تداعيات عقوبات مجلس الأمن على إعادة التأمين في
العراق
مصباح كمال
نشرت هذه المقالة
أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
مقدمة
كتب لي السيد مصطفى الهاشمي، محرر الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح،
الرسالة أدناه طالباً الإجابة على مجموعة من الأسئلة. وقد استجبت، شاكراً له طلبه، وكتبت هذه
المقالة، وقام من جانبه بتلخيص ما ورد فيها، حسب ما تقتضيه القواعد التحريرية
الفنية للجريدة، ونشره تحت عنوان “عقوبات مجلس الأمن وتداعياتها على سوق التأمين
العراقي” في عدد الجريدة الصادر يوم 20 تشرين الثاني 2017:
رسالة السيد مصطفى
الهاشمي
العزيز مصباح
تحية طيبة وأرجو ان تكون بخير
أكتب لك مجددا راجياً منكم الاجابة على الاسئلة المدرجة أدناه. مع
التقدير
لا يخفى عليك تداعيات قرارات مجلس الامن والعقوبات الدولية التي فرضت على
العراق أبّان تسعينات القرن الماضي، فهل تأثر واقع اعادة التأمين في العراق بهذه
العقوبات، وما مدى هذا التأثر؟
وكيف يمكن اعادة جسور التعاون والتنسيق مع شركات الاعادة التي كان يتعامل
العراق معها في ظل وجود شركات تأمين أهلية يبلغ عددها نحو 30 شركة تعمل داخل
البلد؟
تحياتي
مصطفى الهاشمي
13 تشرين الثاني 2017
(1)
ساهمت قرارات مجلس الأمن بفرض العقوبات الدولية
على العراق بدءاً من آب 1990 ولغاية أيار 2003، إلى جانب غزو واحتلال العراق، في
تدمير البنية التحتية وتهالك الأصول المادية، إذ أنها تجاوزت مجرد إنهاء احتلال
العراق للكويت، ومن ثم التمهيد لتغيير النظام الدكتاتوري. كان الهدف، كما قال جيمس بيكر، وزير الخارجية
الأمريكي آنذاك، إرجاع العراق إلى فترة ما قبل الصناعة الحديثة إن لم يسحب قواته
من الكويت. واستمرت العقوبات الاقتصادية
بذريعة الكشف عن أسلحة الدمار الشامل.
وهكذا فقد أدى نظام العقوبات، الحصار، الأقسى من نوعه والظالم للشعب العراقي،
إلى نتائج مريعة في مختلف المجالات: الصحية والاجتماعية والتربوية والبيئية
والاقتصادية مع خسارة الآلاف من ذوي الخبرة والاختصاص وحملة الشهادات الجامعية
العليا من خلال الهجرة إلى الخارج.
لقد كانت العقوبات حرباً اقتصادياً شَلَّ
الاقتصاد العراقي في جميع قطاعاته الإنتاجية والتوزيعية والخدمية، إذ امتدت آثار
هذا الحصار لتشمل قطاع التأمين العراقي.
وقد اتخذت تداعيات هذا الحصار في القطاع الأشكال التالية:
تجميد أرصدة شركة التأمين الوطنية في الخارج[1]، والتي كانت تستخدم لتسهيل تسديد أقساط اتفاقيات إعادة التأمين غير النسبية،
وكذلك تسديد حصة الشركة في الخسارات العمومية في التأمين البحري، وعموماً تسوية
الحسابات مع الوسطاء ومعيدي التأمين.
تعليق ووقف إعادة التأمين، الاتفاقي والاختياري، لشركات التأمين العراقية (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية،
شركة إعادة التأمين العراقية). وهو ما جعل
الشركات الثلاث مكشوفة أمام خطر عدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتها عند وقوع
خسائر ذات طبيعة كارثية.
إضعاف القاعدة المالية لشركات التأمين، وقد ارتبط ذلك بالتوسع في طبع النقود الورقية والتضخم المفرط الذي نشأ
عنه (نشأ التضخم أصلاً بسبب شحة المنتجات).
أدى التضخم إلى تدهور قيمة رأسمال واحتياطيات شركات التأمين الثلاث. وكان من آثار هذا التدهور لجوء الشركات إلى
استثمار مواردها النقدية في استثمارات عينية تقوم بتأجيرها لتحقيق تدفق نقدي
مستمر.
التأثير السلبي على حجم الأقساط، وقد جاء هذا بسبب تدهور النشاط الإنتاجي والاستثماري وتوقف حركة
الاستيراد والتصدير (ما كان قائماً منها كان يؤمن خارج العراق، وينطبق هذا على
تأمين نقل النفط الخام من العراق إلى الأردن)، وعزوف المواطنين عموماً عن التأمين
لعدم كفاية الدخل لتوفير الحاجات الأساسية.
تدهور مستوى الخطر المعنوي والمادي، مع استفحال الإهمال على مستوى الأفراد العاملين وسوء الإدارة وعدم الشعور
بالمسؤولية (اللامبالاة). أضف إلى ذلك
النقص الشديد في قطع الغيار، والهبوط في الصيانة الدورية والوقائية وتجديد ما هو
قائم.
تدهور المعارف والمهارات، الذي اتخذ شكل تسرب أصحاب المهارات التأمينية إلى الخارج، وضعف وربما
انعدام التدريب، والانقطاع عن التواصل مع صناعة التأمين العالمية وندرة الحصول على
المطبوعات والصحافة التأمينية. وقد أدى
هذا الوضع إلى تآكل الموارد البشرية المؤهلة.
لقد امتدت هذه التداعيات خلال فترة الحصار على
شركة إعادة التأمين العراقية. ولكن كان
لها الفضل، بالتعاون مع شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، في توفير
الحدود الدنيا من حماية إعادة التأمين من خلال الاستفادة العظمى من الموارد
الداخلية المتاحة. وعندما تأسست شركات
تأمين خاصة، بموجب قانون الشركات لسنة 1997، توسعت الإعادة العراقية في توفير
إعادة التأمين لهذه الشركات أيضاً. وعلى
أي حال، لم يكن باستطاعة هذه الشركات الحصول على اتفاقيات إعادة لتأمين لوحدها
نظراً لصغر رأسمالها وحجم أعمالها.[2]
(2)
لقد ظل قطاع التأمين منقطعاً عن العالم الخارجي
لثلاث عشرة سنة بسبب الحصار الاقتصادي كان خلالها يزداد ضعفاً، عاكساً ضعف قطاع
التأمين برمته. بدأت محاولات إعادة تأسيس
العلاقات مع شركات إعادة التأمين ووسطاء إعادة التأمين العالميين عام 2004، وتتوجت
هذه المحاولات عام 2005 بقيام شركة إعادة التأمين العراقية بعقد اتفاقيات لإعادة
التأمين مع واحدة من شركات إعادة التأمين العريقة في ألمانيا[3] لتقوم
بقيادة هذه الاتفاقية التي وفَّرت الحماية الإعادية لشركتي التأمين العامتين،
التأمين الوطنية والتأمين العراقية، ولمجموعة من شركات التأمين الخاصة.
من المفترض أن وجود شركات تأمين أهلية يساهم في
تغذية أقساط التأمين التي تكتتب بها شركة إعادة التأمين العراقية. لكن هناك بعض الإشكاليات ومنها أن الشركات هذه
المرخصة من قبل ديوان التأمين ليست كلها منضوية ضمن اتفاقيات إعادة التأمين التي
تديرها الإعادة العراقية (بعض هذه الشركات مسجلة في إقليم كوردستان). ومنها أن بعض شركات التأمين الأهلية لا تتعامل
بالقدر الكافي من الشفافية في إعادة تأمين أعمالها مع الإعادة العراقية (من ناحية
التصريح بالأقساط بشكل خاص). وهناك أيضاً
عدم توازن من حيث حجم الأعمال التي تكتتب بها هذه الشركات مقارنة بالشركتين
العامتين يترجم نفسه في امتيازات معينة للشركتين العامتين في غطاء اتفاقيات إعادة
التأمين. يضاف إلى ذلك محدودية المعرفة
بإعادة التأمين لدى بعض الشركات الأهلية، وضعف الريادة المهنية لدى الإعادة
العراقية. كما أن ديوان التأمين، الجهاز
الرقابي، لا يُسائل شركات التأمين الأهلية فيما يخص توفر إعادة التأمين لديها أو
كفايتها.
هذه وغيرها مسائل فنية يمكن معالجتها بعد
دراستها وتوثيقها لو توفرت الرؤية المناسبة والإرادة لتطوير قطاع التأمين
العراقي. إن مكانة شركة إعادة التأمين
العراقية ستتعزز عندما تستحضر الشركة بعضاً من ريادتها الماضية كي ترسم سياستها
الحالية والمستقبلية، وعندما يزداد حجم الأعمال التي تكتتب بها (وهي في الوقت
الحاضر أعمال محلية صرفية)، وعندما تأخذ زمام المبادرة في توجيه وإعانة الشركات
المنضوية تحت اتفاقياتها.
وهي تستطيع أن توسع من تعاونها مع وسطاء إعادة
التأمين الثلاثة الذين يديرون وينسقون ترتيب اتفاقياتها مع معيدي التأمين. كما يمكنها الاستفادة من برامج التدريب التي
يقدمها وسطاء إعادة التأمين، وهي شركات عالمية مقيمة في لندن، وكذلك معيد التأمين
القائد في باريس. ومن رأينا ان التدريب
المهني مطلب أساسي لكنه لا ينال ما يستحقه من اهتمام. ولكون الإعادة العراقية تتعامل مع الوسطاء
والمعيدين في الخارج فإنها بحاجة إلى تطوير المهارات اللغوية الإنجليزية لدى
كوادرها. هكذا كان الوضع في الماضي، ومن
المؤسف أن نذكّر به.
إن التطور اللاحق لقطاع التأمين العراقي، ممثلاً
بازدياد حجم الأعمال المكتتبة وتوسع الاحتياطيات الحرة والفنية لشركات التأمين
العامة والأهلية، ربما ستدفع بالبعض منها للتخلي عن حماية إعادة التأمين الاتفاقي
التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية وترتيب اتفاقيات خاصة بها بشكل منفرد. وما لم تأخذ الإعادة العراقية إمكانية حصول هذا
التغيير (حجم الأعمال والموارد المالية بضمنها تعظيم رأس المال لدى شركات التأمين
الأهلية) فإنها ستُجابه بفقدان مصدر مهم للأعمال.
إن خسارة شركة إعادة التأمين العراقية لمحافظ
أعمال مجموعة من شركات التأمين المستفيدة من اتفاقياتها ستقلل من قيمتها
الاقتصادية في نظر معيدي التأمين إذ أن هؤلاء لهم معايير معينة في توفير الحماية
الإعادية منها أن يكون حجم الأعمال التي تتعامل معها مناسبة اقتصادية. إن فقدت الإعادة العراقية حماية إعادة التأمين
العالمية فإنها ربما لن تكون في وضع تستطيع معه الاستمرار في أداء وظيفتها كمعيد
تأمين للشركات المحلية.[4]
مستقبل الإعادة العراقية مرهون بما تقوم به
الآن، وما لم تحقق نقلة نوعية في إدارتها الفنية وتعزيز دورها بما يُرضي شركات
التأمين فإن الاحتمالات مفتوحة لتحديد مصائرها في ظل التوجهات الاقتصادية للدولة
وتوجيهات صندوق النقد الدولي. إن هذا
الموضوع بحاجة إلى مناقشة من قبل أركان التأمين العراقي ضمن رؤية موسعة لتطوير قطاع التأمين.
14 تشرين الثاني 2017
[1]
ليست لدي معلومات كافية عن أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية في الخارج،
وأظن أنها، مثل شركة التأمين الوطنية، كانت لها حساباً في فرع مصرف الرافدين في
لندن. بعد أن كتبتُ هذا الهامش أفادني
الزميل والصديق سمير عبد الأحد أن شركة إعادة التأمين العراقية كانت لها حساباً
مصرفياً في فرع مصرف الرافدين في لندن للإنفاق على كل ما يتعلق بإيجار وإدارة
ومصاريف ورواتب مكتب الشركة في لندن، وحساباً مصرفياً آخراً أيضاً لدى فرع مصرف
الرافدين، مكرس لإيداع أقساط إعادة التأمين التي كانت الشركة تكسبها، والاستفادة
منها في تمويل الحساب الخاص لمكتب الشركة في لندن وكذلك مقابلة التزاماتها
التعاقدية للشركات العالمية التي كانت تتعامل معها.
[2]
يمكن التعرف على تفاصيل آثار الحصار في: مصباح كمال: "التأمين في
العراق وعقوبات الأمم المتحدة" فصل في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد
العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 80-81. يمكن قراءة النص في مدونة مجلة التأمين
العراقي:
[3]
كانت هذه الشركة الألمانية من المعيدين القادة لشركة إعادة التأمين العراقية وشركة
التأمين الوطنية قبل عام 2003. آثر معيد التأمين هذا التخلي عن هذه الاتفاقية فيما بعد، وتحولت قيادة
اتفاقيات الإعادة العراقية إلى شركة إعادة تأمين فرنسية مرموقة.
[4]
هددت إدارة شركة التأمين الوطنية في الماضي، وهي شركة التأمين الأكبر في
العراق، بالخروج من اتفاقيات الإعادة العراقية وترتيب اتفاقيات إعادة تأمين خاصة
بها مباشرة دون المرور من خلال الإعادة العراقية.
وقتها طلب مني المدير العام للإعادة العراقية الكتابة عن الموضوع لثني التأمين
الوطنية من تطبيق تهديدها. يمكن قراءة
موقفي بهذا الشأن في مقالتي "إعادة التأمين الاتفاقي لسوق التأمين العراقي:
إلتماس شخصي" المنشور في مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2008/09/1-2008.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق