نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق
مصباح كمال
مقدمة
كتبتُ مثل ما كتب غيري من زملاء المهنة عن إهمال النشاط التأميني في الكتابات الاقتصادية العراقية، وكذلك إهمال الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومات التي تشكلت بعد 2003. وكتبنا أيضاً عن قيام البعض بإصدار أحكام بشأنه فيها الكثير من الإجحاف بتاريخ هذا النشاط والعاملين فيه. وقد يكون من التطرف إلقاء اللوم على كيانات التأمين (كديوان التأمين العراقي وجمعية التأمين العراقية وشركات التأمين) بعدم الدفع باتجاه إعلاء مكانة التأمين في التفكير السياسي والاقتصادي في العراق ولدى الحكومة، وهو موضوع حسّاس يستحق بحثاً موضوعياً مستقلاً. لكنني أرى ان ما ينتظم هذا الإهمال، وهو حالة عراقية عامة، هو غياب رؤية تجاه قطاع التأمين لدى مؤسسات الحكم والأحزاب وكيانات التأمين. غياب الرؤية ليس مقصوراً على التأمين، فليس هناك، على سبيل المثال، رؤية/سياسة لقطاع النفط سوى زيادة الانتاج وهو ما يشهد عليه جولات تراخيص العقود النفطية التي أبرمتها الحكومة الاتحادية وتلك التي أبرمتها حكومة إقليم كوردستان.
في هذه الورقة القصيرة أحاول رسم ملامح مشروع لصياغة سياسة مرحلية لقطاع التأمين العراقي، اعتمدُ فيها على مساهمات سابقة لي قدمتها لحزب وتجمع سياسيين لسد ثغرة في مشروع البرنامج السياسي لهما فيما يتعلق بالتأمين. ويبدو لي أن هذه المساهمات هي طي الأدراج،[1] وبودي أن أخرجها الآن للعلن لعل ممارسي التأمين ينتبهون إليها ويعتمدها أركان التأمين كأطروحة أولية لصياغة موقف جماعي، وهو المرتجى.[2]
ذكرت في إحدى أوراقي المُقتَرب الذي اعتمدته لمشروع رسْم سياسة للقطاع كما يلي:
تتضمن الورقة فقرة تُلخص سياسة مقترحة لقطاع التأمين، وجملة من الوسائل المقترحة التي يمكن اعتمادها لتحقيق هذه السياسة. وتُركّز المقترحات على الإطار المؤسسي وليس تقديم مقترحات لتطوير عمل شركات التأمين القائمة أو إدخال منتجات تأمينية جديدة إذ أن مشروع البرنامج السياسي لأي حزب ليس بالمكان المناسب لعرض وتحليل هذه القضايا.
وهنا استعيد، مع بعض التعديل، ما كنت قد كتبته سابقاً عن وضع سياسة ذات طابع مرحلي، آني، لقطاع التأمين.
سياسة مقترحة للتأمين
فقد اقترحت فيما يخص صياغة سياسة للتأمين في مشروعات البرامج السياسية للأحزاب إضافة البند أدناه تحت باب المحور الاقتصادي أو المحور المالي في هذه البرامج إما كفقرة مستقلة عن التأمين أو مع البند الخاص بالمصارف. وليس هناك ما ينتقص من الربط بين التأمين والمصارف فالمعروف ان العنصرين الأساسين في القطاع المالي هما المصارف وشركات التأمين إضافة إلى سوق الأوراق المالية والمؤسسات المرتبطة بها.
جاء نص السياسة والآليات المرتبطة بها التي اقترحتها، وهو مُعدّل هنا قليلاً، كما يلي:
يستحق قطاع التأمين اهتماماً خاصاً نظراً للدور "الإنتاجي" الذي يلعبه في التعويض عن الأضرار والخسائر المادية التي تلحق بالأفراد والعوائل والشركات على أنواعها، والدور الاستثماري من خلال تجميع أقساط التأمين. وسيزداد هذا الدور أهمية مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للعراق مع تعاظم حجم أقساط التأمين، وضرورة ضمان استفادة شركات التأمين العامة والخاصة المرخصة بالعمل في العراق من هذه الأقساط إذ أن قدْراً كبيراً من الأقساط يتسرب إلى الخارج. لذلك يجب العمل الآن على إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لتغيير الرؤية الخاطئة التي يقوم عليها هذا القانون وأحكامه الضارة بالقطاع، ورسم سياسة للقطاع يحول دون التسرب غير القانوني لأقساط التأمين خارج العراق. [3]
هذا البند يُكثّف ما قدمته في العديد من دراساتي المنشورة في مدونتي مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي، وقد نُشرت بعضها في مجلة الثقافة الجديدة والتأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين.
بعض وسائل تحقيق سياسة التأمين
أما وسائل تحقيق السياسة المقترحة، المشار إليها في هذا البند، فقد أوجزتها بالآتي مع بعض الإضافات الجديدة عند كتابة الورقة الحالية. وبالطبع فإن هذه الوسائل لا تستنفد الطيف الواسع لما يمكن أو يجب القيام به للنهوض بقطاع التأمين. ولذلك سأكتفي بما أراه أساسياً بأمل أن يقوم زملاء المهنة بتقييمها وتطويرها، وكذلك البحث في تفاصيل هذه الآليات لأنها معروضة هنا كعناوين أو لافتات.
أولا – توطين التأمين
1- اشتراط إجراء التأمين على الأصول المادية والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها حصراً لدى شركات تأمين مسجلة لدى الدوائر المختصة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي.
2- تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها ديوان التأمين العراقي.
3- اشتراط ان تكون استيرادات العراق بشروط الكلفة والشحن (سي أند اف - C & F) وليس بشروط الكلفة والتأمين والشحن (سي آي اف -CIF ) عند فتح الاعتمادات المستندية مع المصارف. [4]
4- فرض غرامات مالية وغير مالية عند مخالفة شرط التأمين لدى شركات مجازة من قبل ديوان التأمين العراقي على طرف عراقي أو اجنبي يعمل في العراق (أي المؤمن له)، وإلزام الطرف المخالف بشراء التأمين من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
5- تعزيز الالتزام بهذه الشروط أعلاه وضمان تطبيقها من خلال التنسيق مع الإدارات الجمركية لتقييد إخراج البضائع المستوردة على أنواعها من الموانئ العراقية البرية أو البحرية أو الجوية وذلك باشتراط إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
6- عدم تقديم السلف أو الدفع على الحساب أو إجراء التسوية النهائية لعقود المقاولات دون إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
7- النص في عقود الدولة على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
8- تأمين صناعة النفط والغاز، في جميع مراحلها، لدى شركات التأمين المسجلة في العراق العامة أو الخاصة منها.
ثانياً – تعزيز مؤسسات التأمين
9- العمل على ضمان استقلالية ديوان التأمين العراقي عن وزارة المالية وتكريس مكانته كمؤسسة شبه حكومية. [5]
10- المساواة في التعامل مع شركات التأمين العامة والخاصة.
11- جعل جمعية التأمين العراقية مؤسسة مفتوحة لجميع أعضائها من شركات التأمين والتأكيد على الهوية غير الحكومية للجمعية، والمساواة بين شركات التأمين العامة والخاصة في تشكيل أجهزة الجمعية، وضمان استقلال عملها، واستكمال كادرها من الموظفين.
12- إعادة النظر بالقوانين الضريبية المتعلقة بالنشاط التأميني بما يخفف من أعبائها على شركات التأمين ويساعدها على تعظيم تكوينها للاحتياطيات الفنية والاستثمارية، ويساهم في تعزيز الإقبال لدى الناس على شراء الحماية التأمينية وخاصة تأمينات الحياة.[6]
13- تكثيف التدريب المهني للعاملين والعاملات في قطاع التأمين.
14- دعم مكانة ودور شركة إعادة التأمين العراقية.
ثالثاً – تأسيس سوق فيدرالي للتأمين
15- معالجة إرث النظام السابق فيما يخص مصالح الأطراف المتضررة وخاصة أولئك الذين هُجّروا بذريعة التبعية، وحل أية إشكالات قائمة بين شركات التأمين العامة وحكومة إقليم كوردستان بغية التمهيد لرجوع فروع شركات التأمين العامة إلى الإقليم، وسماح حكومة الإقليم بتأسيس فروع للشركات العامة والخاصة في الإقليم.
16- العمل على تأسيس سوق تأميني فيدرالي موحد من خلال نظام رقابي واحد على النشاط التأميني، لتجنب ازدواجية الرقابة وكلفتها الإدارية والمالية على شركات التأمين، وضمان حرية عمل شركات التأمين في جميع أنحاء العراق.
17- اتخاذ خطوات جادة للبدء باستخدام اللغة الكردية في مجال التأمين في إقليم كوردستان.
رابعاً - إضافات للمشروع
ويمكن إضافة عناوين ثانوية أخرى كالتأسيس لثقافة تأمينية، والتأمين الاجتماعي، والتأمين الصحي، وإعادة النظر في إدارة قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات (القانون رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته)، وغيرها من الموضوعات.
ملاحظة ختامية
المقترحات التي قدمتها ليست نهائية وهي بحاجة إلى نقاش وتفكيك لعناصرها من قبل العاملين في قطاع التأمين قبل اعتمادها، كلاً أو جزءً، ضمن مشروع صياغة سياسة للقطاع. ذلك ان البعض من هذه المقترحات تثير قضايا إشكالية ذات طبيعة عامة تتعلق بالمسار الاقتصادي للحكومة، والصراع القائم على تحديد النظام الفيدرالي، قيد التشكل، ومدى استعداد المشرّع العراقي، الاتحادي وفي الإقليم، لإعادة النظر في قوانين التأمين وغيرها كقانون الاستثمار الذي يترك حرية التأمين لدى شركات تأمين أجنبية أو عراقية للمستثمر. يضاف إلى ذلك قضايا عديدة تمس عمل شركات التأمين ذاتها، وكذلك الديوان والجمعية والإعادة العراقية، واستكمال ما ينقصها من كوادر وموارد لغوية وتقنية حديثة وغيرها.
مصباح كمال
لندن ا آب 2012
1. لم استطع اقتفاء أي أثر للتأمين لدى الأحزاب السياسية الأخرى.
2. ما حفّزني على نشر هذه الورقة هو زيارتي الأخيرة أوائل تموز 2012 إلى بغداد واللقاء مع عدد كبير من العاملين في شركات التأمين والإعادة العراقية وكذلك الديوان والجمعية، والانطباع الذي خرجت به عن موقف يكاد أن يكون جامعاً لدى هؤلاء في تأكيدهم على الأضرار المترتبة على المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وهو ما أركز عليه في هذه الورقة. ولفائدة القارئ اقتبس نص هذه المادة اللعينة:
"المادة - 81 - أولاً - لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك." وحتى الآن لا ينص القانون على خلاف ما ورد في هذا النص، لا بل أن قانوني الاستثمار الاتحادي وفي إقليم كوردستان يؤكدان على حرية الاختيار في شراء التأمين في العراق أو خارجه. من المفارقات أن مايك بيكنز، مفوض التأمين في ولاية أركنساس، الذي أعد نص القانون باللغة الإنجليزية، يعرف تماماً القيود المفروضة على حرية شراء التأمين في ولايته وفي الولايات الأخرى للولايات المتحدة. ومع ذلك أقحم هذه المادة تعبيراً عن العقيدة الليبرالية الجديدة في رفع الضوابط الرقابية. لمن يرغب في الاطلاع على خلفية صياغة القانون وتحليلنا له الرجوع إلى المقالات المنشورة في مدونة مجلة التأمين العراقي.
3. مصدر هذا البند هو ورقتي، غير المشورة، التي كتبتها في كانون الثاني 2012 تحت عنوان "حاشية حول التأمين في مسودة موضوعات سياسية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي." وكذلك ما قدمته للتيار الديمقراطي، استجابة لرسالة دعوة وجهها لي د. كامل العضاض، من اللجنة العلمية الاستشارية للتيار الديمقراطي، بتاريخ 13 آذار 2012 للمساهمة في سد ثغرة في مشروع البرنامج السياسي للتجمع تتعلق بالتأمين. وجلّ الأفكار السابقة معروض في الورقة الحالية، وقد كتبت ما يماثلها في أوراق سابقة، واعرضه هنا مع بعض التعديل.
الجزء الخاص بتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين في هذا النص ذو طابع مرحلي فمتى ما تم تغييره بالصيغة المرجوة سوف لن يجد له مكاناً في برنامج أي من الأحزاب والكيانات المعنية بالنشاط التأميني. وبالطبع فإن أي برنامج يخضع للتعديل مع التغيرات التي تحصل في البنية الاقتصادية السياسية الاجتماعية للعراق.
4. أُدين بهذه الفقرة للأستاذ عبد الباقي رضا وقد اقترحها بعد قراءة نص سابق لهذه الورقة في آذار 2012. وأضاف في تقييمه للورقة ان شروط سي اند اف تدفع المستورد إلى إجراء التأمين لدى احدى شركات التأمين المحلية المجازة، أجنبية كانت أو كفروع شركات عراقية.
5. علق الأستاذ عبد الباقي رضا على النص السابق لهذه الورقة في آذار 2012 كالآتي: "قبل ضمان استقلالية ديوان التأمين تعزيز جهازه الفني بعناصر مؤهلة وتدريبهم لدى سلطات الرقابة في الدول العريقة في اعمالها كمصر والاردن. ان دور الرقابة على شركات التأمين الخاصة التي كثر عددها دون تعزيز امكانياتها الفنية مهم جدا حمايةً لحقوق المؤمن لهم."
6. لا يرى الأستاذ عبد الباقي رضا "موجبا لإعادة النظر في قوانين الضرائب ذلك لان جميع وثائق التأمين سواء كانت صادرة من الشركتين العامتين أو الشركات الخاصة تخضع لرسم الطابع الذي يجبى بطريقة سهلة هي التي اقترحتها وقبلت بدلا من لصق الطوابع على كل وثيقة. أما الضرائب فجميع الانشطة التي يمارسها القطاع الخاص والمختلط تخضع لضريبة دخل بنسبة 15 بالمئة مقطوعة وليست تصاعدية كما كانت سابقا ولا أظن أن هذه النسبة عالية."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق