إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2017/01/06

Interview with Misbah Kamal on Insurance Activity in Iraq 2016

مقابلة حول النشاط التأميني في العراق
 
 
مقدمة
 
كان السيد مصطفى الهاشمي، محرر الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح، قد كتب لي رسالته أدناه طالباً الإجابة على مجموعة من الأسئلة.  وقد استجبت، شاكراً له طلبه.  وقام من جانبه بتلخيص إجاباتي، حسب ما تقتضيه القواعد التحريرية الفنية للجريدة، ونشر الملخص تحت عنوان "مقترحات لتنشيط قطاع التأمين في العراق":
(الصباح، 28 كانون الأول 2016).  وحيث أن المقابلة ضمت مواضيع أخرى لم يغطيها الملخص اتفقت وأياه على نشر نص المقابلة بالكامل مع الإشارة إلى ما نشر منه في الجريدة.
 
مصباح كمال
28 كانون الأول 2016
 
نشر النص الكامل للمقابلة أولاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
 
رسالة السيد مصطفى الهاشمي
 
قرأت مقالتكم المنشورة في موقع مرصد التأمين واعجبني طرحكم.. وراودتني فكرة ان توجه دعوة للقائمين على قطاع التأمين في العراق "من خلال جريدة الصباح" على مراجعة ورصد النشاط التأميني وما يتعلق به من قرارات وتعليمات وقوانين، لما لشركات التأمين من دور بارز في الاقتصاد.
 
وارجو في الوقت ذاته ان تجيبني على بعض الاسئلة في أدناه.
 
ارجو تفضلكم بالإجابة مشكوراً.. مع تقديري.
 
مصطفى الهاشمي
 
6 كانون الأول 2016
 
 
 
النص الكامل للمقابلة
 
 
1. هل تعتقد ان شركات التأمين الخاصة قادرة على الصمود أكثر في ظل الظروف الاقتصادية العامة للعراق؟
 
لست مطلعاً تماماً على أوضاع شركات التأمين الخاصة، ولهذا فإن حكمي على استمرار وجودها ليس مُحكماً.  كما أن ديوان التأمين، حسب علمي، لم ينبّه أي من هذه الشركات لتعديل أوضاعها المالية.
 
رغم ما يوجّه لهذه الشركات من انتقادات سلبية وأخرى نقدية بناءة، فإنها، اعتماداً على تجربة البعض منها (تلك التي تأسست قبل الاحتلال الأمريكي للعراق)، تستطيع الاستمرار بالعمل رغم سلبية الظروف الاقتصادية العامة القائمة، وخاصة منذ الهبوط الحاد في أسعار النفط في 2014.  وعلى أقل تقدير، فإن البعض منها ربما سيحقق قليلاً من التقدم على مستوى الإنتاج إلا أن معظمها ستظل تراوح في مكانها.  وهنا تنهض الفرصة لأصحابها للتفكير بمستقبلها: الاستمرار كالبطة العرجاء أم الشروع بالتفاوض مع غيرها بغرض الدمج، أو التفكير بتحالفات فيما بينها لتحقق درجة من الندية مع شركتي التأمين العامتين.
 
تتبدل هذه الصورة المتفائلة إلى حدٍ ما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الضرائب الجديدة التي فرضتها الحكومة على دخول المواطنين، وكذلك استقطاع نسبة من دخول الموظفين، وتعثر وتوقف العديد من المشاريع الاستثمارية.  وأرى أن هذه التطورات ستقلص من الإنفاق على شراء الحماية التأمينية، وبالتالي على حجم الأعمال التي تكتتب بها الشركات الخاصة، وبالتالي إلى تعريض وجودها لهذه الضغوط.
 
عند الحصول على الحسابات الختامية لمجموعة من الشركات، أو الإحصائيات التي تصدرها جمعية التأمين العراقية، يمكن تقييم المتانة المالية للشركات الخاصة والخروج برأي قائم على بيانات منشورة.
 
2. ما هو المطلوب اتخاذه من القائمين على قطاع التأمين (ديوان التأمين، جمعية التأمين، شركات التأمين العامة) لزيادة ونشر الوعي بين الجمهور وتعريفهم بأهمية التأمين في الحياة العامة؟
 
يرُجِع البعض تدني الوعي التأميني إلى الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والغزو العراقي للكويت (1990) وما تبعه من تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق (2003).  ويمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية (2003-1990) التي ساهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين وإفقارهم بحيث صار شراء الحماية التأمينية ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة منهم.  لكن هذه الإحالة لم تقترن بدراسة موثقة تجمع بين السبب والنتيجة إذ أنها وردت في سياق مقابلات صحفية سريعة، وغالباً ما يتركز التعليل على مقارنة بين الوضع القائم وما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي.  لا تتوفر لدينا الإحصائيات لقياس مستوى الوعي التأميني في تطوره التاريخي فهذه مهمة بحثية تقع خارج إمكانياتنا الحالية.
 
يتعين علينا أن نتذكر بأن التأمين سلعة غير منظورة، هو وعدٌ بتعويض المؤمن له في المستقبل إن تعرَّض هو أو أسرته أو أمواله إلى ضرر.  معظم الناس لا يستشعرون الحاجة لمثل هذا الوعد دونكم توفر القدرة المالية لديهم على شراء هذا الوعد.  هم أكثر قناعة، بفعل الموروث الديني، وبقراءة سلبية له، بالقبول بالقضاء والقدر: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ." (سورة التوبة، الآية 51)
 
ديوان التأمين مُلزم بقوة القانون للقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني.  فقد جاء في المادة 6-البند 4 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أن الديوان يهدف إلى:
 
تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:
 
زيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها.
 
المعلومات المتوفرة لا تدل على أن الديوان قد قام بتنفيذ مهمة زيادة الوعي، أو إجراء الدراسات والبحوث التأمينية، وهذه من شأنها أن توسع دائرة الاهتمام بالتأمين خارج نطاق شركات التأمين.
 
ومن رأي أن ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية، التي تمثل شركات التأمين، ليس لديها برنامج خاص بنشر ثقافة التأمين.  صحيح أن بعض الشركات تلجأ إلى الإعلان التجاري أو الاتصال ببعض الشركات والمنظمات بهدف بيع وثائق التأمين لها أو التعاون معها بهذا الشأن فيما يخص أعضاء هذه التنظيمات، إلا أن هذا الجهد ينصبُّ على التعريف بشركة التأمين وبمنتجاتها من وثائق التأمين.  وهذا الجهد يقابله ما تقوم به جمعية التأمين من خلال الندوات والمحاضرات التي تنحصر فائدتها بمنظميها وبعض المشاركين فيها.
 
فقر ثقافة التأمين يعكس نفسه في ضعف وربما أحياناً غياب الحملات الإعلانية المركزة، والمتخصصين الاستشاريين في شؤون التأمين، أو المحامين المتخصصين في تفسير عقود التأمين، ومقيّمي الأصول لأغراض التأمين، والكاشفين على الأخطار المعروضة للتأمين (ومعظم هؤلاء لا يرقون في مهاراتهم الفنية إلى ما هو متوقع منهم مهنياً وبالمقارنة مع ما هو متوفر عالمياً)، والصحفيين الذين يتمتعون بمعرفة تأمينية رفيعة.
 
ويجد هذا الفقر انعكاساً له في غياب مجلة تأمينية إلكترونية أو ورقية بعد توقف مجلة (رسالة التأمين) أواخر ثمانينيات القرن الماضي.  مثلما ينعكس في غياب حملات أسبوعية أو شهرية، حسب الحاجة، لترويج منتجات تأمينية محددة.  (لم تقم أية شركة لتأمين بنشر المعرفة عن تأمينات الحياة من خلال حملات خاصة للتوعية.  مثال ذلك شريط فيديو للتوعية بتأمينات الحياة).  وكذلك إجراء مسح ميداني حول الموقف من الخطر (الخطر الطبيعي، الخطر في المسكن وفي موقع العمل)، والوسائل التي يلجأ لها الناس للتدبر ضد آثار الخطر، ومكانة التأمين ضمن هذه الوسائل ... الخ.
 
ونجده أيضاً بالحضور الضعيف أو الغائب عند وقوع حوادث كبيرة، قد تكون لها تداعيات تأمينية، كاحتلال داعش للموصل، وحادث التفجير الإرهابي في الكرادة، أو حوادث تفجير/انفجار عدد من آبار النفط.  كما نجده في الصمت المطبق من قطاع التأمين عند وضع مشاريع لقوانين لها آثار تأمينية على سبيل المثل، مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي.  كما أن قطاع التأمين غائب عند إعداد موازنة الحكومة.  ثم أن علاقة شركات الـتأمين والجمعية والديوان بوكالات الأنباء والصحف ضعيفة ويباشرها الصحفيون.  وأكاد أن أجزم أن شركات التأمين والجمعية والديوان ليس له موظف مختص لإصدار البيانات الصحفية عن شؤون عامة ذات علاقة بالتأمين، أو إطلاق منتج تأميني، أو تنظيم فعالية معينة.  بعبارة أخرى، فإنها تفتقر إلى التواصل مع الجمهور، ومع الشركات الصناعية والتجارية، والدوائر الحكومية وغير الحكومية.
 
وباختصار، فإن التأمين يكاد أن يكون غائباً في الحياة العامة إلا من خلال شراء نسبة صغيرة من السكان لوثائق التأمين، وهو موضوع يستحق من يبحث فيه.  ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الوعي بمؤسسات أخرى للدولة الحديثة لا تقتصر على التأمين بل تشمل أيضاً، على سبيل المثل، ما يمكن تسميته بضعف/غياب الوعي الضريبي.
 
3. منذ تسعينات القرن الماضي والتأمين في العراق لم يشهد أي تطور، بل على العكس فان بعض محافظ التأمين قد تراجعت على ما يبدو، باعتقادكم ما هي أفضل الحلول لإعادة إنعاش قطاع التأمين؟
 
حقاً لم يشهد العراق تطوراً يذكر في مجال التأمين أو غيره.  نعرف أن العقوبات الدولية (1990-2003) والسياسات الخرقاء وسوء تصرف النظام الديكتاتوري كان وراء تدهور العراق.  لكن العراق منذ الاحتلال الأمريكي لم يشهد تطوراً جوهرياً في بناء الدولة ومؤسساتها سوى المحاصصة الطائفية والاثنية والفساد الذي ترجم نفسه في سرقة ثروات الوطن.  مقارنة بسيطة بين عقد تأسيس الدولة العراقية (1933-1921) والدولة التي أرسى دعائمها بول بريمر (2003-2004) تبين "الإنجاز" الكبير للملك فيصل الأول وفشل حكومات ما بعد 2003.
 
تراجع وركود قطاع التأمين هو حالة مصغرة للوضع العام، وما خلا قطاع النفط فإن القطاعات الأخرى تشترك مع التأمين في مجمل أوضاعها.  ليست هناك إحصائيات تاريخية لتحديد مستوى التراجع في محافظ التأمين، ولكن يمكن الزعم بأن محافظ معينة لم تشهد تطوراً حقيقياً، كمحفظتي التأمين الفردي على الحياة والتأمين على المساكن، وكلتاهما تعتمدان على توفر دخل كافٍ يُمكّن أصحابه من الانفاق على التأمين بعد إشباع حاجات مادية ملموسة.
 
قطاع التأمين لا يوجد في فراغ ومجرد تقديم بضعة اقتراحات لإنعاشه هو نوع من أضغاث الأحلام.  يمكن تطوير الكوادر المهنية؛ يمكن التخلص من العمالة الزائدة القائمة ربما على أساس طائفي؛ يمكن تحسين المستوى المعرفي لدى العاملين، لكن ذلك وغيره لا يؤدي مباشرة إلى إنعاش قطاع التأمين.  ما لم يكن هناك طلب حقيقي فعّال (مدعم بالقدرة النقدية على الشراء) لا يمكن إنعاش القطاع من خلال جرعة من الحلول.
 
جعل بعض فروع التأمين إلزامياً على الشركات يخلق طلباً تلقائياً على التأمين.  مثال ذلك، التأمين على الحريق والانفجار الذي يصيب المباني.  (الموضوع يستدعي دراسة ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في العالم العربي والغربي).  وقل مثل ذلك بالنسبة للتأمين على حياة العاملين مع إشاعة مفهوم المسؤولية الاجتماعية لأرباب العمل.  والبعض يدعو إلى جعل التأمين الصحي إجبارياً لفئات معينة (مع تقليص الخدمات الصحية التي توفرها الدولة كجزء من إقحام السياسات الليبرالية الجديدة في العراق).  ولنا أن نضيف إلى ذلك التأمين من المسؤولية الطبية، وتأمين مسؤولية المستشفيات، وتأمين المسؤولية المهنية للصيادلة، والمهندسين وأصحاب المهن الأخرى.  مثل هذه الحلول تؤدي إلى زيادة حجم أعمال التأمين التي تكتتب بها شركات التأمين.
 
4. هل هناك قصورا في الترويج لمنتجات شركات التأمين (الوثائق التأمينية)؟
 
لا أرى أن هناك قصوراً في ترويج المنتجات التأمينية، فالشركات تنتج أعمالها من قبل منتجين تابعين لها متخصصين في مجال بيع وثائق التأمين وكذلك من قبل موظفين آخرين.  وقد يصل الأمر في حالات معينة إلى قيام كبار موظفي الشركة وحتى المدير المفوض ولوج ميدان إنتاج الوثائق لطالبي التأمين المهمين والكبار حجماً ورأسمالاً.
 
قد يأخذ القصور شكل ضعف المعرفة الفنية والقانونية المناسبة المرتبطة بآلية التأمين بشكل عام وبوثائق تأمين معينة لدى المنتجين.  هذا وضع يستدعي التنبه له ومعالجته خاصة إذا اتجهت الشركات إلى بيع وثائق تأمين جديدة لم يعرفها سوق التأمين العراقي ومنها وثائق تأمين المسؤولية المهنية بأنواعها المختلفة، وتأمين مسؤولية المدراء والموظفين، وتأمين التحكم بالآبار النفطية.  وحتى بالنسبة لبعض وثائق التأمين، المعروفة على نطاق ضيق، كالوثيقة المصرفية الشاملة، فإن المعرفة الدقيقة بتفاصيلها ليست متوفرة بالكامل لدى المنتجين.  وقل مثل ذلك بالنسبة لوثائق التأمين التي تلجأ إليها شركات النفط العالمية، فنصوص بعض هذه الوثائق معقدة، وهي ليست متوفرة باللغة العربية، بحيث أنها تكاد أن تكون مغلقة أمام منتج التأمين العادي وحتى مديره العام.
 
هناك قصور، ربما يعكس غياب رؤية تسويقية مدروسة، في عدم إقدام الشركات على تمييز نفسها عن غيرها كشركات متخصصة بنوع أو أنواع معينة من أغطية التأمين بهدف تحقيق أعلى حصة في السوق من الأعمال المكتتبة فيها.  شركات التأمين العامة والخاصة تشترك في هذا القصور باستثناء شركة التأمين العراقية العامة التي استطاعت، بفضل تاريخها التخصصي في الماضي، من تحقيق أعلى الأقساط في تأمينات الحياة.
 
ويتخذ القصور لدى بعض شركات التأمين شكل رثاثة إخراج (طبع) وثائق التأمين، مما يعكس عدم الاستفادة الكافية من أنظمة الكومبيوتر ووسائل الطبع، وكذلك الضعف في التعبير اللغوي.
 
5 كيف تقيّمون علاقة شركتي التأمين "الوطنية " و"العراقية" و"إعادة التأمين" بالشركات العالمية - من حيث قبول اعادة التأمين وتوزيع الاخطار؟
 
ليست هناك في الوقت الحاضر علاقة مباشرة بين الشركات الثلاث وشركات إعادة التأمين العالمية فيما يخص إعادة التأمين الاتفاقي، وحتى في إعادة التأمين الاختياري، فالعلاقة تمر من خلال مستشار معتمد من قبل هذه الشركات مقيم في لندن ومجموعة من ثلاث شركات وساطة متخصصة في إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري.
 
كانت علاقة الشركات قبل غزو الكويت تتم مباشرة ومن خلال وسطاء إعادة تأمين بالنسبة لبعض عقود إعادة التأمين.  وقد توقفت حماية إعادة التأمين الاتفاقي للشركتين العامتين، التأمين الوطنية والتأمين العراقية، وكذلك شركة إعادة التأمين العراقية، مع غزو العراق للكويت وإخضاع العراق للعقوبات الدولية، إذ لم يمكن بمقدور شركات إعادة التأمين العالمية، بفضل هذه العقوبات الملزمة، الاستمرار في توفير الحماية للشركات الثلاث.  استطاع قطاع التأمين الاستمرار بالعمل ضمن الإمكانيات الداخلية المحدودة التي كانت توفرها الإعادة العراقية وضمن ترتيبات خاصة بين الشركات الثلاث بالنسبة للأخطار الكبيرة (النفطية أساساً).
 
تم إحياء الحماية الإعادية العالمية سنة 2005 وبحدود صغيرة تناسب حجم الأعمال التي تكتتب بها شركات التأمين وخاصة التأمين الوطنية والتأمين العراقية، وهما الأكبر من حيث حجم أقساط التأمين.  وعلى ضوء هذه الأقساط تم الاتفاق على حدود المسؤولية بموجب اتفاقيات إعادة التأمين.  وكان معيد التأمين القائد هي شركة ميونيخ لإعادة التأمين الألمانية.  ثم تحولت القيادة إلى شركة سكور الفرنسية، وهي ما زالت المعيد القائد.
 
تحدد اتفاقيات إعادة التأمين الأخطار التي يمكن إسنادها لهذه الاتفاقيات وشروط الإسناد، وما يتجاوز هذه الحدود يخضع لقبول خاص من قبل معيد التأمين القائد، بعد دراسة معطيات الخطر المعروض للإسناد إلى الاتفاقية المعنية.  وحسب علمي فإن هذا الترتيب يسير بشكل مقبول بين طرفي الاتفاقية: الإعادة العراقية ومعيدي التأمين.  قد تنشأ بعض الصعوبات لسوء فهم أو لعدم وضوح المعطيات، ولكن التفاوض هو الكفيل بحل الصعوبات.
 
إعادة التأمين في الأساس هي عملية توزيع وتفتيت للأخطار التي تكتتب بها شركة التأمين المباشر قبل التامين عليها وذلك بإعادة تأمين كل أو جزء كبير من تلك الأخطار لدى معيدي التأمين، أي أن شركة التأمين تحتفظ بنسبة من الخطر وتعيد تأمين الباقي بموجب اتفاقية إعادة التأمين.  هناك إشكالية تتمثل بالاختلاف على حجم احتفاظ شركة التأمين، التي تحاول الشركة أن تزيده لأنه يعني احتفاظها بحجم أكبر من أقساط التأمين، وحجم ما يسند للاتفاقية، الذي يحاول معيد التأمين تحديده بما يتلاءم مع الكلفة الاقتصادية لتحمل المسؤوليات، وهي الكلفة التي يفترض أن تُمول من الأقساط المسندة.  في الحالة العراقية نشاهد أن الحجم الإجمالي لدخل أقساط التأمين المكتتبة من قبل شركات التأمين المنضوية تحت اتفاقيات الإعادة العراقية ليست كبيرة وبالنسبة لبعض معيدي التأمين العالميين يعتبر إعادته غير اقتصادي- وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تخلي شركة ميونيخ لإعادة التأمين عن قيادة اتفاقيات الإعادة العراقية.  ولذلك فإن الدعوة إلى زيادة احتفاظ الجانب العراقي لا تلقى ترحيباً آنياً إذ تدخل حسابات الكلفة الاقتصادية كمحدد عائق أمام طلب الزيادة.  ويظل موضوع زيادة الاحتفاظ قائماً ويجب العمل على تحقيقيه.
 
6 باعتقادكم ماهي أفضل السبل لزيادة الاستثمارات الخاصة بشركات التأمين؟ وهل ان وجود بعضها كمساهم في رؤوس اموال شركات صناعية يكفي لزيادة ايرادات تلك الاستثمارات؟
 
التركيز على زيادة إيرادات الاستثمار مطلب اقتصادي لكنه ليس كافياً لتقرير السياسة الاستثمارية لشركات التأمين.  إن استثمارات شركات التأمين مقيدة بفعل عوامل عديدة منها التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة.  هذا الوضع يفرض على شركة التأمين الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها (أقساط التأمين وإيرادات الاستثمارات) يمكن أن تتعرض للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب ازدياد عدد وحجم المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا).  ولذلك فإن شركة التأمين الرصينة مجبرة على الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة.
 
وقد كتبتُ في دراسة لي ما يفيد موضوع هذا السؤال فيما يخص المساهمة في رؤوس أموال الشركات الصناعية.  هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق.  فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين.  كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون مردوده محدوداً.  مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب.  مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين.  ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة.
 
إن الصندوق المالي لشركات التأمين العراقية القابل للاستثمار يتكون من الاحتياطيات الفنية، والاحتياطيات الحرة ورأسمال الشركة.  حرية التصرف بهذا الصندوق يتأثر بإمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين (مصدر الاحتياطيات بعد استقطاع المصاريف المختلفة كتسديد التعويضات وغيرها).  إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي (أقساط التأمين) لشركة التأمين لن يكون كافيا لبناء الاحتياطيات وتمويل الاستثمار.  ثم هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.  وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف (للأصول المالية) التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل و(الأصول العينية) دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها.
 
الفرص المتاحة أمام شركات التأمين للاستثمار تنحصر بالمساهمة في رؤوس أموال الشركات الصناعية وغيرها والأصول العينية (المباني بأنواعها)، وربما يميل البعض منها إلى المقامرة في سوق الأوراق المالية لكن المعلومات بشأنها ليست متوفرة لي.  وقد لجأت شركات التأمين العامة، في الماضي، إلى تنويع محافظها الاستثمارية لتضم المساهمة في رؤوس أموال الشركات، وشراء وتشييد المباني، وأوراق مالية حكومية وغير حكومية، وإيداعات في البنوك، وقروض مضمونة، واسهم (في شركات تأمين عربية) وودائع خارج العراق (لتسديد بعض التزاماتها تجاه معيدي التأمين وغيرهم).
 
مصباح كمال


ليست هناك تعليقات: