إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/07/23

Notes on an Insurance & Reinsurance Policy in Iraq

على هامش

مسألة اعتماد سياسة للتأمين وإعادة التأمين في العراق



نود لفت نظر القارئ إلى أننا لم نذكر مراجع هذه المقالة ومعظمها منشور في فترات مختلفة في المدونة الإلكترونية مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/ ويمكن الرجوع إلي هذه المراجع للتعرف الموسع على عرضنا وحججنا التي أوردناها هنا باختصار.

مصباح كمال

دأب د. كاظم حبيب على متابعة الشأن العراقي العام من خلال المقالات الصحفية، والكتابة النقدية العلمية عنه، ورسم جملة من السياسات الواقعية المناسبة القابلة للتحقيق، لاعتمادها من قبل الحكومة العراقية والأحزاب السياسية. وقد نشر في حزيران/يونيو 2010 دراسة مهمة بعنوان "موضوعات للمناقشة حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي" نأمل أن تلقى ما تستحقه من اهتمام المعنيين بمستقبل العراق وآفاق تطوره والخروج من وضعه المأزوم المتعدد الجوانب. وبالنسبة لنا فإن اهتمامنا الآني ينحصر في ما كتبه عن قطاع التأمين. وهو، حسب علمنا، الاقتصادي العراقي الوحيد في الوقت الحاضر الذي يولي النشاط التأميني اهتماماً رغم أنه لا يتوسع في شرح آرائه بشأنه. وهو يستحق الشكر لإثارته المستمرة لموضوع التأمين في العراق.

كتب د. كاظم عن التأمين تحت الفقرة ز – السياسة المالية من موضوعاته المعروضة للمناقشة ما يلي:



وفي التفصيل دعا إلى:



لا نية لنا للدخول في مناقشة تفصيلية لدعوة د. كاظم إذ سبق أن قمنا ببعض منها سابقاً (التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية نشر في الثقافة الجديدة، العدد 336، 2010، ص 36-49). نكتفي هنا بإثارة جملة من التعليقات والخواطر عن قطاع التأمين العراقي على هامش دعوته.

ربما كان د. كاظم أول اقتصادي فكر في أهمية وضع سياسة للتأمين وإعادة التأمين عندما دعاني عام 2002 إلى تقديم ورقة عن دور اقتصادي للتأمين في كردستان العراق لمؤتمر لم ينعقد في حينه. وها هو يثير الموضوع مجدداً في إطار العراق الاتحادي. ودعوته هذه تستحق المتابعة من قبل أصحاب الشأن إذ ليست هناك سياسة واضحة معتمدة أصلاً من قبل قطاع التأمين أو الحكومات العراقية. أقول هذا وأؤكد عليه وذلك:

- لأننا لم نقرأ شيئاً بشأن أية سياسة تأمينية. فلم تصدر شركات التأمين العامة أو الخاصة بانفراد أو بشكل جماعي، من خلال جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، ما يفيد بهذا الشأن.

- ولم تصدر شركة إعادة التأمين العراقية، وهي الشركة المتخصصة بأعمال إعادة التأمين (تأسست عام 1960)، موقفاً لها عن سياسة إعادة التأمين التي تعتمدها، أو ما تتمنى أن تحققه في المدى المنظور داخل سوق التأمين العراقي وخارجه.

- كما لم نقرأ موقفاً لديوان التأمين العراقي (تأسس عام 2005)، وهو الجهاز الرقابي على النشاط التأميني المرتبط (وبالأحرى المُكبّل بارتباطه) بوزارة المالية.

- وحسب علمنا ليس لأي من الأحزاب السياسية العراقية موقف محدد تجاه النشاط التأميني والسياسات المناسبة له على المستوى التجاري أو الاجتماعي. وكذا الأمر بالنسبة للحكومات العراقية منذ 2003.

ربما يتمنى د. كاظم على الحكومة العراقية اعتماد سياسة للتأمين وإعادة التأمين لـ "حماية الاقتصاد الوطني وعدم إلحاق أضرار به." ربما أراد بالأضرار تسريب أقساط التأمين إلى خارج العراق دون مرورها من خلال شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، وحرمان خزينة الدولة من الرسوم على وثائق التأمين ورسوم التسجيل والضرائب على إيرادات شركات التأمين. وربما ورد في باله أيضاً – في غياب سياسة للتأمين وإعادة التأمين - تفويت الفرصة لتحسين أداء الشركات المتعدد الجوانب وغيره.

واقع القطاع يختزل حالة عامة في العراق، وغياب السياسة التأمينية يشكل جزءاً صغيراً جداً من غياب الرؤية والبرنامج الاقتصادي، غياب التخطيط. ليس ما نقوله يستدعي التخطيط المركزي لقطاع التأمين فالقطاع الآن يتكون من شركات متعددة، ونهج الحكومة القائمة يقوم على استبعاد تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد. لكن ذلك يجب أن لا يعني غض النظر عن خطة تأشيرية للقطاع تعكس مجموع المصالح المشتركة للكيانات التأمينية الخاصة والعامة، ومصالح طالبي التأمين من الأفراد والشركات، وتعزيز سوق تأميني وطني اتحادي. ونعرف أن الشركات الحديثة في الدول المتقدمة ترسم خطط سنوية وللمدى المنظور، فهي أصلاً لا تعمل بعشوائية بل ضمن محددات خارجية تأخذ علماً بها، ومحددات وموارد داخلية تستخدمها لبلوغ غاياتها في الإنتاج. مثل هذه الخطط معدومة في العراق.

لا نعرف إن كانت لدى شركات التأمين العراقية العاملة في السوق أهدافاً أو غايات واضحة. ربما تمتلك بعض الشركات خطة عمل business plan ترسم فيها أهدافها التي تعمل على تحقيقها خلال السنة، لكننا لم نطلع على أي منها. ربما لا توجد خطة بل مجرد أرقام عن ما ترغب الشركة تحقيقه من أقساط التأمين. وإذا كان الوضع كذلك فإنه يشير إلى فقر في التفكير الاستراتيجي لدى إدارة الشركات ومجالس إدارتها. وقد قرأنا تقريراً سنوياً لإحدى شركات التأمين مفرداته تنحصر في سرد الأرقام فقط.

قطاع التأمين العراقي يبدو وكأنه يفتقد إلى حس جماعي رغم أنه منتظم في جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية. فلم تكمل هذه الجمعية تنظيمها الداخلي الفني والقانوني وتكتفي باجتماع لمجلس إدارتها. وهي لم تصدر، حسب علمنا، أية أوراق فنية أو قانونية أو اقتصادية ذات علاقة بسوق التأمين العراقي قائمة على البحث. ولم تفكر بإصدار مجلة، مطبوعة أو إلكترونية، متخصصة في التأمين منذ توقف صدور مجلة رسالة التأمين في أواخر 1988. (مثل هذه المجلة ليست ترفاً بل إحدى وسائل التعليم المستمر للعاملين في القطاع كما هي وسيلة للاتصال بالبيئة المحيطة بالقطاع نعني بها جمهور المؤمن لهم، والمؤسسات المهنية والأكاديمية وغيرها).

وعدا ذلك هناك مظاهر للقصور أو الإخفاق في جوانب عديدة في قطاع التأمين. قد لا يعجب البعض استخدام عبارة الإخفاق لكننا نراها عبارة ملطفة إذ أن جرداً سريعا لحالة القطاع ضمن مؤشرات معينة، نعرض لبعض منها فيما يلي، تبين أن هناك فشلاً مستمراً للقطاع منذ 1990 في الخروج من مأزقه بسبب اجتماع وتداخل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية بضمنها تركة الماضي.

نلاحظ القصور في المقابلات الصحفية مع أركان القطاع التي تترك انطباعاً عاماً أن وضع القطاع بخير لولا هذا أو ذاك من النواقص. تارة يلقى اللوم على جهل المواطن أو عند احترام المواطن البسيط يُغيّبُ هزال القطاع في تعميم غياب الوعي التأميني أو الثقافة التأمينية وأنه العقبة الرئيسية أمام تحقيق المزيد من النمو، وتارة أخرى على البيروقراطية أو ضعف الإمكانيات الفنية وهلم جرا. هذه وغيرها لا ترتفع عن مستوى الاجتهاد الشخصي لأن القطاع، أو إحدى الشركات "الغنية" في السوق، لم تكلف نفسها فحص موضوع ضعف القطاع، وغياب الوعي بالتأمين من خلال دراسة ميدانية للآراء مثلاً، أو تكليف باحث أكاديمي للقيام بالمهمة.

عندما تناقش ميزانية الدولة لا نسمع صوتاً تأمينياً ولا نقرأ رأياً للإدارات التأمينية الخاصة والعامة بشأن تركيبة الميزانية وسياسات الإنفاق الحكومي. كما لا نقرأ رأياً لهم عن السياسة المالية أو السياسة النقدية للحكومة والتغيرات التي تجري عليها.

ليس للقطاع حضور مميز في الحياة العامة فلم يكن له موقف من الانتخابات البرلمانية في آذار 2010 ولا في الانتخابات السابقة. وقد كتبنا بهذا الشأن قبل الانتخابات الأخيرة لكنها لم تلق استجابة رغم أن زميلنا في بغداد، سعدون خميس مشكل الربيعي، قام مشكوراً بنشرها في إحدى المجلات العراقية.

ليس للقطاع موقف تجاه سياسة الخصخصة أو قل الدعوات المستمرة لخصخصة شركات القطاع العام، وهي ما تنادي به الليبرالية الجديدة (الخصخصة، الانضباط المالي أي تقييد وجوه الإنفاق العام عند تحديد السياسة المالية، تحرير التجارة، والتحرر من القيود).

وعندما حاولت سلطة التحالف المؤقتة عام 2003 تطبيق ما سمي بإعادة هيكلة الشركات العامة (أقرأ خصخصة شركتي التأمين المباشر وشركة إعادة التأمين) كان صوت ممثلي هذه الشركات بالكاد يُسمع مع أن المشروع كان سيمس مستقبل شركاتهم. (حسب علمنا تم حفظ وثائق هذا المشروع لدى وزارة المالية بعد أن غض النظر عنه لسبب أو أسباب لا نعرفها).

لم يطور القطاع موقفاً تجاه إفرازات الفيدرالية، كونها ظاهرة جديدة في إعادة تشكيل الدولة العراقية، فيما يخص النشاط التأميني (تشكيل سوق وطني للتأمين يخضع لنظام رقابي واحد، تطبيق أو إعادة النظر في قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات 1980، عودة فروع الشركات العامة إلى الإقليم والسماح للشركات الخاصة بفتح فروع لها في إقليم كردستان، لغة التأمين، الرسوم المفروضة على وثائق التأمين ومآلها، ومعالجة آثار الماضي (حقوق حملة وثائق التأمين ممن هُجّروا بدعوى التبعية وأولئك اللذين في كردستان العراق ممن ضاعت حقوقهم بالتعويض وربما غيرها من الآثار).

ليس للقطاع موقف واضح صارم تجاه قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 رغم آثاره السلبية على النشاط التأميني داخل العراق. حتى عندما يكون له موقف معين فإنه لا يتابعه وكأن توجيه خطاب واحد لإحدى الوزارات يكفي لإحداث التغير المراد. لقد أخفق القطاع، مثلاً، في تنظيم حملة في الصحافة، ولم يستمر في الضغط على الوزارات المعنية، ولم يتصل بالبرلمان لتعريف الأعضاء بمشاكل القطاع والمساهمة في إعداد تعديلات مناسبة لقانون التأمين. (قمنا بمحاولة فردية مع أحد أعضاء البرلمان إلا أنها لم تثمر).

إن لم يتم تغيير قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 فإن أقساط التأمين على الأعمال الكبيرة ستستمر في التسرب إلى الخارج. إحدى نتائج هذا الوضع هو بقاء شركات التأمين القائمة في وضع المراوحة في مكانها، منشغلة بإدارة محافظ تأمينية صغيرة تتكون من وثائق بسيطة. بعبارة أخرى، فإن سوق التأمين سيظل محروماً من تجربة التعامل مع الأخطار الكبيرة ودخول معترك التعامل مع الشركات الأجنبية الضخمة. الإمكانيات الفنية لدى الشركات سوف تظل على حالها إن لم تتعرض إلى الامتحان. ولن تتطور هذه الإمكانيات من خلال التعليم النظري فقط بل بالارتباط مع تجربة التعامل اليومي.

لا رأي للقطاع في تشريعات تمس النشاط التأميني من بعيد أو قريب: كقانون حماية المستهلك، قانون الاستثمار أو قوانين الضمان الاجتماعي.

لم يستنبط القطاع أغطية تأمينية في محاولة لترويج التأمين ما خلا تأمين خطر الإرهاب وبحدود ضيقة ضمن وثيقة تأمين الحوادث الشخصية. ولم يحاول التوسع في هذا المجال. كما أنه لم يوسع من القدرة الاحتفاظية للأخطار المؤمنة من خلال مجمعات التأمين. (هناك الآن محاولة من إحدى شركات التأمين الخاصة لتأسيس مجمع لأخطار التأمين الهندسي على غرار مجمع تأمين النقد أثناء النقل).

ولم يفكر بجعل بعض فروع التأمين إلزامياً. يتخوف البعض من فكرة الإلزامية باعتباره مناقضاً للحرية الاقتصادية وهذا موقف اقتصادي بحت لا يعير أهمية للبعد الاجتماعي والمصالح العامة رغم أن الاقتصادات الرأسمالية قد تقدمت نحو المزيد من الضبط والرقابة على العمل الاقتصادي. نحن ننظر إلى الإلزام في التأمين من منظور الرفاه الاجتماعي والحفاظ على ثروات البلد، البشرية والمادية، وفي ذات الوقت توفير مصادر إضافية لتعظيم تراكم دخل الأقساط لأغراض المساهمة في التنمية الاقتصادية. ورأينا أن لا يقسر إلزام التأمين في فروع تأمينية دون مناقشته على المستوى الوطني لضمان كفاية الحماية التأمينية لأكبر عدد من الناس والشركات والمؤسسات، والموازنة بين مصالح الأطراف ذات العلاقة. نعرفُ بأن إلزام الفقراء بالتأمين ضد مخاطر الحريق على مساكنهم، ومنهم من لا يملك منزلاً، وضمن الوثائق التجارية المعهودة فيه إجحاف وتجني عليهم، ولذلك يتوجب التفكير في كيفية التأمين عليهم. قد يكون من المناسب التفكير بجعل التأمين على المدارس (العامة والخاصة) إلزامياً، وكذلك التأمين العشري على مسؤولية المقاولين، والتأمين على المنشآت المدنية العامة كالطرق والجسور والمباني، والتأمين على الكوارث الطبيعية ضمن مجمع وطني وغيرها.

ومن رأينا أن الحاضنة الرئيسية للنمو، في المدى القريب، تكمن في التغييرات التشريعية التي تلزم التأمين في فروع معينة كما في تعديل بعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

لا نجد موقفاً واضحاً صارماً من عقود الدولة أو عقود المحافظات، وخاصة العقود الهندسية، التي تهمل التأمين أو تتركه لرغبات المتعاقد بدل النص على التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومرخصة من ديوان التأمين العراقي.

ضعف التعامل مع معيدي التأمين الاتفاقي فالتعامل ليس مباشراً بل يتم من خلال استشاري واتحاد من ثلاثة وسطاء إعادة تأمين من سوق لندن وهذا الوضع قائم منذ 2005 وكأن تقاليد التعامل المباشر لم يعرفها قطاع التأمين العراقي. لا نبخس دور هؤلاء لكن التعامل المباشر يخلق فرصاً للتحدي لتطوير القدرات المهنية للتعاطي مع متطلبات المعيدين وكذلك تطوير المهارات التفاوضية.

عدم تفعيل ديوان التأمين العراقي فليس له طاقم فني وقانوني وإداري للقيام بتنفيذ مهامه في مراقبة عمل شركات التأمين والمساهمة من خلال ذلك في ضمان التزامها بقواعد الممارسة الصحيحة بموجب القانون، وكذلك المساهمة في رفع المستوى الفني. فوضى التسعير وحمى المنافسة وضعف الأداء الفني لدى معظم الشركات ظواهر يجري الحديث عنها عند البعض لكنها لا تشكل موضوعاً لرصد وتقويم مؤسسي.

أين الخلل؟ سؤال لا يطرحه أركان التأمين على أنفسهم إلا لماماً. ربما لأنهم لا يحسون بوجود خلل، فرحين بتحقيق بعض الزيادة في حجم أقساط التأمين. ويبدو لنا أنه ليس هناك وعياً نقدياً كافياً بسوء أوضاع أو قل أزمة قطاع التأمين. لماذا ننسب صفة الأزمة للأوضاع؟ لأن الوضع الحالي والقائمين عليه لا يستطيعون الخروج من القيود التي يعمل القطاع في ظلها أو قل إن محاولاتهم دون المستوى المطلوب.

قد نكون ظالمين للقطاع فهو في نهاية الأمر ليس منعزلاً عن الوضع الاقتصادي العام، وليس محصناً من آثار الوضع الأمني (وهو يميل باستمرار نحو التحسن ولا يحسن التعكز عليه كمشجب لتعليق القضايا العقدية لقطاع التأمين عليه). كما أن جوانب من وضعه الحالي متوارث من الماضي، وبعضه الآخر يرتبط بالفترة اللاحقة لسقوط النظام الشمولي في نيسان 2003. وهو في هذا السياق لا يختلف عن الوزارات والمؤسسات الحكومية وممارسات القطاع الخاص المراد له، إيديولوجياً، ليكون دعامة الاقتصاد العراقي وتحييد دور الريع النفطي.

لذلك، وإزاء هذا الوضع، أتمنى أن يقوم العاملون في القطاع بمراجعة تاريخ القطاع، في مختلف جوانبه، للتوصل إلى قناعات قائمة على البحث وبعد تمحيص الآراء وليس مجرد تسجيل الانطباعات من الخارج وكأنهم يقرؤون رواية ويسجلون انطباعاتهم عنها بعد الانتهاء من القراءة. والمراجعة تحتاج إلى تفكيك موسع لبنية القطاع، والقائمين على إدارته والإشراف عليه، وارتباطاته مع مؤسسات الدولة ومعيدي التأمين في الخارج، وتنظيم شركات التأمين، وعلاقات الشركات مع بعضها وغيرها. نريد بالتفكيك هنا الكشف عن ما هو مستور للتمهيد لوضع سياسة للقطاع تحضى بالإجماع.

سوق التأمين العراقي يعمل ضمن محددات اقتصادية خارجة عن سيطرته ومنها حجم الدخل النقدي المتوفر لدى الناس للإنفاق على شراء الحماية التأمينية. فليس جميع الناس قادرين على شراء وثائق التأمين على الحياة أو التأمين على منازلهم. وبالطبع فإن المقارنة مع أسواق التأمين المتقدمة تضع السوق العراقي في المراتب السفلى. هذا وضع يعكس تعقيد الاقتصادات المتقدمة والمسؤوليات القانونية والتعاقدية المرتبطة بها وتوفر الدخل القابل للإنفاق على أنواع مختلفة للتأمين، إضافة إلى إلزامية التأمين على السيارات، ووجود ثقافة تأمينية بين الناس تدعمها مؤسسات ومطبوعات ونشاطات ثقافية مهنية مستمرة.

لدينا في العراق تأمين إلزامي على السيارات لكن عدد السيارات في بلادنا صغير مقارنة بعددها في الدول المتقدمة. لدينا جمعية للتأمين لكن نشاطها ضيق ومقصور على الأعضاء من الشركات، ولدينا من هذا ومن ذاك ولكن سيمر وقت، نرجو أن لا يكون طويلاً، لارتقاء صناعة التأمين العراقية لتسجل نمواً أكبر لتسترجع ماضيها على الأقل وتصبح في مصاف أسواق التأمين العربية.

لو وضعنا المحددات الاقتصادية والأمنية الخارجية جانباً، يمكن لسوق التأمين العراقي أن يزيد من نمو أقساطه من خلال ابتداع/اقتباس منتجات تأمينية لإيصالها إلى عدد أكبر من الناس، والعمل مع المُشرّع لجعل بعض وثائق التأمين إلزامياً، والدخول في شراكة مع الجامعات العراقية للبحث في الشأن التأميني ومنه، على سبيل المثال، البحث في التأثير الاقتصادي لأخطار معينة على شركات صناعية وتجارية تعرضت فعلاً لخسائر كبيرة، وكذلك التأثير على الإنتاج الوطني عموماً (نتائج البحث ستؤشر على أهمية الحماية التأمينية)، الترويج لتأمينات توقف العمل والتأمين على الحياة وغيرها.

نتمنى على شركات التأمين تعظيم برامجها التدريبية لتطوير المعارف والمهارات الفنية الاكتتابية والإدارية والتسويقية، وحتى اللغوية، للعاملين، والاهتمام بالتعليم المهني المستمر، والاتفاق على مدونة للسلوك بين الشركات ومع جمهور المؤمن لهم.

يقال إن الأزمات هي فرص أيضاً. ومن هذا المنظور فإن أزمة قطاع التأمين العراقي فرصة لإعادة التقييم ورسم سياسة جادة للتأمين وإعادة التأمين كما يدعو د. كاظم حبيب. تدلنا التجربة على أن استجابة شركات التأمين وإعادة التأمين للأزمات ليست آنية لكن الأعوام الممتدة من 2003 ليست بالقصيرة لإعادة تقييم القطاع. العبء يقع على عاتق إدارات شركات التأمين وجمعية التأمين فهي التي يجب أن تبدأ برسم ملامح سياسة جادة وتعرضها للمناقشة، دون انتظار إشارة من هذا الوزير أو ذاك. نحن على قناعة بأن هناك قدرات كامنة لدى العديد من العاملين في قطاع التأمين تنتظر الاكتشاف والرعاية وتوفير الفرص لها لكي تساهم في عملية التغيير.

لندن 17 حزيران 2010


"اعتماد سياسة تأمين وإعادة تأمين متقدمة تسهم مع طبيعة دورها الاقتصادي على حماية الموارد الاقتصادية واستخدام المتراكم منها لصالح التنمية الوطنية واعتماد الأسس الحديثة والشروط الدولية السليمة التي تساعد على حماية الاقتصاد الوطني وعدم إلحاق أضرار به. إن شركات التأمين وإعادة التأمين الوطنية وجدت لتواجه الكوارث المحتملة وتراكم رصيداً يسعى لتعويض ما يمكن أن يتحمله المجتمع من خسائر بسبب تلك الكوارث الطبيعية أو البشرية."

"يفترض أن يتضمن المشروع الوطني والديمقراطي الحديث سياسات مالية ونقدية، سياسات مصرفية وتأمينية وضريبية حصيفة تعتمد على الإستراتيجية التنموية ومجمل العملية الاقتصادية التي يسعى إلى بلورتها النظام السياسي القائم .."

ليست هناك تعليقات: