الأمانة العامة لمجلس الوزراء والتأمين الاجتماعي والتكافل الاجتماعي
مصباح كمال
قرأنا في نيسان خبراً قصيراً أن الأمانة
العامة لمجلس الوزراء في جلستها العاشرة برئاسة الامين العام علي العلاق "ناقشت
موضوعي التأمين الاجتماعي وانشاء صندوق للتكافل الاجتماعي". ونقل البيان عن العلاق قوله إن "ثقافة
التأمين لابد أن تسود بين أفراد المجتمع لما لها من مردودات إيجابية في الجوانب
الإقتصادية والإجتماعية."[1]
ثم قرأنا بتاريخ 22 أيلول 2012 في حوار مع الأمين
العام للأمانة العامة لمجلس الوزراء ما يبدو متمماً للخبر أعلاه:
وفي معرض سؤاله
حول الإصلاحات المرتقبة، وهل ستشمل مفاصل أمانة مجلس الوزراء، أكد أن أي إصلاحات
فيها تطوير وتحسين أداء العمل ستكون الأمانة معها، شريطة أن تنطلق هذه الإصلاحات
من منطلقات موضوعية وعلمية، وسنستجيب إليها، منوها انه "على مستوى الكتل
السياسية هناك انطباع ايجابي عن الأمانة بشكل عام".
وأضاف العلاق
"بشان مشروع إنشاء صندوق الأمانة العامة للتكافل الاجتماعي، وموضوع التامين
الاجتماعي، هناك صندوق للتامين العام والصحي، وبعد دراسات مطولة تم الاتفاق مع
شركة التامين الوطنية، ووقعنا معهم بوليصة لتامين الموظفين في الأمانة"،
داعيا مؤسسات الدولة إلى أن تخطو هذه الخطوة، التي تحتوي على مزايا كثيرة".[2]
ليس واضحاً في هذين الخبرين ما هو الفرق بين التأمين
الاجتماعي و صندوق التكافل الاجتماعي، أو كما يرد في الخبر الثاني صندوق
الأمانة العامة للتكافل الاجتماعي. هل
ان التأمين الاجتماعي هو للمواطنين كافة والتكافل الاجتماعي لفئات معينة كمنتسبي
الأمانة العامة لمجلس الوزراء. ثم ان
العلاق يشير إلى وجود صندوق
للتامين العام والصحي. ترى هل ان هذا صندوق واحد أم صندوقين أحدهما
للتأمين العام (لا نعرف إن كان المقصود منه التأمين العام لممتلكات الدولة
الاتحادية) والآخر للتأمين الصحي (لا نعرف إن كان هذا التأمين يشمل المواطنين كافة
أم فئات معينة في أجهزة الدولة). ونميل
إلى أن التأمين الصحي هو لموظفي الأمانة العامة لمجلس الوزراء الذي تحقق، كما يقول
العلاق "بعد دراسات
مطولة" "مع شركة التامين الوطنية، ووقعنا معهم بوليصة لتامين الموظفين
في الأمانة."
نتوقف قليلاً
هنا مع الدراسات المطولة (حقاً؟) مع شركة التأمين الوطنية التي تتوجت بشراء
التأمين منها هذه الدراسات المطولة ليست منشورة، ولن تظهر
للعلن بفضل السرية المعروفة في الممارسة التأمينية في الحفاظ على المعلومات
المقدمة من قبل طالب التأمين لشركة التأمين.
وتظل هذه المعلومات مُحصنة إلا إذا تدخل القضاء للإعلان عنها.
يفرح المرء لتوسيع دائرة الاستفادة من حماية التأمين، المتوفرة لدى
شركات التأمين العراقية، لتشمل موظفي جهاز حكومي محدد، فهي بداية جيدة ربما تؤشر
على تطور في شراء التأمين من قبل مختلف مؤسسات الدولة سواء مل تعلق منه بالتأمين
على المنتسبين أو الممتلكات العامة. لكن السؤال الكبير الذي ينهض هنا هو: لم قامت الأمانة العامة لمجلس
الوزراء بحصر التأمين على موظفيها لدى شركة التأمين الوطنية، وهي شركة عامة مملوكة
للدولة. يثار السؤال لأن قانون تنظيم
أعمال التأمين لسنة 2005 (المعروف بالأمر رقم 10) ينص في المادة 81-ثالثاً على ما
يلي:
ثالثا – يجري التامين على الاموال العامة والاخطار
التي ترغب الوزارات او دوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقا لأحكام
القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.
في ضوء هذا النص
فإن ما قامت به الأمانة العامة لمجلس الوزراء يقوم على مخالفة واضحة لأحكام
القانون ومن حق شركات التأمين الخاصة الاعتراض عليه (ولنا منها 28 شركة عراقية
بضمنها تلك الشركات المؤسسة في إقليم كوردستان).
ما قيمة القانون إن كانت الأجهزة الحكومية تجيز لنفسها حرية خرق أحكامه؛
أهي فوق القانون؟ ام أن لها تفسيراً خاصاً
للقانون؟
جاء في الأسباب الموجبة لتشريع الأمر رقم 10 ما يلي:
بهدف تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره
وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص
والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني. فقد شرع هذا القانون
تصرّف الأمانة العامة في حصر التأمين مع شركة تأمين تابعة للدولة،
بدون مناقصة علنية، يلغي فكرة السوق المفتوح القائم على التنافس بين الشركات، والسوق
الشفاف – أي لا يخفي المعلومات عن تصرفات السلطة السياسية لا بل هو في الواقع يلغي
فكرة السوق الحديث الذي يستدعي وجود عدة شركات.
وربما يعتبر البعض مثل هذا التصرف شكلاً من أشكال الفساد الإداري.
تلاحظ القارئة والقارئ المفارقة التي خلقها العلاق كما يرد في الخبر:
وفي
معرض سؤاله حول الإصلاحات المرتقبة، وهل ستشمل مفاصل أمانة مجلس الوزراء، أكد أن
أي إصلاحات فيها تطوير وتحسين أداء العمل ستكون الأمانة معها، شريطة أن تنطلق هذه
الإصلاحات من منطلقات موضوعية وعلمية.
نفترض أن إجراء التأمين هو أحد الإصلاحات لتطوير وتحسين أداء العمل
المشروط بمنطلقات موضوعية وعلمية. لقد فشل
الأمين العام في الالتزام بهذه المنطلقات وأهمها، في سياق التأمين، هو تطبيق
القانون بموضوعية وليس حسب الأهواء. لو
فسرنا الشك لصالحه فربما جاء تصرف الأمانة العامة جهلاً بمتطلبات القانون وهو ما
يستوجب التصحيح.
ثم أين يقف هذا
الاختيار (أو بالأحرى غياب الاختيار) مع التوجه السياسي والاقتصادي لدى حكومات ما
بعد 2003 لتشجيع القطاع الخاص الذي تروج له الحكومة الحالية وأجهزتها وجوقة
المُطبلين لهذه الاطروحة في الداخل والخارج؟
ولذلك فإن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تخضع للمساءلة فيما أقدمت
عليه بشراء التأمين دون الالتزام بالقانون.
وفيما يخص التكافل الاجتماعي سنبقى بانتظار ما سيصدر من قرارات بشأنه
من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
ذكر لنا الأمين
العام للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبنفس إيجابي يقيني، أن:
ثقافة التأمين لابد أن تسود بين أفراد المجتمع لما لها من مردودات إيجابية
في الجوانب الإقتصادية والإجتماعية.
لكن هذه الثقافة لن تسود قريباً بسبب غياب الطلب الفعّال على الحماية
التأمينية لدى المواطنين (ضعف الدخل، وغياب تقليد التدبر للمستقبل والاتكال على
القضاء والقدر وأسباب أخرى) وحتى غياب الطلب لدى العديد من الشركات العامة والخاصة
ومؤسسات الدولة الاتحادية وفي إقليم كوردستان وفي المحافظات. وكذلك بسبب مزاحمة القيم العشائرية لمؤسسة
التأمين.[3]
لعل هذه المقالة تصل إلى الأمين العام للأمانة العامة لمجلس الوزراء ويقوم
بالرد على ما ورد فيها وتوضيح الأمور لشركات التأمين العاملة في العراق.
ونتمنى أن يقوم ديوان التأمين العراقي باستقراء الموضوع والتباحث مع
الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتنبيهها إلى ضرورة الالتزام بأحكام الأمر رقم 10.
كما نتمنى على زملائنا في قطاع التأمين متابعة هذا الموضوع والتوسع في
التعليق عليه.
لندن 23 أيلول 2012
[1] اصوات
العراق،
"الأمانة العامة لمجلس الوزراء تناقش التأمين الاجتماعي وانشاء صندوق للتكافل،"
بغداد، 23 نيسان 2012
[2] صوت العراق، "في حوار مع [أين] امين مجلس الوزراء يطالب
بتفعيل المرحلة الثانية من عملية الترشيق الحكومي ويجدد دعوته لتجميد البرلمان،"
بغداد، 22 أيلول 2012.
[3] مصباح كمال، "محاولة في بحث بعض الخسائر
الافتراضية لقطاع التأمين العراقي،" لندن، 15 أيلول 2012 (ورقة غير
منشورة. من المؤمل أن تنشر في التأمين
العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق