مصباح كمال:* التصنيف الائتماني لشركات التأمين العراقية
كان السيد مصطفى الهاشمي، جريدة الصباح،
قد أرسل لي بتاريخ 23 أيار 2018 الرسالة التالية:
هل تعتقدون ان شركات التأمين / الحكومية
والأهلية/ بحاجة الى الحصول على التصنيف الائتماني من مؤسسات التصنيف العالمية؟
وما دور حصولها على التصنيف في الارتقاء
بواقع التأمين واعادة التأمين الدولي؟
تحياتي
مصطفى الهاشمي
23
أيار 2018
وقد أجبت على أسئلته من خلال هذه
الورقة القصيرة التي استفاد منها في تقريره المنشور في جريدة الصباح يوم 28
أيار 2018. وهذا هو رابط التقرير: تصنيف
شركات التأمين يعزز مكانتها في السوق
إن التصنيف
الائتماني لشركات التأمين العراقية موضوع جديد في قطاع التأمين العراقي، وقد كانت
شركات التأمين الحكومية سبّاقة في هذا المجال إذ باشرت سنة 2016 بالاتصال بواحدة
من شركات التصنيف الدولية (أمريكية) ولها مكتب في دبي تأسس سنة 2012، هي شركة أي
إم بيست (A. M. Best). وهي من أعرق الشركات في هذا المجال إذ بدأت
بتصنيف شركات التأمين الأمريكية سنة 1899، وتعاظم دورها بعد الزلزال الذي ضرب
مدينة سان فرانسيسكو. كانت الخسائر
المادية والبشرية لهذه الكارثة كبيرة بحيث أنها أدت إلى إفلاس 12 شركة تأمين
أمريكية وشركتين أوروبيتين.
عندما شرعت شركات التأمين
الحكومية بالحصول عل تصنيف ائتماني لها من شركة متخصصة أثنينا على هذا المشروع،
خاصة وأن العراق متأخر عن الدول العربية في هذا المجال. وقتها كتبت بأن حصول هذه الشركات على درجة
تصنيف جيدة سيعزز من مكانتها في سوق التأمين العراقي، وفي ذات
الوقت يقوّي من قيمتها ومن مركزها التفاوضي مع شركات إعادة التأمين الدولية. وذكرنا بأن هذا التحرك سيدفع شركات التأمين
الخاصة نحو التفكير بالحصول على تصنيف لها أيضاً، ذلك لأن التصنيف الجيد هو أحد
أدوات التسويق وكسب العملاء. كما أن درجة
التصنيف الجيدة تبعث على اطمئنان المؤمن لهم الحاليين على المكانة المالية لشركات
التأمين وقدرتها على تسديد المطالبات بالتعويض، وتشجع طالبي التأمين المرتقبين
لإجراء تأميناتهم معها.
هناك من يشكك بأهمية التصنيف الائتماني، خاصة في أعقاب
الانهيار المالي العظيم سنة 2008 الذي طال المصارف وشركات التأمين ومؤسسات مالية
أخرى في العديد من دول العالم والتي فشلت شركات التصنيف بالكشف عنها مبكراً وتعرضت
إلى نقد من قبل دوائر مختلفة. ومع ذلك فإن
شركات التصنيف لم تفقد مصداقيتها بالكامل لأنها صارت تتخذ مواقف أكثر صرامة في
تقدير المخاطر التي تنتظم عمليات شركات التأمين، ولأن التصنيف صار من لوازم العمل
في الأسواق المتقدمة وحتى في بعض أسواق التأمين العربية (على سبيل المثل، مصر،
البحرين، دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية). فالتصنيف العالي يحمل معه رسالة مطمئنة لجمهور
المؤمن لهم تؤكد الملاءة المالية والائتمانية لشركة التأمين. لذلك، فإن بعض شركات التأمين تلجأ إلى الحصول
على درجة تصنيف من شركتين متخصصتين ليس من باب المباهاة ولكن لاختلاف درجة التصنيف
بينهما والمعايير المستخدمة في تقدير التصنيف، وتأثير ذلك على موقف المؤمن
لهم. فمن المعروف أن تخفيض درجة تصنيف
شركة التأمين يؤثر على قدراتها في الحصول على أعمال جديدة أو الاحتفاظ بالأعمال
التي اكتتبت بها. وهذا هو الحال في أسواق
التأمين المتقدمة.
وكما تعرف فإن التصنيف الائتماني للبلد يُؤخذ بنظر الاعتبار عند تصنيف
شركات التأمين، إضافة إلى عوامل أخرى كأهلية الإدارة، والبيانات المالية للشركات
وغيرها من معايير التصنيف التي تتبعها شركات التصنيف. وقد حصّل العراق على أول تصنيف ائتماني في
تاريخه سنة 2015، وكان التصنيف بدرجة "بي" صادرة من وكالة التصنيف
الأمريكية ستاندرد أند بورز Standard & Poor’s (S&P). وقد نظر البعض
لدرجة التصنيف هذا بعين الرضا رغم أن ما يقرب من ثلث مساحة العراق كان خاضعاً
لداعش. وقد عكس هذا التصنيف واقع أن مواقع
إنتاج النفط لم تكن تحت سيطرة داعش، واستمرار جهود الحكومة على ضبط ميزانية
الدولة، وعدم توقف الدولة عن سداد ديونها.
إن
التصنيف الائتماني لشركات التأمين لن يؤثر على زيادة الطلب على التأمين ذلك لأن
الأغلبية الساحقة من مشتري الحماية التأمينية في العراق لا تعير أهمية لموضوع
التصنيف، وأزعم أنه غائب في عملية اتخاذ قرار شراء التأمين. وقد يتغير هذا الواقع بفعل التطورات البطيئة في
ثقافة التأمين والاستثمار الشخصي والمؤسسي ودخول كيانات أجنبية إلى سوق الأوراق
المالية والمصارف. شركات النفط الأجنبية
العاملة في العراق تعرف أن شركات التأمين العراقية التي تتعامل معها لا تمتلك
تصنيفاً ائتمانياً ولكنها تسأل وتستقصي عن درجة تصنيف معيدي تأمين شركات التأمين
العراقية. مثل هذا الموقف يمكن أن ينتشر
من باب عدوى التقليد، أو تصاعد مستوى الحذاقة والحنكة
لدى طالبي التأمين من الدوائر والشركات العراقية – أي إدخال المفاهيم الحديثة في
عملية اتخاذ القرارات التي تترتب عليها آثار مالية.
وفيما يخص إعادة التأمين الدولي
فإن شركات إعادة التأمين الدولية تفضل أن تتعامل مع الشركات المسندة التي تتمتع
بدرجة جيدة من التصنيف، أي شركات لا يمكن أن تتعرض للانهيار والإفلاس بسهولة إذ أن
شركة التصنيف تقوم بوظيفة تقدير الملاءة المالية لشركات التأمين (قدرتها على تسديد
التعويض).
وليس معروفاً إن كانت جميع
شركات التأمين العراقية تطلب معرفة درجة تصنيف شركات التأمين التي توفر الحماية
الإعادية لها، ولكني أفترض أن وسطاء التأمين الدوليين لشركات التأمين العراقية
تقوم بوظيفة التأكد من درجة التصنيف المقبولة لشركة إعادة التأمين.
إن توجه شركات التأمين الحكومية
والخاصة صوب الحصول على تصنيف ائتماني أمرٌ يستحق الدعم إذ أن من أحد الآثار
المتوقعة له هو تنبيه هذه الشركات لمواقع الضعف لديها والعمل على التخلص منها،
وهذا ما يساعد الشركات الجيدة على رفع مستواها.
وفي ظني أن شركات التأمين الصغيرة في العراق لا تتمتع بموارد مالية كافية
للإنفاق على شراء التصنيف، وبالتالي فإنها ستظل بدون تصنيف وتخسر موقعها في سوق
التأمين العراقي.
مصباح كمال
23 أيار 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق