إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/03/29

تحليل مضمون بعض نصوص اتفاقيات إعادة التامين لسوق التأمين العراقي - 2004- 2010

مروان هاشم

مدخل

هي محاولة قد تقترب من المغامرة غير المحسوبة لان من يريد البحث في هذا الموضوع عليه أن يكون على دراية واسعة بمفاهيم التامين وإعادة التامين، إضافة إلى ممارسته العملية. هذا من جانب. ومن جانب آخر، قدرته على تحليل النص القانوني وتحديد مزاياه وإشكالياته، ومع الاثنين قدرة عالية على الترجمة القانونية من اللغة الانكليزية إلى العربية وهذا ما لا ادعيه. ومن يقدر عليه قد يحتاج إلى تعاون مجموعة من المختصين. لذا فان ما أقوم به لا يعتبر دراسة شاملة للموضوع إنما فقط كتابة بعض الملاحظات عن النص القانوني لفقرات أخذت كأمثلة، وأدعو الآخرين إلى المساهمة في التحليل أو، على الأقل، الانتباه إلى فحوى هذه النصوص.

في البداية، يعتبر النص القانوني لاتفاقيات إعادة التامين (عقد إعادة التامين) هو تدوين للاتفاق الحاصل بين الطرفين (المعيد والشركة المسندة) يتمثل في هذا النص الذي يبين، وبأبعد مدى، تفاصيل هذا الاتفاق والتزامات كل طرف فيه. وبشكل عام، تلتزم الشركة المسندة بدفع حصة المعيد من الأقساط الذي بدوره يلتزم بدفع حصته من التعويضات المدفوعة. ومن المؤكد أن هذه الالتزامات غير مطلقة إنما تحددها شروط هذا العقد.

ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يساعدنا هذا التحليل معرفة مدى نجاح المفاوض في الوصول إلى نص يمثل توازنا معقولا لمصالح الطرفين على أساس انه مرآة عاكسة للوضع الحقيقي لكل منهما. وبما أن هذه النصوص غير مقدسة فمن الممكن وضع خطة مستقبلية لتحسين حال سوق التامين العراقي من الناحية الفنية والرقابية مدعمة بالتغييرات العامة (السياسية والاقتصادية في العراق) تساعد المفاوض العراقي على المطالبة بتغيير هذه النصوص نحو الأفضل.

وقبل الدخول في تفاصيل هذا البحث أؤكد بأن المقصود هو سوق التامين العراقي وليس شركة من السوق بعينها. وسأبين، من خلال أمثلة، ملاحظاتي لممارسات تطبيقية على النص مع مقارنات مع نصوص دولية أو نصوص سابقة للسوق العراقي لغرض بيان مزايا وإشكاليات النص الحالي.

الملاحظة الأولى: تجنب العبارات المبهمة

(it is very important to avoid vague description)

"من المهم للغاية تجنب العبارات المبهمة." (1)

هذه جملة مقتبسة من كتاب قواعد التامين لفروع التامين عدا الحياة وهو من إصدار شركة إعادة التأمين السويسرية وقد اقتبسناه لنؤكد على ما نشعر به من غموض في نصوص الاتفاقية. العبارات المبهمة هي حالة لا تقتصر على اتفاقيات السوق العراقي بل هي مشكلة عالمية لذا أشار إليها أشهر واهم معيد تامين في العالم والذي عبر فيها عن تجربة الشركة لأكثر من مائة وثلاثون عاما. ولنأخذ مثالاً من السوق العراقي في نص اتفاقية البحري حول هذا الموضوع.

"المجال الإقليمي للاتفاقية (الجغرافي)

الأعمال التي تكتتب بها الشركات المسندة / قسم البضائع والتي تغطي المصالح العراقية في كافة أنحاء العالم بضمنها النقل الداخلي."

تحليل النص:

هذا الكلام غامض جدا لان الاتفاقية لا تغطي المصالح العراقية في النقل البري خارج العراق (تم تعديل هذا النص بإضافة النقل في دول الجوار مؤخرا) أي أن البضاعة المنقولة عبر ميناء بيروت سوف لن تكون مغطاة بهذه الاتفاقية خلال رحلتها البرية عبر الأراضي اللبنانية أو نقل البضاعة من روسيا – أوكرانيا- تركيا إلى مدينة أربيل. التغطية تبدأ من الحدود العراقية ومؤخرا من الحدود التركية.

كان الأفضل القول: تغطي المصالح العراقية من الميناء إلى الميناء والنقل البري داخل العراق والدول المجاورة. وإذا ادعى احدهم بأن هذا ممكن استنتاجه بسهولة بعد الاطلاع على تفاصيل نص حدود مسؤولية الاتفاقية، والتي تبين المسؤولية في النقل البحري والنقل البري الداخلي، فأنا أؤكد بقاء الغموض في النص الأول والثاني لأن الاستنتاج من تفاصيل حدود مسؤولية الاتفاقية على الأخطار المغطاة وما عداه سيكون غير مشمول يظل ملتبساً، فاعتماداً على هذا الاستنتاج فإن تامين النقل الجوي غير مغطى علما بان الشركات المسندة وشركة إعادة التأمين العراقية، راعية هذه الاتفاقية، تسند أقساط أخطار النقل الجوي إلى الاتفاقية.

هناك طريقتان لحل هذه الإشكالية. الأولى، هو كما أكدنا، ضمان وجود نص صريح وواضح يبين التغطية والاستثناءات. وطريقة ثانية يختص بها السوق العراقي وهي انتظار حصول حادث سقوط طائرة (لا سامح الله) حتى نعرف من خلال موقف المعيد أن الاتفاقية تغطي النقل الجوي آم لا! على كل حال، المعيد أو الوسيط محق في اختياره لهذا النص الغامض لأنه لا يريد أن يبين محدودية هذه الاتفاقية في التغطية وبشكل واضح.

الملاحظة الثانية: النص القانوني والتناقض في بديهيات المفهوم الفني.

مثال من اتفاقية الهندسي.

النص (1)

(الفترة الزمنية لمسؤولية المعيد تمتد إلى 60 شهر (خمس سنوات) من الممكن تمديدها بموافقة المعيد القائد إلى فترة أطول)

النص (2)

(تحتسب عمولة الأرباح لمرة واحدة ونهائية وبعد سنة واحدة ومن نهاية السنة الاكتتابية 31/12). لا أرغب في التعليق ولكن لو وضعنا هذا النص في أسئلة امتحان طلبة احد معاهد التامين تحت عنوان صحح الخطأ لقال احدهم إن الأسئلة بسيطة.

(تم تغيير هذا النص عام 2010 بحذف جملة "مرة واحدة ونهائية.").

قد يعتبر هذا النص في صالح الشركة المسندة إلا في حالة وجود تعويضات موقوفة قد لا تدفع مستقبلا مما يؤدي إلى ارتفاع الأرباح الحقيقية. وعلى كل حال، فإن المعيد الذي لا ينتبه لمصالحه سوف لن يكون حريصا على مصالح الآخرين في حالة دفع التعويضات. ولم يكلف احد الأطراف نفسه في تحديد تاريخ بدأ احتساب عمولة الأرباح بعد انتهاء السنة الاكتتابية في أعمال البحري والهندسي.

الملاحظة الثالثة: التحكيم Arbitration

وضعت شروط التحكيم كما هو متعارف عليها. ولكن لنلاحظ أن الاتفاقية تفرض علينا وجود طرف واحد فقط لجهة أجنبية معرفة في الاتفاقية أو حسب اختيار المعيد القائد في تسوية التعويضات التي تزيد عن 250 ألف دولار. وسؤالنا: ولكن ما أهمية شرط التحكيم، الذي لا يلجا إليه عادة إلا في التعويضات الكبيرة، إذا كنا غير مشاركين على اقل تقدير في تسوية مثل هذه التعويضات حيث تم إلغاء كلمة الشركة (الشركة المسندة) في النص عام 2010. لذا أدعو إلى إضافة جملة (ويحق للشركة المسندة اللجوء إلى التحكيم في حالة عدم اقتناعها بالتسوية المعروضة من قبل الجهة التي اختارها المعيد القائد) لتقوية موقعنا القانوني والسيادي في الاتفاقية.

الملاحظة الرابعة: عقد التامين وعقد إعادة التأمين ومفهوم تبعية المصير (follow the fortune)

لا توجد علاقة مباشرة بين العقدين ولا يلزم عقد التأمين عقد إعادة التأمين إلا في حالات نادرة. وبشكل عام تحاول الشركة المسندة استخدام مفهوم تبعية المصير حيث يتبع المعيد مصير الشركة المسندة (ويستثنى من ذلك الخطأ في الاكتتاب أو الخسارة المالية). وينهض هنا سؤال: لو أن محكمة عراقية حكمت على إحدى شركات التأمين في السوق العراقي بدفع تعويض يزيد مبلغه عن 250 ألف دولار فهل سيلزم هذا المعيد في إتباع مصير الشركة المسندة مع وجود نص في الاتفاقية يبين أن هذه الاتفاقية خاضعة للقانون البريطاني وتطبيقاته؟
 (Law and Practice: this insurance is subject to English law and practice)

فنحن ملزمون بعبارات مثل مصطلح إلزام (binding) وحق السيادة في القضاء للقضاء الانكليزي ( jurisdiction ) .

وانقل هنا عبارة من كتاب قواعد إعادة التامين لشركة إعادة التأمين السويسرية فيما يخص التحكيم (وتخضع هذه الاتفاقية إلى قواعد قانون البلد الذي تقيم فيه الشركة المسندة). (2)

(otherwise the stipulation of the law of the land in which the reinsured is domiciled shall be applicable to the present treaty)

هذا فيما يخص التحكيم.

وتشير الاتفاقيات القديمة مع الشركة السويسرية لإعادة التأمين إلى إتباع المعيد لمبدأ (أن شروط الاتفاقية تخضع في تطبيقاتها العملية لتحقيق مصالح الشركة المسندة للسوق العراقي والتي تصدر وثائق التامين (عقد التأمين) الذي يخضع لقواعد وقوة وسيادة القانون العراقي والذي يجعل، بالتبعية، التأكيد على أن الاتفاقية مع المعيد (عقد إعادة التأمين) خاضع لمصالح الشركات المسندة من الناحية القانونية.

نتائج وتوصيات أولية:

1- اختيار النص الواضح والصريح والمشاع في اتفاقيات إعادة التامين، ومثلما ما هو متعارف عليه عالميا، ليكون هو السائد في سوق التأمين العراقي.

2- مقارنة عقد التأمين مع عقد إعادة التأمين لمعرفة حجم مسؤولية شركة التأمين المغطاة بهذه الاتفاقية ودراسة إمكانية الاحتفاظ بأقساط الأخطار التي لا يغطيها المعيد. وهذا يتم بتعاون أقسام الاكتتاب مع قسم الإعادة فمعرفة حدود المسؤولية لا يكفي المكتتب دون دراية كاملة بشروط عقد التامين وإعادة التأمين فيما يخص سعة التغطية لكل عقد.

3- إن عقد إعادة التأمين يعتبر باطلا في قبول أي أقساط لأخطار لا تتوفر فيها احتمالية حدوث الخطر، وهذا أمر مفهوم لأن الخطر الذي لا يتوفر فيه عنصر الاحتمال غير قابل للتأمين. وهذا هو أحد الأسس التي يقوم عليه التأمين. ومن هذا المنظور يتعين علينا تحليل الأخطار (من حيث التكرار والشدة) لتعظيم الاحتفاظ. عندها يعتبر حجب أقساط الأخطار المحتفظ بها عن المعيد عملاً قانونياً صحيحاً. ولا نعتقد أن أحداً، ومن ضمنهم المعيد، يعترض على ذلك.

4- لا يمكن تغيير النص القانوني للاتفاقية بمجرد وجود الرغبة بذلك بل يتطلب هذا تطوير السوق العراقي في الاكتتاب وتسوية التعويضات من الناحية الفنية وتأكيد مبدأ حسن النية داخل السوق العراقي، إضافة إلى الاستفادة من التحسن الحاصل في الجانب الأمني والسياسي وقوة البنية التحتية للقضاء والقانون وتأكيد مبدأ السيادة. كل ذلك سيساعد المفاوض على الوصول إلى تحقيق أفضل نص قانوني متوازن يمثل طموح السوق العراقي.

5- تكوين لجنة من المختصين من السوق العراقي لدراسة ومراجعة هذه الاتفاقيات من الناحية القانونية والفنية.

وفي النهاية، فاني أؤكد أن الملاحظات والنتائج والتوصيات التي أوردتها في هذه الدراسة خاضعة للنقاش والتعليق على المعنى القانوني للنص وتفسيره، ولم اقصد منها سوى تحريك هذا السكون السلبي السائد لموضوع مهم وحيوي لسوق التامين العراقي في الحاضر وفي المستقبل. وما أقدمت عليه هو من باب أن "في الحركة بركة." وشكرا مسبقاً لمن سيشارك مع موضوع هذه الدراسة. أرجو ذلك.

مروان هاشم
بغداد
25 آذار 2010

المصادر
1- راجع الطبعة الرابعة من الكتاب، ص 63، الفقرة 222 موضوع الاتفاقيات، وكذلك ترجمة الكتاب للأستاذ الدكتور سليم الوردي من منشورات شركة التامين الوطنية، بغداد، 1987. وهذا المصدر وترجمته متوفران في مكتبة شركة التامين الوطنية.

2- نفس المصدر أعلاه، ص 70، السطر الأول والترجمة العربية للكتاب ص58.



ليست هناك تعليقات: