إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2019/03/22

Ferry Disaster in Mosul and the Need for Insurance

العيد الحزين وغياب إدارة الخطر والتأمين
تعليق على حادث غرق عبّارة في جزيرة أم الربيعين السياحية


نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


شهد العراق هذا اليوم الحادي والعشرين من آذار 2019، الذي يتوافق مع عيد نوروز وعيد الأم، فاجعة انقلاب وغرق عبّارة سياحية في الجزيرة السياحية بمنطقة غابات الموصل وعلى متنها عشرات المواطنين، أودت بحياة 71 شخصاً بين نسوة وأطفال ورجال، حسب تقديرات وزارة الداخلية.  وجاء في الأنباء أن العبّارة كانت تقلُّ نحو مئتي شخص إلى جزيرة أم الربيعين السياحية، وقد غرقت وسط النهر جراء الحمولة الزائدة للعبّارة التي تبلغ طاقتها الاستيعابية خمسين شخصاً فقط مما يؤشر على وجود خلل في إدارة وتشغيل العبّارة.

سمعنا وقرأنا الكثير من التعليقات الرسمية الحكومية والأمنية ومن صحفيين عن هذه الفاجعة الفريدة في تاريخ النقل النهري في العراق.  حتى الآن لم يطفو على السطح رأي أو موقف تأميني من شركة تأمين أو من جمعية التأمين العراقية.  ربما سيظهر شيئاً من ذلك إذا تبين في وقت لاحق أن بعض ضحايا هذا الحادث، الذي كان بالإمكان تجنبه، يخضعون لوثيقة تأمين من الحوادث الشخصية، الفردية أو الجماعية، وبالتالي يستحقون تعويضاً من الشركة التي قامت بالتأمين.

إذا كان ما حدث نتيجة للقضاء والقدر، كما يقول البعض، فهو قول غير مقبول لأنه يلغي العقلانية والعلم في دراسة وفهم الحادث المُريع.  ذلك أن أبسط قواعد إدارة الخطر تقضي، في هذه الحالة، عدم تحميل العبّارة بأكثر من قدرتها الاستيعابية، هذا إن لم تكن هناك ضوابط وتعليمات خاصة بسلامة تشغيل وسائل النقل كالعبّارات.[1]  أزعم أن هناك إهمال من قبل مسؤولي العبّارة، مدراء ومشغّلين، يكمن وراء الحادث، وأزعم أن هناك استخفاف بعملية النقل باعتبار أن المسافة التي تفصل بين شاطئي الجزيرة وحافة نهر دجلة لا تتعدى ثلاثمئة متر فقط، دون الأخذ بنظر الاعتبار ارتفاع منسوب مياه النهر جراء تساقط كميات كبيرة من الأمطار في الآونة الأخيرة وإطلاق المياه من سد الموصل مما أدى إلى ارتفاع منسوب مياه دجلة.

بعد إتمام التحقيقات ونشر الاستنتاجات، وهو ما نرجوه، أرى التفكير بالجانب التأميني للتخفيف بعض الشيء من آثار حوادث النقل النهري على الأشخاص من خلال تعويض الضحايا.  ومن المفيد هنا الاقتباس من كتاب المحامي بهاء بهيج شكري حول تغطية مسؤولية ناقل الأشخاص:

لا تختلف أحكام وشروط التأمين من مسؤولية ناقل الركاب عن تأمين ناقل البضائع فيما عدا ما يأتي:

أولاً: إن التزام المؤمِن يتحدد بتعويض المؤمن له عن المبالغ التي يكون مسؤولاً عن دفعها:

1-  عن وفاة الراكب أو إصابته الجسدية الناجمة عن خطأ الناقل أو تابعيه أثناء عملية النقل البحري أو النهري.
2-   عن كلفة أمتعة الراكب وحقائبه المسجلة خلال فترة عملية النقل.[2]

يمكن تجاوز تأسيس مسؤولية الناقل القائمة على الخطأ (القابل لإثبات العكس) وتبنّي المسؤولية دون توافر الخطأ (strict liability)، أي صياغة المسؤولية على أساس تحمّل التبعة، والاكتفاء بمجرد إثبات قيام الضرر بسبب استعمال واسطة النقل.  وهذا هو الأساس النظري لقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته الذي ما يزال نافذاً.  ويمكن الاستفادة منه ومن قوانين عراقية أخرى ذات علاقة بالنقل النهري والبري لصياغة مسودة مشروع قانون جديد بإلزامية التأمين من المسؤولية للناقل.

إن ما أرمي إليه من هذه الورقة الصغيرة هو التفكير بالدعوة لمتابعة موضوع جعل التأمين من المسؤولية المدنية إلزامياً على مالكي ومشغلي وسائط النقل المائي في الأنهار والبحيرات والقنوات.[3]  هذه الدعوة موجّهة لشركات التأمين وجمعية التأمين العراقية والأطراف التي يهمها سلامة المواطنين.

وبهذا الشأن، يمكن الاستفادة من التجارب العالمية في التأمين الإلزامي على مسؤولية الناقل تجاه الأشخاص، رغم أن البعض منها يتعلق بالنقل البحري.[4]

آمل أن تلقى هذه الدعوة اهتمام الأطراف المعنية بحماية المواطنين.

21 آذار 2019




[1] أرجو لمن له معرفة بهذا الشأن تنويرنا بما هو متوفر في القانون أو في تعليمات خاصة بالسلامة.
[2] لمتابعة بقية العرض راجع: بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمان: دار الثقافة، 2010)، ص 272-273.

[3] يمكن التوسع في تعميم إلزامية التأمين على أشكال أخرى من المسؤولية متأمين مسؤولية رب العمل (العام والخاص) وكل نشاط يحتمل أن يؤثر على أطراف ثالثة.  وبالطبع فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة ومناقشات من عدة أطراف.
[4] أنظر على سبيل المثل موقع الوكالة الأوروبية للسلامة البحرية:

ليست هناك تعليقات: