إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2016/03/07

A State-Owned Company Not Insuring its Construction Contracts

شركة عامة لا تؤمن على عقودها
 
 
مصباح كمال
 
 
(1)
جاء في خبر نشر في صحيفة عراقية[1] أن تقريراً رقابياً دولياً كشف عن "اهدار ملايين الدولارات في وزارة النفط خلال عشرة سنوات، فيما اشار الى [أن] الوزارة تعمل على حل المشاكل مع الشركات المتلكئة بـ"التراضي.""  وورد في الخبر أيضاً أن تقرير المدقق الدولي[2] كشف عن
 
"تلكؤ شركة العز العامة [للصناعات الإلكترونية][3] في تنفيذ عقدها مع شركة الخطوط والأنابيب[4] لتجهيز ونصب أجهزة كشف عن الحاويات والشاحنات الموقع في شهر تشرين الثاني 2012 بمبلغ 20,527,941,175 دينار ومدة تنفيذ 270 يوم حيث بلغت [بلغ] الانجاز 50% والمدفوع من مبلغ العقد 80% وذلك حتى شهر آب من العام 2015، علما إن شركة العز لم تقم بالتأمين على المواد المجهزة في حال تعرضها لضرر أو تلف."
 
ما يستدعي الانتباه لأغراض هذه المقالة القصيرة أن "شركة العز لم تقم بالتأمين على المواد المجهزة في حال تعرضها لضرر أو تلف."  وبودنا إبراز بعض تداعيات عدم القيام بالتأمين، ونأمل أن يعذرنا القارئ اللبيب لأن ما سنكتبه ينطوي على قدْرٍ كبير من التكهنات بسبب غياب المعلومات الرسمية.  ولعل من له اطلاع أفضل منا أن يكشف الحقائق المتعلقة بالموضوع.
 
(2)
نفهم من الخبر أن موضوع العقد بين الشركتين العامتين هو تجهيز ونصب أجهزة كشف عن الحاويات والشاحنات التي تقوم بنقل النفط الخام، وربما مشتقاته، لكن نوع الكشف ليس معروفاً: هل هي لقياس الكميات المشحونة أو التأكد من النوعية أو الكشف عن أجسام غريبة ربما تكون انفجارية إرهابية.
 
ونفترض أن شركة خطوط الأنابيب النفطية، كمؤسسة عامة لم تلجأ إلى إرساء عقد التجهيز والنصب من خلال مناقصة مفتوحة.  وقد يبرر تصرفها هذا ما يقضي به قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2012.  فالمادة 29 – أولاً تنص على التزام "الوزارات الاتحادية والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة في شراء احتياجاتها من منتجات الوزارات الاتحادية على ان لا تقل القيمة المضافة لهذه المنتجات المجمعة والمصنعة عن(25%) من الكلفة الاستيرادية لها وعلى ان لا تكون اسعار المنتجات المحلية اعلى من مثيلتها المستوردة بنسبة تزيد عن (10%)، مع مراعاة مواصفات النوعية والجودة."[5]
(3)
نفترض أن هناك عقد تجهيز وتركيب للمواد بين الشركتين، وأن العقد ربما لم يتضمن شرطاً للتأمين على "المواد المجهزة في حال تعرضها لضرر أو تلف."  إذا كان هذا الافتراض صحيحاً فإن المسؤولية عن المواد المجهزة (أثناء النقل والخزن والتركيب والتشغيل التجريبي لحين تسليم الأعمال لصاحب المشروع) تظل قائمة حتى في غياب غطاء للتأمين على المواد وأعمال التركيب.  فإن كانت المواد تحت عناية أو حراسة أو إشراف المجهز، مثلاً، فإن أي ضرر أو تلف يلحق بها ستكون من مسؤولية المجهز (شركة العز).  فإن تعرضت لضرر أو تلف يتوجب على الشركة المجهزة تصليح الضرر، لتكون كما كانت عليها وبمواصفات منصوص عليها في العقد، أو استبدالها بأخرى جديدة من نفس المواصفات.
 
ربما تجد الشركة المجهزة أنها تستطيع تمويل كلفة التصليح والاستبدال من مواردها الداخلية دون الحاجة لشراء حماية تأمينية.  وهو أمر قابل للنقاش.  فالموارد الداخلية لها (راس المال والاحتياطيات وغيرها) ربما لن تكون متوفرة للسحب وقت حصول الضرر أو التلف للصرف على تكاليف التصليح، أو أنها مطلوبة لأغراض أخرى.  في حين أن انفاق مبلغ محدد مسبقاً (قسط التأمين) قبل البدء بتنفيذ الأعمال المتعاقد عليها يوفر مصدراً أكثر يقيناً لتمويل الضرر أو التلف من خلال التعويض الذي تسدده شركة التأمين.
 
وعل اي حال، يظل توزيع المسؤوليات التعاقدية بين رب العمل (صاحب المشروع) والمقاول قائماً.[6]  ربما كان العقد بين شركة العز العامة وشركة خطوط الأنابيب النفطية متضمناً لبنود عديدة تفصل مسؤوليات كل طرف بما فيها مسؤولية إجراء التأمين ونوع التأمين المطلوب.
 
(4)
هناك قناعة لدى الكثير من الأشخاص والمؤسسات، في القطاعين العام والخاص، أن إجراء التأمين أمر لا طائل منه.  فأقساط التأمين ينظر إليها بأنها نوع من الهدر إن انقضت مدة التأمين دون أن يحصل أي ضرر أو تلف، فما الذي يكسبه المؤمن له من وراء ذلك.  ظاهرياً، لا شيء سوى راحة البال والاطمئنان أن طرفاً آخراً، هي شركة التأمين، ستتولى التعويض عن الضرر أو التلف، في المستقبل، حسب ما هو متفق عليه في وثيقة التأمين.  وهكذا فإن قيمة التأمين لا تبدو مقنعة إلا عندما يقع الضرر وتقوم شركة التأمين بجبره.  ولكن قد تمر سنوات (أو بالنسبة لعقود الإنشاء تنقضي مدة الإنشاء)، والمؤمن له يسدد أقساط التأمين، دون أن يتعرض إلى ضرر يستوجب التعويض.
 
لذلك يتعين على الأفراد والمؤسسات موازنة أقساط التأمين مع حجم وتكرارية حالات الضرر والتلف التي يتعرضون لها، واتخاذ القرار المناسب بشأن التأمين، هذا إذا لم يلزم عقد الإنشاء المقاول بإجراء التأمين على الأعمال الإنشائية، في مختلف مراحلها، وكذلك التأمين على الأعمال المؤقتة والعدد والآلات المستخدمة في الإنشاء وربما غيرها من أغطية التأمين.
 
لو قرَّ الرأي، بعد التحليل والتقييم، أن التأمين ليس ضرورياً، عندها يتعين عليهم رصد مبالغ محددة لمواجهة تكاليف الأضرار التي قد تقع مستقبلاً دون أن يتأثر التدفق النقدي لهم سلباً بسبب هذه التكاليف غير المتوقعة.  يضاف إلى ذلك، اتخاذ الاحتياطات الضرورية التي تندرج تحت عنوان إدارة الخطر (تشخيص مصادر الخطر، وقياس تأثيراته، والسيطرة عليه، واعتماد الوسائل المناسبة دون وقوعه وعند وقوعه الحد من تفاقمه).
 
من المستغرب أن تخلو العقود الإنشائية من شرط التأمين.  والعقد موضوع هذه المقالة ربما كان خالياً من هذا الشرط.  إذا كان هذا هو الواقع فإن فيه تقصيراً إدارياً يدل على إهمال للمخاطر التي تكتنف تنفيذ العقود الإنشائية.  ولنا أن نتساءل ما هو وظيفة مكتب المفتش العام في هذه الشركات؟  أليس من المناسب أن يهتم بصحة صياغة العقود وتحديد عبء المسؤوليات التعاقدية فيها؟  أم يترك الأمر لدائرة التدقيق والمتابعة في ديوان الرقابة الاتحادي للنظر فيه في المستقبل؟
 
من المناسب هنا تذكير القراء بأن الدولة، قبل أن يبتلعها الحزب الذي وضع نفساً مالكاً لها، وضعت ضوابط لتوفير الحماية التأمينية للمشاريع الحكومية إذ أصدرت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط قراراً في 23 تشرين الثاني 1971 أوصت فيه الآتي:
 
1- اعتماد النص الموحد لشروط التأمين في كافة عقود المقاولات الهندسية المدنية التي تنفذ لصالح القطاع العام.
 
2- عدم توقيع العقد مع المقاول (الخاص أو العام)، بعد الإحالة، ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز.
 
3- عدم صرف أية سلف أو مستحقات مالية إلى المقاول ما لم يقدم وثيقة التأمين المطلوبة.  ويكون المدير المالي أو المحاسب مسؤولاً خلاف ذلك.
 
ورغم أن القرار جاء بصيغة "توصيات" إلا أنها تحولت إلى توجيهات ملزمة بفعل الممارسة حتى أن المقاول، العراقي أو الأجنبي، الذي كان يتغاضى عن التأمين يضطر في نهاية الأمر إلى استصدار ما كان يعرف بأجر المثل كي يستطيع غلق حساباته مع رب العمل (صاحب المشروع) واستلام مستحقاته منه.[7]
(5)
عدم شراء التأمين من قبل شركة العز ليس مستغرباً تماماً في ظل تدهور الأوضاع العامة واستشراء الفساد المالي والإداري، وضعف، واستضعاف، مؤسسات الدولة.  فقد نُقل إلينا أن منشآت تابعة لوزارة الصناعة والمعادن ووزارة النفط وغيرها من الشركات التابعة لوزارات أخرى لا تؤمن على ممتلكاتها وعلى مسؤولياتها تجاه الغير، أو انها تؤمن لبعض الوقت ثم تتوقف عن التأمين.  والقطاع الخاص ليس بأفضل حال في إهمال التأمين وعدم رصد صندوق طوارئ لمواجهة تكاليف الأضرار.  ويبدو لنا أن العقلانية الاقتصادية في التدبر للمستقبل غائبة وفي أحسن الأحوال ضعيفة في إدارة الأعمال، الحكومية والخاصة، مثلما هو غائب أو ضعيف لدى الأفراد.  لسان حال الجميع يعتمد على تواكلية مغروسة في الثقافة العامة الموروثة لتحديد السلوك ومواجهة النوائب "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ."[8]
 
ترى هل أن عدم التأمين يشير إلى عدم معرفة بأهمية التأمين، أو أن تجنبه هو بدافع تقليص كلفة عقد الإنشاء، أو هو الاستهتار بآثار الأخطار والتوكل على الغيب؟
 
6 آذار/مارس 2016



[2] لم تذكر الصحيفة اسم المدقق الدولي.  ولكنها أشارت في مكان آخر من الخبر إلى "المدقق الدولي الخارجي لتدقيق الوزارات لعام 2014."  ومع ذلك نظل جاهلين بهوية هذا المدقق الدولي الخارجي.
 
[3] لم تذكر الصحيفة أن شركة العز العامة للصناعات الإلكترونية هي إحدى الشركات التابعة لوزارة الصناعة والمعادن.  ونقرأ في الموقع  الإلكتروني للشركة الإعلان التالي: "نود اعلام زوار الموقع الالكتروني لشركة العز العامة واستنادا الى توجيهات السيد وزير الصناعة والمعادن المحترم انه تم دمج شركة العز العامة مع الشركة العامة للصناعات الكهربائية ليصبح اسم الشركة الجديد الشركة العامة للصناعات الكهربائية والالكترونية."
 
[4] لم تذكر الصحيفة هوية هذه الشركة.  ربما هي شركة خطوط الأنابيب النفطية، وهي شركة عامة تأسست سنة 1999.
[5] للتعرف على الجوانب التأمينية للموضوع، أنظر: مصباح كمال "شركات التأمين العامة ودعوى احتكار تأمين أعمال الوزارات والمحافظات والمؤسسات الرسمية الأخرى،" مجلة التأمين العراقي:
 
[6] د. نائل بني يفصل هذا الموضوع في:
Nael G. Bunni, Risk and Insurance in Construction (London and New York, Spon Press, 2nd Ed, 2003, 1st Ed 1986), Ch. 5, Responsibility and Liability in Construction.
[7] للمزيد من التفاصيل، راجع: مصباح كمال "وصل القبض بديلاً عن التأمين،" مجلة التأمين العراقي
 
[8] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 51.


ليست هناك تعليقات: