إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/10/03

الإسكان والتأمين في العراق

الإسكان والتأمين في العراق

 تعقيب على طاولة مستديرة حول الإسكان في العراق




مصباح كمال



نشرت مجلة الثقافة الجديدة خلاصة عن "طاولة مستديرة حول الإسكان في العراق"[1] عقدت في 30/10/2010 على قاعة جمعية المهندسين ببغداد. وجاء في الخلاصة أن الطاولة ضمت "عدداً من المهتمين والمختصين من مهندسي وزارة الاعمار والإسكان ورجال الأعمال والعاملين في قطاع المقاولات ومهندسين عاملين لمناقشة وضع الإسكان في العراق وما نشرته وزارة الإعمار والإسكان حول سياسة الإسكان الوطنية في العراق لسنة 2010."



ثلاثة عناصر لم تكن ممثلة في هذه الندوة: المهندسات، إقليم كوردستان، وقطاع التأمين. الإسكان، كما ذكر موفق الطائي، خبير إسكان ومهندس معماري، موضوع شائك "يهم شعبنا بكامله وبكل طبقاته وفئاته" وأن "أهم مقومات سياسات الإسكان هو التصدي لمشكلة إنسانية ضرورية تأتي بعد الطعام." (ص 58). أليس للمرأة مكان في إطار هذا التحديد وكذلك إقليم كوردستان؟ كان من المناسب على منظمي الطاولة المستديرة إشراك مهندسة، ومهندس من الإقليم، وكذلك ممثلاً عن قطاع التأمين[2] لدوره الساند في الإسكان، موضوع هذه المقالة.



لا تظهر كلمة التأمين في خلاصة الندوة رغم أن أ. د. مظفر علي الجابري، استشاري تخطيط حضري وإسكان، شدد على ضرورة أن تضمن الحكومة "تنظيم سوق للتمويل السكني كجزء من القطاع المالي ويستدعي الأمر وضع قانون جديد لتمويل الإسكان لضمان حصول الجهات المقرضة على ما يكفي من الضمانات في حالة تعثر القروض بحيث يتضمن القانون على الأحكام المتعلقة بالحجر وإعادة التمليك تنفيذ المشاريع الإسكانية والإشراف عليها." (ص 56. التشديد لم يرد في الأصل). القطاع المالي الذي يشير إليه الجابري[3] يتكون من مؤسسات التأمين والمصارف والأوراق المالية إلا أن التأمين لا يجد له حضوراً في دراسته كواحدة من آليات الضمانة لتسديد القروض في حالة تعثرها. سنعرض، باختصار، دور التأمين في ضمان القروض العقارية وفي تأمين مشاريع الإسكان.



دور التأمين في توفير الضمانة للقروض العقارية




يمكن للبنوك أن تلعب دوراً مهماً لتمويل الأفراد لشراء المساكن أو بناءها من خلال تقديم قروض لهم بضمانات التأمين. كما يمكن للجمعيات المهنية والتعاونية تمويل أعضاءها لذات الغرض، وكذلك المؤسسات التابعة للدولة. وفي كل هذه الحالات يلعب التأمين دور الضامن لصالح المقترضين والمقرضين. يقول السيد عبدالكريم شافي، مدير أقدم في شركة التأمين الوطنية:[4]



لا شك أن القروض بمختلف أنواعها سواءاً كانت قروض لغرض الأسكان أو قروض لغرض شراء أرض سكنية أو لغرض شراء سيارة أو سلع معمرة أو قروض لغرض الزواج وتسمى (سُلف الزواج) جميعها لها علاقة مباشرة بالتأمين لما توفره شركات التأمين من ضمان وحماية (للمقرض والمقترض) على حد سواء. فالمُقرِض يريد استرداد مبالغ القروض التي منحها الى طالبي القروض مع الفوائد المترتبة عليها ضمن فترة تسديد مبالغ تلك القروض، ويخشى في حالة حصول خطر معين على المقترض، كالوفاة أو العجز مثلاً، من عدم قدرته على استرداد مبالغ القروض. هذا من جهة، أما المقترض فإنه يخشى أن يتم الحجز وبيع العقار أو الرجوع على الورثة في حالة وفاته لاسترداد مبلغ القرض نظراً لعدم قدرة واستطاعة الورثة تسديد مبلغ الدين، ولذلك تحصل مشاكل كثيرة بين الطرفين.



البنوك العقارية التي تقدم القروض لشراء المساكن تشترط على المقترض ضرورة التأمين على العقار موضوع الرهن ضد خطر الحريق وأخطار أخرى للحفاظ على مصالحها عند تعرض العقار إلى الأضرار التي لا يستطيع المقترض تصليحها من موارده الخاصة. وقد تقوم البنوك بإجراء التأمين باسمها وتحميل المقترض قسط التأمين. وتشترط أيضاً تأمين حياة المقترض لتضمن حقوقها إن تعسّر على المقترض سداد القرض. ومثل هذا الإجراء يوازيه ما يرد في قانون صندوق الإسكان العراقي لسنة 2011:



المادة 15

اولا – للصندوق ان يؤمن على حياة المستفيدين من اعماله.

ثانيا – يعد عقد التامين المؤقت الجماعي المبرم بين الصندوق وشركات التأمين على حياة المستفيدين صحيحا ونافذا من تاريخ ابرامه دون موافقة المستفيدين التحريرية.



ونحن بانتظار من يقوم بدراسة هذا القانون ضمن رؤية تأمينية، وكذلك دور شركات التأمين العراقية القائمة في توسيع دور التأمين في الإسكان. [5]



شرح السيد شافي الأغطية التأمينية لوثيقة القروض كما يلي:

تغطي الوثيقة حالات الامتناع أو التوقف عن التسديد ويقصد هنا بهذه الحالات الامتناع أو التوقف عن تسديد الأقساط الشهرية لمبلغ القرض – الذي تم استلامه من قبل المقترض – الى الجهة المستفيدة التي منحت القرض خلال مدة القرض المحددة في جدول الوثيقة.

إن الأغطية الحالية لوثائق قروض السيارات أو الأسكان تشمل ما يلي:

1- الوفاة الطبيعية.

2- الوفاة بحادث عرضي.

3- الوفاة نتيجة حادث إرهابي.

4- عدم التسديد لأي سبب كان.

ويمكن الاستغناء عن ذكر حالات الوفاة الطبيعية أو الوفاة بحادث عرضي أو إرهابي والاقتصار على ذكر غطاء عدم التسديد لأي سبب كان بما فيها حالات الوفاة بغض النظر عن طبيعية الوفاة.

أما الحالات الأخرى التي لم تذكر ضمن الأغطية التأمينية المذكورة أعلاه مثل العسر المالي للمقترض عن تسديد مبلغ القرض بسبب فقدانه لعمله فإن وثائق القروض لا تغطي هذه الحالات. ونرى من الضروري إعادة النظر بغطاء التأمين لهذه الوثيقة لتشمل بعض الحالات الخارجة عن إرادة المقترض مثل (العسر المالي والعجز المانع من مزاولة العمل بشكل مؤقت أو دائمي والاختطاف) وبأقساط إضافية.



ويثير السيد شافي هنا مسألة مهمة بشأن إعادة النظر بغطاء وثيقة تأمين قروض الإسكان، المخصصة لتأمين القروض الفردية. فالتوسع في غطاء التأمين ليشمل العسر المالي للمقترض أو تعرضه لعجز بدني، دائمي أو مؤقت، أو تعرضه للاختطاف، مغيباً لفترة قصيرة أو طويلة، ما يمنعه من مزاولة العمل ضرورية كي لا يخسر المقترض أو أسرته مسكنه خاصة وأن المقترض يتحمل كلفة شراء حماية التأمين. ومن المفيد لو تمت إعادة النظر بالتعاون مع البنوك العقارية ومؤسسات الإقراض وخبرة عالم إكتواري.



دور التأمين في تأمين مشاريع الإسكان




تأمين المشروع أثناء الإنشاء


مشاريع الإسكان كأي مشروع آخر تتعرض إلى الأضرار بفعل عوامل الطبيعة القاهرة كالفيضانات والعواصف وتلك التي تنشأ بفعل البشر، مما يستوجب التصليح للاستمرار في الإنشاء لحد الإكمال. وهناك وثائق متخصصة للتأمين تعرف باسم وثيقة كافة أخطار المقاولين تقوم بتعويض المؤمن له، أو المستفيد من غطاء الوثيقة، عن الأضرار المادية العارضة التي تلحق بأعمال الإنشاء.



أنشطة اقتصادية مرتبطة بمشاريع الإسكان


يحتاج تنفيذ مشاريع الإسكان إلى مواد إنشائية مختلفة كالطابوق والإسمنت والحديد والخشب وغيرها. وهذه تتكامل مع بعضها وتوفر مصدراً مهما للعمالة، وضمان توفرها وإنتاجها ضروري لبناء المساكن الجديدة وتحسين وتصليح المساكن القائمة. وتساهم مشاريع الإسكان في تحريك قطاع الإنشاء والمساهمة في النمو الاقتصادي. مصانع قطاع الإنشاء تحتاج أيضاً لحماية تأمينية لتغطية الخسائر والأضرار التي قد تتعرض لها هذه المصانع جراء عوامل الطبيعة أو بسبب العطب الذي يلحق بالمكائن خلال عملية الإنتاج أو بسبب مصادر أخرى مسببة للضرر.



وتقوم شركات التأمين بتوفير وثائق تأمين مختلفة لهذه المصانع ومنها وثائق التأمين على الحريق (أو وثيقة جميع أخطار الممتلكات)، وثيقة عطب المكائن، وثيقة تأمين الآليات والمعدات المستخدمة في المشاريع الإنشائية وفي معامل الطابوق والسمنت وغيرها من المعامل ذات العلاقة بقطاع الإنشاء.



تأمين المساكن بعد إشغالها


امتلاك مسكن مسألة مهمة في حياة الناس وخاصة للأسر، ومالك المسكن قد لا يقوم بالتأمين عليه لقلة الدخل المتوفر لديه لشراء الحماية التأمينية، أو لقناعة أن ما يحصل للمسكن من ضرر هو من باب القضاء والقدر، أو أن احتمال وقوع الضرر للمسكن بعيد ولذلك ليست هناك حاجة ماسة للتأمين. يعنى هذا أن التدبر للمستقبل من خلال التأمين (لتمويل كلفة تصليح الأضرار المحتملة في المستقبل) ليست واردة في البال، وعموماً فإن عادة التدبر ليست عادة شائعة في مجتمعنا.



لكن المساكن رغم عائديتها لأفراد أو جمعيات أو للبلديات وغيرها تشكل جزءاً من الثروة الوطنية، ولذلك يجب الحفاظ عليها أكان ذلك من خلال الصيانة المستمرة واتخاذ تدابير منع وقع الأضرار أو من خلال التأمين. فالمساكن كغيرها قد تتعرض، على سبيل المثال، إلى طفح المياه نتيجة انفجار مواسير المياه وانفجار قناني الغاز الطبيعي وانفجار الغلايات والحريق والفيضان والعواصف واصطدام المركبات وغيرها من الأخطار.



غياب رؤية تأمينية تجاه الإسكان[6]


نظن أن قطاع التأمين العراقي ليس له موقف تجاه الإسكان، وليست هناك محاولات معروفة للانخراط في أي جهد بهذا الشأن. لذلك فإن الفرصة مواتية لقيام جمعية شركات التأمين بالدعوة لدراسة الفرص المتاحة أمام شركات التأمين الوطنية للمساهمة في رسم سياسة الإسكان وما تستطيع أن تقدمه من حماية تأمينية ومن تمويل.



ومن المفيد هنا أن نقتبس بعضاً مما ذكره د. مظفر علي الجابري في دراسته. يلخص د. الجابري محتوى دراسة (سياسة الإسكان في العراق) بأربعة محاور هي:[7]



أولا: التخطيط والمتابعة.

ثانيا: مواد البناء وتخصيص المواقع والخدمات.

ثالثا: سوق التمويل السكني:

رابعاً: تنفيذ المشاريع الاسكانية والإشراف عليها.



ويمكن لقطاع التأمين أن يكون طرفاً في بعض هذه المحاور وتحديداً محور مواد البناء: معامل مواد البناء للقطاعين العام والخاص إذ يستطيع قطاع التأمين توفير أغطية تأمينية مناسبة لهذه المعامل كما هي عليها الآن أو عند إعادة ترميمها أو تركيب الجديد منها.



المحور الآخر الذي يمكن لقطاع التأمين أن يكون طرفاً أساسياً فيه هو سوق التمويل السكني. لنقتبس مرة أخرى ما قاله د. مظفر علي الجابري لأهميته:



في سياسات الإسكان الوطنية في العراق، من الضروري ، ان تضمن الحكومة تنظيم (سوق) للتمويل السكني كجزء من القطاع المالي ككل، ويستدعي الأمر وضع قانون جديد لتمويل الإسكان، بالإضافة إلى تعليمات التطبيق المرافقة له. وذلك لضمان حصول الجهات المقرضة على ما يكفي من الضمانات في حال تعثر القروض بحيث يتضمن القانون على الأحكام المتعلقة بالحجز وإعادة التمليك وإعادة بيع الضمانات.



وكما قلنا فإن شركات التأمين تُشكل أحد العناصر المكونة للقطاع المالي. إضافة إلى دوره في توفير مجموعة من أغطية التأمين لكل ما له علاقة بالإسكان، يمكن لشركات التأمين أن تقوم بتمويل مشاريع سكنية لموظفيها أو لآخرين بحدود ضيقة دون تعريض احتياطياتها إلى خطر النضوب وفشلها في الوفاء بالتزاماتها تجاه حملة وثائق التأمين (تبني سياسة استثمارية محافظة وضمن الضوابط الرقابية). [8]



لا ندعي اختصاصاً في مجال التأمين على القروض العقارية ونأمل أن يساهم الزملاء المعنيين في شركات التأمين العراقية في تقديم آرائهم ودراساتهم عن دور التأمين في دعم مشاريع الإسكان الفردي والجماعي تأميناً وتمويلاً، والتعاون مع الأطراف ذات العلاقة بكل مراحل مشاريع الإسكان، وبلورة دور شركات التأمين العراقية، وكذلك تطوير وثائق التأمين القائمة وإدخال الجديد منها بما يتناسب مع طبيعة هذه المشاريع إذ أن هذه الوثائق مكيفة أساساً للتأمينات الفردية.





لندن 3 شباط 2012



1. الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011، ص 57-66.



2. جمعية شركات التأمين تضم في عضويتها شركات التأمين العامة والخاصة، ويمكن التعاون معها مستقبلاً لغرض تعيين ممثل عنها للمشاركة في ندوات يمكن أن يشكل التأمين أحد عناصرها.



3. لم نطلع على ورقة أ. د. مظفر علي الجابري "سياسة الإسكان الوطنية في العراق" لسنة 2010 الصادرة عن وزارة الإعمار والإسكان لكننا قرأنا له مقالة بنفس العنوان منشورة في الموقع الإلكتروني للحزب الشيوعي العراقي في 18/5/2011:

http://www.iraqicp.com/2010-11-21-17-49-26/3477-2011-05-18-07-11-32.html

لا يرد أي ذكر للتأمين في هذه الورقة.



4. عبدالكريم حسن شافي، القـروض والتـأميـن، مرصد التأمين العراقي

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/10/09/loans-and-insurance/

5. محمد الكبيسي، "نحو تطوير مشروع مشترك للتأمين على القروض" مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/10/12/loans-and-insurance-2/



6. غياب الموقف ليس بالغريب إذ أن قطاع التأمين ممثلاً بشركات التأمين العامة والخاصة، المنضوية في عضوية جمعية شركات التأمين، ليس له موقف تجاه موازنة الدولة، أو الانتخابات التشريعية، أو برامج الحكومة وغيرها. وقد نوهنا إلى ذلك وكتبنا عنه في مقالات منشورة في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي الإلكترونية. أنظر، عل سبيل المثال، مصباح كمال "تعليق على غياب التأمين في برنامج الحكومة للسنوات 2011- 2014" في مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/09/07/absence-of-insurance-in-government-programme-for-2011-14/



7. د. مظفر علي الجابري، مصدر سابق.

8. لتعريف أولي بالدور الاقتصادي لمؤسسة التأمين والقيود المفروضة على السياسة الاستثمارية لشركات التأمين أنظر: مصباح كمال "هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كوردستان العراق؟"، مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2008/08/blog-post.html






ليست هناك تعليقات: