التأمين وتكنولوجيا المعلومات في العراق
مصطفى نوري صادق*
كتب السيد مصباح كمال ورقة بعنوان "من باب التقديم: هوامش حول التامين وأدارة الخطر" تفضل بإرسالها إلينا. وجاء فيه: "نحن إزاء حالة عامة تتمثل بريادة المراكز المتقدمة، ليس في احتكار الصناعة، كما كان الحال في الماضي، بل في السيطرة على التكنولوجيا وامتلاك المعلومات (الاقتصاد القائم على المعرفة / الملكية الفكرية)، وفي تدفقات الأرصدة .. وما يهمنا من هذه هو الخروج من أسر الاعتماد المطلق على التكنولوجيا والمعلومات في المراكز. هذه ليست دعوة للانغلاق وإنما العمل على بناء وتطوير القدرات المحلية كونها أمر قابل للتحقيق متى ما توفرت الإرادة." إن هذه الكلمات دفعتني إلى الكتابة حول هذا الموضوع وتأثيراته في صناعة التامين الذي أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالتقدم التكنولوجي الذي يمر به العالم.
شهد العالم في القرن العشرين ثورتان حيث بدأ العالم الغربي في بداية القرن إكمال الثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر ونقلت العالم الى عصر المكننة والتنافس ما بين الدول الاوربية والولايات المتحدة الأمريكية للحصول على مراكز الريادة في صناعة المكائن وتشييد المصانع الكبيرة مثلما أدت إلى خلق الاتحادات الاحتكارية للمنتجين(الترستات trusts) وخاصة في الولايات المتحدة. وشهد اقتصاد البلدان المتقدمة في القرن العشرين أيضاً تعاظم قطاع الخدمات. أما في منتصف القرن، فقد تم اختراع الكمبيوتر الامر الذي فتح افاق جديدة وثورية في العمل تبعه بعدها اختراع الانترنت في مشروع تبنته وزارة الدفاع الأمريكية كان الغرض منه في الأصل ربط الجيوش الأمريكية ولم يتم الكشف عنه إلا في نهاية السبعينات. لقد سهل اختراع الكمبيوتر الكثير من الاعمال اليدوية التي كان يقوم بها البشر. صحيح انه وفي بداية استعماله بدا الكومبيوتر معقداً وغير عملي نظرا لصعوبة استعماله إلا من قبل المختصين إضافة إلى كلفته وحجمه الكبيرين. ولكن، مع تطوره، أصبح بالنسبة للدول المتقدمة حاله حال الماء والغذاء لا يمكن العيش بدونه فقد دخل الكمبيوتر جميع مناحي الحياة.
أحاول أن أناقش في هذه الورقة بعض المعوقات التي تعترض مسيرة التامين في العراق بسبب الجهل في استعمال تكنولوجيا المعلومات (information technology)، وعدم القدرة، أو قل عدم الاهتمام، على فهم أننا الآن أمام انفتاح اقتصادي والحد من العزلة الثقافية والفكرية مع انتشار قيم كونية لا يمكن الاختباء منها في عزلة جغرافية موهومة فالعالم الآن، كما يوصف، قد أصبح قرية كونية واحدة. وهذا الوضع يشكل تحدياً كبيراً للعراق وللعاملين في قطاع التامين العراقي. هذا القطاع مطالب للمضي قدما في تسخير هذه التكنولوجيا المتقدمة لتحسين مستوى الأداء وتسهيل متطلبات العمل اليومية والاستفادة من تطبيقاتها في تنمية دخل الأقساط كما في تلبية حقوق المؤمن لهم بالتعويضات وأيضاً التعامل مع معيدي التأمين. لكن الجيل القديم لا يستطيع تقبّل فكرة الكمبيوتر وإمكانياته الهائلة وكأن هذا الجهاز عبارة عن شخص ينافسهم على مقاعدهم المريحة في استلام المناصب القيادية. ولكن فليطمأنوا فهو يعمل بصمت ولا يحب أن يتباهى بما يفعل. ولكن، مرة أخرى، الشاطر هو الذي سيسخر إمكانيات تكنولوجيا المعلومات لفائدته ولصالح زبائنه والمجتمع الأكبر الذي يؤطر ممارسة عمله.
إن قطاع التامين في العراق، حاله حال جميع الانشطة الاقتصادية في العراق، يواجه مشكلة حاسوبية ضخمة وعسيرة بسبب ما مر به العراق من معضلات شائكة ابتداء بالحرب العراقية – الايرانية (1980-1988) والحصار الدولي (1990-2003) واخيرا الاحتلال الأمريكي في نيسان 2003.
في السنوات القليلة التي سبقت الاحتلال جهزت الدولة العراقية دوائرها بمجموعة كبيرة من الحاسبات وبدأت بوادر اعداد انظمة حاسوبية تواكب العصر الا انها سرقت بعد الاحتلال وأتلفت البرامج الخاصة بها وذهب مجهود محاولة اللحاق بالتكنولوجيا أدراج الرياح. وهكذا ضاع علينا تراكم الخبرة والمعرفة.
الآن، وبعد خمس سنوات على الاحتلال، تم إعادة إدخال واستخدام هذه البرامج على نطاق ضيق وجزء يسير منه. أما على نطاق شركة التامين الوطنية، فيوجد فيها عدة عشرات من الحواسيب اضافة الى خطوط الانترنت ولكن المشكلة انها لا تستغل بكامل امكانياتها. إن جميع شركات التامين في العالم تستخدم الحاسوب كجزء أساسي من مستلزمات العمل. ونلاحظ التوسع في الاستخدام في دول العالم الثالث والواقع أن العديد من الشركات في هذه الدول تحاول أن تضاهي في استخدامها لتكنولوجيا المعلومات الدول المتقدمة، ومثالنا على ذلك دول الخليج العربي والأردن وحتى مصر. يوجد توجه كبير وطموح من قبل الحكومة العراقية لتطبيق مفهوم الدولة الالكترونية إلا ان هذا المشروع مكلف ويحتاج الى كثير من الكوادر المدربة جيدا التي بإمكانها التعامل مع هكذا مشروع طموح اضافة الى عامل الوقت.
الوضع المتدني في استعمال الحاسوب لدى شركات التأمين هو صورة مصغرة للوضع العام لدى الشركات والمؤسسات الأخرى وكذلك أجهزة الدولة. لا توجد في العراق وحتى الآن أية قاعدة معلومات حديثة للدولة تمكنها من استعمالها حتى لأغراض أمنية أو لإحصاء سكاني شامل للعراق وغيرها من وجوه الاستعمال. قبل فترة وجيزة تمكنت شركة التأمين الوطنية من صنع موقع لها على الشبكة العنكبوتية وهي خطوة حثيثة للتقدم نحو استعمال الكمبيوتر في العمل التأميني اليومي. يتوجب على الشركة القيام بهكذا تحركات فالمعركة اليوم هي معركة حواسيب لا تشابك بالأيدي او السيوف فذاك العصر قد ولى. ومن المحزن أن أكثر من 80% من موظفي الشركة لا يتقنون استعمال الكمبيوتر وهذه مشكلة. ولكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم رغبتهم بالتعلم مما يضع الشركة في وضع متأخر قياسا حتى بالشركات الأهلية التي صارت تطلب إتقان اللغة الانكليزية والمهارة في استعمال الكمبيوتر كشرط أساسي في التوظيف.
تستعمل الحاسبات في العراق على اضيق مستوى وأحياناً للزينة للدلالة على ان الشخص الجالس على هذا المكتب يواكب العصر ويتقن استعمال الأجهزة الإلكترونية الحديثة. قبل فترة وجيزة قام مصرف الرافدين باعتماد اسلوب البطاقة الذكية، أو ما هو مفروض أن يسمى بالصراف الآلي، حيث يتم الان استعماله لتمكين المتقاعدين من سحب رواتبهم. والهدف هو التوسع في استخدامه ليطبق على باقي الموظفين. وهذا شيء جيد ولكنه أتى بعد فترة طويلة من الانتظار.
لا يمكننا وببساطة وضع مجمل اللوم وتبرير الفقر المدقع في استعمال هذه التطبيقات على شركات التامين لأسباب منها النسبة العالية للاميه المعلوماتية للمواطن العراقي، والجهل باستعمال الانترنت، وعدم إتقان استعمال اللغة الانكليزية. إن من بعض التطبيقات المستعملة الآن في المنطقة العربية والعالم استعمال الانترنت في احتساب وتسديد الأقساط حيث يتم استغلال الانترنت لتحصيل الأقساط كأسلوب عصري. إن تم إدخال تطبيق هذا البرنامج في العراق فلا يمكن ان يجني اي فائدة منه للأسباب المذكورة سابقا، إضافة إلى أن التامين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصارف فهو يعمل بموازاتها. هكذا تطبيق يحتاج الى نظام مصرفي الكتروني وهذا غير موجود حاليا فكيف يتم تحويل المبلغ من المؤمن له الى الشركة عن طريق استعمال الانترنت؟ وما زالت المصارف الأهلية والحكومية تحبوا وتتخبط على طريق المعلوماتية ولو أن الوضع في المصارف الأهلية أهون. نحن ما زلنا نستعمل الدفاتر المصرفية الادخارية إضافة إلى عدم تمكننا من سحب أموالنا إلا من الفرع الذي تودع فيه الأموال فلا يوجد ربط للفروع حتى داخل المصرف الواحد. والمضحك أن يتفلسف بعض المسؤولين بالقول أن هذا التخلف الالكتروني للمصارف والبورصة العراقية نعمه حيث درأ عنا الأزمة المالية الحالية التي يعيشها العالم، وهو قول ينم عن عدم فهم للاقتصاد.
يتم إدخال جميع معلومات وثائق التأمين حاليا إلى الكمبيوتر بهدف الخزن التام لها لاسترجاعها عند الحاجة والاستفادة منها لأغراض المتابعة والإحصاء. ولكن الأنظمة الخاصة بهذا الأمر غير متطورة، مع إنها صنعت بأحدث البرامج، للسبب الأتي. إن هذه الأنظمة أعدت من قبل قسم الحاسوب الموجود في الشركة الذي قام بأخذ المعلومات من الاقسام المصدرة للوثائق، وهذه الأقسام تقوم بإتباع نمط الإصدار القائم منذ أكثر من 20 عاما، أي أن طبيعة الإصدار قد تغيرت فصار البرنامج بالياً ولا يلبي جميع الاحتياجات ولكن هذه البرامج توفر ولو شيء بسيط من الاحصائيات العائدة للأقسام.
إن جميع الإحصائيات تتم بشكل يدوي وهذا خلل كبير وتراجع حيث ان الاحصائيات قبل الاحتلال كانت تتم بمساعدة الحاسوب والآن بشكل يدوي، ولا توجد الآن إمكانية من قبل الكوادر الحاسوبية الموجودة في الشركة من عمل هكذا برنامج. هذا الوضع يوفر فرصة خطأ كبيرة يمكن أن تقلب الإحصاءات رأساً على عقب وهو أمر في غاية الخطورة لا سيما أن الإحصاء هو الذي يبين مسيرة الشركة، ونعلم أن الإدارة الحديثة للعملية التأمينية لا يمكن أن تقوم إلا بالاعتماد على الإحصاء.
في بعض الأقسام يتم إصدار الوثائق باستعمال الطابعة اليدوية القديمة والتي أصبحت لا تلبي متطلبات العصر اضافة الى التأخير في اصدار الوثيقة بينما العالم اتجه الى اصدار الوثائق باستعمال الكمبيوتر الذي يوفر الوقت والجهد. ما موجود في العالم حاليا اصدار سريع للوثائق، وأمام كل موظف اصدار حاسبة. ولكن في شركة التامين الوطنية توجد حاسبة لكل قسم وهي موضوعة في غرفة زجاجية ويمنع دخول هذه الغرفة إلا من قبل شخص واحد مخول من قبل مدير القسم أو الفرع كأنما هي حاسبة البنتاجون وليست حاسبة في شركة التامين. ما هذه العقلية المتجمدة؟ هل من الممكن تحقيق التقدم بمثل هذه العقلية؟
ويبدو أننا غافلين عن أهمية السرعة في الاستجابة لمطالب المؤمن لهم في ظل واقع المنافسة القائمة بين شركات التأمين والآخذة بالتوسع مع الانفراج الأمني. ونحن نرى أن المنافسة سوف لن تنحصر بالأسعار بل ستمتد لتشمل الخدمات التي تقدمها شركة التأمين لحملة وثائق التأمين. وسوف يكون الكومبيوتر وحسن استخدامه أحد العناصر الأساسية للارتفاع بمستوى الخدمات.
عدم وجود ربط لأقسام الشركة مع بعضها كمبيوتريا، مما يسهل على المسؤول في الفروع وفي الإدارة العامة متابعة العمل بواسطة الحاسبة، يعرقل إنجاز المعاملات بسرعة، ويعيق التطور والاستجابة بالكفاءة المناسبة لمطالب المؤمن لهم. هذا الربط هو ابسط طريقة لجعل الشركة وحدة واحدة تمكن الفروع والأقسام من تنسيق العمل مع بعضها وتقليل الوقت المستغرق في الروتين الإداري المزعج. وقد يكون هذا الطموح مبالغاً فيه ضمن المعطيات القائمة وقد يمضي وقت طويل قبل أن نصل إلى هذه المرحلة فهو، كما نرى، شيء ســـــــــابق لأوانه جدا. نأمل أن نكون مخطئين في تقديرنا.
مصطفى نوري صادق
بغداد 12/11/2008
* مصطفى نوري صادق يعمل في القسم الفني في شركة التأمين الوطنية، بغداد. مقالته المنشورة في هذه المدونة تمثل وجهة نظره الشخصية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق