إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/05/14

Catastrophic Risks

الأخطار الكارثية: الحاجة إلى وسائل وأدوات ومؤسسات جديدة




ﮔريسيلا ﭼﻴﭼلينسكي

ترجمة مصباح كمال



Catastrophic Risks: The need for new tools, financial instruments and institutions

By Graciela Chichilnisky

Published on: Jun 07, 2006
http://privatizationofrisk.ssrc.org/Chichilnisky/ on the public website of the Social Science Research Council (SSRC).

The SSRC is 'an independent, nonprofit international organization founded in 1923. It nurtures new generations of social scientists, fosters innovative research, and mobilizes necessary knowledge on important public issues.'


تشغل ﮔريسيلا ﭼﻴﭼلينسكي كرسي اليونسكو في الرياضيات والاقتصاد، وهي أستاذ الإحصاء في جامعة كولومبيا، ومدير مركز كولومبيا لإدارة الأخطار. أسست برنامج كولومبيا للمعلومات والموارد، الذي يركز على تطوير التدريس وجدول أعمال البحوث في الجامعة ليعكس الاتجاه المتزايد نحو العولمة والتنمية المستدامة.

نهدف من وراء ترجمة هذه المقالة، كغيرها من الدراسات الأخرى المترجمة المنشورة في مجلة التأمين العراقي، إلى التعريف بها كونها نموذجاً من المعالجات تجمع بين التأمين وفروع أخرى ذات ارتباط بالنشاط التأميني ومفاهيمه. ونحن لا نتفق دائماً مع المعالجات وخاصة بعض التقييمات والمقترحات المتضمنة فيها، لكن المهم هو منهج العرض والتحليل القائم على المعرفة وليس مجرد الخواطر.


نقطة التحول: إعصار كاترينا يكشف اتجاها جديدا


نحن نعيش في عالم يفتقر إلى اليقين [عدم التأكد] على نحو متزايد. فللمرة الأولى في التاريخ يهيمن البشر على كوكب الأرض ومع ذلك، وهنا المفارقة، فإن نجاح العولمة قد زاد من المخاطر التي نواجهها. وزادت الطبيعة من وطأة المخاطر. فقد سجل عام 2004 رقماَ قياسياً من الأعاصير التي ضربت فلوريدا واليابان. وخلال هذا الشهر [حزيران 2006] وجه إعصاري كاترينا وريتا ضربتين لنيو اورليانز وتكساس، أزهقتا بشكل مأساوي الآلاف من الأرواح وتسببتا في خسائر في الممتلكات تقرب من 400 مليار دولار.



وبينما يشاهد الناس ذلك على شاشات التلفزيون في حالة من الصدمة وعدم التصديق، يتوقع العلماء بروز اتجاه عالمي جديد. وفي ذات الوقت تزداد قوة وتردد الأعاصير التي يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة. ويعتقد العديد من الناس بأننا ندخل دورة جيولوجية جديدة وأن التقلبات المتزايدة للعواصف سببها ارتفاع حرارة البحار، أحد أشكال النمط الشامل لظاهرة الاحتباس الحراري. ربما نحن بحاجة إلى أن نُعدَّ أنفسنا لعدة عقود لمزيد من الفيضانات المتكررة والقوية والأعاصير. نحن بحاجة للإعداد لمواجهة بيئة مادية متزايدة الخطورة، وعلينا أن نفعل ذلك بسرعة.



ويشير إعصار كاترينا إلى الحاجة لتفكير جديد حول الأخطار الكارثية ذلك لأن حجم الإعصار جعله واحداُ من أكبر الكوارث الاقتصادية التي واجهتها الولايات المتحدة، مع ما يصل إلى 200 مليار دولار من الخسائر. وكان الأكثر تضررا العائلات السود والمجموعات ذات الدخل المنخفض، وهي الشرائح الأضعف في المجتمع. ويأتي ذلك في وقت تزايدت فيه المخاطر الاقتصادية التي تواجهها الأسر في جميع أنحاء البلاد، ودخل الأسرة يتعرض من سنة إلى أخرى إلى تقلبات متزايدة منذ عام 1972.



يتفق الكثيرون على أن الأخطار الكارثية من نمط كاترينا تتطلب تشكيل جبهة موحدة ومنظمة، تستدعي أشكال جديدة من العمل العام وأدوار جديدة للحكم governance . ومع ذلك، وبعد عقدين من ثورة ريغان هناك سوء ظن عميق تجاه العمل العام مع تفتيت لعملية صنع القرار. وهذا الوضع يترك الأمور على نحو متزايد في أيدي الحكومات المحلية التي قد لا تكون مؤهلة للتعامل مع مشاكل واسعة النطاق. المنطق السائد يقول إن العمل الخاص هو الأفضل، وبأن التصرف الفردي وحده هو الأفضل دائما. وهكذا انحدرت الوحدة الوطنية إلى أدنى مستوياتها. وقوضت إدارة جورج بوش التعددية، كما أن التعاون الدولي هو أيضا في أدنى مستوياته في تاريخ الأمة الأمريكية. هناك هوة هائلة بين ما هو مطلوب والتصور الاجتماعي الحالي لكيفية إيجاد حل.



وأنا أزعم أن حجم المخاطر الجديدة التي نواجهها تدعو إلى أشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي وأدوات لصنع القرار في الفترات التي يسود فيها عدم اليقين. فهي تتطلب أنواعاً جديدة من الوسائل المالية والمؤسسات، وتقودنا إلى إعادة التفكير في العمل العام ودور الحكومات.



الأخطار الكارثية الجديدة



إعصار كاترينا يوحي بالحاجة إلى تفكير جديد حول الأخطار الكارثية. فبعد كاترينا أدرك الجميع بأن القوة تأتي من الوحدة وإننا بحاجة إلى بعضنا البعض في مواجهة المأساة. كانت الرسالة واضحة في خطابات الرئيس بوش التي تدعو إلى الوحدة الوطنية والدولية، كما كانت ردود الناس في جميع أنحاء البلاد. ومن الناحية العملية، فإن وقوع كارثة من هذا الحجم والنطاق يتطلب ردا يتناسب معه.



لكن لم يكن هناك جهد وطني منظم، واستجابة موحدة للتعامل مع هذه المأساة. فمختلف السلطات المعنية لم تكن مستعدة للعمل مع بعضها البعض، مما أدى إلى إرسال إشارات متضاربة بين الهيئات المحلية والاتحادية شلّت الجهود التي يبذلونها. وفي النهاية، كانت الاستجابة غير الكافية لإعصار كاترينا ما يماثل صدمة الحدث نفسه. فانعدام التنسيق والاستجابة البطيئة غير المفهومة ربما أدت إلى إزهاق العديد من الأرواح بلا ضرورة. وهكذا أضيف إلى الكارثة المادية كارثة من صنع الإنسان. وكما قال الرئيس بوش، كانت الاستجابة غير كافية. ولهذا فنحن بحاجة إلى أشكال أفضل من التنظيم الاجتماعي لمواجهة الأخطار الكارثية.



وساهمت العوامل البشرية في تعظيم صدمة الطبيعة في نواح أخرى أيضا. فقد كان لدينا إشارات تحذير واضحة حول الخطر الذي تشكله سدود نيو أورليانز، واكتشفنا انه كان من الممكن تفادي خسارة إعصار بقيمة 200 مليار دولار باستثمار 18 مليار دولار قبل وقوعه. ومع ذلك أخفقنا في استخدام ما لدينا من أدوات لصنع القرار في ظروف عدم اليقين. أصبح واضحاً أننا قللنا من مخاطر وتكاليف البقاء دون حراك وعدم القيام بأي شيء. لقد كنا حقاً غير مستعدين.



هناك إذاً حاجة إلى أدوات جديدة لتقييم صحيح للمخاطر التي نواجهها في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة وعالميا. قد تكون هناك حاجة إلى أدوات مالية جديدة ومؤسسات لتعويض الضحايا، حسب الاقتضاء، وتقديم حوافز لمنع الخسائر الكارثية كلما أمكن ذلك.



ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في مناهج تحوطنا من المخاطر الاقتصادية التي نواجهها من خلال التركيز على الأسرة، وهي الوحدة الأولى والأساسية من بين جميع مؤسسات تقاسم المخاطر.



اليوم الأسرة الأمريكية تنوء تحت الضغط، ضحية لحالة عدم اليقين الاجتماعية التي نشعر بها جميعا. على الرغم من أن العديد من الناس يدعون إلى قيم تنحاز نحو الأسرة إلا أن النمط الاقتصادي العام بدلا من أن يعمل على تعزيز الأسرة باعتبارها ملاذا آمنا أدى إلى تقويضها. وبين جاكوب هاكر (2004 ، 2005) مؤخرا أن دخل الأسرة من سنة إلى سنة عانى تقلبات متزايدة منذ عام 1972.



قانون الأعداد الكبيرة وفرص الإقدام على العمل



يمكن أن يكون الإعصارين التوأمين وتوقعات زيادة تواتر وشدة الأعاصير باعثاً للتحول سيمكننا من إعادة النظر في دور العمل العام public action ودور الحكومات. فالمحن تعمل على التقريب بين الناس. بعد إعصار كاترينا كان هناك بروزاً قوياً للوحدة الوطنية في مواجهة المأساة. فإذا كان الإعصار يساعد على التقريب بيننا يمكن عندها أن تصبح المأساة نعمة مقنعة. يدل التطور الإنساني على أن الرد على الشدائد هو خلق الروابط الإنسانية المتينة. وقد ظهرت الأسرة على المسرح لأن الناس هم أفضل حالا كجزء من فريق عند مواجهة بيئة عدائية مادية بدلاً من العمل الفردي. وكذا الأمر بالنسبة للدول في حماية مواطنيها، فهم أفضل حالا عندما يقفون مع بعضهم جنباً إلى جانب. هناك أساس متين علمي وتجاري للوحدة في ظل عدم اليقين،ويسمى قانون الأعداد الكبيرة. وهو قانون يقول، تقريبا، أن هناك أمانا في كثرة العدد.



ربما يحمل كل واحد منا قلقاً من خطر وقوعه ضحية في حادث سيارة، ولكن العدد الإجمالي للحوادث سنويا في مختلف أنحاء البلاد معروف بفضل قانون الأعداد الكبيرة. وهذا يسمح لنا التأمين ضد حوادث السيارات بشكل مناسب بحيث يتم تغطية المخاطر. كما أنه يوفر حافزا لتشريع قوانين ربط حزام الأمان وقوانين سلامة المعدات التي تساعد على الحيلولة دون وقوع المخاطر في المقام الأول. لا يعرف أحد منا متى سنموت، ولكن هناك يقين إحصائي حول متوسط العمر المتوقع بين عدد كبير من السكان. ولهذا نقوم بوضع الجداول الاكتوارية التي هي الأساس للتأمين على الحياة في جميع أشكاله. وهذا يسمح لنا للتأمين على حياتنا، وتغطية المخاطر لأحبائنا. ويركز انتباهنا أيضا على الوقاية من المخاطر الصحية التي يمكن أن تكون قاتلة.



الأكبر هو الأفضل لأنه، بصفة عامة، يزيل الشكوك. فكلما زاد حجم المجموعة، كان ذلك أفضل لعمل قانون الأعداد الكبيرة. (سأترك جانبا في الوقت الراهن المخاطر التي تنشأ من زيادة الترابط، الذي يزيد مع حجم المجموعة وسأناقشها في نهاية هذا المقال).



ويمكن زيادة حجم الأرباح عن طريق الحد من عدم اليقين وبالتالي تخفيض حجم التكاليف. سلاسل التوريد supply chains في الواقع تعمل على نحو أفضل عندما نتمكن من توقع ما هو مطلوب ومتى. هذا هو الأساس وراء تنظيم الاحتفاظ بالموجودات الذي يقوم على توفير المادة المطلوبة 'في الوقت المطلوب على وجه الدقة' وكان وراء تحقيق الأرباح الهائلة، وأعاد تشكيل صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم. وهو أحد أسباب نجاح وول مارت[1] فوكيل واحد لبيع السيارات لا يمكن له أن يتوقع عدد السيارات التي سيتم بيعها في كل مكان، ولكن يمكن لسلسلة من وكلاء السيارات، باستخدام قانون الأعداد الكبيرة، أن تتنبأ الطلب على نحو أفضل، وتقوم بشراء المخزون والإمدادات بكميات كبيرة، وتزيد الأرباح. هذا هو أيضا السبب في تفوق سلاسل الصيدليات الكبيرة على الصيدليات المستقلة في كل مكان، وهو يفسر لنا أيضاً تراجع واختفاء المحلات المستقلة الصغيرة تقريبا.



ويمكن القول أن قانون الأعداد الكبيرة وراء نجاح الإنتاج الضخم mass production الذي أدى إلى قيام الاقتصاد الاستهلاكي في القرن العشرين، والاستهلاك الجماهيري mass consumption والذي أدى بدوره إلى اقتصاد المعلومات في القرن الحادي والعشرين. وخلاصة القول أن هناك أرباحا في الأرقام [كلما كانت هذه الأرقام كبيرة]. لذلك فالوحدة الاجتماعية يمكن أن تكون مسألة مربحة. هذا هو أحد أسباب الحاجة إلى الحكومات ويمكن أن يكون دورها فعالاً، لأنها يمكن أن تعمل مثل شركات التأمين العملاقة التي تستخدم قانون الأعداد الكبيرة لضم المجتمع على بعضه من أجل تحقيق مكاسب للجميع. استخدام الموارد الاتحادية لتقديم الإغاثة إلى المناطق المنكوبة في جميع أنحاء البلاد -- دور الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ FEMA -- يتبع هذا المنطق.



قانون الأعداد الكبيرة هو المبرر القوي للعمل العام. فمن خلال تقليل عدم اليقين فأنه يحسن الرفاه الاجتماعي. وهو يساعدنا على إعادة النظر في قيمة الوحدة الوطنية في ظل الشدائد، ويقدم دورا لا جدال فيه بالنسبة للحكومات والعمل العام في جميع أنحاء العالم.



وبالإضافة إلى ذلك فإن قانون الأعداد الكبيرة يخلق أساسا لتعاون مثمر بين القطاعين العام والخاص. المؤسسات المالية مثل فاني ماي Fannie Mae وفريدي ماك Freddi Mac تجمع جزئياً بين الأهداف الخاصة والعامة. ولكونهما ثاني أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأكثرها ربحية بينها فإنهما توفران السيولة لسوق الرهن العقاري، وذلك على الرغم من أنهما لا تقدمان قروض الرهن العقاري بنفسيهما، وتستخدمان القطاع الخاص لهذا الغرض. وهما تضاعفان أرباحهما عن طريق تجميع أعداد كبيرة من الرهون العقارية في مختلف أنحاء البلاد، وبالتالي تقليل المخاطر. أما دور الحكومة فهو توجيه استخدام الأرباح لتقديم القروض العقارية للأسر ذات الدخل المنخفض. ولذلك فإن قانون الأعداد الكبيرة، ومن خلال تقليل عدم اليقين الاجتماعي، يتحول إلى 'سلعة عامة' تعود بالفائدة علينا جميعا.



لا يمكن للقطاع الخاص أن يجني فوائد الأعداد الكبيرة بمفرده دائما. ويجب على الحكومة ضمان شفافية هذه المؤسسات المالية الضخمة، والتي تربط في حزمة أصولاً من حوالي 40٪ من سوق الإسكان في البلاد. إن المؤسسة التي تحقق حجماً من الأعمال تمتد على نطاق واسع في البلاد من نمط فاني ماي وفريدي ماك تحمل معها خطر خلق احتكار وطني على نطاق البلاد، وما يرتبط بها من فساد محتمل وفقدان للرعاية التي تنشأ من مثل هذه الاحتكارات. ولذلك فإن التدخل العام [الحكومي]، بشكل أو آخر، يصبح مطلوباً. هنا تنهض فرصة طبيعية للعمل العام. أنظر، على سبيل المثال، مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم والتي تخدم أعدادا هائلة من الناس مثل الإنترنت. فقد كانت هذا استثماراً عاماً قام به الجيش الأمريكي ووفر بنية تحتية رائعة عامة يقود إلى الابتكار، والمبادرة الخاصة والأرباح التجارية في جميع أنحاء العالم.



ويمكن لقانون الأعداد الكبيرة أن يساعد أيضا في تجنب المخاطر التي يخلقها البشر، والتي تشكل مصدرا هاما من مصادر عدم اليقين. في السنوات العشرين الأخيرة واجهت الأسرة العادية ارتفاعا حادا في عدم الاستقرار الاقتصادي. فبعض المؤسسات الاجتماعية، المنشأة من خلال برامج الاتفاق الجديد New Deal [في ثلاثينات القرن الماضي] للتأمين ضد [آثار] التقلبات الاقتصادية الشديدة وصلت إلى نقطة متدنية في خدماتها، وبعضها عن قصد وتصميم، وبدلا من تحديثها، لجأنا في كثير من الحالات إلى التخلص من الشبكة الاجتماعية، على الضد من فوائد قانون الأعداد الكبيرة، من خلال محاولة خصخصة المخاطر الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي (هاكر 2004 ، 2005). إن الخصخصة في كثير من الأحيان تقلل من حجم المُجمّع، وتقوض بالتالي الفوائد المكتسبة عن طريق تجميع الموارد.



حواجز تحول دون الفهم والفعل -- وكيفية التغلب عليها



إن عالماً مادياً يهددنا على نحو متزايد، ارتباطاً بأخطار اجتماعية متصاعدة، يستدعي الوحدة وسياسات عامة تعاونية. هذا التهديد والمخاطر تسلط الضوء على أهمية العمل العام لتشغيل قانون الأعداد الكبيرة، الذي هو أساس تقاسم المخاطر في جميع أشكاله. ومع ذلك، كما ذكرنا أعلاه، هناك بون شاسع بين المشاكل التي نواجهها والحلول التي نحتاج إليها. تمرّ الأمة حاليا بفترة من انعدام الثقة العميق بالعمل العام من أي نوع كان. وهذا يتناقض مع الحاجة إلى تحقيق الوحدة الاجتماعية والتعاون في مواجهة المخاطر المتزايدة على الصعيد الاجتماعي والمادي. نتيجة هذا الصراع هو أن الخطاب العقلاني لا يمكن المضي به قدُماً وكثير من الناس يلجئون للبحث عن نهج ديني بدلا من ذلك.



عقبة إضافية للتعامل مع الأخطار هو عدم المساواة في توزيعها حسب الدخل ونوع الجنس. فقد تبين أن المرأة تتحمل العبء الأكبر من المخاطر الاقتصادية للأسرة. فالأسر التي تقودها أنثى تمثل العدد الأكبر من معظم حالات الإفلاس في الولايات المتحدة اليوم، كما وضحتها إليزابيث وارن Elizabeth Warren في مقالتها. وبيّن هاكر (2005) أيضا أن التقلب في دخل المرأة من سنة إلى سنة أكبر من التقلب في دخل الرجال. وبالإضافة إلى ذلك، وبقدر ما ترتبط بعض أهم المخاطر الأسرية بالأمراض والطلاق، فإن النساء يتحملن هذه المخاطر على نحو غير متناسب أكثر من الرجال في جميع أنحاء البلاد قاطبة.



لتحقيق وحدة وطنية يجب علينا جميعا العمل والمشاركة في تحمل عبء المخاطر. لقد كشفت مأساة كاترينا عن خط فاصل بين الدخول والعِرق كما بينت الإحصاءات المتعلقة بالفقر، ومستوى التعليم، وحالات الإفلاس، وتحمل أعباء التقلبات في الدخل. وهناك أيضا انقسام كبير فيما يتعلق بالجَنْدَر gender [المساواة بين الجنسين]. ويبدو من الإنصاف القول أن المرأة تتحمل العبء الأكبر من المخاطر الاجتماعية اليوم، كما أن المرأة تتحمل عبء تربية الأطفال الذين هم مستقبلنا ويمثلون الخير النهائي العام.



وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحول الاقتصاد نفسه في السنوات العشر الأخيرة قد خلق أشكالاً جديدة من عدم الاستقرار. فقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملموسة في تعطل الأعمال بسبب الإرهاب والأحداث الجيوسياسية، فضلا عن عولمة الإمدادات. ونحن نعرف الآن (Chichilnisky وغورباتشوف ، 2004) أن القطاعات التي تعتمد على المعرفة، مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والتمويل والالكترونيات، تولد معظم فرص العمل الجديدة، ولكنها تميل إلى تضخيم دورة الأعمال التجارية، إذ تتوسع بسرعة مقارنة مع غيرها في فترات الازدهار ولكنها تنكمش بسرعة أيضا عند انهيار النشاط في السوق، الأمر الذي يؤدي إلى الإفلاس وتسريح العمال على نطاق واسع. ولكونها القطاعات الأكثر إنتاجية في الاقتصاد اليوم، يمكن أن يُتوقع منها أن تتوسع في حين أن غيرها تذبل، فإنها تتسبب في جعل التقلبات الاقتصادية اتجاها عادياً لحركة الاقتصاد.



والتحدي أمامنا هو تسخير الحاجة العميقة للوحدة في قيم عملية، وتحقيق توافق في الآراء بشأن السياسات العامة المناسبة. ونحن بحاجة إلى إنشاء مؤسسات جديدة لتجنب أنواع جديدة من المخاطر التي نواجهها، ونسخر ما لدينا منها كي تعمل كما يجب.



ينبغي أن تبدأ هذه المهمة من الأسس المنطقية للانفصال disconnect الحالي، وبناء قاعدة أكثر عملية. نحن بحاجة إلى حل يأخذ حقيقية وقوع الأخطار الكارثية في الاعتبار. ويجب وضع الاستجابات المناسبة لها في شكل استثمار تحوطي، وأدوات مالية ومؤسسات للوقاية من الأخطار. ومع ذلك، فالمعروف أن الممارسات الحالية في علوم الاقتصاد تتجاهل الأحداث النادرة مهما كانت حقيقية وكارثية. ولابد للتفكير الاقتصادي في هذه الحالة توفير أدوات جديدة لقياس جميع أنواع الأخطار الكارثية، واستباق وقوعها والاستثمار فيها. لكن الحكمة الموروثة هنا هي جزء من المشكلة، والتفكير الجديد يجب لذاك أن يكون جزءا من الحل.



يلجأ الاقتصاديون التقليديون إلى استخدام 'المنفعة المتوقعة' لتقرير متى وكيف يتم اتخاذ الإجراءات في مواجهة عدم اليقين. هذه الفكرة نشأت قبل ستين عاما اعتماداً على بديهيات تصف كيفية ممارسة الاختيار في ظروف عدم اليقين، مستفيدة في ذلك من أعمال كبار المفكرين مثل آرو Arrow، فون نيومان Von Neumann، مورغنسترن Morgenstern وملنور Milnor. وكان لهذه الأفكار تأثير هائل في جميع أنحاء العالم، وارتباطا بها تستخدم أدوات التكاليف-المنافع بشكل روتيني في الكونغرس لتقييم المشاريع وتخصيص الأموال المناسبة لها. ولكن عند استذكار هذه الأدوات والتأمل فيها نرى أنها قللت وتجاهلت الأحداث النادرة التي قد يكون لها عواقب كارثية. وقد أدى ذلك إلى عدم القدرة على تقييم الكوارث بشكل مناسب، وتحقيق استثمارات مربحة في وقت مبكر قبل أن تقع الكارثة. هذا التفكير قد يمنعنا الآن من تقييم واقعي لهذه الأخطار، وبالتالي يحول دون الاستثمار لدعم الساحل الشرقي للولايات المتحدة، التي تواجه الآن أخطار مماثلة لتلك التي دمرت مدينة نيو اورليانز.



وقد أدى إهمال الأحداث النادرة بسبب طرائق التفكير هذه إلى توقعات متناقضة على نحو متزايد، كما أدى وبمرور الوقت إلى تأسيس حقل جديد، 'المالية السلوكية' ‘behavioral finance’، يقوم على اللايقين ويشكك في فرضيات السلوك "العقلاني" للبشر. لكن المسألة، على أي حال، لا تكمن في عقلانية الإنسان. المسألة هي أن التفكير التقليدي يغفل الأحداث النادرة، ولذلك هناك حاجة إلى أسس جديدة لتصحيح هذا الإهمال.



قبل اقتراح الحلول، وبروح من الكشف الكامل، لا بد لي من الاعتراف بأن هذا كان محور الكثير من تفكيري وعملي لعدة سنوات، وبالتالي قد يكون هناك تحيّز في تفكيري وفي تقديم الحلول. وينحو روبرت شيللر في كتابه الممتاز (2003) نحو تقديم آليات ومؤسسات مالية جديدة يمكن اعتمادها للحماية من آثار مختلف أنواع المخاطر الاجتماعية.



لقد ظهرت مسلمات جديدة تشرح كيف يمارس الناس الاختيار في ظروف عدم اليقين، وتعطي وزنا أكثر واقعية للأحداث النادرة (Chichilnisky 2000). هذه المسلمات هي مغرية بالبديهة، ويبدو أنها تتوافق، بعبارات بسيطة، مع طريقة تفكير الناس، وفي نفس الوقت توفر الحل للعديد من النتائج المتناقضة البارزة في الاقتصاد، مثل التفاوت بين العائدات على الأسهم والسندات التي تتنبأ بها النظرية مقارنة مع ما تم رصده من الناحية التاريخية.



تضم المسلمات الجديدة معايير لاتخاذ القرار تفسر الأحداث الكارثية. وتبين أننا لا نتخذ القرارات على أساس المنفعة المتوقعة وحدها، عن طريق حساب متوسط المخاطر. وبفضلها يتم الآن استهداف [إفراد] الأخطار ذات الشدة العالية وتعطى وزناً ملائماً في توقعاتنا وقراراتنا. وهذا يوفر أساسا قويا وبسيطاً لتطبيق قانون الأعداد الكبيرة للتعامل، بشكل عملي، مع عدم اليقين الواسع النطاق لدينا على المستويات المادية والاجتماعية. إنه يقترح علينا وسائل جديدة وتنظيم اجتماعي جديد، أدوات ومؤسسات مالية للتحوط ضد المخاطر الكارثية، ولتعويض الضحايا، وحتى لخلق حوافز لتقليل تأثير المخاطر في المقام الأول.



ترابط المخاطر ومقتربات جديدة للإدارة



لقد رأينا كيف أن قانون الأعداد الكبيرة المبجل، ودوره القائم منذ فترة طويلة في التفكير العلمي وفي إدارة الأعمال، يمكن أن يستخدم لإيجاد وسائل وأدوات ومؤسسات مالية جديدة، وخاصة عند التعامل مع المخاطر الكارثية.



ومع ذلك، هناك حالات يكون فيها قانون الأعداد الكبيرة محدود الاستخدام: عندما تكون الأخطار متداخلة interconnected ومترابطةcorrelated، كما هو الحال في الكوارث الكبيرة مثل التسونامي وإعصار كاترينا. نتائج قانون الأعداد الكبيرة يعتمد على الحجم النسبي لمجموعة من الأشخاص المتضررين مقارنة مع مجموع السكان، وبالتالي فإنه قد يتطلب تقاسم المخاطر بين الدول. كيف يجب أن تستجيب أمة واحدة على ذلك؟



نسخة ثانية من نفس المشكلة تنشأ مع تلك المخاطر العالمية -- مثل الاحترار العالمي – التي تؤثر على كل شخص على هذا الكوكب. التنوع البيولوجي والحصول على المياه النظيفة العالمية هي أيضاً من نمط المشاكل المتداخلة. في هذه الحالات قد لا يكون قانون الأعداد الكبيرة في حد ذاته كافياً لأن المخاطر مترابطة، وتؤثر على الجميع في نفس الوقت (Chichilnisky وأشف ، 1993). ونحن بحاجة إلى استكمال ذلك مع أدوات مالية أخرى تسمح لنا التحوط من المخاطر وفي الوقت نفسه تخلق حوافز لمنع المخاطر ذاتها. وهذا هدف طموح إلى حد ما، ولكنه مع ذلك فقد تحقق عند وضع سقف لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في دول منظمة التعاون والتنمية وخلق سوق عالمية لتجارة الانبعاثات، وهو اقتراحنا (Chichilnisky 1994 ، 1995 ، 1996 ، 2000) الذي أصبح جزءا هاما من بروتوكول كيوتو. أسواق مماثلة لهذه موجودة على المستوى المحلي كسوق المتاجرة بالمناخ في شيكاغو، وهي جزء من مجلس شيكاغو للتجارة Chicago Board of Trade. هذا الحل القائم على آلية السوق له الخصائص المطلوبة، والمتاجرة بها حضي بالقبول بموجب القانون الدولي في يناير/كانون الثاني عام 2005 عندما تم التصديق على بروتوكول كيوتو للأمم المتحدة، مما أدى إلى خلق قيمة سوقية متداولة تقدر بأكثر من 150 مليار دولار حسب آخر إحصاء.



وهناك مقترحات أخرى لأدوات مالية جديدة يمكن أن تكمل وثائق التأمين القياسية عندما لا تكون المخاطر عالمية، ولكن المخاطر لا تزال مترابطة بقوة. على سبيل المثال، "صكوك أحزمة الكوارث" ‘catastrophe bundles’ كانت من الأدوات التي ابتدعناها لهذا الغرض في عام 1997. وقد تم تداول أدوات ذات صلة، تسمى سندات الكوارث catastrophe bonds، في مجلس شيكاغو للتجارة لبعض الوقت. في مثل هذه الأنواع من المخاطر يُحتاط ضد ذلك الجزء المترابط من المخاطر المغطاة من خلال الأوراق المالية، في حين أن المخاطر المستقلة يُحتاط منها من خلال التأمين بطريقة احتراسية متوازنة.



كيف يعمل هذا؟ المخاطر المترابطة يحتاط ضدها من خلال الأوراق المالية بالاستفادة من الارتباطات السلبية لها. على سبيل المثال، معظم الزلازل في كاليفورنيا تتبعها طفرة في صناعة البناء. ولذلك يمكن خلق أوراق مالية مناسبة تستخدم للتحوط من الخطر المترابط من خلال الاستثمار في صناعة البناء والتشييد. هذا له آثار واضحة للتحوط من مخاطر الأعاصير الكارثية. جهود إعادة الإعمار في نيو اورليانز في أعقاب إعصار كاترينا سيتضمن إنفاق مئات المليارات من الدولارات من الصناديق المحلية والاتحادية والهبات الخاصة الواردة من جميع أنحاء البلاد. ومن خلال هيكلة عقود التأمين والأوراق المالية بعناية، يمكن تعويض ضحايا كاترينا عن خسائرهم المالية من خلال الترابط العكسي بين الكارثة والقيمة التي أوجدتها جهود إعادة البناء. ولكن من دون المؤسسات المناسبة والأدوات المالية، فإن من المرجح أن تذهب فوائد إعادة الإعمار إلى الآخرين، مما يفاقم المخاطر بدلا من تقاسمها. وهذا هو السبب الذي يجب أن يدفعنا لوضع أدوات مالية ومؤسسات جاهزة للاستعمال قبل أن تقع الكارثة.



وفيما يتعلق بالمخاطر الاقتصادية الناجمة عن البطالة وتقلبات السوق التي تؤثر على نحو متزايد على العائلة الأميركية (هاكر 2004 و 2005) ، فقد قدم اقتراح مؤخراً (Chichilnisky ، 2004) لإنشاء مؤسسة عامة بمشاركة 50٪ من القطاع العام و 50% من القطاع الخاص من شأنه تحزيم سندات الشركات بذات الطريقة التي تُجمّع بها فاني ماي Fannie Mae وفريدي ماك Freddie Mac الرهون العقارية. وهذا من شأنه تخصيص الأرباح التي تنشأ بفضل قانون الأعداد الكبيرة لتوفير السيولة لرأس المال المطلوب للمخاطرة لتكون في متناول الشركات الصغيرة. إن الشركات الصغيرة هي أكبر مصدر للفرص الجديدة للعمل في الولايات المتحدة ودول منظمة التعاون والتنمية والعالم ككل. مثل هذه المؤسسة من شأنها أن تساعد في ضمان تهدئة الخطر المتزايد الذي ينشأ عن التقلبات في قطاعات المعرفة في الاقتصاد (Chichilnisky وغورباتشوف، 2004).



الاستنتاجات



بمعزل عن الأدوات الإدارية المقترحة بالتخصيص، فإن الهدف النهائي هو البناء اعتماداً على مبدأ الوحدة [الوطنية] وعلى قانون الأعداد الكبيرة، وكذلك مختلف الأدوات المالية الأخرى والمؤسسات التي تضم وتجسد هذا المبدأ.



ويجب على مؤسسات القطاع الخاص أن تنخرط مع السياسة العامة بصيغ ملائمة لتعزيز المؤسسات الحالية. والهدف هو قهر المخاطر المتزايدة التي تتعرض لها الأسر والمجتمعات، ولدعم المؤسسات القائمة لتقاسم المخاطر وإعداد مؤسسات المستقبل من أجل تحقيق مكاسب للجميع.



[1] شركة وول مارت ستورز (معروفة بعلامتها التجارية وول مارت Wallmart) شركة أمريكية تدير سلسلة من المتاجر الكبيرة تبيع بأسعار الخصم. وهي من اكبر الشركات في العالم من حيث حجم الإيرادات. أسس الشركة سام والتون سنة 1962. يمكن للقارئ أن يبحث المزيد من المعلومات في الإنترنيت.


المراجع


Chichilnisky. G. and G. M. Heal, “Global Environmental Risks,” Journal of Economic Perspectives, Special Issue on the Environment, April 1993, 65- 86.
Chichilnisky, G. and G. M. Heal, “Markets for Tradable CO2 Emissions Quotas: Principles and Practice,” OECD, Paris, Working Paper No. 153, 1995. Chapter No. 10 of Topics in Environmental Economics, (ed. Bonat et al.) Kluwer, 1999.

Chichilnisky, G. “The Greening of the Bretton Woods,” Financial Times, January 10, 1996.

Chichilnisky, G. “The Trading of Carbon Emission Rights in Industrial and Developing Countries,” The Economic of Climate Change, (Jones, ed.) OECD, 1994, 159-71.

Cass, D., G. Chichilnisky and H-M Wu, “Individual Risk and Mutual Insurance,” Econometrica, Vol. 64, No. 2, March 1996, 333-341.

Chichilnisky, G. “Catastrophe Bundles Hedge Unknown Risks,” Bests Review, February 1996, 44-48.

Chichilnisky, G. “What is Sustainable Development?” Land Economics, November 1997, 73(4) 467 – 91.



Chichilnisky, G. and G. Heal “The Future of Global Reinsurance,” Journal of Portfolio Management, Summer 1998, 85-91.



Chichilnisky, G. “Catastrophe Futures: Financial Markets for Unknown Risks,” Markets Information and Uncertainty, (Chichilnisky, ed.) Cambridge University Press, 1999.



Chichilnisky, G. “An Axiomatic Approach to Choice Under Uncertainty with Catastrophic Risks,’’ Resource and Energy Economics, Vol. 22, July 2000, 221-231.



Chichilnisky, G. “Think Small if you Want to Create New Jobs,” Financial Times, May 14, 2004.



Chichilnisky, G. and Gorbachev, O. “Volatility in the Knowledge Economy,” Economic Theory, 2004.



Chichilnisky, G. and Gorbachev, O. “Volatility and Job Creation in the Knowledge Economy,” Essays In General Equilibrium Theory in Honor of David Cass, (Eds. Citanne et al) Studies in Economic Theory, 45-74, 2004.



Jacob S. Hacker, “Privatizing Risk without Privatizing the Welfare State: The Hidden Politics of Social Policy Retrenchment in the United States,” American Political Science Review 98: 2 (May 2004): 243-60



Jacob Hacker, The Great Risk Shift: The New Economic Insecurity—And What Can Be Done About It. New York: Oxford University Press, forthcoming.



Jacob Hacker, Private Communication, 2005.



Robert J. Shiller, The New Financial Order: Risk in the 21st Century, Princeton NJ: Princeton University Press, 2003.



ليست هناك تعليقات: