إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2013/02/08

Dr Kamil Al-Adhadh & Insurance

د. كامل العضاض والتأمين

 
 
مصباح كمال
 
 
تقديم
 
لزميلي العزيز د. كامل العضاض اهتمام بالتأمين كمقولة اقتصادية، وقد تفضل في مناسبات عديدة بالتعليق على ما اكتب حول قطاع التأمين العراقي.  كما عرضتُ بعضاً من موقفه من التأمين في مقالة سابقة لي.[1]  وقد قرأت له مؤخراً كتابه عن الأزمة المالية العالمية[2] ذكر فيه التأمين ست مرات.  ولست هنا بصدد عرض هذا الكتاب بل رصد وتقييم مكانة التأمين حيثما وردت مفردة التأمين في ثنايا الكتاب.  أتمنى على زملائه من الاقتصاديين تقييم أطروحته حول الأزمة المالية العظمى: "قيام اقتصاد نقدي صوري غير مرتبط بالقطاع الإنتاجي الحقيقي ... فتراكم الرأسمال النقدي وليس رأس المال العيني الثابت قد يكمن وراء أزمة الرأسمالية على النمط الأمريكي اليوم" التي تترد في الكتاب.  وهذه الأطروحة، النظرية، هي التي يتميز بها الاقتصاديين المتحلقين حول مجلة مونثلي ريفيو Monthly Review الأمريكية وبالأخص، تاريخياً، بول سويزي وبول باران وهاري ماكدوف.[3]  وأود هنا أن أشكر العضاض على اهتمامه بموضوع التأمين وإدخاله ضمن تحليله الاقتصادي للأزمة المالية العالمية.
 
لا أود أن أنصبَّ نفسي مدافعاً عن شركات التأمين، فهي موضوع للنقد من مواقف مختلفة.  فهناك كتب عن سوء تصرف بعض شركات التأمين تجاه مطالبات المؤمن لهم بالتعويض،[4] أو سوق تأميني عريق في إدارة شؤونه،[5] وكذلك التعقيدات الي ارتبطت بدور شركات التأمين في بعض الدول الأوروبية في التعامل مع حقوق المؤمن لهم من اليهود، الناجين من المحرقة النازية، ولورثتهم،[6] وإساءة استخدام مؤسسة التأمين.[7]  لكن هذا النقد لا يقلل من القيمة الاقتصادية للنشاط التأميني ووفاء شركات التأمين بالتزاماتها عبر تاريخ النشاط التأميني.
 
في عرضنا لما ذكره العضاض بشأن التأمين سنقتبس فقرات طويلة من كتابه الأزمة المالية العالمية: أبعادها وآثارها لضمان قراءة ما ورد في الكتاب عن التأمين في سياقه.
 
النظام التأميني والمصرفي وخلق الاقتصاد الوهمي
 
في المقدمة العامة، ص 10 من الكتاب، يذكر العضاض النظام التأميني مقروناً بالنظام المصرفي في "خلق اقتصاد ورقي وهمي" ونقتبس الفقرة بالكامل لفائدة القارئ الذي لم يطلع على الكتاب:
 
"ويخلص الكاتب بمجموعة من التوصيات لإصلاح النظام النقدي، وتجنب الإعتماد على عملة إحتياط طاغية في العالم، كالدولار.  فالولايات المتحدة أساءت مسؤوليتها تجاه العالم، بإعتبارها هي الدولة المسؤولة عن إدارة نقدها، الدولار، الذي أضحى الإحتياطي النقدي لجميع دول العالم تقريبا.  ولكنها بسبب أزمتها المالية وتصاعد مديونيتها، وإسراف نظامها المصرفي والتأميني في خلق إقتصاد ورقي وهمي قائم على الإئتمان الصوري بدون ضبطه بالإنتاج السلعي والعيني الحقيقي، أسرفت في طبع تريليونات الدولارات وأغرقت العالم بها، محاولةً تخفيض مديونيتها، بدون أن تضع الوسائل الفاعلة للنهوض بالقطاع الإنتاجي الحقيقي. فتراكم الرأسمال النقدي وليس رأس المال العيني الثابت قد يكمن وراء أزمة الرأسمالية على النمط الأمريكي اليوم."
 
نفهم الإسراف المصرفي الذي ارتبط بطبع ترليونات الدولار، كما يوضح الكاتب، لكنه لم يتوسع ليشرح ماهية "الإسراف التأميني."  لا نعرف من السياق الذي وردت فيه هذه العبارة ما المقصود بالإسراف التأميني.  "السلعة" التي تتعامل بها شركات التأمين هي وثيقة التأمين، دليل قيام العقد بينها وبين المؤمن لهم، وهو الوعد لتوفير الحماية المالية للتعويض عن الأضرار المباشرة (وربما غير المباشرة في حالة التأمين على خسارة الدخل نتيجة لتوقف الانتاج) التي قد تلحق بأموالهم وأبدانهم بما في ذلك حالات الوفاة.  هذه السلعة ليست مجانية؛ هي سلعة قابلة للشراء لمن هو قادر عليه ما لم يكن التأمين إلزامياً بقوة القانون كما هو الحال في تأمين المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال المركبات أو تأمين مسؤولية رب العمل في بعض الدول وخاصة الغربية.
 
لذلك لا ينطبق توصيف الإسراف التأميني على طبع (إصدار) وثائق التأمين.  يمكن التوسع في معنى الإسراف بتطبيقه، مجازاً، على شركات التأمين التي تقوم ببيع وثائق التأمين باسعار غير فنية بهدف السيطرة على حصة كبيرة من سوق التأمين، أو تقوم بالبيع دون أن يكون لها حماية من معيدي التأمين.  وهذه سياسة انتاجية خطرة قد تؤدي إلى اهتزاز الوضع المالي لمثل هذه الشركات وربما إفلاسها عندما تتعرض إلى مطالبات عديدة وكبيرة لا تكفي الأموال المتجمعة لديها لمواجهتها.
 
ربما لم يعني الكاتب إضافة صفة الإسراف إلى النظام التأميني في الولايات المتحدة وإنما دور هذا النظام في "خلق اقتصاد ورقي وهمي قائم على الإئتمان الصوري بدون ضبطه بالانتاج السلعي والعيني الحقيقي."  وهذا هو ما نظن أن الكاتب يرمي إليه.  لكن الإشكالية تظل قائمة حتى في هذه الحالة.
 
يجري التفريق في نظرية التأمين بين نوعين من الأخطار.  الأخطارالاحتمالية الخالصة (احتمال قيام خسارة من عدمه)، وهذه الأخطار قابلة للتأمين، كالممتلكات التي تتعرض لأخطار الحريق والفيضان.  وأخطار المضاربة (احتمال قيام خسارة واحتمال تحقيق ربح)، وهذه غير قابلة للتأمين، وخير مثال عليها هو المقامرة، والتعامل في سوق الأوراق المالية من خلال شراء الأسهم بهدف بيعها لتحقيق ربح.  ففي هذه الحالة يتم خلق وضع يراد منه تحقيق الربح.[8]
 
اعتماداً على هذا التفريق فإن مؤسسة التأمين لا تساهم في توفير الغطاء، أي الحماية المالية، لأعمال المضاربة لأنها تنطوي على عنصري الخسارة والربح في حين أن التأمين يقتصر على تعويض الخسارة.
 
شركات التأمين تتأثر بالأوضاع الاقتصادية والمالية القائمة من حيث الطلب على متجات التأمين، وعوائد استثماراتها، ومدى توفر فرص الاستثمار الجديدة (وهي تتقلص عند الأزمات)، مثلما تتأثر قيم أصولها عند ازدياد التضخم، فإنتاج شركات التأمين يعكس الأوضاع الاقتصادية القائمة والإطار القانوني السائد المنظم لمزاولة التأمين.
 
ثم ان الشركات التي تقوم بالنشاط التأميني ليست متماثلة من حيث التنظيم وطبيعة الأعمال التي تمارسها.  فهناك الشركات المتخصصة بالتأمين على الحياة، والتأمين على غير الحياة (التأمين البحري وغير البحري والمسؤوليات القانونية والمهنية المختلفة)، والتأمينات المختلطة (التأمين على الحياة وغير الحياة)، وإعاد التأمين الاتفاقي، إضافة إلى أن بعض شركات التأمين قد توسعت للعمل من خلال المصارف bancassurance وكذلك التعامل بالمشتقات المالية.[9]
 
وضمن هذه الاعتبارات فإن "الإسراف التأميني" ليس وارداً، ولا دور للنشاط التأميني في خلق الاقتصاد الوهمي.
 
انهيار شركات التأمين، على عكس المصارف، لا يؤدي إلى زعزعة القطاع المالي أوالمساهمة في خلق الأزمة المالية وذلك لأن أصول شركات التأمين صغيرة نسبياً مقارنة مع المصارف.  إضافة لذلك فإن شركات التأمين تقوم برصد الاحتياطيات للأمد الطويل لمقابلة مسؤولياتها تجاه حملة وثائق التأمين (أي تعويضهم لما يلحقهم من ضرر أو خسارة).  هناك تطابق كبير، عموماً، بين حجم مسؤولياتها وأصولها ولذلك فإن الميزانية العمومية لها أقل تعرضاً للخطر من مثيلاتها لدى المصارف.  وعلاوة على ذلك، فإن شركات التأمين لا تتعامل مع المشتقات المالية derivitives إلا قليلاً.[10]
 
هيمنة الدول الرأسمالية على تجارة الخدمات الدولية ومنها التأمين
 
في القسم الثاني من الكتاب، وتحت عنوان "آثار الأزمة المالية العالمية من منظور عولمة صراع العلاقات الاقتصادية التجارية"، ص 27-28، يذكر العضاض التأمين ضمن تجارة الخدمات الدولية وهيمنة الدول الرأسمالية على هذه التجارة:
 
"هل أدت قرون من التجارة الدولية الى توزيع الرفاه والموارد والمنافع الناشئة عنها بصورة أفضل مما كانت عليه في العصر الاستعماري الذي اختفى بمفهومه القديم؟ ربما، بمعنى ان نسبة سكان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية الذين كانوا يموتون جوعا وحرمانا بالسابق اصبحت أقل بكثير من السابق، أي لم تختفِ، بينما ازدادت الفجوة النسبية في مستويات العيش والثروة والقوة بين العالمين، الغني القوي، من جهة، والفقير الضعيف، من جهة ثانية.
 
ولكن هذه الصورة ليس إطلاقية، بل هي نسبية، فهناك أثرياء وراجات وملوك وحكام في أسيا وافريقيا، ممن يملكون ما لا تملكه دول.  ولو اضفنا الى تجارة البضائع في السوق العالمية، تجارة الخدمات، وخصوصا المصرفية والتأمينية والتقنية والثقافية والتعليمية، لوجدنا أن الدول الرأسمالية اليوم تكاد تهيمن، تماما على التجارة الدولية، بمفهومها الواسع"
 
تاريخياً كانت الهيمنة الرأسمالية الغربية على الخدمات التأمينية سائدة في انحاء مختلفة من العالم، ولا يزال جوانب من هذه الهيمنة قائمة.  ولا يخفف من هذه الهيمنة في الوقت الحاضر صفة "الدولية" التي تلحقها بعض شركات التأمين العربية وغيرها بأسمائها فهي لا تمتلك القدرات الفنية لتحليل الأخطار التأمينية المعقدة ذات المبالغ الكبيرة والموارد المالية الكافية (الطاقة الاستيعابية) للاكتتاب بالأصول المادية والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها الموجودة في الغرب وحتى تلك الموجودة في مواطنها، وينطبق هذا الوضع بشكل خاص على أخطار تأمين العمليات والمشاريع النفطية والبروكيمياوية.  القليل من هذه الشركات التي ولجت هذا المجال في الماضي القريب تكبدت خسائر كبيرة في نتائج أعمالها واضطرت إلى ترك هذا المجال بسرعة رغم جاذبية أقساط التأمين الكبيرة.
 
لنتذكر أن توسع شركات التأمين الغربية تركزَّ في الدول الغربية ذاتها، وهذا ما يشهد عليه تاريخ توسع العديد من شركات التأمين البريطانية في أوروبا وفي كندا والولايات المتحدة، جنوب أفريقيا، نيوزيلنده واستراليا[11] وارتبط ذلك مع توسع السوق الوطنية المحلية في المتروبولات – القاعدة الأساسية للتوسع في الخارج.
 
بعض مظاهر الهيمنة التأمينية يتمثل بتحديد أسعار وشروط إعادة التأمين الاتفاقي، وتحديد أسعار وشروط تأمين المنشآت النفطية والبتروكيمياوية والمصانع الضخمة ومشاريع البنية التحتية.  وهذا ما يلاحظ بشكل خاص في سوق التأمين العراقي منذ استقدام شركات النفط العالمية من خلال جولات التراخيص.  فقد عملت شركات النفط العالمية العاملة في العراق على تقليص دور شركات التأمين المحلية إلى شركات واجهة، وتحويل أقساط تأمين العقود النفطية الجبارة، وهي أقساط ضخمة، إلى شركات التأمين المقبوضة لها captive insurance companies  وتحويل حصص صغيرة لشركات التأمين وإعادة التأمين التجارية في المتروبولات.  كما أن البعض من هذه الشركات النفطية والصناعية تشتري القليل من غطاء التأمين من شركات التأمين المحلية ذراً للرماد في العيون، إذ أن التأمين الحقيقي يجري في أوطانها وليس في العراق.
 
يضاف إلى ذلك تركز الخدمات المصاحبة لمؤسسة التأمين في المتروبولات الغربية: الكشف الهندسي الميداني، تسوية المطالبات الكبيرة، هيئات التحكيم، الصحافة التأمينية اليومية وكذلك المجلات التأمينية الرصينة، تعليم التأمين على المستوى المهني والأكاديمي، الخبرات الاكتوارية، الاستشارات التأمينية وغيرها – وكل هذه الخدمات ضعيفة في أسواق التأمين العربية وتكاد أن تكون مقفودة في العراق.
 
أحد مظاهر الهيمنة، القابل للنقاش، هو فتح الأبواب أمام شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية وكذلك الوسطاء بهدف بناء وتعزيز قطاع الخدمات المالية.  وكانت دبي وقطر والبحرين في المقدمة إذ أسست مراكز متخصصة تحكمها قوانين خاصة بها.  الملاحظ أن أغلب العاملين في هذه الشركات ليسوا مواطنين.  وفي حين أن الاتحاد الأوروبي يسير نحو المزيد من توحيد قواعد الرقابة على النشاط التأميني نلاحظ أن النظام الرقابي في الدول العربية مشتت بحيث يصعب على الشركات أن تعمل في أسواق أخرى بيسر.
 
ولكن علينا أن نتذكر بأن مؤسسة التأمين، أينما كانت، معنية بتفتيت الأعباء المالية المترتبة على تضرر الممتلكات وما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية.  ولهذا فإن شركات التأمين، وحتى العملاقة منها، تلجأ إلى شراء أنواع مختلفة من حماية إعادة التأمين لما يتجاوز قدراتها الاحتفاظية.
 
أحد التطورات الإيجابية المحلية هو ازدياد حجم الاحتفاظ بأقساط التأمين.  ففي الفترة من 2005-2011 ازداد الاحتفاظ كالآتي: 47%، 48%، 50%، 53%، 56%، 58%، 60%.  والنسبة الأخيرة لسنة 2011 تقديرية.[12]
 
هناك أدوات للتقليل من مظاهر الهيمنة.  في ستينيات القرن الماضي شجعت الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) على زيادة القدرات الاحتفاظية لشركات التأمين المحلية، وتأسيس شركات لإعادة التأمين لهذا الغرض.  ولنا في شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960) مثالاً جيداً على مثل هذه السياسة.
 
إفلاس شركات التأمين
 
ثم يأتي الكاتب على ذكر التأمين في سياق إفلاس شركات التأمين والإئتمان، ص 32-33:
 
"في هذه الحالة [أزمة رهون المساكن]، كيف تعالج الحكومة الأمر؟ سنتطرق لهذا الأمر لاحقا، ولكن للمناسبة نقول، بأنها عملية يراد بها كسب الوقت ولإيقاف التداعي، فتذهب الحكومة الى المصارف والمؤسسات المالية وتقول لهم: ها كم فوائدكم، ولا تفلسوا واستمروا في عملكم.  فهل هذا حلّ؟ سنرى أدناه.  ولكن بعض المؤسسات، مع ذلك تعلن إفلاسها للخروج من أزمتها، ولهذا الأمر مضاعفات مالية ونقدية واقتصادية، لا مجال لتفصيلها.  وهكذا أفلست أعظم مجموعة شركات للتأمين والائتمان في العالم، مثل المجموعة الأمريكية للتأمين، AIG))، وهكذا سقطت الليمان برذورز (Lehaman Brothers)، وسيتي گروب، (City Group)، والبنك الأمريكي، (Bank of America)، وفاني مي وفردي ماك، (Fannie Mae and Freddie Mac)، وغيرها الكثير من عمالقة بيوت المال والمصارف والتأمين والإئتمانات، لاسيما منها تلك التي ابتدعت نظم ائتمان متنوعة وهائلة تجعلك تشتري وانت "نائم"!"
 
تدخلت الدولة لإنقاذ شركات التأمين التي تعرضت إلى الأزمة مثلما فعلت مع المصارف مع الفارق أن أزمة بعض شركات التأمين لم تكن نتيجة لنشاطها التأميني الصرف وإنما ممارسة بعض أجهزتها للمضاربة بالمشتقات المالية.
 
لم تتخل أية شركة تأمين عن مقابلة التزاماتها تجاه المؤمن لهم وتعويضهم عن الخسائر المادية التي تعرضوا لها.  والأمثلة الحديثة على ذلك هي الخسائر التي ترتبت في سنة واحدة (2011) على زلزال وتسوماني فوكوشيما وما صاحبه من أضرار لمحطة الكهرباء النووية في اليابان وزلزال نيوزيلنده وفيضانات تايلندة وفي سنة 2012 الأعاصير في الولايات المتحدة الأمريكية.
 
شركات التأمين الأمريكية المفلسه وعدم قدرتها على تغطية خسائر المؤمن لهم في الاتحاد الأوروبي
 
يعرج الكاتب بعد ذلك، ص 35-36، إلى ذكر شركات التأمين الأمريكية المفلسة وعدم قدرتها على تغطية خسائر المؤمن لهم في دول الاتحاد الأوروبي:
 
"بالنسبة الى أوربا والاتحاد الأوربي ... فالتسديد عن صادرات الى أمريكا بدولارات يتآكل سعر صرفها، يعني أنها تخسر، وتسديد مستورداتها من أمريكا بدولارات منخفضة بطريقة الائتمان معناه خسارة إضافية، وانخفاض الطلب الأمريكي على صادراتها يعني بطالة، كما أن شركات التأمين الأمريكية المفلسة لا تغطي خسائرها، فيطال الانهيار، أولا، الدول الأوربية الأقل متانة، وهي اليونان والبرتغال واسبانية، وحتى إيطاليا وإيرلندة."
 
شركات التأمين الأمريكية لاتكتتب بأعمال التأمين في الاتحاد الأوروبي إلا من خلال إعادة التأمين، أي تأمين شركات التأمين الأوروبية.  ولم نقرأ ما يفيد عدم تسديد الشركات الأمريكية لحصصها من خسائر الشركات الأوروبية، وحتى شركات التأمين المفلسه، ومن بينها أي آي جي، لم تنقض التزاماتها بتعويض الشركات الأوروبية.  وبالنسبة لشركة أي آي جي، ولها حضور في عدد من دول الاتحاد الأوروبي وتكتتب باعمال التأمين المباشر في هذه الدول، فإنها كانت تغطي خسائر زباءنها المؤمن عليهم في الاتحاد الأوروبي في ظل أزمة السيولة التي كانت تهدد وجودها.
 
النظام التأميني وممارسة المضاربة
 
في ص 65، يضع الكاتب النظام التأميني على مصاف النظام المصرفي والمؤسسات التمويلية الأخرى في ممارسة المضاربة:
 
"إن النظام المصرفي والائتماني، ومصارف ومؤسسات الرهون العقارية والتأمين بأنواعه، في الولايات المتحدة، خصوصا، وفي دول الاتحاد الأوربي وغيرها من الدول غير الأوربية النامية، أيضا، كلها اتبعت سياسة المضاربة، وحتى ما يشبه المقامرة، بابتداع أدوات لتسهيل الائتمان ولمنح الضمانات للقروض الشخصية والعقارية والمضاربية، حتى بدون وثائق لإثبات التأهل والملائة المالية، مما أدى الى قيام اقتصاد نقدي صوري غير مرتبط بالقطاع الإنتاجي الحقيقي."
 
من الضروري التفريق بين سياسة المضاربة في سوق الأوراق المالية والمضاربة على أسعار التأمين.  المضاربة على أسعار التأمين سمة للأسواق القائمة على التنافس المفتوح بين شركات التأمين.  أما المضاربة على الأدوات الاستثمارية فهي ليست سمة ملازمة لشركات التأمين، فالمعروف عنها أنها تنهج نحو الاستثمارات التقليدية للمدى الطويل بفضل امتداد مسؤولياتها تجاه حملة وثائق التأمين لفترة طويلة وضرورة الامتثال لقواعد الملاءة المالية التي تفرضها عليها الأجهزة الرقابية لا بل أن بعض هذه الأجهزة، وخاصة في الولايات الأمريكية، تقرر سلامة المنتجات التأمينية المعروضة للبيع على المستهلكين.  قلة من شركات التأمين، أو بالأحرى كيانات استثمارية تابعة لها، خرجت عن النمط التقليدي في سياستها الاستثمارية، ومن بينها أي آي جي.
 
لنتذكر أن الغالبية العظمى من شركات التأمين لم تساهم في إحداث الأزمة المالية العظمى والمصاعب المالية التي تواجهها المصارف، فلم تقم هذه الشركات بإعادة تحزيم الرهون العقارية الثانوية.  كما انها لم توظف الأموال في المنتجات المالية المرتبطة بالرهون، باستثناء بعض الشركات التابعة لشركات التأمين كما كان الحال مع شركة أي آي جي.
 
لم تتأثر شركات التأمين بالأزمة المالية العظمى كثيراً بفضل نموذج العمل business model الذي تعتمدها، فهي تستدر الأموال (أقساط التأمين) مسبقاً من حملة وثائق التأمين، وهذه تتدفق عليها بشكل ثابت نسبياً وتحتفظ بنسبة منها في حالة سائلة.  كما أنها، في سياستها الاستثمارية، لا تركز على محافظ استثمارية قصيرة الأمد (المضاربة من أجل تحقيق ربح سريع).  ولذلك فهي لا تتعرض بنفس الدرجة إلى خطر عدم توفر السيولة التي تجابهها المصارف.
 
لم تستدعي الأزمة المالية والاقتصادية من شركات التأمين إعادة النظر في نموذج العمل – أي الاكتتاب بالأخطار القابلة للتأمين.  كما لم تؤدي الأزمة إلى نقص أو عجز في الطاقة الاستيعابية (العرض) للاكتتاب بأخطار التأمين على الحياة وغير الحياة في حين أن المصارف لجأت إلى التقليل من تقديم القروض.
 
وخلافاً للمصارف فإن شركات التأمين (الأمريكية) لم تطلب المساعدة المالية من الدولة لضمان سيولتها ومقابلة التزامتها.  وحتى تلك الشركات التي استدعت تدخل الدولة كان التدخل ليس لتمويل الخسائر في أعمالها التأمينية وإنما العجز في السيولة التي خلقتها المنتجات المالية والنشاط المصرفي.
 
شركات التأمين لها دور في المساهمة في تسريع انهاء الأزمة المالية والانكماش الاقتصادي من خلال الاستمرار في أداء دورها في الاقتصاد الحديث.  وكما جاء في إحدى الدراسات المهمة، التي استقينا منها بعض الأفكار أعلاه، فإن هذا الدور يتمثل بالتالي:[13]
 
1-     تعزيز الاستقرار والضمان المالي من خلال تعويض الخسائر المادية على مستوى الشركات والمؤسسات وعلى مستوى الأفراد.
2-     تشجيع الاستثمارات المادية الإنتاجية، وابتداع وسائل جديدة للتخفيف من نتائج المصائب المالية.
3-     توفير وسيلة للادخار (من خلال وثائق معينة للتأمين على الحياة) وحشد المدخرات لأغراض التوظيف كمصدر إضافي للدخل.
4-     المساهمة في الاستخدام الكفوء لرأس المال اعتماداً على دور شركات التأمين كمستثمرين مؤسسيين institutional investors.  وهنا يظهر دور شركات التأمين كوسطاء ماليين في إعادة استثمار الأموال المتجمعة لديها.
 
إفلاس شركات التأمين الأمريكية وانقاذها من قبل الحكومة الأمريكية
 
في ص 65-66 يرجع الكاتب إلى موضوعة إفلاس شركات التأمين وانقاذها من قبل الحكومة الأمريكية:
 
"نتيجة التدفقات الهائلة للسيولة الوهمية، بدون مقابل مناسب لسلع حقيقية، ارتفعت الديون والفوائد والعمولات، فزادت مديونية الأفراد والمؤسسات، وعجزت المصارف عن التسديد، حيث لم تسدد لها الفوائد المستحقة المقيدة حسابيا، بل وأفلس العديد من المؤسسات المالية والعقارية والتأمينية الكبرى في الولايات المتحدة، وامتدت الآثار، خصوصا لدول الاتحاد الأوربي التي تشكل حلقاته الضعيفة.  واضطر المستهلكون الى التقشف، رغم انهيار أسعار العقارات، وانخفاض سعر الفائدة الى الصفر، وارتفعت البطالة.  ولم تجد الحكومة الاتحادية، من خلال مؤسسة الاحتياطي الفدرالي بدّا من طبع المزيد من تريليونات الدولارات، لتمكين المصارف والمؤسسات المالية والتأمينية من الاستمرار في البقاء، ولمحاولة سد أو التقليل من ضغط الديون الخارجية والعجز الكبير في الميزان التجاري، دونما نجاح يذكر، هبطت قيمة الدولار بنسبة 30% حتى الآن."
 
نعم ساهم "طبع المزيد من تريليونات الدولارات" على إسعاف بعض شركات التأمين للاستمرار في البقاء، وأشهرها بالطبع هي شركة أي آي جي (American International Group) وهي "امبراطورية" يعود تاريخها إلى سنة 1919تضم عشرات الشركات في الولايات المتحدة وخارجها ومنها شركات متخصصة في التأمين على الحياة وشركات تتعاطي بأشكال من ضمان ديون القروض العقارية (كالمشتقات المالية).  وامتدت إجراءات الإنقاذ إلى شركات تأمين أخرى هي شركة هارتفورد للخدمات المالية (Hartford Financial Services) وشركة لنكولن الوطنية (Lincoln National Corporation) وبضع شركات تأمين أخرى.[14]
 
بعد اقترابها من حافة الإفلاس وبغية فصل نشاطها التأميني عن نشاطها المالي، الذي تسبب في تعريضها للأزمة، غيرت آي أي جي اسمها سنة 2009 إلى ﭼارتس Chartis وبعد انقاذها من قبل الحكومة الأمريكية.  بعد تسديد ديونها للخزانة الأمريكية قامت الشركة في تشرين الأول 2012 بإحياء الأسم الأصلي والتخلي عن اسم ﭼارتس.  وقد حقق البنك الاحتياطي الفيدرالي أرباحاً تزيد عن 17 بليون دولار لقاء بيعها سندات شركة آي أي جي.[15]
 
النظام التأميني ودوره الاقتصادي التوازني في فكر كامل العضاض
 
النظام الرأسمالي قائم على التنافس، باشكاله المختلفة، التنافس غير التام والتنافس الاحتكاري، وتاريخه يشهد على الأزمات التي تعرض لها.  هذه الأزمات ملازمة للنظام.  لكن فشل شركات التأمين في مقابلة التزاماتها تجاه حملة وثائق التأمين لم تكن دائماً مقرونة بالأزمة الاقتصادية العامة وإنما لأسباب أخرى كالإيغال في المنافسة على أسعار التأمين بحيث تكون أقساط التأمين غير كافية لتمويل المطالبات بالتعويض وذلك عندما يزداد عدد المطالبات.  ويجد هذا حضوراً له في التأمين على السيارات.  ولعل الحالة الأشهر هنا، بين ست شركات تأمين أنهارت في بريطانيا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، هي الانهيار السريع لشركة التأمين البريطانية Vehicle and General سنة 1971 التي توسعت سريعاً في اكتتابها بالأعمال، المنتجة من خلال وسطاء التأمين، وباسعار خارج التعريفة التي كانت سائدة بين شركات التأمين آنذاك.  وبسبب هذا الانهيار أصبحت وثائق تأمين السيارات لما يقرب من مليون من حملة الوثائق لا قيمة لها.  وهو أيضاً ما حصل سنة 1967 لشركة تأمين أخرى Fire, Auto and Marine Insurance Company.  وكان من نتائج هذه الانهيارات زيادة قاعدة رأسمال شركات التأمين وتشديد الرقابة على أعمالها.
 
لنتذكر أن شركات التأمين نجت من آثار الحروب، والكساد الاقتصادي، وانهيار أسواق المال والفضائح وغيرها دون أن تستهين بمسؤولياتها.  فمعظم شركات التأمين تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار في تسيير أعمالها خلافاً للمصارف التي تشهد اندفاع المودعين إلى سحب أموالهم منها عند أول تعرضها للأزمة.  وهنا يظهر دور الدولة في حماية ودائع المدخرين لضمان استمرار البنوك "التعبانه" (على شفا الإفلاس) في أداء أعمالها ومقابلة بعض التزاماتها لحين استرداد عافيتها.  ولهذا تلجأ الدولة إلى خلق مؤسسات متخصصة لهذا الغرض، وهو الحال في معظم الدول الغربية وحتى في أفغانستان![16]  وقد تلجأ الحكومات إلى التدخل في وقت الأزمات التي تتعرض لها البنوك (bank run) إلى تأميم هذه البنوك والمؤسسات المماثلة للحفاظ على النظام المصرفي وحقوق المودعين، وهو ما أقدمت عليه الحكومة البريطانية سنة 2008 عند فشل بنك Northern Rock
 
لا شك ان خطة الانقاذ للمؤسسات المالية وبعض شركات التأمين التي اقدمت عليها حكومة الولايات المتحدة هي تعبير عن أزمة للنظام الرأسمالي برمته المندفع دوماً نحو تحقيق الأرباح.  ويقع عبء فشلها على الناس العاديين من خلال سياسات التقشف، وتقليص الانفاق على المنافع الاجتماعية والصحية.
 
لنضيف على ذلك ما كتبه د. كامل العضاض سابقاً وفي مكان آخر عن الدور التوازني للنشاط التأميني، والذي يدل على فهم عميق لدور النشاط التأميني في الاقتصاد الوطني على عكس ما أفادنا به في كتابه.  فقد كتب في نيسان/أبريل 2009 تعليقاً على ورقة كتبتها بعنوان "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً"[17] انقل مقاطع منه:
 
"لقد استمتعت فعلا بقراءة ورقتك عن قطاع التأمين في العراق المقترحة لندوة برلين التي يشرف عليها الأستاذ الدكتور كاظم حبيب. اعتقد إن تشخيصاتك، ليس فقط عن غياب الرؤية الاستراتيجية لإعادة بناء العراق بكل كياناته الإنتاجية والخدمية، (وقطاع التأمين في طليعتها)، بل، أيضا، لتدني الفكر القيادي الموجّه، إذ يبدو إن هذا الفكر يفتقد الإحاطة الكافية أو حتى الفهم المتداول للبرالية ودور القطاعين العام والخاص، بمنظورها العلمي؛ يفتقده حتى بالمعايير الرأسمالية الأمريكية ذاتها.
 
أشتغل حاليا على دراسة في الحسابات القومية، حيث وجدت من خلال موازنة أرصدة، أو فوائض حسابات الأنشطة السلعية، (أي المادية)، مع كل من فوائض الأنشطة الخدمية، (غير المادية)، وفوائض أنشطة التأمين، فوجدت، لحد الآن إن قطاع التأمين هو الذي يلعب الدور التوازني، كلما يحصل خلل ما بين الإنتاج السلعي والنشاط الخدمي المصرفي، أو القطاع المالي كله.  إذ تعلم إن الأزمات المالية الكبرى، ومنها الحالية في الاقتصادات التي يفور فيها النشاط المالي والنقدي والائتماني، وليس التأميني، كالاقتصاد الأمريكي، حيث يفضي النشاط المالي، بإبداعاته وفذلكاته المالية، كإعادة الشراء والتسييج والمشتقات، مما يؤدي إلى أن تتحول المعاملات المالية إلى اقتصاد وهمي، ذلك لأنها لا تقوم على تدفق مماثل للسلع الحقيقية.  أما قطاع التأمين، فهو الذي يسحب السيولات النقدية ويوظف أرصدته المالية في حافظة من الاستثمارات الحقيقية، فهو إذن، يلعب دور توازني ما بين القطاعين السلعي المادي والخدمي الإنتاجي، بما في ذلك الخدمات المالية.  وأمامنا مثال هائل للأزمة المالية العالمية الحالية، وخصوصا في الولايات المتحدة، فالاختلال أصبح الآن هيكليا بسبب عبثية القطاع المالي! وهل تعلم أن شركات التأمين الأمريكية، مثل أليكو، لم تتأثر بفضل حافظتها البليونية في قطاع الاستثمار الحقيقي.
 
من هنا أقول، انه لا يوجد إلا فهم ساذج لدور نشاط التأمين في العراق في مجال التوازن الاقتصادي. وهذا ناهيك عن دوره في إستدناء الأخطار وفي توزيع أعباء الخسائر وفي المحافظة على الأصول الجديدة والتراكمية في الاقتصاد العراقي. أعتقد، بصراحة، إن ورقتك جاءت، ليس فقط في وقتها المناسب، وإنما أيضا، لتسد فراغا مغفلا، بما يخص القطاع التأميني الهام جدا في العراق."
 
وكتبتُ للعضاض: "إن ما تقدمتَ به من ملاحظات حول الدور التوازني لصناديق التأمين لتعديل الخلل بين الإنتاج السلعي والنشاط الخدمي المصرفي أو القطاع المالي، أمر جديد علي لأنني لست اقتصادياً ولم أقرأ ما فيه الكفاية عن الاقتصاد والتأمين والمصارف.  لذلك فإني لست في موقع العارف الذي يستطيع الدخول في نقاش نظري علمي حول هذه الأطروحة.  وأرى، إن توفرَ لك الوقت، تطوير أطروحتك وهي، في رأي، لا تجد لها تطبيقاً في الاقتصادات غير المعقدة كالاقتصاد العراقي، إذ أن التوازن الاقتصادي الذي تتحدث عنه له علاقة ببيئة استثمارية متطورة لا تجد لها حضوراً في العراق.
 
ربما يكون الخلل الأكبر متمثلاً بالفجوة بين ما أسميته بالاقتصاد الوهمي (المضاربة بالأوراق المالية التقليدية والجديدة، وهي التي فجّرت الأزمة الأخيرة، التي لا علاقة لها بالإنتاج) والاقتصاد الحقيقي (إنتاج السلع والخدمات لإشباع الحاجات المعيشية للناس). وهو تطور رصده الاقتصادي الماركسي بول سويزي Paul Sweezy‏‏ (1910-2004) منذ سبعينات القرن الماضي في العديد من مقالاته المنشورة في مجلة Monthly Review http://monthlyreview.org/ ‏‏والتي نشرت فيما بعد ككتب مع زميله هاري ماﮔدوف أحدها كتاب Stagnation and the Financial Explosion‏‏ الذي نشر في أواسط ثمانينات القرن الماضي. وفيها نتعرف على مفهوم "الأمْوَلَة" financialisation‏‏.
 
ذكرتَ "أن شركات التأمين الأمريكية، مثل ‏‏أليكو، لم تتأثر بسبب حافظتها البليونية في قطاع الاستثمار الحقيقي" وهو قول يحتاج إلى تكييف. أليكو شركة أمريكية متخصصة بالتأمين على الحياة لها فروع في العديد من دول العالم وهي تابعة للشركة الأم أي آي جي AIG) American Insurance Group)‏‏ وتعرفُ أن شركات التأمين على الحياة وبسبب طبيعة عقود التأمين التي تكتتب بها، والتي تمتد لسنوات عديدة تنتهي بوفاة المؤمن عليه أو بقائه حياً عند تحقق أجل وثيقة التأمين، مجبرة بقوة القوانين الرقابية على الاستثمار الآمن لمقابلة مسؤولياتها تجاه المؤمن عليهم. ومن هنا منشأ السياسة الاستثمارية المحافظة لشركات التأمين على الحياة. وبالنسبة للشركة الأم، وهي الأكبر في العالم، فإنها كانت على حافة الإفلاس لولا "التأميم" الجزئي لها من قبل الخزانة الأمريكية بعد ضخ ما يقرب من 80 بليون دولار لدرء انهيارها مما كان سيؤثر على الاقتصاد الأمريكي ككل وكان سيكون له تداعيات على اقتصادات أخرى.
 
في مناخ الأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي فإن المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين ليست بمنأى عن آثار هذه الأزمة خاصة بعد أن أصبحت كلفة رأس المال (الاقتراض لأغراض التوسع مثلا) أصبحت عالية، وتعرّضَ العائد على استثمارات شركات التأمين وكذلك قيمتها السوقية إلى الهبوط، وميل المؤمن لهم، وخاصة الكبار منهم، إلى إعادة النظر في برامجهم التأمينية لتقليص كلفة شراء الحماية التأمينية.  وحتى الأفراد يسيرون بنفس الاتجاه من خلال الاحتفاظ بنسبة من الأخطار المؤمن عليها لحسابهم لتقليص ما يسددونه من أقساط التأمين على أموالهم."
 
 
مفارقة في موقف العضاض من النشاط التأميني
 
هناك مفارقة في الموقف من النشاط التأميني بين ما عرضه العضاض في كتابه الأزمة المالية العالمية وبين ما كتبه عن الدور التوازني الاقتصادي لمؤسسة التأمين.  هذا الموقف بحاجة إلى تفسير.  ربما يعود سبب المفارقة إلى أن الكتاب لا يضم فصلاً أو فقرات مستقلة عن التأمين بل يظهر عرضاً وبشكل ثانوي ولهذا تضيع تفاصيل آلياته ودوره في الحياة الاقتصادية، ويصبح موضوعاً للحكم السلبي والإدانة شأنه شأن المصارف.
 
لكن هذا الموقف العام في الكتاب لا يتساوق في المطلق مع موقفه السابق والذي شخصَّ فيه بدقة ما أسماه بالدور التوازني للنشاط التأميني.
 
نعرض هذه المفارقة على العضاض ليوضحه للقارئ.
 
 
لندن
كانون الأول - كانون الثاني 2013


[1] مصباح كمال، "التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية"، الثقافة الجديدة، العدد 336، 2010، ص36-49.  نشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2010/07/336-2010-36-49.html
 
[2] د. كامل العضاض، الأزمة المالية العالمية: أبعادها وآثارها (بيروت، د.ن، 2011).
 
[3] John Bellamy Foster & Robert W McChesney, The Endless Crisis, (New York: Monthly Review Press, 2012).
 
[4] Ray Bourhis, Insult to Injury: Insurance, Fraud, and the Big Business of Bad Faith (San Francisco: Berrett-Koehhler Publishers, Inc., 2005).
 
[5] Cathy Gunn, Nightmare on Lime Street: Whatever Happened to Lloyd’s of London? (London: Smith Gryphon Publishers, 1992).
 
[6] Charles Weiss, Closing the Books: Jewish Insurance Claims from the Holocaust (New York: Enigma Books, 2008)
 
[7] Alexander Colin Campbell, Insurance & Crime: a consideration of the effects upon society of the abuses of insurance, together with certain historical instances of such abuses (New York & London: G P Putnam’s Sons, 1902).  Reprinted by Amazon: Marston Gate, Milton Keynes, n.d.
[8] معظم كتب التأمين التدريسية تضم فقرات عن تصنيف الأخطار القابلة للتأمين وتلك غير القابلة للتأمين.  راجع على سبيل المثال:
Emmett J Vaughan & Therese M Vaughan, Fundamentals of Risk and Insurance (New York: John Wiley & Sons, Inc, 8th ed. 1999), p 7.
 
David L Bickelhaupt, General Insurance (Homewood, Illinois: Richard d Irwin, Inc., 11th ed, 1983), p 10-11.
 
[9] Geneva Association, Systemic Risk in Insurance: An analysis of insurance and financial stability
 
[10] للمزيد من التفاصيل راجع:
Geneva Association, The Geneva Association Press Release No 14./December 2012,Cross industry analysis: 28 G-SIBs vs. 28 Insurers Comparison of systemic risk indicators” [G-SIB: Global Systemically Important Banks]. http://www.genevaassociation.org/PDF/General_Information/GA2012-PR-14-12.pdf
 
Sebastian Schich, “Insurance Companies and The Financial Crisis” http://www.oecd.org/insurance/insurance/44260382.pdf
 
[11] Edward Liveing, A Century of Insurance: The Commercial Union Group of Insurance Companies 1861-1961 (London: H F & G Witherby Ltd, 1961) pp 28-45.
[12] “Magnetic Appeal of the Middle East,” Global Reinsurance, December 2012, p 39.
[13] The Geneva Reports, No 3, January 2010, Anatomy of the Credit Crisis: an insurance reader from the Geneva Association, edited by Patrick M Liedtke.
 
[16] الودائع في البنوك في العديد من الدول تتمتع بحماية الدولة من خلال مؤسسات مختصة مستقلة أو تعمل بإشراف البنك المركزي للبلاد.  وغالباً ما تكون حدود الحماية، أي التعويض، محددة بسقف أعلى.  ففي بريطانيا فإن مدخرات المودعين في البنك المصرح له بالعمل، أي البنك الذي يخضع لرقابة سلطة الخدمات المالية Financial Services Authority (FSA) ، محمية من قبل مؤسسة تعرف باسمFinancial Services Compensation Scheme  وبسقف أعلى للشخص الواحد قدره 85 ألف باون.
 
[17] مصباح كمال، "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً"، الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009.  نشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/12/2009.html
 


ليست هناك تعليقات: