اليهود والنشاط التأميني في العراق
مصباح كمال
في آذار 2012 كتبت مقالة بعنوان "وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق" اعتمدت فيها على الدليل التجاري العراقي عام 1936، ومما ذكرته فيها إن
الرصد السريع لقائمة الوكالات يبين ان ما يقارب نصف عدد الوكالات عراقية وهذا مؤشر على ان التجار وأصحاب المال العراقيين، يهود ومسيحين ومسلمين، كانوا آنذاك مهتمين بالنشاط التأميني كمتمم للنشاطات الأخرى التي كانوا يقومون بها. من ذلك أن اشتغالهم في تجارة الاستيراد لحسابهم أو لحساب أطراف أخرى (كوكلاء بالعمولة) ولّدَّ الاهتمام بإجراء التأمين المناسب كالتأمين البحري على البضائع.
وجاء تأكيدي على تقديم دور التجار وأصحاب المال من اليهود العراقيين اعتماداً على أسماء بعض وكالات التأمين التي عرضت بعضها في المقالة. وقتها لم أتوفر على مصادر أخرى لإثبات هذا القول. وقد تسنى لي مؤخراً قراءة كتاب موسوعي مهم للدكتور كاظم حبيب يهود العراق والمواطنة المنتزعة أفرد فيه مبحثاً لـ "فئة البرجوازية التجارية وأصحاب الأموال (الصرافون) اليهود" أورد فيه بعض المعلومات المؤيدة لما كتبته. كتب د. حبيب أنه
على وفق المعلومات المتوفرة فإن الفترة الواقعة بين 1921-1936 شهدت توسعاً مهماً في النشاط التجاري ليهود العراق في أغلب المجالات الاقتصادية، وخاصة في مجال الاستيراد، وبمستوى أقل في قطاع التصدير، حيث تركز على سلع قليلة ولكنها مهمة.
لو توسعنا في تعريف مجال الاستيراد ليشمل الخدمات عندها نستطيع القول بأن النشاط التأميني أرتبط باستيراد الحماية التأمينية من خارج العراق سواء من خلال وكالات التأمين أو فروع شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق، أي أن رأس المال المحلي، حسب اجتهادنا، لم يكن موظفاً لتحمُّل الأخطار المؤمن عليها من قبل فروع الشركات الأجنبية. وكالات التأمين، بفضل طبيعتها، تنوب عن شركات التأمين ولا تتحمل نتائج الأخطار المؤمن عليها (التعويضات) لحسابها الخاص، ودورها يقتصر على إنتاج وثائق التأمين لصالح شركات التأمين الأجنبية أو فروعها في العراق، وربما يتمتع البعض من الوكالات بتفويض اكتتابي underwriting/binding authority لإصدار وثائق التأمين وتسوية المطالبات بالتعويض وضمن حدود معينة تحددها شركة التأمين الأجنبية أو فرعها في العراق.
عرضَ بعدها جدولاً لتقديم صورة "عن العدد الكبير للتجار اليهود عل نطاق العراق" (ص 12-13) استقطعُ منه التالي فيما يخص النشاط التأميني:
القطاع
|
إجمالي عدد التجار
|
عدد التجار اليهود
|
نسبتهم %
|
الصيارفة
|
11
|
9
|
81.8%
|
شركات التأمين
|
18
|
9
|
50.0%
|
يستدلُّ د. حبيب من الجدول، وفيما يخص موضوع التأمين، على ما يلي:
إن التجار والصيارفة من المواطنين اليهود قد سيطروا بشكل واضح على أهم فروع التجارة والصيرفة والتأمين، إضافة إلى التجار العامين ووكلاء العمولة أو القومسيون. (ص 97)
كما أن التجار اليهود العراقيين هم الذين أسسوا شركات التأمين وإعادة التأمين بالعراق وتعاونوا في ذلك مع شركات التأمين والتجارة البريطانية. (ص98)
حقاً ان الجدول يؤكد سيطرة التجار اليهود على التأمين، لكن شكل هذه السيطرة غير معروفة؛ أهي من خلال امتلاك أسهم شركات التأمين أو وكالات التأمين أو عدد العاملين فيها- هذا بافتراض وجود شركات تأمين عراقية وطنية، بالمعنى الضيق، قبل الحرب العالمية الثانية. ما نعرفه هو أن التجار اليهود، اعتماداً على مير بصري، "أسسوا أيضاً شركة تأمين عراقية" لاحظ أن التأسيس ينصب على شركة واحدة وليس عدة شركات. كما أن اسم وتاريخ تأسيس الشركة وأسماء مؤسسيها والمشاركين في رأسمالها ليس معروفاً. ولا نعرف على وجه الدقة عدد العاملين من اليهود وغير اليهود والمواقع التي كان يشغلونها في الشركات التي كانوا يعملون بها. مما لا ريب فيه أنه وبسبب تحريم اشتغال اليهود في مؤسسات الدولة، ومنها شركات التأمين الحكومية في وقت لاحق، فإن البعض منهم اتجه بحكم الضرورة إلى العمل في الشركات الخاصة اليهودية وغير اليهودية. المتداول في أدبيات التأمين العراقي أن أول شركة تأمين عراقية تأسست عام 1946 باسم شركة الرافدين للتأمين برأسمال عراقي بنسبة 40% ورأسمال أجنبي بنسبة 60%. ترى هل كانت إشارة مير بصري لهذه الشركة؟
القول بأن التجار اليهود العراقيين هم الذين أسسوا شركات إعادة التأمين بالعراق يحتاج إلى دليل قد يمكن الحصول عليه من خلال بحث أساسي في تاريخ التأمين. نحن نشك بوجود شركة عراقية متخصصة لإعادة التأمين قبل عام 1960 عندما تأسست شركة إعادة التأمين العراقية. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الحاضر لم يتأسس غيرها. قبل ذلك كانت شركات التأمين العراقية تشتري حماية إعادة التأمين، الاتفاقي والاختياري، من شركات إعادة تأمين أوربية عريقة في لندن وزوريخ وميونيخ.
فيما يخص التعاون مع شركات التأمين والتجارة البريطانية ربما كان يدور في ذهن د. حبيب شركات محددة كشركة أندرو ويير& Co Ltd Andrew Weir التي كانت تجمع بين نشاطات متعددة من بينها التأمين واحتكار تجارة تصدير التمور (1939-1952). وقد عرضنا التداخل بين النشاطات المتنوعة للوكالات في مقالتنا "وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق." وخير مثال على ذلك أيضاً ما جاء في كتاب حنا بطاطو حول أعضاء "الدرجة الأولى" في غرفة تجارة بغداد للعام 1938-1939 حيث يأتي على ذكر شركة إ. [إبراهيم] و ش. [شفيق] عدس المحدودة ويحدد طبيعة عملها: "تجار ووكلاء سيارات وتأمين."
إن تاريخ النشاط التأميني في العراق لم يخضع للبحث الأكاديمي وليس هناك كتاب مكرَّس لهذا التاريخ. ولذلك لا نعرف إلا النزر اليسير عن دور اليهود في النشاط التأميني- كما جاء أعلاه. هناك مصادر ومراجع وأرشيفات شركات التأمين لم يتم الاستفادة منها سواء في البحث عن التاريخ العام للنشاط التأميني في العراق أو دور اليهود العراقيين فيه. ونحن نفترض أن دور اليهود (في العمل في وكالات وشركات التأمين) قام على أساس المهارات اللغوية التي كانوا يتمتعون بها بفضل الدراسة في المدارس اليهودية التي كان منهاجها يتضمن تدريس اللغة الإنجليزية والفرنسية وأساسيات العلوم الحديثة، وعلى أساس الثروة المالية لدى بعض التجار اليهود (الموظفة في تأسيس الوكالات والشركات). ربما ساهم عدم وجود موقف ديني يهودي واضح رافض لآلية التأمين إلى ولوج العديد من اليهود المتعلمين في العمل التأميني.
إن الموضوع بانتظار من يقوم بالبحث فيه، سواء من منظور شخصيات تأمينية وسلوك هذه الشخصيات في إطار المتغيرات السياسية والقانونية، أو من منظور المشروع التجاري، أي شركات التأمين ذاتها، إذ أن محتوى الأدبيات المتوفرة عنه ضعيف جداً. إن البحث والكتابة عن دور اليهود ومكانتهم في النشاط التأميني هو في نفس الوقت بحث عن تاريخ التأمين في العراق. من المؤسف أن هذا النوع من التاريخ الاقتصادي الذي يركز على الشركات والقائمين عليها ليس معروفاً في العراق. يقول المؤرخ الأمريكي جيرالد فيلدمان "إن العمل على ترويج تاريخ نقدي للأعمال [تاريخ الشركات] يقع في خانة المسؤولية العامة مثلما يُعبّر عن سياسة حكيمة فمجتمع الأعمال هو المستفيد من التقييم الرصين لتاريخه."
19-23 تموز/يوليو 2016
الملحق رقم 1
روايات شفهية حول النشاط التأميني لليهود العراقيين
(1)
أثناء كتابة هذه المقالة استعنت بالسيد أميل كوهين بفضل اتصالاته الواسعة مع المجتمع اليهودي العراقي في الخارج. وقد أفادني بأن صديقاً له، صباح عقيرب، كان يعمل في ستينيات القرن الماضي في إحدى شركات التأمين في بغداد. وقد اتصلت به إلا أنني لم أحصل منه على معلومات ملموسة عن اليهود الذين عملوا في وكالات وشركات التأمين العاملة في العراق وأسماء هذه الوكالات والشركات. وتبين لي من خلال متابعات أميل كوهين أنه كان يعمل في شركة ناشونال إنشورنس كومباني أوف نيو زيلاند National Insurance Company of New Zealand، وهي فرع للشركة الأم في نيوزيلندا، ولكن دون معرفة الفترة التي عمل فيها والموقع الذي كان يشغله.
وأعلمني أميل كوهين أن أبوه، منشي كوهين، عمل لبعض الوقت في ستينيات القرن الماضي مع شركة ﮔارديان للتأمين Guardian Assurance Co وهي فرع للشركة الأم في بريطانيا وقد بدأت العمل في العراق عام 1920.
(2)
أوصلني أميل كوهين إلى السيد منشي سوميخ الذي كتب لي دون إبطاء، رغم كبر سنه، الرسالة التالية بتاريخ 21 تموز 2016:
قرأت رسالتك، وتصفحت كذلك المواد المرفقة، واني أقدر الجهد الذي بذلته في اعداد هذه الدراسة التي تتناول فرعا هاما من فروع النشاط الاقتصادي في العراق. واني اذ أتمنى لك النجاح في مواصلة هذه الدراسة ارجو ان اعلمك باني غادرت العراق عام 1951 بعد ان امضيت معظم اوقاتي في السنوات الست بعد انهاء الدراسة الثانوية، في نشاطات سياسية وصحفية، ولم يكن لي في حينه اية علاقة بالنشاطات التجارية والاقتصادية، ولا أتذكر ان أحدا من اقربائي او معارفي كان يمارس عملا في شركات التأمين او كانت له علاقة بشؤون التأمين. واليوم وانا في التسعين من عمري لا امل في أن أجد في محيطنا أشخاصا يمكن ان استقي منهم معلومات تخص النشاط التجاري والتأميني في الفترة المقصودة بسؤالك من تاريخ العراق الاقتصادي. ان كل ما اتذكره عن موضوع التأمين في العراق هو تلك اللوحة الصغيرة الملونة التي كانت تلصق في واجهة البيوت المؤمنة ضد الحريق، ولا أدرى ماذا كان اسم شركة التأمين ومن هم الأشخاص الذين اداروها او كانت لهم وظائف فيها.
وأخيرا، لا يسعني الا ان أعرب لك عن اسفي لعدم تمكني من تزويدك بالمعلومات التي طلبتها متمنيا لك النجاح والتوفيق في كل ما تصبو اليه.
المعلومة الصغيرة التي وردت في هذه الرسالة عن "اللوحة الصغيرة الملونة التي كانت تلصق في واجهة البيوت المؤمنة ضد الحريق" معلومة أصيلة لأنني لم أجد في قراءاتي أي ذكر لها. ومن المعروف أن تثبيت مثل هذه اللوحات كان قائماً في القرنين السابع عشر والثامن عشر في بريطانيا. هذه المعلومة بذاتها تضيف شيئاً جديداً للمعرفة التاريخية بالنشاط التأميني في العراق.
آمل أن تشجع هذه المعلومات الصغيرة غير المكتملة المهتمين بالموضوع على كشف المزيد لتكوين صورة أفضل عن الواقع التاريخي للنشاط التأميني في العراق، كالسبب وراء تثبيت هذه اللوحات، وهل أن ذلك يعني بأن شركات التأمين كانت تمتلك خرائط تفصيلية عن المدن الرئيسية كبغداد والبصرة، وهل هناك صورة لبيت تظهر فيها مثل هذه اللوحة.
وكتب التالي في رسالة ثانية بتاريخ 22 تموز 2016:
شكرا على رسالتك وعبارات الاطراء التي تضمنتها. إني في الواقع اشعر بأسف شديد لعدم تمكني من المساهمة في البحث عن المعلومات المطلوبة للدراسة التي تعمل على اعدادها. اما عن المعلومة الخاصة بلوحة التأمين فمن الطبيعي أنك تستطيع استعمالها وليس من حاجة لان تنسبها اليّ.
واني، كما قلت في رسالتي السابقة، لم تكن لي اي علاقة بشؤون التأمين، ومع ذلك فان من الأمور التي اتذكرها، ان البضائع التي كانت تستورد من الخارج كانت تخضع اثناء شحنها للتأمين أوتوماتيكياً، وإذا حدث ان أصيبت باي ضرر اثناء شحنها فان شركات التأمين تكشف عليها وتحدد مدى الضرر الذي أصابها والتعويض الذي عليها ان تدفعه لأصحابها. والمهم هنا هو ان الشركات والتجار كانوا يستعملون في موضوع التأمين مصطلحات مشتقة من اللغة الإنكليزية. فشركات التأمين تسمى شركات السيكورته، والبضائع المؤمنة هي بضائع مسوكرة. وكانت كلمة مسوكر تستعمل عادة لأمور مؤمنة ومضمونه وهي مشتقة طبعاً من الكلمة الإنكليزية (secure - security)، وكانت البضاعة المتضررة تسمى - دامج - المشتقة من الإنكليزية (damage). وهناك بالتأكيد مصطلحات أخرى مشتقة من الإنكليزية يعرفها الذين مارسوها في الأسواق التجارية.
وفي غضون ذلك سأواصل البحث عن اشخاص كانت لهم علاقة بشؤون التأمين لعل وعسى ان احصل على المزيد من المعلومات.
تحياتي وتمنياتي لك بالخير والسعادة والفلاح.
(3)
في أواخر عام 2015 بعث لي السيد ميرزا مراد مجيد خان، أحد ممارسي التأمين المخضرمين في بغداد، رسالة قصيرة ذكر فيها أنه عمل في أوائل خمسينيات القرن الماضي في شركة ستريك Strick House ضمن طاقم الموظفين staff. وذكر أيضاً أن
"كان معظم الموظفين في الشركة من الإنكليز أو العراقيين اليهود وكنت المسلم الوحيد بينهم. لم أشعر ولم يشعر غيري بالتفرقة الدينية.
كان قسم التأمين يديره شخص يهودي اسمه سليم عوبديا، أو بالحقيقة شالوم. كان ذو أخلاق عالية تساعده موظفة يهودية تزوجها لاحقاً بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما. لم أشعر بأي تمييز وهم لم يمارسوا أي تمييز ضدي لا بل علموني المبادئ الأساسية للتأمين والعمل المصرفي وعمليات النقل إذ أن الشركة كانت تمتلك وتدير خطاً ملاحياً بحرياً باسم Strick and Ellerman."
القول إن "معظم الموظفين في الشركة من الإنكليز أو اليهود العراقيين" يؤكد حضوراً قوياً لليهود في قطاع التأمين، وهو ما يؤكده أيضاً العدد الكبير نسبياً من وكالات التأمين التي أسسها يهود عراقيون في ثلاثينيات القرن الماضي كما عرضتها في الملحق رقم 2 أدناه. وسيلاحظ القراء أن هذه الشركة تستخدم عراقية يهودية. وهذا جانب يؤكد على سبق النساء اليهوديات في العمل في الشركات.
وذكر أيضاً بأن
"كان النقل البحري هو الاختصاص الرئيسي للشركة ولكنها كانت تضم أقساماً تجارية أخرى مثل التأمين، ووكالات للمشروبات الكحولية كالويسكي والبراندي (Johnny Walker, Haig, Hennessey)، والسكائر (Players)، وتجارة الشاي والرز، والمدافئ النفطية المنزلية (Valor)، والأدوية الطبية لشركة كلاكسو (Glaxo)، والمنظفات (Unilver) ... الخ. إضافة الى كونها تمثل فرعاً لشركة التأمين البريطانيةRoyal Insurance وكان يشرف عليه، بالإضافة إلى المدير اليهودي، شخص إنكليزي اسمه Duddly."
وقد ورد اسم الشركة ضمن وكالات التأمين في بغداد، في الملحق رقم 2، تحت اسم Strick, Frank C & Co (Busrah) Ltd وأفادنا السيد خان هنا أنها كانت تمثل "فرعاً" لشركة رويال للتأمين، وهذه معلومة جديدة.
(4)
أطلع السيد فاروق يونس، بغداد، على مسودة مقالتي فكتب التالي بتاريخ 25 تموز 2016:
بحثكم التاريخي المهم القيم لا تتوفر عنه، حسب ظني، معلومات منشورة. لدى بعض الملاحظات الصغيرة أوجزها كما يلي:
اهمية العراق الاستراتيجية قبل افتتاح قناة السويس (راجع كتاب الاستاذ عبد الفتاح إبراهيم، الطريق الى الهند، منشورات الأهالي) طيلة العهد العثماني وحتى بعد الاحتلال البريطاني للعراق وقيام المملكة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى. كان الطرف الرئيسي الذي يتعامل على صعيد التجارة الخارجية قلة من العراقيين معظمهم يهود. وكانت هناك علاقات وطيدة بين البيوتات التجارية الانكليزية والهندية مع العراقيين اليهود -- هنا توكيدي على عراقية اليهود، وهذا هو أصل البحث، وليس عن يهود العراق كأقلية دينية مارست التجارة والزراعة وتولى اعيانهم مراكز مرموقة في الدولة العثمانية والحكومة العراقية بعد تأسيسها -- نحن نتحدث عن عراقيين شركاء في مختلف العمليات التجارية استيراداً وتصديراً وفى الصيرفة والنقل والتامين وفى بناء المدارس والمستشفيات وممارسة الاختصاصات في الطب والصيدلة والهندسة ... الخ.
المهم ان نقول لم يكن للتجار المسلمون في القرن 19 وأوائل القرن العشرين دور مهم في التجارة الخارجية والخدمات المتعلقة بها من تامين ونقل بحري وبرى. وكانت غرفة تجارة بغداد، التي تأسست عام 1924، بيد اليهود واول رئيس لها مستر وايت إنكليزي ورئيس بنك. محور التجارة هو بريطانيا - الهند - بغداد - بصرة – موصل، مسيراً من قبل المصارف الانكليزية ومصرف إنكلترا. وكان الاستيراد من دول الكومنويلث (بلدان العملة السهلة - الباون) غير مقيد اما بلدان العملة الصعبة (الدولار) فهو محدود التخصيصات وخاضع لقيد الاجازة.
مارس المسلمون تجارة التصدير للتمور والقطن والحنطة والشعير. كان الشعير يستورد من تجار انكليز مطروح في الموصل FOB ويصل الى ميناء ليفربول وعند التفريغ تحصل عجة فيعرف وصول باخرة الشعير من العراق. والتامين البحري يجريه المشترى - الشركة الإنكليزية.
خلاصة القول: العراقيون من يهود ومسيحيين كانوا يملكون المال ويملكون المعرفة العلمية والتجارية ولديهم علاقات وطيدة مع شركائهم في الخارج وبالأخص البريطانيون والهنود والاتراك (لا تنسى دور اليهود في السياسة والاقتصاد ايام الإمبراطورية العثمانية ودور مدحت باشا، اليهودي الأصل، في الاصلاحات التي قام بها في العراق. انظر كتاب اليهود والدولة العثمانية - الدكتور احمد نوري النعيمي - دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد 1990).
دور شركة الهند الشرقية مهم أيضاً يجب الاطلاع عليه، وكذلك بيت لنج، واليهود العراقيون المقيمون في الهند دورهم مهم ايضا (اموال اليهود العراقيون كانت تحول للهند خوفا عليها - لم يحصل تراكم رأسمالي لثروات اليهود في العراق).
لقد كان اليهود والمسيحيون وكلاء بالعمولة حيث يتم تجهيزهم بالسلع من بريطانيا والهند وان الاصيل هو الذي يقوم بالتامين البحري وليس الوكيل. المطلوب تعريف معنى وكيل تامين الوارد في المسودة فهو طبعا ليس بالضرورة شركة تامين بل وسيط ووكيل بالعمولة لشركة اجنبية.
خلاصة: انظر الى اليهود من منظور هويتهم العراقية وانظر الى المسلمين الذين اتخذوا من المتعلمين اليهود كتابا ومراسلين لهم مع الجهات الاجنبية المستوردة والمصدرة ومع شركات النقل والتامين والسياحة وذلك لافتقار المسلمين مع الاسف للتعليم والتعلم بل رفضهم بعد الاحتلال البريطاني ادخال ابنائهم في المدارس الحديثة وتفضيل الكتاتيب عليها، ولكن في النهاية انتشرت المدارس الحديثة وعمت الثقافة الغربية
خلاصة أخيرة: العراقيون مارسوا النشاط التأميني، ونظرا لان ممارسة هذا النشاط يتطلب معرفة باللغة الانكليزية ومعرفة بفنون هذا النشاط الحديث نسبيا على الصعيد العالمي فقد كان العراقيون من اليهود من خريجي المدارس اليهودية، في بغداد خاصة، هم السباقين لممارسة هذه المهنة الجديدة نسبيا. المسلمون كانوا خارج قوس واليهود والمسيحيون هم العارفون بالتامين وباللغة الإنكليزية. (انظر كتاب الدولة والقطاع الخاص في العراق - الادوار - الوظائف - السياسات 1921-1990 - الدكتور عماد عبد اللطيف سالم - بغداد 2001)
الملحق رقم 2
دور اليهود في وكالات التأمين
عرضت في مقالتي "وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق" أسماء بعض وكالات التأمين المنشورة كإعلانات في الدليل التجاري العراقي عام 1936. سيلاحظ القارئ تكرار بعض الأسماء وقد أبقينا عليه نظراً لأن البعض منها تضم معلومات عن شركات التأمين الأم التي كانت هذه الأسماء تمثلها في المدن الرئيسية للعراق. وبمساعدة من الصديق أميل كوهين تم تحديد أسماء الوكالات التي تعود ملكيتها إلى يهود عراقيين. لم تجرِ محاولة جرد كهذه سابقاً، لذلك أتمنى أن يقوم المتخصصون بتعديل أي خطأ في التشخيص.
فيما يلي أسماء الوكالات التي ذكرتها في المقالة مع بيان إن كانت مملكة ليهود عراقيين. أبقيت أسماء الوكالات باللغة الإنكليزية كما وردت في دليل 1936.
ملكية الوكالة- ملاحظات
|
اسم الوكالة
|
يهودية تعود لعائلة عدس
|
I & C Ades
Head Office: Baghdad
Agents for [over 40 companies including]
L’Union Insurance Co Ltd – Life, Fire, Accident, etc.
Branches: Basrah, Mosul, Kirkuk
|
ملكية هذه الوكالة غير معروفة ومن المحتمل أن تكون يهودية
|
African & Eastern (Near East) Ltd
Basrah, Baghdad, Mohammerah
Head Office: London
Agents for The Atlas Insurance Co Ltd, Northern Assurance Co Ltd, London (Fire, Marine, Motor, Accident Insurance, etc.
|
مسيحية تعود لعائلة إدوار فرام
|
Edward M Fram
Importers of: Glassware, Bedsteads [and other goods]
Insurance, Securities and Shares Agent
Basrah
|
يهودية. رغم أن اسم الشركة، شركة التأمين العراقية المحدودة، إلا أنها تصف نفسها في الإعلان كوسطاء تأمين وكوكلاء لشركة ﮔارديان للتأمين (بريطانية)، ومكتتبي لويدز (دون تحديد لأسماء النقابات الاكتتابية في سوق لويدز اللندنية) ومكتتبين فرنسيين (أيضاً دون تحديد الأسماء)
|
The Iraq Insurance Ltd
(Incorporated in Iraq)
Insurance Brokers
Agents for:
The Guardian Assurance Co, Ltd
Lloyd’s and French Underwriters
|
يهودية
|
Khedouri E. Ani
Ashar, Basrah
Import, Export and Commission Agent
Agent for: Insurance of All Kinds
|
يهودية، ممثلة من خلال وكالة سي لايبنثول و إي صوفر
|
Victoria of Berlin
General Insurance Co Ltd, Est 1853
Capital and Reserve: £32,000,000
Amount Assured: £77,000,000
Most favourable terms for life insurance/with participation of the company’s profit
Head Office for Iraq:
C. Liebenthal & E Soffer
Baghdad, 230/1 Rashid Street
|
شركة تجارية بريطانية.
|
Andrew Weir & Co
Baghdad & Basrah
Established in Iraq since 1905
Shipowners, Import & Export Agent, General Merchants, Insurance Agents, etc.
|
ربما تكون هذه الوكالة يهودية. يلاحظ أنها كانت تعمل وكيلاً لشركة تأمين بريطانية
|
Asfar & Co
Basrah, Iraq
Date Growers, Merchants and Exporters
Agents for:
The Northern Assurance Co Ltd
Fire, Marine and all Risks
|
|
وكالات التأمين في بغداد
|
يهودية، وقد ورد ذكرها أعلاه
|
Ades, I & C, Naman Street
|
ربما تكون يهودية
|
African & Eastern (Neat East) Co Ltd, Mustansir Street
|
|
Antoin & E, Aris, Khan Khedairi, Mustansir Street
|
|
Antrassian, Rashid Street
|
|
Awanis Malkonian, Khan Dalla
|
|
Bashir Kazandji, Rashid Street
|
|
Dwyer & Co Ltd, Rashid Street
|
يهودية
|
Edward Aboodi & Co, Khan Shashona, Samawal Street
|
|
Faik Obeyda, Rashid Street
|
|
Fowler & Co, Rashid Street
|
|
Ghani, Sayid, Rashid Street
|
يهودية
|
Hakkak, E M & Sons Ltd, Rashid Street
|
|
India Life Insurance Co, Rashid Street
|
يهودية
|
Iraq Insurance Office (The), Rashid Street
|
يهودية
|
Khedhoori, A Zilkha, Rewaq Street
|
يهودية
|
Liebenthal, (C & E Soffer), Khan Abdul Hadi Chalabi, Rewaq Street
|
يهودية
|
Meir Tueg & Y Moshi, Mustansir Street
|
|
Mesopotamia Persia Corporation (The), Mustansir Street
|
يهودية
|
Pedroni, P O Box No. 98
|
يهودية
|
Saatchi, S & D N, Mustansir Street
|
|
Strick, Frank C & Co (Busrah) Ltd, Mustansir Street
|
|
Weir, Andrew & Co, Rewaq Street
|
|
الوكالات في البصرة
|
|
Alliance Insurance Co, Pharmacists Street
|
|
Asfar & Co, Strand Road, Ashar
|
|
Fowler & Co, Ltd, Church Street
|
لا يمكن الجزم إن كانت ملكية هذه الوكالة يهودية أو مسيحية
|
Iraq Insurance Co (The), A. Rufail (Agent), P O Box 24
|
|
Shark Insurance Co, E M Fram, Agent, P O Box 24
|
|
الوكالات في الموصل
|
|
Jabrail Zebouni, Ghazi Street
|
|
Muhammad Najib al-Jadir, Nineveh Street
|
يذكر د. كاظم حبيب بأنه اعتمد في هذا الجدول على كتاب فاضل البراك، المدارس اليهودية والإيرانية بالعراق: دراسة مقارنة (بغداد: الدار العربية، ط2، 1985)
Joseph Sassoon, Economic Policy in Iraq, 1932-1950 (Oxford: Frank Cass & Co Ltd, 1987), p 153.
هناك دراسة غير منشورة للسيد ستار كرمد عيدان، سوق التأمين العراقية: دراسة تحليلية في الجذور التأسيسية (بغداد: شركة إعادة التأمين العراقية، 2012)، 84 صفحة (قياس 21X29.7 سم)، إلا أنها ليست تاريخاً، بالمعنى الضيق، للنشاط التأميني. أنظر عرضنا النقدي لهذه الدراسة في الثقافة الجديدة، العدد 366، أيار 2014، ص 62-68.
كما أن كتابنا أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011) هو الآخر لا يرقى إلى سرد تاريخي مفصل. النسخة الإلكترونية لهذا الكتاب متوفر في الموقع التالي:
"الكلمة "سيغورطه" أو "سيكورته" أو "سيكورتاه" تركية sigorta (من الأصل الإيطالي sicurta) وتعني التأمين، وهناك قانون عثماني يحمل هذه الكلمة وهو قانون [شركات] الضمان (السيكورتاه) الصادر عام 1322 (1905) [صدر في 21 جمادي الآخر 1323 ونشر كملحق لقانون التجارة البرية العثماني]. وتكتب الكلمة أحياناً سوگره أو صوگرة. وقد دخلت كلمة صوگرة في التداول الشعبي العراقي كمقابل للضمان أو ما هو مؤكد. وترد الكلمة في نص القانون وكأنها شرح لعبارة "أعمال التأمين" الواردة قبلها."
يمكن القول، ومن باب التعميم، أن وكيل التأمين كان يقوم بإصدار وثائق التأمين نيابة عن شركة التأمين الأجنبية ويقوم بتحويل أقساط تأمين هذه الوثائق إلى شركة التأمين الأجنبية، في بريطانيا أو في غيرها من البلدان، بعد استقطاع عمولته المتفق عليها مع الشركة. وبالنسبة لتسوية المطالبات بالتعويض فإن وكيل التأمين قد يدفع مبالغ التعويض من حسابه الخاص ومن ثم يطالب شركة التأمين الأجنبية التي يمثلها بتحويل مبالغ التعويضات لحسابه أو يحصل عل هذه المبالغ من خلال المقاصة من أقساط التأمين المستحقة لشركة التأمين. (م كمال).