آثار داعش على قطاع التأمين العراقي
مصباح كمال
نشرت هذه المقالة في شبكة الاقتصاديين العراقيين
مدخل
ينصبُّ اهتمام الكتابات الغربية، باللغة الإنجليزية، على حاجات المستهلك
الغربي ومواقف أسواق التأمين الغربية، ولا تعير أي اهتمام بمصائر سوق التأمين
العراقي.[1] وكالعادة، لم يكتب ممارسو التأمين في العراق عن
تأثير تدهور الأوضاع الأمنية وخروج مناطق من سيطرة الحكومة الاتحادية على النشاط
التأميني ومستقبل هذا النشاط.
هذه المقالة هي محاولة للاقتراب من دراسة تأثير داعش الحالي والمحتمل على
تطور قطاع التأمين العراقي. آمل أن يقوم
ممارسو التأمين في العراق، والمهتمين بالشأن التأميني، بملء الفجوات وتوفير
البيانات الكمية واجتراح السياسات للتعامل مع التاثيرات الداعشية.
لقد صارت داعش جزءاً من البلاء العراقي المتمثل بسيادة التفكير الطائفي
والإثني وفي المحاصصة في إدارة الدولة والحكومة.
نأمل أن ينتهي هذا البلاء مع زوال داعش. عندما نقرأ
ونكتب علينا أن نتذكر عذابات الناس العاديين في العراق والقتل بالجملة والجرائم الأخرى
التي يتعرضون لها، وسرقة أحلامهم في العيش الكريم. علينا أيضاً أن نتذكر أن ما نكتبه اليوم قد
يصبح غير صحيحاً في الأيام القادمة بفعل التغيرات المستمرة على أرض الواقع، إضافة
إلى أن الأخبار المنشورة ليست دائماً متسقة وقد تكون غير صحيحة.
هناك الكثير من
التحليلات السياسية لصعود داعش بعضها تؤكد على السياسات الاقصائية والتهميشية للحكومات العراقية ودور
الولايات المتحدة وأدوار دول أخرى وكذلك التنازع بين حكومة الاتحاد وحكومة
الإقليم.[2] ولسنا هنا بصدد الخروج باستنتاج معين سوى التعبير عن تخوف من تدهور اقتصادي ومادي كالذي شهدته بلدان أخرى، وكما نلاحظه
في مشاهد الدمار التي تخلفها الأعمال العسكرية، وكذلك تدهور سياسي وانفراط
"العقد السياسي" الذي يقوم عليه النظام السياسي الحالي.
اهتمام اقتصادي بالتداعيات الداعشية على التأمين
كتب د. علي مرزا مقالة مهمة بعنوان "آثار اقتصادية لوضع جيوسياسي
متغير في العراق"[3]
ذكر فيها التأثير الاقتصادي السلبي لنهوض داعش وخروج بعض المناطق من سيطرة الحكومة
الاتحادية. وفي عرضه لأهم الآثار
الاقتصادية السلبية للوضع الذي فرضه تقدم داعش في شمال غرب العراق ذكر، في الفقرة
6 من هذه الآثار، فيما يخص موضوع مقالتنا، ما يلي:
"تأثر حركة
الطيران الدولية الجوية للعراق وارتفاع تكاليف النقل والتأمين.
يقود الوضع
المتوتر في العراق إلى تجنب شركات الطيران من الهبوط والإقلاع من العراق. لا بل أن
العديد من هذه الشركات أخذ يتجنب الطيران في المجال الجوي العراقي في رحلاته إلى
بلدان أخرى يقع العراق في طريقها (مدفوعاً بتصاعد العمليات العسكرية وكذلك حادثة
سقوط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا في أواخر شهر تموز). وحتى الشركات التي
ستستمر في الهبوط والإقلاع فإن رسوم [أقساط] التأمين قد ترتفع لتزيد كلفة السفر ونقل
البضائع ولتزيد العزلة التاريخية التي وضع [؟] العراق بها نفسه طيلة العقود الخمسة
الماضية."
هذا هو الحال في كل الأزمات حيث تأخذ أسعار
التأمين في الارتفاع وتتشدد شركات إعادة التأمين العالمية في فرض شروطها للاكتتاب
بالأخطار المعروضة عليها. كان هذا هو الحال
الذي ارتبط مع بدء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ولكن كانت مساحة التحرك آنذاك، في العراق وفي
الدول العربية، ضد هذا الارتفاع مُتاحة، تجلّت في تأسيس الصندوق العربي لتأمين
أخطار الحرب فيما يخص التأمين البحري. لكن
مثل هذه الحرية في التحرك غير موجودة في الوقت الحالي، فلا قطاع التأمين العراقي
يتمتع بقوة أو قيمة مالية مهمة تذكر ولا قطاع التأمين العربي يتمتع برؤية تشمل
عموم البلاد العربية رغم وجود الاتحاد العام العربي للتأمين. ولذلك يظل قطاع التأمين العراقي ضحية لتطورات
هو غير قادر على التعامل معها بفعالية، فقد قوّضت سنوات الحصار الدولي (1990-2003)
مكانة هذا القطاع واستنزفت موارده البشرية ودفعت به إلى الحضيض. ولم يتقدم القطاع إلا ببطء شديد بعد الغزو
الأمريكي فقد أرهقه قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمريكي الصنع) وحرّمه
من ملايين الدولارات من أقساط التأمين التي انتهت في خزائن شركات التأمين وشركات
إعادة التأمين الأجنبية.[4] وها نحن نشهد ضربة جديدة للقطاع متمثلة بداعش.
لعله من المفيد أن نضيف تعليقاً قصيراً إلى ما
ذكره د. مرزا وهو أن "الوضع المتوتر في العراق [يقود] إلى
تجنب شركات الطيران من الهبوط والإقلاع من العراق. لا بل أن العديد من هذه الشركات أخذ يتجنب
الطيران في المجال الجوي العراقي في رحلاته إلى بلدان أخرى يقع العراق في طريقها."
شركات الطيران تتجنب الهبوط والإقلاع في بعض المطارات العراقية
الواقعة في المناطق التي خرجت من سيطرة الحكومة الاتحادية في الوقت الحاضر ومنها
مطار الموصل. المطارات الأخرى تعمل
بانتظام، كما يبدو. أما تجنب الطيران في
المجال الجوي العراقي فإنه ليس واضحاً تماماً.
فالمعروف أن شركات الطيران الكبيرة تتزود بمعلومات مستمرة وذكية عمّا يجري
على الأرض (لنتذكر هنا لجوء بعض شركات الطيران إلى تحويل رحلاتها من تل أبيب عندما
كانت إسرائيل تقوم بتدمير البنى التحتية لقطاع غزة في الفترة تموز-آب 2014). والمعروف أيضاً أن شركات الطيران تستطيع
الاستمرار في استخدام المجال الجوي الاعتيادي لرحلاتها وذلك بتحليق طائراتها على
ارتفاع يقع خارج نطاق المدافع المضادة للطائرات.
ومع ذلك فإن تكاليف النقل البحري والجوي
والبري تميل إلى الارتفاع مع بروز الأزمات، وكذلك ارتفاع تكاليف شراء التأمين. يُضاف إلى ذلك أن الخسائر الكبيرة تدفع مكتتبي
التأمين إلى زيادة الأسعار. وبالنسبة
لقطاع الطيران فقد شهد هذا العام عدداً من الخسائر ومنها: حادث الهجوم الصاروخي
على مطار بغداد أوائل 2014 حيث قدرت الخسارة بمليوني دولار. واختفاء الطائرة الماليزية في آذار (كلّفت
شركات التأمين 108 مليون دولار فيما يخص هيكل الطائرة و 380 مليون دولار للتعويض
عن المسؤوليات القانونية). وبعدها في تموز،
تضررت طائرات في مطار طرابلس في ليبيا (بلغت كلفتها التأمينية 233 مليون دولار)، وتبع
ذلك إسقاط الطائرة الماليزية في أوكرانيا في تموز (97 مليون دولار لهيكل الطائرة و
400 مليون دولار للتعويض عن المسؤوليات)، وسقوط طائرة سْوفت إير، العاملة للخطوط
الجوية الجزائرية، في تموز أيضاً، وقدرت تكاليف الحادث بـ 4 مليون دولار لهيكل
الطائرة و 85 مليون للمسؤوليات.
الآثار المباشرة وغير المباشرة
تمثَّلَ الأثر المباشر بتعطيل عمل فروع شركات التأمين العاملة في الموصل
وفي تكريت. على سبيل المثال، فإن مكتب فرع
شركة التأمين الوطنية العامة في الموصل تعرّض إلى أضرار مادية ومنها كسر زجاج
النوافذ وسرقة مسلحي داعش لبطاريات المولدات الكهربائية في المكتب. وقد توقف الفرع عن العمل وبات موظفوه ملازمين
لبيوتهم لكن الدولة ما زالت مستمرة بدفع رواتبهم الشهرية. وينطبق هذا الأمر على فرع الشركة في تكريت مع
فارق أن الفرع هنا يقوم بتوفير بعض الخدمات التأمينية من مدينة سامراء لكن هناك
صعوبات أمنية تحول دون انتظام هذه الخدمات.
ويبدو أن فرع الشركة في كركوك يعمل بشكل اعتيادي.[5]
لم نجرِ مسحاً لأوضاع شركات التأمين الأخرى في إقليم كوردستان، ونفترض
بأنها تعمل بشكل اعتيادي اعتماداً على استمرار فرع شركة التأمين الوطنية في كركوك
في العمل رغم أن المدينة شهدت بعض التجاذبات.
لكن حجم الأعمال التي تكتتب بها تأثر سلباً من جراء العمليات العسكرية على
تخوم المدينة.
إن التطورات الحالية تؤثرُ سلبياً على النشاط التأميني ونوجزها بالآتي:
عرقلة ووقف تنفيذ المشاريع الهندسية الحكومية المتعاقد عليها مع المقاولين
الأجانب، كما هو الحال بالنسبة لمشاريع توليد الطاقة وغيرها في المناطق الغربية،
وتأجيل إحالة عقود إنشائية جديدة.
تعريض بعض المنشآت والمعامل المؤمنة، ومنها المنشآت النفطية، إلى خطر
الأعمال العسكرية، وبالتالي تخوف شركات إعادة التأمين العالمية من الاستمرار في
توفير الحماية الإعادية لشركات التأمين العراقية فيما يخص تأمين هذه المنشآت. والمعروف أن بعض المنشآت، كمصفى بيجي وبعض
أنابيب نقل النفط، أصبحت مسرحاً نشطاً للعمليات العسكرية رغم عدم وضوح الأخبار
بشأنها.
يضاف إلى ذلك أن داعش تقوم بعمليات نهب منظمة لمحتويات بعض المعامل قبل
نسفها. ففي خبر نقلته طريق الشعب
(12 تشرين الأول 2014، ص 2) نقرأ بأن تنظيم داعش فجّر معمل خياطة بَرْطَلّة للألبسة الجاهزة شرقي الموصل (تابع
لوزارة الصناعة والمعادن وانشئ عام 2013 بتمويل من منظمة انسانية بكلفة 14 مليار
دينار عراقي، كمشروع خيري وفرَّ فرصة عمل لأكثر من 500 شخص من أهالي المنطقة) مما
أسفر عن تدميره بشكل كامل، فيما أكد مسؤول أمني في محافظة الموصل أن عناصر التنظيم
صادروا مكائن الخياطة والاثاث في المعمل قبل أن يفجروه.
ربما كان هذا المعمل مؤمناً عليه لدى إحدى شركات التأمين العراقية وقد توقف
تأمينه الآن بعد زواله من الوجود. وهكذا يخسر
أصحاب المعامل مصانعهم،[6] وتخسر شركات التأمين فرص الاستمرار بالتأمين
عليها، ويخسر الاقتصاد العراقي (إزالة جزء من الثروة الوطنية للبلاد).
وتشمل التداعيات الصعوبات التي تكتنف تسديد أقساط التأمين محلياً وتحويل
حصة معيدي التأمين منها إلى الخارج. إن صعوبة
حركة أقساط التأمين وكذلك التعويضات تنشأ من تعرُّض القنوات المالية إلى آثار
النزاع.
ومن التداعيات
الأخرى عدم قدرة الكاشفين ومسوّي الخسائر الوصول إلى مواقعها، هذا في حال أن
استطاع المؤمن لهم تبليغ شركة التأمين عن وقوع خسائر لممتلكاتهم المؤمن عليها. ومن الصعب في الوقت الحاضر تقدير حجم الأضرار والمطالبات
بالتعويض نظراً لعدم استطاعة شركات التأمين الوصول إلى مواقع الممتلكات المؤمنة.
تَشدُّد شركات التأمين في طلب المعلومات التفصيلية عن أشكال الحماية في
مواقع العمل وأثناء النقل، سواء كان التأمين ينصبُّ على الحريق، أو كافة أخطار
المقاولين، أو النقل البحري أو البري.
نتوقع ازدياد كلفة التأمين على أخطار الطيران ونعني بها تأمين هياكل
الطائرات والمسؤوليات القانونية والتعاقدية للخطوط الجوية العراقية، وكذلك تأمين
أخطار الحرب للهياكل. وهذه الزيادة ستعكس
الاتجاهات العامة في السوق العالمي لتأمين أخطار الطيران، وتعرض إحدى طائرات
الخطوط الجوية العراقية للأضرار في مطار بغداد (كانون الثاني 2014)، والوضع الأمني
غير المستتب في العراق واستمرار العمليات العسكرية.
ونتوقع أيضاً انكماشاً في الطاقة الاستيعابية المتوفرة (underwriting capacity) في أسواق التأمين العالمية للاكتتاب
بأخطار التأمين في العراق. وستستخدم هذه
الطاقة بانتقاء واعتماداً على مدى انكشاف مناطق معينة في العراق للعمليات العسكرية
وانتظام الحياة العامة من عدمه وتوفر الأمن.
وفي الوقت الحاضر، تظل المنطقة الجنوبية هي الأفضل من وجهة نظر المكتتبين
في اسواق التأمين الأجنبية.
بالنسبة للطلب
المحلي الفعّال على التأمين، وهو على العموم ضعيف على مستوى الأفراد والشركات
الصغيرة والمتوسطة الحجم، فإن أي ارتفاع في أسعار التأمين سيكون عاملاً إضافياً
للحد من الطلب الفعّال على الحماية التأمينية.
وفي أحسن الحالات فإن طالبي التأمين ربما يكتفون بشراء الحدود الدنيا من
الحماية التأمينية تتناسب مع قدراتهم المالية.
هناك هبوط واضح في الطلب على التأمين البحري-بضائع، وهو يعكس تقلّص
استيرادات القطاع الخاص، وكذلك هبوط في طلب التأمين على الحريق، وتأمين النقد
أثناء النقل بالنسبة للمصارف.[7] هذا الوضع يعكس "تأجيل
أو تقليص أو إلغاء الإنفاق على المشاريع الاستثمارية وسلع الاستهلاك الدائم. وينطبق ذلك على النشاطين العام والخاص (المحلي
والأجنبي). ومما ركز هذا الامر بالنسبة
للنشاط العام عدم إقرار مشروع موازنة 2014 والاقتصار بدلاً من ذلك على قواعد إنفاق
ترتبط بميزانية 2013 زائداً نفقات ضرورية أخرى خاصة المتعلقة بالجانب العسكري. وعلى مستوى النشاط الخاص تدل مؤشرات جزئية
وانطباعية على انخفاض عام في الطلب الاستثماري والاستهلاكي الدائم (خاصة على السكن
والأراضي). وسيستمر عدم اليقين هذا، ومن
ثم عدم وضوح المنظور الاقتصادي المستقبلي، حتى تنتهي العمليات العسكرية وتنجلي
صورة المستقبل."[8]
يؤشر هذا الوضع على الاعتماد الكلي لقطاع التأمين على وضع الاقتصاد وحركته
على المستوى الاتحادي والإقليمي. ولا
تقتصر الآثار الداعشية على النشاط التأميني، فقد جاء في خبر أن سوق الأوراق المالية في العراق كان ينمو بسرعة منذ 2009 إلا
أن الأزمة الحالية ستؤدي إلى إضعاف ثقة المستثمرين (الوطنيين والأجانب) وإبطاء
الاستثمار.[9]
موقف معيدي التأمين
بالنسبة لأسواق التأمين
الأجنبية، كسوق لندن العريق، فإن تعاملها مع الأزمات في العالم العربي له تاريخ
طويل. وما لم تمنع القرارات السيادية
والدولية تعامل شركات التأمين العالمية مع شركات التأمين العراقية وكذلك الاكتتاب
بأخطار تأمينية عراقية خارج نظام الرقابة، فإن شركات التأمين العالمية تعرف متى
تقدم خدماتها وبأية أسعار وبأية حدود للتعويض.
ومن آثار داعش تقليص حدود التغطية بالنسبة لبعض وثائق التأمين (كتأمين خطر
الإرهاب). على سبيل المثال، قبل تفاقم
سيطرة داعش على بعض المناطق كانت حدود التأمين تصل إلى 200 مليون دولار للحادث
الواحد، واليوم تقلص هذا الحد كثيراً إلى الربع في أحسن الحالات، حسب قرب أو
ابتعاد موقع الخطر المؤمن عليه من مناطق النزاع والعمليات العسكرية. وحتى هذا الحد المتدني صار من الصعب الحصول عليه
في أسواق التأمين العالمية.[10]
البُعد الاتحادي
عدم انتظام العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان يؤثر
سلباً على تطوير سوق تأمين فيدرالي إذ أن سوق التأمين العراقي شبه ممزق على مستوى
الاتحاد والإقليم. وقد عبّر عن هذا الوضع،
على مستوى الاقتصاد الكلي، أ. محمد سعيد العضب في تعليقه على دراسة د. مرزا من
خلال إثارة التساؤل التالي:
هل فعلا ان العراق بعد
هذه الاحداث يتميز بسمات اقتصاد كلي واحد وله سوق موحده؟ بل يبدو ان اقتصاده الهش
اخذ في التشتت والانفصام، وبالتالي قد يصعب اعاده كينونة السوق والوحدة
الاقتصادية، مما لكل ذلك من اثار سلبيه على الامد البعيد والحد من فرص التطور
التنموي الممكنة والمحتملة.[11]
التأمين هو "يتيم القطاع المالي" ووضعه يعكس حال الاقتصاد والتنمية
الرثة التي تتبعها الحكومات العراقية منذ الغزو الأمريكي، مثلما يحمل معه الإرث
الذي خلفته الدكتاتورية. وفي إطار هذا
الوضع فإن التمزيق المناطقي للسوق "الوطني" والعزل الجغرافي الذي تعمل
داعش على تعزيزه يضعف دور شركات التأمين بحرمانها من العمل على مستوى الوطن
والانكفاء في حدود ضيقة.
إن السياسات التي تطبقها حكومة الإقليم تصبُّ في ذات الاتجاه. فحسب المعلومات المتوفرة، وهي بحاجة إلى تمحيص للتأكد
من صحتها، لم تفلح جهود شركتي التأمين العامتين لدى الجهات الحكومية في الإقليم،
منذ 2003، لاستعادة نشاط فروعها في الإقليم، مثلما لم تستطع معظم شركات التأمين
الخاصة في بغداد فتح فروع لها في الإقليم.
وهكذا يجتمع الأثر الداعشي مع ما يبدو أنه انغلاق إثني ورثاثة في العلاقات
المحاصصية بين الاتحاد والإقليم لعرقلة تقدم النشاط التأميني على المستوى الوطني.
وتأتي دراسة د. علي مرزا لتؤكد توصيفنا لواقع قطاع
التأمين فهو يقول: "لعل أهم اثار استمرار العمليات العسكرية، على مستوى
الاقتصاد الكلي، بالإضافة لانعزال المناطق، يتمثل في عدم اليقين من نتائج العملية
الاقتصادية." أي استمرار التنمية
الرثة وتأثيرها السلبي على تطور قطاع التأمين على المستوى الوطني.
داعش والتأمين
ليس لأوباش داعش علاقة
بمؤسسة التأمين فهم لا ينتمون إلى عصرنا، فقد توقف عندهم الزمن في ماضٍ مُتخيل
مشوّه. وما يَرْشَحُ منهم من أفكار سقيمة
تكشف عن البلاء الذي يحملونه للعراق فها نحن نقرأ عن «إحياء الرق قبل قيام الساعة»، والمبررات الدينية لإعادة العمل بنظام
الرق.[12] لا يحتل التأمين مكاناً لدى
أصحاب هذا التفكير المتكلس المتخلف، المنافي لحقوق الإنسان وقيم المساواة
والعدالة، فهم لا يحتاجون إلى التأمين.
لندن 20 تشرين الأول 2014
"How the Islamic State's rise is
hurting financial firms and clients,” Global Reinsurance, 7 October
2014.
Wong Mei-Hwen, “Political violence: ISIS crisis puts pressure on
market,” Middle East Insurance Review
[4] لمتابعة الموضوع بالتفصيل يمكن
الرجوع إلى كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين
الوطنية، 2014). والكتاب متوفر إلكترونياً
في الموقع التالي:
[6] بافتراض أن بعض المعامل مؤمن عليها بموجب وثيقة اعتيادية
لتأمين الحريق فإن تفجيرها وإزالتها من الوجود لا يخضع للتعويض وذلك لأن هذه
الوثيقة تستثني التعويض عن الخسائر المترتبة على العمليات الحربية.
[9] "How the Islamic State's rise is
hurting financial firms and clients,” Global Reinsurance, 7 October
2014.
[10] هذا النوع من التأمين
والحدود العليا للقيم المؤمن عليها ليست متوفرة لدى شركات التأمين العراقية والطلب
عليها ليس داخلياً بل من بعض الشركات الأجنبية العاملة في العراق. شركات التأمين العراقية تقوم، عند الحاجة،
بتوفير خدمات الواجهة لشركات التأمين الأجنبية التي تكتتب بأخطار الإرهاب والعنف
السياسي. (تشمل وثيقة تأمين العنف السياسي
الأخطار التالية: الأعمال الإرهابية، التخريب،
الإضراب، الشغب والاضطرابات المدنية، الضرر العمدي، الثورة، التمرد، العصيان المسلح
والانقلاب، الحرب، الحرب الأهلية).
معظم وثائق تأمين خطر الإرهاب والعنف السياسي
تعود للشركات الأجنبية التي تعمل في قطاع النفط.
وعدد هذه الوثائق صغير جداً. وسبب
ذلك أن المواقع التي تعمل فيها هذه الشركات تتمتع بأمان نسبي مقارنة بالمواقع الأخرى
في العراق.
وقد تلجأ بعض الشركات الأجنبية إلى شراء
تأمين يغطي خطر الاختطاف والفدية، وتأمين الخسائر التبعية (خسائر
الأرباح).
ويزداد الطلب على هذه الوثائق مع تدهور الأوضاع الأمنية. كما أن هذه الشركات تميل إلى توسيع الأشكال
التقليدية للتأمين البحري على البضائع ليشمل التأمين على نقل البضائع براً، وتوسيع
الغطاء ليشمل التأمين على ما يسمى بخطر الحرب على اليابسة.
http://iraqieconomists.net/ar/2014/10/10/
أنظر أيضاً:
“Islam and Slavery,” Economist, 18-24 October 2014, p 58.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق