المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10):
المدخل لتغيير القانون
مصباح كمال
نشرت هذه الدراسة في الثقافة الجديدة، عدد مزدوج 353-354، كانون الأول 2012
مقدمة
تناولت، من موقف نقدي، في العديد من مقالاتي[1] الأحكام السلبية التي يضمها قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) ومنها المادة 81 التي أشار إليها زملاء المهنة أيضاً في مقالاتهم المنشورة في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي. ويجد موقفي حضوراً قوياً له في كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم نقدي[2] وقد سرّني أن أتعرف عن كثب على موقفٍ نقدي مشابه لموقفي من هذه المادة لدى العديد من زملاء المهنة، في الديوان والجمعية وشركة إعادة التأمين العراقية والشركات العامة والخاصة، أثناء زيارتي للعراق أوائل شهر تموز 2012. وقد حفّزني موقفهم على استعادة بعض ما كتبتُ عن القانون وهذه المادة التي وصفتها بالمادة اللعينة في مقالتي الأخيرة "نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق."[3] المادة لعينة لأنها واحدة من أسباب ضيق ومعاناة النشاط التأميني في العراق منذ نشر القانون في الوقائع العراقية.
المقالة الحالية فيها بعض التكرار الذي اعتبره نافعاً فكلما راجعنا ما كتبنا واقتربنا من القانون تحليلاً ونقداً كلما سهّلنا على صانعي القرار أو المساهمين فيه، كديوان التأمين العراقي، مهمة إعادة النظر وتغيير قانون تنظيم أعمال التأمين.
مزاولة نشاط التأمين
اعتقد بأن إعادة النظر يجب أن تتجاوز مجرد رصد الأخطاء والثغرات بل تمتد لتشمل الرؤية التي يقوم عليها هذا القانون. وكما بينت في دراسة سابقة[4] فإن أحكام هذا القانون تنطوي على تناقض مستتر يتيح فرصة عدم الالتزام به. فالمادتين 13 و 14 تنصان على ما يلي:
المادة-13- لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من [قبل]:
أولا- الشركات العراقية العامة.
ثانيا- الشركات العراقية المساهمة الخاصة أو المختلطة.
ثالثا- فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق.
رابعا- كيانات تأمين التكافل أو إعادة التكافل.
خامسا- مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو [وذا] قدرة مالية شرط التزامه بأحكام هذا القانون.
المادة-14- أولا- لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أن يمارس أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقا لأحكام هذا القانون.
لكن الملاحظ، وبشهادة شركات التأمين العراقية ومستشاريها القانونيين، أن شركات التأمين وإعادة التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل الديوان تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية، المسجلة والمجازة من قبل ديوان التأمين العراقي وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها، من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين على الأصول العراقية بما فيها الأشخاص. وقد نشأ هذا الوضع، الذي خسرت شركات التأمين العراقية بسببه ملايين الدولارات من الأقساط[5] مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين الصادرة وكذلك إيرادات الضريبة على دخل شركات الـتأمين، لأن قانون تنظيم أعمال التأمين لا يضم مواد إضافية لضبط الاكتتاب وضمان الالتزام بهاتين المادتين. فالمادة 13 تظلُّ غير فعّالة ما لم يحدد القانون، بوضوح، التزام طالبي التأمين، من العراقيين والأجانب، بإجراء التأمين على أصولهم ومسؤولياتهم القانونية لدى شركات تأمين مجازة بموجب قانون التأمين. ولكن خلافاً لذلك فإن القانون يؤكد على حرية شراء منتجات التأمين وخدماته من أي شركة للتأمين أو إعادة التأمين، بما فيها ضمناً الشركات الأجنبية، كما جاء في المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.
المادة 81 وإطلاق حرية التأمين والتناقض القانوني
يرد نص المادة 81 تحت الباب السابع، أحكام متفرقة، الفصل الأول، أحكام عامة، وكما يلي:
المادة-81-
أولاً- لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثالثاً- يجري التأمين على الأموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.
سنغض النظر في هذه المقالة عن الفقرة ثالثاً رغم أهميتها وشكوى البعض من وجودها، وربما نقوم بدراستها في ورقة مستقلة في المستقبل. ويكفي أن نشير هنا إلى أن هذه الفقرة، خلافاً للفقرتين ثانياً وثالثاً، تذكر حق "جميع المؤمنين المجازين في العراق" الاشتراك في مناقصات التأمين على الأموال العامة. انطلاقاً من هذه الملاحظة نجد أن الفقرة أولاً لا تشير إلى مؤمنين مجازين في العراق، وكذا الأمر بالنسبة للفقرة ثانياً. لم تأتِ هذه الصيغة في إغفال ذكر العراق عفواً وفي لحظة غفلة بل من باب التصميم وضمن رؤية لتوجيه الاقتصاد العراقي. كما نغض النظر عن مدى شرعية قانون تنظيم أعمال التأمين في ضوء اتفاقيات جنيف حول تغيير المحتل الأجنبي لقوانين الدولة المُحتَلّة، ويكفي أن نقول إن هذا القانون لا ينسجم مع اتفاقيات جنيف التي لا تجيز للقوة المحتلة صلاحية تغيير ما هو قائم ما لم يكن هناك تهديداً مباشرا لأمن القوة المحتلة أو أن هناك ضرورة تستوجب التغيير. وفي هذا السياق فإن النشاط التأميني، في أي من صوره، لم يشكل تهديداً مباشراً أو غير مباشر للاحتلال الأمريكي، ولم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو اجتماعية لتغيير القوانين المنظمة للنشاط ما لم ندخل الاعتبارات الإيديولوجية في الحسبان (إعادة تشكيل الاقتصاد العراقي من منظور العقيدة الليبرالية الجديدة)، وفي هذه الحالة فإن الضرورة ليست عراقية، نابعة من متطلبات تنمية الاقتصاد العراقي.
المادة 81 ناقصة، كما يلاحظ القارئ، لأنه يخلو من إشارة إلى محل إقامة المؤمن أو معيد الـتأمين أو تسجيله في العراق أو ترخيصه من قبل الديوان ولا القانون الذي تشير إليه هذا المادة، حسب علمنا، نصًّ خلاف ذلك ولم ينشر حتى الآن تعديل للقانون بهذا الشأن. ويلاحظ أيضاً أن هذه الفقرة تُقرُّ حق الشخص الطبيعي في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين دون النص على عراقية المؤمِن أو معيد التأمين (بمعنى تسجيله لدى مسجل الشركات وترخيصه من قبل الديوان).
وفّرت المادة 81 الأرضية القانونية لتسريب أقساط التأمين العراقية إلى الخارج من خلال القبول الضمني بالتأمين خارج النظام الرقابي non-admitted insurance وهو ما لا نجد نظيراً له في معظم الانظمة الرقابية على النشاط التأميني في العالم. وقد كتبتُ في مكان آخر ان "مايك بيكنز، مفوض التأمين في ولاية أركنساس، الذي أعد نص القانون باللغة الإنجليزية، يعرف تماماً القيود المفروضة على حرية شراء التأمين في ولايته وفي الولايات الأخرى للولايات المتحدة. ومع ذلك أقحم هذه المادة تعبيراً عن العقيدة الليبرالية الجديدة في رفع الضوابط الرقابية."[6]
لقد وفرَّ قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الغطاء القانوني للتأمين خارج العراق لدى شركات تأمين أجنبية غير مسجلة في العراق وغير مرخصة. وعدا ذلك فإن القانون يتعارض مع أحكام الدستور الدائم، فقد أكدت المادة 130 من الدستور حول نفاذ القوانين القائمة على الآتي:
"تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغَ أو تُعدّلَ، وفقاً لأحكام هذا الدستور."
من التشريعات النافذة ذات العلاقة قرار مجلس قيادة الثورة رقم 192 المؤرخ 3/12/1998 الذي نصَّ في الفقرة ثانياً على أنه
"لا يجوز التأمين خارج العراق مباشرة على أشخاص أو أموال موجودة في العراق أو مسؤوليات قد تتحقق فيه." (الوقائع العراقية، العدد 3757، ص 618)
ويعرف القارئ المُطّلع أن هذا القرار ألغى قانون شركات ووكلاء التامين رقم (49) لسنة 1960 الذي نصّ في المادة 57 على الآتي
"لا يجوز لأي شخص أن يُؤمن خارجَ العراق مباشرةً على أشخاصٍ أو عقاراتٍ أو أموالٍ موجودة في العراق."
ومن النواقص التدوينية لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 عدم إيراد نص بإلغاء قوانين التأمين السابقة أو الاحتكام إليها في حالات معينة. هناك إذاً تضاربٌ بين قانون سنة 2005 والقوانين السابقة التي لم تخضع للإلغاء.
إزاء هذا الوضع يصبح ضرورياً القيام بالمراجعة الفنية والقانونية لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وإعادة تدوينه فهو صار يُشكّل عنصراً أساسياً في توجيه النشاط التأميني. إن القانون، في صيغته الحالية، يحجّمُ دور شركات التأمين العراقية. وقد عرضت موقفي من تغيير القانون في مقالتي "نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق" المنشور في مرصد التأمين العراقي وقد أشرت إليه سابقاً.
الصمت الرسمي
لست أول من انتبه إلى الآثار السلبية للمادة 81 فالحديث دائر عنها لدى ممارسي التأمين في العراق. لكن الذي يثير الاهتمام أن الكتابات النقدية المنشورة بشأنها والاتصالات الشخصية ومن خلال التخاطب التي قام بها أركان التأمين العراقي مع أكثر من وزير في الماضي وحتى وقت قريب لم تسفر عن تبني أي منهم لمشروع إعادة النظر في القانون وتعديل المادة 81 ولم يظهر في مراجعات القوانين، ومنها قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، التي يطلع علينا بها البرلمان. ويبدو أن الحكومة والوزراء ونواب البرلمان يعانون من صمم تجاه الموضوع، أو لأن التأمين لا مكان له في جدول اهتماماتهم فهو قطعاً، حتى الوقت الحاضر، لا يدخل ضمن حزمة المنافع الشخصية (الرواتب، المخصصات، السيارات المصفحة التزود بالمسدسات والبنادق، التقاعد والجواز الدبلوماسي) التي يتبارون في التشريع لها.
تُرى من هو المستفيد من بقاء القانون على حاله رغم شكوى شركات التأمين العراقية؟ أهناك مصالح غير مرئية تقف وراء عدم تغيير القانون؟ لست عارفاً بالتفاصيل لكن أعرف أن وزيراً قد استمع لأحد أركان التأمين لكنه بعد حين نسي أو تناسى الموضوع. هل هناك من يستطيع البحث في هذا الجانب من الموضوع؟
بعض الآثار الاقتصادية
النتائج الاقتصادية لتجاهل دور شركات التأمين العراقية واضحة فأقساط التأمين المنفقة على شراء الحماية التأمينية للأصول الموجودة داخل العراق تُحوّل إلى الخارج إما جهلاً أو قصداً بدلاً من إنفاقها داخل العراق. وهو ما يُحرِمُ هذه الشركات من فرصة النمو والنهوض للتعامل مع متطلبات تأمين المشاريع في مختلف مراحلها وما يفرضه عليها تطور الاقتصاد من تحديات فنية ومالية. وللأسف فإن هذا الوضع يعكس حالة عامة تتمثل بإعادة تصدير المنافع الاقتصادية خارج العراق بدلاً من الاستفادة منها في تعزيز التراكم الاقتصادي الوطني. ويكفي هنا أن نتذكر مصير الأرصدة في صندوق تنمية العراق والمنح والقروض والمعونات العينية التي أقرها مؤتمر المانحين في مدريد في تشرين الأول 2003 فقد أُنفقت نسبة كبيرة منها خارج العراق بالتعكز على سوء الأوضاع الأمنية.[7] أي أنها لم تصب مباشرة في حركة الاقتصاد العراقي إضافة إلى التبذير والسرقة التي تعرضت لها.[8]
الأموال العراقية العامة، المنقولة وغير المنقولة، تخضع لأشكال متعددة من التسرب وسوء الاستعمال والسرقة وكلها تؤثر على حركة الاقتصاد العراقي وعلى قطاع التأمين. على سبيل المثال، فإن الإنفاق على شراء الحماية التأمينية من الخارج، دون المرور بشركات التأمين العراقية، هو أحد أشكال تسريب الأموال وهو في ذات الوقت خسارة للدخل بالنسبة لهذه الشركات مثلما هو خسارة لمصدر ضريبي (ضريبة الدخل على شركات التأمين).
ما يعنينا من هذا كله هو الدور المحتمل لصناعة التأمين في العراق في المساهمة في التنمية الاقتصادية.[9] فالقانون، كما هو عليه، وطريقة إجراء التأمين خارج العراق يحرم قطاع التأمين من المساهمة الفعلية في التنمية في المستقبل المنظور عندما تتضح معالم هذا القانون في التطبيق ومجافاة بعض أحكامه، كالمادة 81، لمشروع تأسيس سوق وطني عراقي مشترك للتأمين.[10] وفي الواقع، ليس هناك، ومنذ تشرين الثاني 1991، سوق وطني، فدرالي حقيقي، بل هناك ميل للانعزال في إقليم كوردستان كما يظهر ذلك من خلال بعض التشريعات."
إجراء التأمين خارج العراق دون الالتفات إلى الخدمات التي تستطيع شركات التأمين العراقية تقديمها، حتى في دور الشركة الواجهة fronting company مثلاً، بحجة أن هذه الشركات لا تتوفر على الخبرات والطاقات المطلوبة، تسرق من هذه الشركات فرصة مجابهة الجديد والمعقد من الأخطار التأمينية والعمل على إيجاد الحلول لها. ولكن يبدو أن المستهدف هو إبقاء شركات التأمين العراقية ضعيفة إلى أطول فترة ممكنة كي تستطيع الشركات الأجنبية النفاذ إلى السوق من خلال ما يسمى بالتجارة عبر الحدود cross-border trading. هذا النمط من تعاطي التأمين له آثاره السلبية على السوق الوطني، فهو يلغي الحاجة إلى الاستثمار في البلد المُضيّف، كما أنه يستغني عن الاعتماد على الموارد المحلية، وهو بالتالي لا يساهم في تطوير وتعزيز الخبرات المحلية، وبعبارة أخرى فإنه لا يعمل على نقل التكنولوجيا والمهارة (عدوى التقليد)، إحدى المنافع المتوخاة من الاستثمار الأجنبي المباشر.
رغم تحفظنا على ترتيبات الواجهة غير الضرورية فإنها، ضمن الظروف الحالية، يمكن أن تساهم في تطوير دور شركات التأمين.[11] أولاً، آلية الواجهة مصدر لا بأس به للدخل لشركة التأمين العراقية التي تقوم بها. وهذا المصدر ما هو إلا العمولة التي يدفعها المؤمَن أو معيد التأمين الأجنبي للشركة المحلية التي تقوم بإصدار وثيقة التأمين وخدمتها خلال فترة نفاذها. ثانياً، الدخول في ترتيبات الواجهة يوفر فرصة للشركة العراقية للتعامل مع وثائق تأمين ذات طبيعة معقدة ربما تغطي أخطاراً غير مألوفة. وبالنتيجة، فإن ترتيبات الواجهة، إن أُحسن استعمالها من قبل الشركة العراقية، تساعد على توليد معارف ومهارات جديدة أو ما يعرف في أدبيات الاستثمار الأجنبي المباشر بانتشار الكفاءة efficiency spillover
تحت دعاوى حرية وسيادة المستهلك يدعو البعض إلى إطلاق الحرية لطالبي التأمين من الشركات، المحلية والأجنبية، لشراء المنتجات التأمينية التي يحتاجون إليها من أسواق أخرى (عبر الحدود) إن كانت هذه المنتجات غير متوفرة لدى شركات التأمين الوطنية. مثل هذه الوصفة، التي تبدو بريئة في ظاهرها، تهمل أو تتناسى أن الشركات الوطنية تستطيع توفير ما هو مطلوب من خلال تجميع مواردها معاً والمشاركة في التغطية، أو من خلال ترتيبات إعادة التأمين الاختياري. وللسوق العراقي تجربة في هذا المجال ترجع إلى سبعينيات القرن العشرين.
إن معالجة هذه الأوضاع، أو بعض منها، منوطة بجمعية التأمين العراقية من خلال التوعية بواقع صناعة التأمين العراقية وإمكانياتها وبمختلف الوسائل المتوفرة، والعمل على ترويج صياغة موحدة لشروط التأمين والتعويض insurance and indemnity clauses في عقود مقاولات القطاع الحكومي كما هو الحال حتى في أعتى الدول الرأسمالية. وكما قلنا في مكان آخر فإن "مشروع "لبرلة" الاقتصاد العراقي يجب ألا يرتبط بتقويض الكيانات الاقتصادية المحلية في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية وحرمانها من فرص التطور وتعظيم الاستثمارات، وكلها تشكّل مصادر جديدة وإضافية لشركات التأمين المحلية."[12]
وفي هذا السياق من المناسب التذكير بالأسباب الموجبة لتشريع قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 فقد ورد فيه هدف "تنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه بما يكفل تطويره وتأمين سوق مفتوح وشفاف وآمن مالياً وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني."[13] ولن يتحقق ذلك بتجاهل شركات التأمين العراقية وإبقائها ضعيفة من خلال أحكام ضارة في القانون وجهالة وربما سوء تصرف أصحاب الشأن في الدوائر الرسمية العراقية. وباختصار، وكما يشهد الواقع القائم، فإن أحكام القانون لا تستقيم مع الهدف "الإنشائي" المرسوم له.
نقض التنمية الحقيقية
نصُ القانون يؤسس لنمط من العلاقات الاقتصادية بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في الداخل والخارج مع ميل قوي نحو الخارج، بين طالبي الـتأمين من العراقيين والأجانب وبين شركات التأمين العراقية، أو قل انه يعكس طبيعة الاقتصاد الريعي المتمثل بانعدام التنمية الحقيقية وبالتركيز على امتصاص الفائض في سلع وخدمات استهلاكية مستوردة ضمن سلوك اقتصادي يشوبه الغموض والعشوائية[14] وتغّول بيروقراطي نتيجة التغذية المستمرة لأجهزة الدولة بأقارب أحزاب المحاصصة والموالين لها.
في ظل هذا الإطار فإن الطلب على الحماية التأمينية يتحول بفضل المادة 81 إلى الخارج، وبالتالي فإنه لا يصبُّ في تنمية حقيقية لقطاع التأمين العراقي. إضعاف كل ما من شأنه أن يخدم مشروع التنمية الوطنية "المستقلة" وتعزيز الاعتماد على الخارج وفتح السوق المحلية أمام رأس المال الأجنبي هو ما أفرزه الاحتلال الأمريكي وهو ما قامت سلطة الاحتلال بترجمته في سلسلة من القوانين (الأوامر) ومنها القانون/الأمر رقم 10. وخير شاهد على مصادرة مشروع التنمية الوطنية هو العقود النفطية الاتحادية وعقود حكومة إقليم كوردستان الملتبسة بسبب دستور دائم قصد القائمون على تحريره ليكون ملتبساً وحمّالاً للأوجه. فالتأكيد في هذه العقود، والهرولة نحوها، هو على زيادة الإنتاج كهدف أساس.[15] مثلما هرول رئيس الوزراء العراقي لتوقيع الأمر رقم 10 الأمريكي الصنع.[16]
لندن
21 آب 2012
[3] ورد الوصف في الهامش رقم 2. راجع:
http://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/06/a-policy-for-iraqs-insurance-sector/
[4] مصباح كمال، "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً" الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009. يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html
[5] قد يقول البعض ان القول بأن حجم الخسارة هو بملايين الدولارات فيه مبالغة وقد يكون الأمر كذلك في غياب رصد علمي وتقييم كمي لخسارة الأقساط. لكن ملايين الدولارات غير المحددة هنا تبدو معقولة عند نسبتها إلى حجم ميزانية الدولة.
[6] مصباح كمال، "نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق"، مرصد التأمين العراقي:
http://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/06/a-policy-for-iraqs-insurance-sector/
[7] يذكر د. سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي العراقي، في مقابلة قصيرة (MEED Gulf Economic Review, January 2006, pp 36-37) دور المصارف الأجنبية التجارية في تدريب بعض المصرفيين العراقيين في الخارج، ويؤكد على ضرورة التدريب أثناء تأدية المصرفيين لعملهم اليومي داخل العراق، ويحاجج بهذا الشأن، فيما يخص الأوضاع الأمنية، أن المؤسسات الأجنبية التي تستطيع العمل في دول تنتشر فيها الجريمة، مثل كولومبيا ونيجيريا، فإن بإمكانها التغلب على المصاعب الأمنية في العراق وتعديل الكلفة بموازاة ذلك.
[8] James Glanz, “Audit Describes Misuse of Funds in Iraq Projects,” The New York Times, 25 January 2006.
Ed Harriman, “Cronyism and Kickbacks,” London Review of Books, 26 January 2006.
[9] تناولنا دور التأمين في التنمية الاقتصادية في ورقة غير منشورة كتبت لمؤتمر كانت نقابة الاقتصاديين في إقليم كردستان تنوي عقده في أربيل في 16/11/2002 حال تطور الأوضاع دون انعقاده. مصباح كمال، "هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كردستان العراق؟" (تموز 2002). وتابعنا جانباً منه في دراسة أخرى غير منشورة: " تطوير قطاع التأمين في كردستان العراق: ملاحظات أولية (لندن أيار/حزيران 2006)
[10] راجع دراسة فؤاد شمقار "النظام رقم 9 لسنة 2011: نظام التأمين الإلزامي للمركبات"، مرصد التأمين العراقي:
[11] ممارسة دور شركة الواجهة fronting company يجب أن لا يكون نمطاً ثابتاً في تعامل شركات التأمين العراقية مع الزبائن الكبار من الشركات الأجنبية التي تعمل في العراق ولها علاقات قائمة مع وسطاء وشركات تأمين في بلدانها الأصلية. يجب أن تبقى الواجهة ترتيباً مؤقتاً، أو حسب ما تقتضيه الظروف مستقبلاً، وذلك لضمان عدم تقليص الدور الاكتتابي لشركات التأمين العراقية وتحويلها لمجرد وكلاء يعملون بالعمولة وهو ما لا يستقيم مع الدور الحقيقي لشركة التأمين: الاكتتاب بالأخطار وتحمل مسؤولية تعويض المطالبات. هو إجراء مؤقت يعكس ضعف القاعدة المادية للشركات العراقية وصغر حجم إعادة التأمين الاتفاقي المتوفر لها حالياً. ويتوجب على الشركة التي تقوم بدور الواجهة الاطمئنان إلى سلامة الوضع المالي للشركة الأجنبية التي تتعامل معها وإعفائها من المسؤولية من قبل المؤمن له الأصلي في حالة فشل الشركة الأجنبية في تنفيذ التزاماتها تجاه المؤمن له.
للمزيد من المعلومات عن ترتيبات الواجهة يمكن الرجوع إلى دراستنا: "ترتيبات الواجهة: محاولة أولية لتقييم نقدي،" التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 95، 2007. يمكن قراءة النسخة الإلكترونية في مرصد التأمين العراقي:
[14] د. مظهر محمد صالح، "الاقتصاد الريعي المركزي ومــأزق انفـــلات الســوق : رؤية في المشهد الاقتصادي العراقي الراهن"، موسوعة نينوى http://www.neinawa2.com/news3/news.php?action=view&id=20
[15] لمن ترغب في متابعة القضية النفطية يمكن الرجوع إلى كتابات الخبير النفطي فؤاد قاسم الأمير، وقد صدر له مؤخراً كتاب بعنوان الجديد في القضية النفطية العراقية، بغداد، 2012.
[16] للاطلاع على خلفيات الأمر رقم 10 يمكن الرجوع إلى كتاباتي السابقة المنشورة في مجلة التأمين العراقي و مرصد التأمين العراقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق