابية، فقد أصبح المناخ
السياسي ملوثاً ومحتقناً أو قل زاد تلوثاً واحتقاناً بحيث انه الغى فرصة الدعوة
إلى "استقلال" الديوان. لنقرأ،
على سبيل المثال ما أوردته إحدى وكالات الأنباء بهذا الشأن:
وصفَ ائتلاف دولة القانون من اعتبر قرار
استبدال الشبيبي بغير الدستوري بأنه يجهل الدستور ومضامينه، مقرا في الوقت نفسه
بان الحكومة تعمل على اعادة هيكلة الهيئات المستقلة لتعزيز ارتباطها به. واشار الائتلاف الى ان هناك مشاريع عدة قوانين
تخص جميع الهيئات المستقلة مطروحة امام مجلس النواب، وتنتظر التصويت عليها، من
شأنها ان تضفي الطابع القانوني والدستوري على ارتباطها الكامل بالسلطة التنفيذية
عند اقرارها. (حيدر جواد علي، وكالة أنباء براثا، 22/10/2012)
ونقرأ تحت عنوان "توجه
حكومي لإعادة هيكلية الهيئات المستقلة وتغيير اداراتها" نقلاً عن مصدر غير
معرّف:
إن "الهيئات المستقلة عملت بالضد من
توجهات الحكومة العراقية طيلة الفترة الماضية رغم طلب مجلس الوزراء أكثر من مرة من
هذه الهيئات مساندته في توجهاته".
وأوضح المصدر أن "الهيئات المستقلة
التي رفض مدراؤها أو مرؤسيها دعم توجهات الحكومة العراقية سيتم تغيير إداراتها".
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد ربح في
18 كانون الثاني الماضي ا قرارا من المحكمة الاتحادية أجازت وضع الهيئات المستقلة
تحت إشراف رئيس الوزراء، وهو ما أثار ردود أفعال وسجالات.[6]
الهيئات المستقلة مصدر إزعاج للحكومة وهناك ميل قوي لإخضاعها
للحكومة.
فكما يرد في الأخبار والتعليقات الصحفية فإن ان رئيس الوزراء قد
حصل في 18 كانون الثاني 2011 قراراً من المحكمة الاتحادية، أجاز وضع الهيئات
المستقلة تحت إشراف رئيس الوزراء، وليس تحت اشراف مجلس النواب. في حين أن المادة 102 من الدستور "تعد
المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة
النزاهة، هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون." فيما تنص المادة 103 من الدستور "أولاً- يُعد
كل من البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات،
ودواوين الأوقاف، هيئات مستقلة مالياً وإدارياً، وينظم القانون عمل كل هيئة منها. ثانياً- يكون البنك المركزي العراقي مسؤولا
أمام مجلس النواب، ويرتبط ديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات بمجلس
النواب."
في ظل هذا الوضع يصبح الحديث عن استقلال الديوان
ترفاً فكرياً خاصة وان الديوان ليس مصنفاً كهيئة مستقلة أصلاً ولا يجد موضوعة
الاستقلال سنداً لدى أركان التأمين العراقي.
إن ما يحول دون الاستقلال الحقيقي للعديد من الهيئات هو الخلل في النظام
السياسي-الاقتصادي القائم والذي "يعود إلى جملة عوامل من بينها على سبيل
المثال:
أ.
الصراع المحموم بين القوى المتنفذة لاقتسام
وإعادة اقتسام الحصص في مواقع السلطة والنفوذ، وللسيطرة على المال العام ومصادر
الإثراء، وتضارب المصالح المادية للقوى السياسية وعناصرها.
ب. الصراع على الزعامات السياسية للطائفة
والكتل التي تدعي تمثيلها.
د. غياب المشروع السياسي الوطني العابر
للطوائف والقوميات.
فالخلل يكمن، إذن، في بنية النظام السائد
وفي طبيعة المشاريع والاستراتيجيات التي طبقت بعد 2003 والتي لا يمكن أن تنتج غير
هذه البنية. وبهذا
المعنى فان هذه البنية تعاني من تناقض بنيوي لا يمكن حله إلا بتفكيك نظام
المحاصصات وخلق الارضية لنظام جديد هو النظام الوطني والديمقراطي في آن."[7]
تعزيز الوظيفة الرقابية
للديوان
هل يعني هذا الكف عن التفكير بواقع الديوان
ومستقبله؟ رغم التطورات الحالية التي نالت
من استقلالية الهيئات المستقلة، فإن الطموح يظل قائماً كي يكون الديوان هيئة
مستقلة أو شبه حكومية دون أن يعني ذلك فك ارتباطه بالكامل عن وزارة المالية. ولعل استقرار البولطيقا العراقية سيساعد في
النظر إلى الديوان من موقع فني فالوظيفة الأساسية للديوان هو ضمان حقوق المؤمن لهم
ووضع الضوابط المناسبة لتحقيق ذلك، وليس المشاركة في صنع السياسة النقدية والمالية
رغم ارتباط النشاط التأميني بالقطاع المالي.
دعوتنا لاستقلالية
الديوان لا يقوم على إلغاء الضوابط التنظيمية لقطاع التأمين بل "تحرير" الديوان
من عبء المحاصصة كي يستطيع استكمال هيكله التنظيمي، وأداء مهامه المعطلة في الوقت
الحاضر. هناك حاجة لمناقشة موسعة لمختلف
جوانب عمل الديوان ولكن ليس من النمط الذي يفتقر إلى الموضوعية
في
نقد الديوان منذ تأسيسه وسوء فهم لدوره وضرورة وجوده.[8]
تاريخياً، كان ارتباط شركات التأمين العامة بإحدى الوزارات
ومثلها أجهزة الرقابة كالمؤسسة العامة للتأمين (1964-1988)، ومراقب التأمين بعد
ذلك (1989-2003)، والآن ديوان التأمين العراقي.
هناك استمرارية في ربط الوظيفة الرقابية بالحكومة رغم اختلاف الانظمة
السياسية-الاقتصادية، ولا ضير في ذلك إن لم تتحول هذه الوظيفة إلى موضوع للمساومة والصفقات
الإثنية-الطائفية.
لا نود هنا مناقشة المفاضلة بين ما يعرف بقواعد التنظيم الذاتي
(الرقابة الذاتية self-regulation) والرقابة
الحكومية (رقابة الدولة) وهو موضوع أصبح يشغل حيزاً كبيراً في النقاش العام منذ
أوائل ثمانينيات القرن الماضي (مع نهوض الليبرالية الجديدة) لتحجيم أو تقليص أو
إلغاء دور الدولة ليس في المجال الاقتصادي فقط وإنما أيضاً في إلغاء دورها في وضع
الضوابط التنظيمية (regulation) وخاصة في القطاع المالي. وهو ما صار يعرف بتحرير النشاط الاقتصادي
والمالي من القيود (deregulation).
ويكفي القول أن النشاط التأميني لا يمكن أن يستمر في غياب
الضوابط الرقابية المنظمة للنشاط. فلولا
هذه الضوابط لكانت العشرات من شركات التأمين العالمية قد انهارت تحت وطأة الأزمة
المالية الكبرى للرأسمالية العالمية، فبفضلها لم تتوقف شركات التأمين من تسديد
التزاماتها للمؤمن لهم من الأفراد والشركات.
ولم تتدخل الحكومات لإسناد شركات التأمين إلا في حالات قليلة كإنقاذ
الإدارة الأمريكية لشركة أي آي جي AIG بسبب
اشتغالها في نشاطات غير تأمينية أو لا علاقة مباشرة لها بالتأمين (نشاطات قريبة من
تلك التي تمارسها المصارف).
لقد صمدت شركات التأمين أمام تأثيرات أزمة رأس المال بفضل المطابقة الدقيقة
بين أصولها ومطلوباتها close matching of assets and liabilities. وهذه المطابقة تقوم على ثلاثة عناصر:
إدارة أخطارها، الامتثال لمتطلبات هيئات التصنيف، والأهم من ذلك الامتثال للقواعد
الرقابية.
المطلوب من ديوان التأمين العراقي أن يعزز مكانته لتطبيق
الضوابط الرقابية، ولكي يتحقق ذلك وجب إخراجه من منظومة المحاصصة وتعيين رئيس
بالأصالة كي يبدأ ببناء الهيكل التنظيمي ويطعمه بالكوادر المؤهلة ليمارس الديوان عن
حق مهامه الرقابية ولا يكتفي بإصدار التعليمات.
لندن 9 /30 تشرين
الثاني 2012
[6] شفق
نيوز،
"توجه حكومي لإعادة هيكلية الهيئات المستقلة وتغيير اداراتها"، الأحد،
21 تشرين1/أكتوير 2012
[7] د. صالح ياسر، "في ضوء
مداولات اجتماع تشرين الاول/اكتوبر 2012 للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي"
[8] مصباح
كمال، "نحو رفض مقترح تأسيس اتحاد لشركات التأمين العراقية: حوار مهني مع
السيد عبد السادة الساعدي،" مجلة التأمين العراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق