هل يستفيد سوق التأمين العراقي من المنافسة في السوق العالمي؟
مروان هاشم
تقديم
وجدت من الضروري الكتابة في بحث اقتصادي لموضوع أجده مهما جدا عن علاقة السوق المحلي مع السوق العالمي وتأثير هذه العلاقة على تحديد الأسعار. أود التأكيد من البداية ان ما أطرحه هو دراسة أولية، علميه منهجيه، تهدف إلى التعرف بسوق التأمين العالمي وعرض وتحليل ونقد لواقع السوق المحلي وتعامله مع السوق العالمي. وسأبدأ في بيان مفهوم عام للسوق وأنواع الأسواق وتأثير النظام السياسي والاقتصادي في العراق على تحديد معالم هذا السوق بشكل خاص ( سوق التأمين العراقي ).
سأستخدم في هذا التحليل الطريقة الوصفية ( اللفظية ) وهي الطريقة التي تستخدم المنطق الكلامي في إيجاد العلاقة بين الظواهر المختلفة، أما الطريقة الرياضية للتحليل، والتي تبين العلاقة الداليه بين المتغيرات، فلا أجد داعياً لاستخدامها لأنها قد تجر البحث إلى منحى لا يرغب المطلع الدخول إليه خصوصا وان نتائج التحليل الوصفي تتطابق مع التحليل الرياضي في النهاية وتؤكده.
تعريف السوق
السوق هو المكان الذي يلتقي فيه البائعون والمشترون للسلع والخدمات وبهذا فهو مكان العرض والطلب كأن يقال، مثلاً، سوق التأمين في لويدز. وبسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال لم يعد من الضروري التواجد المادي في السوق حيث أصبح بالإمكان إجراء عمليات البيع والشراء عن طريق الانترنيت وطرق أخرى دون ان يرى البائع أو المشتري احدهما الآخر.
ومن أهم وظائف السوق هي تحديد قيم السلع والخدمات. وهنالك وظائف أخرى غير مباشره ومنها كون السوق مؤشرا مهما يؤدي إلى إعادة تنظيم الإنتاج أو تقنين الاستهلاك وغيرها.
أنواع الأسواق
أهم أنواع الأسواق هو سوق المنافسة التامة. ويمتاز بوجود عدد كبير من البائعين والمشترين، وحرية الدخول والخروج من هذا السوق، والتجانس في نوع البضاعة والخدمة. والنوع الثاني هو سوق الاحتكار ويمتاز بوجود منتج واحد للسلعة أو الخدمة وعدم وجود سلعه بديله يمكن الانتقال إليها. الأسباب التي تؤدي إلى الاحتكار هي وجود سلع وخدمات تحتاج إلى رأس مال كبير مثل صناعه الكهرباء أو توزيع مياه الشرب، أو تحتاج تكنولوجيا عاليه ومتطورة مثل صناعه بعض أنواع الاسلحه والأقمار الصناعية والمنشآت النووية. وينشأ الاحتكار كذلك بسبب تشريع بعض القوانين مثل قوانين الكمارك أو حصر الإنتاج لدى الدولة. وعلى كل حال، ما تم ذكره يمثل حاله افتراضيه لا يمكن تطابقها على ارض الواقع لذا يمكن تقسيم السوق واقعيا بين مزايا سوق المنافسة التامة وسوق الاحتكار فيظهر عمليا ما يسمى بسوق المنافسة الاحتكارية أو سوق احتكار القلة. ولا داعي إلى الدخول في هذه التفاصيل لأغراض هذه الورقة. الخلاصة، ان سوق المنافسة يؤدي إلى الحصول على أحسن الأسعار بينما سوق الاحتكار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويشذ عن ذلك احتكار الدولة.
سوق التامين العالمي
من المعروف والمتفق عليه ان هذا السوق وطبيعة الخدمة التي تقدم فيه تقترب إلى حد التطابق مع سوق المنافسة التامة لأسباب عده احدها انه ولد من رحم الانظمه الرأسمالية التي تدعو إلى حرية التجارة وإزالة القيود، وان البائعين لهذه الخدمة لا يحتاجون إلى رأسمال كبير أو خبره فنيه عاليه المستوى أو نادرة، وأن طبيعة هذه الخدمة تقتضي توزيع مسؤوليات الخطر. أي ان الاحتكار يتناقض مع طبيعة الخدمة المقدمة والتي تقتضي التوزيع لا الاحتكار، ومن السهولة الدخول أو الخروج من هذا السوق كبائع أو مشتري.
وبعد هذا التفصيل السريع لطبيعة الأسواق بصوره عامه وسوق التأمين بالتخصيص نود فهم العلاقة بين هذا السوق و قطاع التأمين العراقي ( السوق المحلية ) وسنبدأ بموجز تأريخي، من البداية ولغاية عام 2003، مع تفصيل مفيد، ولحد الآن. ان أهمية هذه المرحلة تأتي من أنها تمثل النظام الاقتصادي الذي نعيشه حاليا والذي يؤثر على هذه العلاقة.
نبذه تاريخيه
بعد رواج أعمال التأمين في العراق منذ الخمسينيات وحتى عام 2003 وبالرغم من مرور العراق على عدد من الأنظمة الاقتصادية ابتداء بالعهد الملكي وبنظام ليبرالي، وما تلاه من تدخل الدولة في أعمال التنمية الاقتصادية، إلى تحول العراق إلى الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد النظام الشمولي ادعت أنها اشتراكيه أو حققت بعض المبادئ للنظام الاشتراكي فكان التأميم لقطاع التأمين عام 1964 ثم المنافسة الحكومية بدخول شركه التأمين العراقية إلى سوق التأمينات العامة عام 1988 ثم بعد ذلك دخول شركات القطاع الخاص في نهاية التسعينات. ولان هذا هو ليس موضوعنا الأساس فإنا أردنا ان نسجل ان العلاقة مع السوق العالمي لهذا القطاع كانت قد بنيت على أساس الاستفادة من حالة المنافسة التامة في سوق التامين العالمي للحصول على أفضل الأسعار والشروط بعد تقديم العروض المقدمة، إضافة إلى الاتصالات المباشرة مع المعيد في اتفاقيات إعادة التأمين النسبية ومباشره مع الوسطاء لبعض أنواع التامين التي تحتاج إلى ذلك، وتحقق بذلك أفضل النتائج للسوق المحلى.
قطاع التأمين و علاقته مع الأسواق العالمية بعد عام 2003
من المؤكد انه خلال عام 2003 حصلت تغيرات كبيره جاء بعضها بشكل سريع وغير مدروس، ومع ذلك أصبح من المؤكد من تصريحات أصحاب القرار بأن البلد متجه نحو نظام اقتصادي ليبرالي يعتمد على فتح الأسواق دون شرط أو قيد. وما سأذكره لاحقا لا يدخل ضمن محاوله نقد هذا النظام إذ أنني أسلم بأنه من الواجب التعامل والتكيف بشكل ايجابي مع التشريعات القانونية للنظام الاقتصادي ولكني ارغب في طرح موضوع آخر يمثل خطرا كبيرا على الاقتصاد العراقي مستعينا بأمثله من قطاع التأمين والذي يشبه حاله قطاعات اقتصاديه أخرى أو من خلال أمثله لأماكن جغرافيه من بلدنا لتوضيح هذا الموضوع المهم و كما يلي.
من المهم ان تشكل الوحدات الاقتصادية المختلفة نظاما موحدا يؤدي وظائفه المختلفة دون تعارض أو تناقض مع ما هو مشرع ( السلطة التشريعية ) أو ما هو منفذ ( السلطة التنفيذية ). ولكن يبدو من الواضح ان سلوك هذه الوحدات يسير بشكل مختلف وهذا يعود لأسباب لها امتداد تاريخي.
حتى نفهم ما يحصل الآن نعود إلى نهاية عام 1990 عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي بأن من نتائج المواجه العسكرية إرجاع العراق إلى قرون ما قبل الثورة الصناعية. وليس المقصود هنا الأذى المادي الذي من الممكن تعويضه بسنوات قصيرة - كما حصل لدول عديدة مثل اليابان وكوريا وألمانيا التي عادت إلى الصدارة في نظامها الاقتصادي بعد الحرب أو دول واجهت كوارث طبيعيه هائلة استطاعت ان تضمد جراحها بعد زلازل أو فيضانات وبوقت قياسي كما حصل في المكسيك، وكما يحصل الآن لإعادة البنية التحتية المتضررة بسبب الفيضان في باكستان - إنما المقصود هو الإنسان الذي عاد إلى سلوك وطبائع وثقافة القرون الوسطى. وقد تحقق ذلك؛ ودعمت سياسة النظام السابق غير المسؤولة هذا الاتجاه مما دفع أفراد المجتمع إلى إيجاد حلول بديله، مثلا القضاء العشائري الذي أصبح يلعب دورا مهما في تسويه النزاعات. ويبدو ذلك واضحا لو اننا راجعنا نسب الخسارة لمحفظه التأمين الإلزامي للسنوات 1985، 1995، 2005 سنجد انخفاضاً شديداً في نسبه التعويضات بفضل الاعتماد على التسويات العشائرية.
أي ان المجتمع، وفي ظل انحسار الدور الحاسم للدولة ومؤسساتها، اختار نظاما مرادفا للنظام المعلن عنه وهو نظام اقتصاديات المرحلة الإقطاعية. ولا نعني هنا انه استنساخ كامل لهذا النظام كما هو معروف تاريخياً بل هو تكييف مطور له أصبح واضحا على صعيد القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية. وخير دليل هو ما حدث في مدينه البصرة على الصعيد الجغرافي عندما قامت بعض الجماعات المتنفذة بحفر الأرض لغرض الوصول إلى أنابيب النفط الخام وثقبها للحصول على كميات منه لتهريبه، ووزارة التجارة على الصعيد القطاعي الاقتصادي عندما كشف شريط مسجل لحفل فاضح لأحد المسؤولين وبعد انتشاره أحرجت الدولة وقامت بعمليه عزل الموظف. وكان هذا السبب الحقيقي لمراجعة عقود الاستيراد أي ان المسؤول لو كان ذكيا في سلوكه ما كان احد سيعترض على هذه العقود. وقد يقول سائل: لكن الموضوع تم تسويته. في الحقيقة ان ما حدث في مدينه البصرة ووزاره التجاره ان المشرفين على النظام الاقطاعي تجاوزا حدود التوازن التوازن واخترقوا خطوطا حمراء لو أنهم لم يتجاوزوها لبقيت مصالحهم. لذا قامت القطاعات والمناطق الجغرافية بالاستعانة بخبرة موظفين أكفاء لإبقاء هذه العلاقة ضمن موازنة معقولة تعطي للدولة طابعاً شكلياً يسير على أساس نظام السوق الحر بينما تتحرك القاعدة على أساس نظام اقتصاد الإقطاعيات والذي يمتاز بأنه لا ينفتح إلا على مصالح رئيس القبيلة وبعض معاونيه. والمشكلة ان المجتمع اقتنع بهذه العلاقة وكيّف نفسه، ينتظر أفراده ان يحصل احدهم على بعض الامتيازات التي سيمنحها رئيس القبيلة، وقد يختلف معه على حصته من التوزيع. وفي أحسن الأحوال فانه يقف محايدا ينتظر نهاية الشهر لتسلم راتبه دون ان يكون له أي دور محسوس في العملية الإنتاجية أصلا. هذا تحليل عام لغرض الدخول إلى قطاع التأمين كمثل لما ذكر سابقا.
جميع الاتفاقيات مع المعيدين بعد عام 2003 إلى عام 2010 تجري باختيار السوق لوسيط واحد، وعندما تزايدت الاعتراضات قام الموظفون المعنيون ببعض التغيرات التي توحي بوجود منافسه مثل تقسيم أعمال الاتفاقية على ثلاثة وسطاء بنسب مختلفة وهذا لا يعني وجود المنافسة. كما ظهر لنا أسلوب جديد لم نكن نعرفه من قبل وهو الاعتماد على استشاري مقيم خارج العراق والذي يقوم نيابة عن سوق التأمين العراقي بإجراء عمليه مفاضلة سعرية ولكن الواقع هو غير ذلك: ليست هناك مفاضلة بالمعنى الضيق للكلمة فالأسعار يفرضها المعيد القائد. هذا المستشار، كوظيفة، لم يكن معروفا من عام 1950-2003 ولكن ظهر فجأة بعد 2003. وسيبرر مستشاري النظام الإقطاعي وجوده. ولكني اسأل: إذا كان لهذه الوظيفة معنى مهني غير معنى المصالح الشخصية فلماذا لم نحاول البحث عن استشاري بديل عندما قطعت إحدى شركات التأمين العراقية العلاقة معه لمده أكثر من سنه؟ وفي النهاية قد نُتهم بالمبالغة وان كل ما يحدث ما هو إلا مخالفات قانونيه تستطيع أجهزه الرقابة حلها. ولكني أود ان أبين انه ومع الأسف الشديد فأن أجهزة الرقابة تعمل لصالح النظام الإقطاعي وليس لصالح نظام الاقتصاد الحر ما عدا بعض المحاولات الفردية. وكما هو معروف لا يمكن للمحاولات الفردية، مع تقديرنا واحترامنا الشديد، ان تغير شيئاً من نظام عام قوي جدا. ومن الأسف الشديد أيضاً ان من كنت احسبهم على مقدار كبير من المودة والاحترام المتبادل عاملني باستخفاف ومخاشنه عندما طرحت الموضوع ومنهم زميلات عُرفن بمقدار كبير من الكياسة وحسن التصرف. وهذا شئ طبيعي لمن يشعر بأن مصالحه التي تم التخطيط لها ستواجه بنظام جديد يتعارض ويرفض هذه المصالح؛ وهذه سنة الحياة. وفي النهاية فإن قوانين المفاضلة على الشروط والأسعار لن تتحقق في ظل نظام اقتصادي يقوم على قيم النظام الإقطاعي.
وسيحاول البعض بيان خطل الفكرة، أعني فكرة غياب الاعتماد على المنافسة في استدراج اتفاقيات إعادة التأمين الاتفاقي، مستعينا ببعض شواهد التعاون المحلي بمجمعات المشاركة. وفي رأيي أنها ستثبت العكس لان هذه المجمعات قامت على أساس قبول الأعمال المرفوضة من شركة الإعادة الأجنبية والتي تعتبرها أعمال غير جيده. أليس الأفضل ان يقوم التعاون أولا على الأعمال الجيدة ثم التوجه إلى السوق العالمي؟ ومره ثانية، من المعروف في علم الاقتصاد ان الاحتكار هو من صنيعه منتج السلعة أو عارض الخدمة ولكن ليس من المعقول ان يكون من صنيعة طالبها إلا في حاله واحده هي ضمن هذا النظام الإقطاعي الذي أصبح منسيا في كل العالم ويدرس في الكليات الاقتصادية تحت عنوان التاريخ الاقتصادي أو تاريخ الفكر الاقتصادي. وهكذا الحال في القطاعات الأخرى: الكهرباء والبناء والصحة والتعليم وغيرها.
استنتاجات و توصيات
1. الدولة الحالية لا تمثل وحده اقتصاديه متكاملة فهي في المستويات العليا تؤسس لنظام الاقتصاد الحر ( السوق المفتوحة ) وفي المستويات الوسطى والقاعدة يعتمدون على النظام الاقتصادي الإقطاعي الذي لا ينفتح إلا على مصالح فرديه.
2. لا يمكن لهذا النظام ان يعيد بناء البنية التحتية أو تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب وسيبقى يعتمد على موارد النفط ( اقتصاد ريعي).
3. اعتقد أن المستويات العليا على معرفه تامة بهذا الوضع وقد يكون للوضع الأمني غير المستقر أو التنافس السياسي غير النافع هو ما شغلهم عن إيجاد الحل الجذري، فالحل لا يأتي من المواعظ الأدبية أو من محاولات فرديه، وان ما تحتاجه هو الإرادة السياسة فالنظام الاقتصادي الإقطاعي المتخلف سينهار من أول مواجهه فهو من الضعف بمكان يشبه قطع الدومينو التي تنهار بسقوط أول قطعه.
اعطف على زملائي الذين يبررون ويدافعون على هذا الحال. صحيح أنهم على المدى القصير يحققون ما حرموا منه لظروف تاريخيه غير طبيعيه ولكن على المدى البعيد سيتحقق لهم ولأولادهم الأفضل تحت نظام السوق الحر.
لنتذكر أن الإرهاب ينمو ويعشعش دائما بشكل جيد ضمن بيئة النظام الإقطاعي، الذي حاولت وصفه، فهما وجهان لعمله واحده أو يكمل احدهما الآخر وان كانت لا تبدو لهما علاقة مباشرة. ولذا من الضروري تجاوز هذا النظام.
وفي النهاية أقول لزميلاتي وزملائي: إذا كنا جيل من حرم من زهرة شبابه بسبب الحروب (1980-1991) وجيل من عاني الحصار (1990-2003) وقسوته صابرا محتسبا محافظاً على الحد الأدنى الضروري من قيمنا وأخلاقنا فلماذا لا نُكْمل ونكون جيل إعادة البناء لما بعد 2003. هل تعبتم؟ أنا لم اتعب. أرجو أن أقرأ رأيكم بما قدمته في هذه الورقة.
مروان هاشم
بغداد
29/8/2010
ملاحظات
- لا يعني هذا المقال أي شخص بعينه بل هو وصف عام وعذرا لمن يشعر بهذا. أنا رأيت ان الاقتراب ما استطعت من التوصيف الصحيح هو البداية الحقيقية للتغير نحو الأفضل. وبطبعي انظر للجميع بكل احترام و تقدير مبتعدا عن الشخصنه لصالح النظام المؤسساتي الذي أجد فيه الحل الأمثل
- لا يعني ذكر نظام السوق الحر بصيغته الحالية بأننا ندعو إليه أو نروج له دون نقد أو فهم أو تصحيح ولكن نجد ان في أسسه العامة البداية الصحيحة.
- انقطعت العلاقة وكما هو معروف بين السوق المحلي والسوق الدولي للأعوام 1990-2003.
- لم اذكر دور القطاع الخاص في هذا الموضوع مع أهميته وقد جاء ذلك لغرض التركيز في أساس المشكلة دون التشتت. ومن المؤكد انه كذلك يحتاج إلى إعادة تقييم دوره وقد يتاح لنا الكتابة بهذا مستقبلا.