إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2016/07/30


غياب التأمين في برنامج الحزب الشيوعي العراقي المعروض (للمناقشة)

 

 

نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 382، أيار 2016.

 

مصباح كمال

 

 

مقدمة

 

وصلني مؤخراً برنامج الحزب الشيوعي العراقي المعروض (للمناقشة)، المنشور في جريدة طريق الشعب، ص 5–8، الخميس 24/ 3/ 2016.  وهو، كما جاء في الجريدة، "برنامج الحزب الذي اقره المؤتمر الوطني التاسع في عام 2012، والذي هو بمثابة مشروع البرنامج الجديد المطروح للمناقشة والاقرار في المؤتمر القادم."

 

عندما نُشرت مسودة برنامج الحزب عام 2012 كتبت مقالة في كانون الثاني 2012 بعنوان "حاشية حول التأمين في مسودة موضوعات سياسية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي".[1]  لكن أياً من المقترحات التي ضمتها لم تجد لها مكاناً في البرنامج الذي تبناه المؤتمر الوطني التاسع.  وهو ما يؤسف له لأن الحزب الشيوعي العراقي كان متميزاً عن بقية الأحزاب العراقية لإيلاء موضوع التأمين اهتماماً.  ففي تلك المقالة اقتبست الفقرة التالية التي وردت تحت عنوان "الطريق الى تنمية مستدامة" من الفقرة 84 من مسودة الموضوعات:

 

... اعادة الحياة للمنشآت والمؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية، عبر اصلاح الادارة الفنية والمالية لقطاع الدولة، وتوفير مستلزمات نهوضه واعادة بنائه على اسس المردود الاقتصادي والمنفعة الاجتماعية، وتشجيع ودعم القطاع الخاص، وتأمين الحماية له من الاغراق والمنافسة غير العادلة، وتوفير التسهيلات المصرفية والتأمين والخدمات، كي يستعيد هذا القطاع عافيته ودوره في رفد الاقتصاد الوطني.

 

وقلت في تعليقي:

 

بهذه الإشارة ربما يكون الحزب الشيوعي العراقي أول حزب سياسي في العراق يدخل كلمة التأمين، بمعناها الاصطلاحي، في واحدة من أدبياته المهمة.  لكن التأمين في صورة التأمينات الاجتماعية ليس غائباً في أدبيات الحزب.[2]  وقد وصفنا اهتمام الحزب بهذه التأمينات بالقول:

 

إن الحزب الشيوعي يبدي اهتماماً، مع بعض التفصيل، بموضوع التأمين ولكن ليس في صيغته التجارية في حماية الأفراد والشركات ضد الخسائر التي تصيبها، وليس أيضاً كآلية تمويلية للنشاط الاقتصادي الاستثماري، وإنما من منظور الأشكال المختلفة للضمان الاجتماعي التي يحصرها بالدولة إذ لا يرد أي دور للسوق بهذا الشأن.

 

تضمن برنامج الحزب المعروض الآن للمناقشة مواقف وسياسات حول قضايا مختلفة: بناء الدولة والنظام السياسي، السياسة الاقتصادية-الاجتماعية، المديونية الخارجية والتعويضات، ضوابط الاستثمار الخارجي، القطاعات الاقتصادية (القطاع النفطي الاستخراجي، الطاقة والكهرباء، الصناعة، الزراعة، التجارة الداخلية والخارجية، السياحة، التشييد والإعمار)، القطاعات الاجتماعية والخدمية، التربية والتعليم والبحث العلمي، الصحة، الموارد المائية، البيئة، الثقافة، الإعلام، الاتصالات، النقل، المواصلات، الرياضة، شؤون العمال والشغيلة، المرأة، الشبيبة والطلبة، حقوق الطفل، منظمات المجتمع المدني، القوات المسلحة، حقوق القوميات، العلاقات الخارجية.

 

ترى لم لم يرد ذكر التأمين ضمن هذه التفاصيل؟  الجواب هو عند اللجنة التي قامت بصياغة البرنامج.  ولعلنا نقرأ رأياً لها بهذا الشأن.  ويكفي هنا القول بأن التأمين لم يحتل مكاناً له في التفكير العام لواضعي برنامج الحزب.

 

مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق

 

ما يهمنا هو استعادة ما كتبناه في الماضي فيما يخص وضع سياسة مرحلية تجاه النشاط التأميني مع بعض الإضافات الجديدة.  اقترحت الخطوط العامة لهذه السياسة كما يلي كي تتناسب مع الطبيعة العامة لبرنامج سياسي حزبي:

 

يستحق قطاع التأمين اهتماماً خاصاً نظراً للدور "الإنتاجي" الذي يلعبه في التعويض عن الأضرار والخسائر المادية التي تلحق بالأفراد والعوائل والشركات على أنواعها، والدور الاستثماري من خلال تجميع أقساط التأمين.  وسيزداد هذا الدور أهمية مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للعراق مع تعاظم حجم أقساط التأمين، وضرورة ضمان استفادة شركات التأمين العامة والخاصة المرخصة بالعمل في العراق من هذه الأقساط إذ أن قدْراً كبيراً من الأقساط يتسرب إلى الخارج.  لذلك يجب العمل الآن على إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لتغيير الرؤية الخاطئة التي يقوم عليها هذا القانون وأحكامه الضارة بالقطاع، ورسم سياسة للقطاع يحول دون التسرب غير القانوني لأقساط التأمين خارج العراق.[3]

 

أما تفاصيل هذه السياسة ووسائل تحقيقيها التي أتيت على ذكرها فهي تضم مع بعض الإضافات الجديدة ما يلي:[4]

 

أولا – توطين التأمين

 

1-   اشتراط إجراء التأمين على الأصول المادية والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها حصراً لدى شركات تأمين مسجلة لدى الدوائر المختصة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي.

 

2-  تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها ديوان التأمين العراقي.

 

3-  اشتراط ان تكون استيرادات العراق بشروط الكلفة والشحن (سي أند اف - C & F) وليس بشروط الكلفة والتأمين والشحن (سي آي اف -CIF ) عند فتح الاعتمادات المستندية مع المصارف.

 

4-  فرض غرامات مالية وغير مالية عند مخالفة شرط التأمين لدى شركات مجازة من قبل ديوان التأمين العراقي على أي طرف عراقي أو اجنبي يعمل في العراق (أي المؤمن له)، وإلزام الطرف المخالف بشراء التأمين من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.

 

5-  تعزيز الالتزام بهذه الشروط أعلاه وضمان تطبيقها من خلال التنسيق مع الإدارات الجمركية لتقييد إخراج البضائع المستوردة على أنواعها من الموانئ العراقية البرية أو البحرية أو الجوية وذلك باشتراط إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.

 

6-  عدم تقديم السُلف أو الدفع على الحساب أو إجراء التسوية النهائية لعقود المقاولات دون إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.

 

7-  النص في عقود الدولة على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة ومجازة في العراق.  وكذلك وضع نماذج موحدة لشروط التأمين والتعويض في عقود الدولة مع شركات المقاولات العراقية والأجنبية.

 

8-  تأمين صناعة النفط والغاز، في جميع مراحلها، لدى شركات التأمين المسجلة في العراق العامة أو الخاصة منها.

 

9-  تشجيع تأسيس شركات تأمين كبيرة ذات قدرات مالية قوية وكوادر وظيفية عالية الكفاءة من خلال دمج شركات التأمين الخاصة الصغيرة.

 

ثانياً – تعزيز مؤسسات التأمين

 

10- العمل على ضمان استقلالية ديوان التأمين العراقي رغم تابعيته لوزارة المالية وتكريس مكانته كمؤسسة شبه حكومية، وتعزيز جهازه الفني من خلال التدريب لدى هيئات الرقابة العربية المتمرسة في مصر أو الأردن على سبيل المثل؛ وكذلك ضمان عدم تضارب المصالح بينه وبين شركات التأمين.

 

11- تحسين مستوى الرقابة التي يمارسها ديوان التأمين لضمان عدم تسرب أقساط التأمين، دون وجه حق، إلى الخارج؛ وكذلك التأكد من صحة عقود إعادة التأمين التي تبرمها شركات التأمين الخاضعة لرقابته.

 

12- المساواة في التعامل مع شركات التأمين العامة والخاصة والوقوف على مسافة واحدة منها من قبل ديوان التأمين وشركة إعادة التأمين العراقية.

 

13- جعل جمعية التأمين العراقية مؤسسة مفتوحة لجميع أعضائها من شركات التأمين، والتأكيد على الهوية غير الحكومية للجمعية، والمساواة بين شركات التأمين العامة والخاصة في تشكيل أجهزة الجمعية، وضمان استقلال عملها، واستكمال كادرها الفني ورفع مستوى البيانات والمطبوعات التي تصدرها.

 

14- تكثيف التدريب المهني للعاملين والعاملات في قطاع التأمين.[5]

 

15- دعم مكانة ودور شركة إعادة التأمين العراقية، أو التفكير بإعادة هيكلتها باستلهام ماضيها في الستينيات والسبعينيات.

 

ثالثاً – تأسيس سوق فيدرالي للتأمين

 

16- معالجة إرث النظام السابق فيما يخص مصالح الأطراف المتضررة وخاصة أولئك الذين هُجّروا بذريعة التبعية، وحل أية إشكالات قائمة بين شركات التأمين العامة وحكومة إقليم كوردستان بغية التمهيد لرجوع فروع شركات التأمين العامة إلى الإقليم، وسماح حكومة الإقليم بتأسيس فروع للشركات العامة والخاصة في الإقليم.

 

17- العمل على تأسيس سوق تأميني فيدرالي موحد من خلال نظام رقابي موحد على النشاط التأميني، لتجنب ازدواجية الرقابة وكلفتها الإدارية والمالية على شركات التأمين، وضمان حرية عمل شركات التأمين في جميع أنحاء العراق.

 

18- اتخاذ خطوات جادة للبدء باستخدام اللغة الكردية في مجال التأمين في إقليم كوردستان.

 

رابعاً - إضافات للمشروع

 

يمكن إضافة عناوين ثانوية أخرى للسياسة التأمينية كالتأسيس لثقافة تأمينية على مستوى المؤسسات والأفراد؛ والتأمين الاجتماعي في مختلف أشكاله ووضع القواعد المناسبة لتمويله؛ والتأمين الصحي ونظام طبيب الأسرة؛ وإعادة النظر في إدارة قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات (القانون رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته)؛ ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وبأسعار تأمينية لا تثقل كاهل المستقرضين الصغار؛[6] بناء صندوق حكومي للتعويض عن الأضرار المادية التي تلحق بالأفراد نتيجة للكوارث الطبيعية؛[7] دراسة جعل التأمين من الحريق على منشآت الأعمال التي تستخدم عدداً معيناً من العاملين أو رأسمالاً بحد معين إلزامياً، إضافة إلى جعل التأمين على المُنْتَجْات والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة اجبارياً وذلك لحماية حقوق المستهلك؛[8] وغيرها من الموضوعات.

 

خاتمة

 

يبدو أننا نشهد موسماً جديداً لغياب التأمين في الفكر العراقي.  فقبل فترة قصيرة جرى تداول مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي، وكلا المشروعين أهملا ذكر التأمين في الهيكل التنظيمي المقترح للشركة والصندوق.[9]

 

ربما لم نكن نعير غياب التأمين في برنامج لحزب سياسي عريق مُعد للمناقشة لولا أن الحزب كان قد أبدى اهتماماً في الماضي بالتأمين، وهو ما أثنينا عليه كما جاء في مقدمة هذه المقالة، مثلما رحبت مجلة الثقافة الجديدة مشكورة لانفتاحها على نشر العديد من المقالات حول التأمين.  نأمل أن يسترجع التأمين شيئاً من أهميته في برنامج الحزب الشيوعي العراقي ليكون بذلك أول حزب سياسي عراقي يتبنى موقفاً تجاه مؤسسة التأمين.

 

مصباح كمال

 

لندن 24 آذار 2016



[1] طريق الشعب، الخميس 18 آب/أغسطس 2011. 
النص الأصلي لهذه المقالة متوفرة بصيغة بي دي إف لدي لمن يرغب الحصول عليه.
 
[2] مصباح كمال، "التأمينات الاجتماعية في العراق: قراءة لموقف الحزب الشيوعي العراقي"، الثقافة الجديدة، العدد 338، 2010.  نشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي
http://misbahkamal.blogspot.com/2010/08/338-2010-56-65.html
[3] جبار عبدالخالق الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي، مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، تحرير: مصباح كمال، (مكتبة التأمين العراقي، 2013).
 
مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).
 
[4] معظم هذه التفاصيل كانت موضوعات لدراسات ومقالات منشورة في الثقافة الجديدة، شبكة الاقتصاديين العراقيين، مرصد التأمين العراقي ومجلة التأمين العراقي.  سأشير إلى بعضها في الهوامش.
[5] مصباح كمال، التدريب المهني بين الجمعية والديوان: ملاحظات أولية، مرصد التأمين العراقي:
[6] مصباح كمال، برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين، مجلة التأمين العراقي
 
[7] مصباح كمال، خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين، شبكة الاقتصاديين العراقيين
 
[8] مصباح كمال، التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية، الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63

ليست هناك تعليقات: