في
ذكرى هدى الصفواني:
ملاحظة حول حضور
المرأة في قطاع التأمين
يصادف يوم 3 كانون الثاني 2013 الذكرى الثالثة لوفاة هدى
الصفواني. ومع اقتراب هذه المناسبة دعوت عدداً
من الزملاء والزميلات ممن يعرفونها المساهمة في إعداد ورقة بهذه المناسبة. كتبتْ نيران نعمان ماهر السامرائي، زميلتها وصديقتها، كلمة
وكذلك باقر المنشئ زميل العمل القريب منها (الكلمتان منشورتان في مرصد التأمين
العراقي). وكتب عبدالباقي رضا وسحر الحمداني وفؤاد
عبدالله عزيز ومحمد الكبيسي وكذلك إيمان عبدالله شياع تعليقات صغيرة أدرجتها في
ورقة منشورة تحت عنوان "في ذكر هدى الصفواني" في مرصد التأمين
العراقي.[1]
هذه الورقة القصيرة هي من
وحي هذه المناسبة استفدنا منها كمدخل لإثارة موضوع حضور المرأة في قطاع التأمين.
(1)
لا
نعرف المصادر الفكرية والثقافية لهدى الصفواني، وكيف اكتسبت معارفها التأمينية
والمهارات المرتبطة باختصاصها في التأمين على الطيران. ولا
نعرف إن كانت هدى تحمل فكراً سياسياً معيناً ولكننا نعرف أن والدها سلمان الصفواني
(1899-1988) كان صاحب جريدة اليقظة (1924-1959) ويعتبر من رواد الصحافة
العراقية، وكان وطنياً واتجاهه السياسي قومياً عربياً. ولا نعرف إن كانت هدى قد كتبت مقالات منشورة
ولكنها كتبت، بالتأكيد كجزء من مهام العمل، مطالعات في قضايا تأمينية ذات علاقة
باختصاصها، ولن نكتشف ذلك إلا من خلال البحث في ملفات شركة التأمين الوطنية - إن
كانت هذه الملفات موجودة. ومن المؤسف أن
لا نستطيع تقييمها من خلال عملها لشحة المعلومات.
وقد حاولنا البحث عن بعض المعلومات عن حياتها الشخصية في الشبكة العنكبوتية
لكننا لم نحصل على أي معلومة. خير من
يستطيع إلقاء بعض الضوء على عملها وشخصيتها هم زميلاتها وزملاءها لكننا لم نستهدي،
حتى كتابة هذه الورقة، إلا إلى نيران نعمان ماهر السامرائي وباقر المنشئ[2] ومن المؤمل أن تكتب السيدة خلود محمد سعيد
عنها.[3]
(2)
هناك
كتابات عديدة عن دور
النساء العراقيات الرائدات في مختلف المجالات في القرن العشرين، لكن هذه الكتابات
لا تأتي على ذكر دور النساء في قطاع التأمين.[4] ربما يعود السبب إلى ضآلة دور القطاع في الحياة
الاجتماعية وعلى المستوى الشعبي، أو قلة اهتمام الدارسين بالموضوع. وهذا ليس مستغرباً إذ علمنا أن النشاط التأميني
لا يلقى اهتماماً حقيقياً من الاقتصاديين أو من المؤرخين. أو ربما يعود السبب إلى أن النساء الرائدات اللاتي
عملن في شركات التأمين غير معروفات ولم يتمتعن بشهرة الرائدات في مجالات العمل
الأخرى، فنحن لا نعرف، مثلاً، اسم أول امرأة عملت في شركة تأمين. ويرتبط بهذا اقتصار عمل النساء في خمسينيات
القرن الماضي على أعمال السكرتارية والطباعة التي ينظر إليها، خطأً وبتعالٍ، على أنها أعمال "غير فنية."
هي أعمال "روتينية" لكنها تتطلب
مهارة فنية خاصة، وهي جزء أساسي من متطلبات أداء العمل التأميني في مظاهره
المختلفة: في الاكتتاب والتعويض وإعادة التأمين .. الخ.[5] ولا نعرف أيضاً إن تدرجت بعضهن نحو العمل
"الفني."
يقال ان أول امرأة عُينت للعمل في شركة التأمين الوطنية كان
سنة 1952 لكن اسمها وموقعها الوظيفي ليس معروفاً.[6]
بدون
توفر المعلومات لا يمكننا الإشارة إلى امرأة واحدة متميزة في القطاع "يشار
إليها بالبنان." ونحن نميل إلى تغليب
فكرة وجود صف متميز من النساء المتخرجات حديثاً من الجامعة في فترة ثورة الرابع
عشر من تموز 1958 عملن في القطاع بالتوازي مع بعضهن. كانت هدى الصفواني من هذا الجيل من النساء، من
طبقة بثينه حمدي (الحسابات، التأمين الوطنية)، وسعاد نايف برنوطي (إعادة التأمين،
التأمين الوطنية)،[7]
وسهير حسين جميل (الشؤون القانونية، التأمين الوطنية)، ومي الخضيري (إعادة
التأمين، التأمين الوطنية)، ونجيبه كاكا (التأمين الهندسي، التأمين الوطنية)، ومي
مظفر (الإعادة العراقية)، ونيران ماهر الكنعاني (التأمين البحري، التأمين الوطنية؛
لم تكمل مشوار العمل في التأمين) مع الاعتذار لعدم تذكري أو معرفتي بأسماء النساء
الأخريات من هذا الجيل ممن عملن في التأمين الوطنية، والتأمين العراقية، والإعادة
العراقية وقبل ذلك في شركات التأمين العراقية الأخرى وكذلك فروع ووكالات شركات
التأمين العربية والأجنبية.
كنَّ
يشتركن بكونهن خريجات جامعيات، ويجمعن بين المعرفة الأكاديمية، واللغة الإنجليزية،
إضافة إلى العربية، والمعرفة العملية بمفاهيم التأمين وتطبيقاتها في فروع التأمين المختلفة. لم تكن هؤلاء النسوة شخصيات يؤدين مهام ذات
طبيعة روتينية بل كن مساهمات، مع زملائهن
ورؤسائهن، في التعامل مع قضايا معقدة في الاكتتاب وفي التعويض وفي
إدارة العمل التأميني في مختلف وجوهه. وهدى الصفواني خير مثال على ذلك كما يرد في كلمة
باقر المنشيء التي أشرنا إلى رابطها في أحد هوامش هذه الورقة.
القول بأن النقلة النوعية في مكانة النساء في قطاع التأمين
حصلت في أوائل ستينيات القرن الماضي، بعد تزايد عدد الخريجات الجامعيات، أطروحة
بحاجة للتحقيق رغم أن كلية التجارة والاقتصاد، أحد المصادر المهمة في توفير
الموظفات لشركات التأمين والمؤسسات الحكومية، تأسست في العام 1947 وتخرجت الدفعة
الأولى من خريجاتها في العام 1950 ــ 1951.[8] وسيمر وقت طويل قبل أن تشغل النساء موقع
عضو في مجالس إدارات شركات التأمين.
عملت المرأة العراقية في مختلف فروع التأمين وكان حضورها
كثيفاً في شركات التأمين العامة حتى ان البعض منهن كن يعملن في المجال الهندسي
الذي كان يتطلب المشاركة في إجراء الكشف الميداني على مواقع الأخطار والأضرار
المؤمن عليها. أذكر هذا لأن الصورة
النمطية عن المرأة هي انها تقوم بالوظائف الروتينية والمكتبية. كان ذلك قبل أن تجبر المرأة العراقية على تغيير
لباسها ضمن "الحملة الإيمانية" لـ "القائد الضرورة" ومن جاء
بعده.[9]
(3)
من
الصعب إجراء المقارنات بين عمل النساء في قطاع التأمين العراقي ونظيره في البلدان
العربية بسبب غياب البيانات للحكم على مكانتهن في العراق. وأجازف بالقول ان موضوع موقع المرأة في النشاط
التأميني لم يكتب عنه ولم يبحث حتى الوقت الحاضر.[10] ولا يكفي هنا ذكر الانطباع الشخصي بوجود تشابه
في الوضع بين العراق ومصر، على سبيل المثال.
ومن الصعب أيضاً، دون القيام بالبحث، معرفة الأصول الاجتماعية والطبقية
للنساء العاملات في القطاع، والدوافع وراء اختيار العمل في شركات التأمين. ونزعم أن دور المرأة في التأمين، في دول أخرى، لم
يحظى بدراسات مستقلة ولا يرد ذكره إلا من خلال إشارات عابرة. يذكر مؤلفا كتاب عن مصادر البحث التاريخي في
النشاط التأميني في بريطانيا أن شركات التأمين التي كانت تكتتب بوثائق التأمين
الصناعي على الحياة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لجأت إلى استخدام النساء
ككاتبات لإدخال بيانات الوثائق في بطاقات،[11] وهو عمل تفصيلي يحتاج
إلى الصبر والدقة.
كما أن المرأة لم تشغل
مواقع قيادية في شركات التأمين في الأسواق المتقدمة، بريطانيا على سبيل المثال،
إلا في فترة متأخرة كما نقلنا من كتاب في تعليق كتبناه سنة 2009. جاء في كتاب صدر في أوائل ثمانينيات القرن
الماضي: [12]
"قبل اثنتي عشر سنة لم تكن أية
امرأة عضواً في لويدز، ولم تطأ قدما سيدة قاعتها الاكتتابية The Room. واليوم هناك ما يقرب من
4,000 اسم نسائي Name [العضو
الاكتتابي المساهم في رأسمال النقابة الاكتتابية] في لويدز. وبدأت النساء بارتقاء جُل المواقع الوظيفية في
مجتمع لويدز. فهناك نساء عاملات كمساعدات
للمكتتبين يجلسن في المكتب الاكتتابي underwriting box [سمي المكتب بالإنجليزية بالصندوق box لصغر حجم المكاتب، وهي موجودة داخل القاعة الاكتتابية التي
يرتادها وسطاء التأمين المعتمدين من قبل لويدز للتفاوض مع المكتتبين وإبرام عقود
التأمين] وهناك سيدات يحتلن مواقع تنفيذية لدى شركات وساطة التأمين."
تغيرت الصورة في الأسواق المتقدمة مثلما تغيرت في العراق
إذ صارت المرأة تشغل عضوية مجالس الإدارة في بعض شركات التأمين ومنها شركة إعادة
التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية.
ورغم تزايد الثقل العددي للنساء في قطاع التأمين لم نشهد قيام تجمع خاص بهن
كما هو الحال في الأسواق المتقدمة حيث توجد جمعيات للنساء العاملات في مجال
التأمين والخدمات المالية. قبل سنتين قامت
إحدى المكاتب الحقوقية الأجنبية في دولة الإمارات العربية تأسيس جمعية للنساء
العاملات في التأمين. آمل ان تتحفز
العاملات في قطاع التأمين العراقي لتكوين جمعية لهن لتأكيد حضورهن المهني في
القطاع وتطوير مواقعهن من خلال رسم السياسات المناسبة.
وآمل أن يتحول موضوع دور المرأة في قطاع التأمين إلى
أطروحة بحث جامعي، وإن لم يتحقق هذا الأمل أتمنى على زملاء وزميلات المهنة في
العراق المساهمة بتعليقاتهم وإضافاتهم لوضع نواة أولية للمزيد من البحث. سأكون شاكراً لأية تصحيحات وإضافات لتوثيق
مكانة ودور المرأة في قطاع التأمين العراقي.
لندن
17 كانون الأول 2012
[2] أنظر: نيران نعمان ماهر السامرائي،
"عندما أتذكر هدى الصفواني،" وباقر المنشئ "كلمة وفاء للمرحومة هدى
الصفواني في ذكرى وفاتها الثالثة"، مرصد التأمين العراقي:
[3] كما أخبرتني السيدة إيمان عبدالله شياع في رسالتها المؤرخة
11/12/2012. خلود محمد سعيد تعمل في قسم
الطيران، شركة التأمين الوطنية.
[4] مبجل بابان، "لمحات عن نساء عراقيات رائدات في تاريخنا المعاصر"، الاتحاد
الديمقراطي العراقي، 19 ديسمبر 2009
وكذلك مبجل بابان "8
آذار يوم المرأة العالمي" الحوار المتمدن
أنظر أيضاً: ا .د . إبراهيم خليل العلاف، "المرأة العراقية ودورها في
بناء العراق المعاصر 1921-2003"
http://dr-ibrahim-al-allaf.com/details.php?id=261 دراسة مفصلة يسرد فيها قائمة من
اسماء النساء في مجال الشعر والفن الإسلامي والموسيقى والغناء والطب والصحافة
والقضاء والعمل الجامعي الأكاديمي واللغة وتنظيم الجمعيات والبحث التاريخي
وغيرها. لا نجد ذكراً في هذا الصنف لعمل
المرأة في قطاع التأمين.
[5] في زماننا، ومع إدخال الحاسوب
في أداء العمل صار الاعتماد على كتاب وكاتبات الطابعة أقل. صارت الموظفة والموظف مجبرة على تعلم استخدامات
الحاسوب،
ولم تعد المهارة محصورة بالعاملات في قسم الطابعة.
[6] هذه المعلومة من السيدة باسمة البحراني التي عملت لفترة قصيرة في
شركة التأمين الوطنية، فرع بغداد، وقد ذكرتها لي في حديث عابر معها في لندن بتاريخ
22 أيلول 2012..
[7] حصلت سعاد برنوطي في وقت لاحق على دكتوراه في ادارة الأعمال من
جامعة كاليفورنيا، لوس انجليس، وألفت وترجمت العديد من الكتب والدراسات ومنها
الكتاب المنهجي ادارة الموارد البشرية - إدارة الأفراد الذي يُدرّس في بعض
الجامعات العربية.
[9] في الفترة التي عملتُ فيها
في شركة التأمين الوطنية (1968-1977) لم أشهد موظفة كانت تغطي رأسها بأية
خرقة. الوحيدة التي كانت تغطي رأسها هي المرأة
المكافحة الأمية التي كانت تنظف المكاتب عند انتهاء الدوام الرسمي. وكان لباسها جزءاً من التقليد الشعبي القائم
وليس لباساً لما صار يعرف باللباس الشرعي المشكوك في أصوله. ربما كانت مثل هذه المرأة تكدح كي تستطيع
ابنتها إكمال تعليمها الجامعي، وهو ما أعرفه في حالات أخرى خارج شركة التأمين
الوطنية.
[10] لعل ورقة إيمان عبدالله شياع "واقع المرأة في شركة التأمين
الوطنية،" مجلة التأمين العراقي، 27 نيسان 2009، وقد
كتبتَها باقتراح مني، هي الورقة الوحيدة من نوعها. وتبعتها بورقة ثانية، "النصف
الآخر: دراسة أولية لدور المرأة في شركة
التأمين الوطنية" كلّفتُها بها لتكون فصلاً في كتاب عن شركة التأمين الوطنية
يكتب خصيصاً على شرف عبدالباقي رضا. لا
يزال الكتاب مشروعاً تبنته إدارة شركة التأمين الوطنية في تشرين الثاني 2011 لكن
المكلفين بكتابة فصوله لم يحركوا ساكناً باستثناء د. سليم الوردي وإيمان شياع!
[11] H A L Cockerell & Edwin Green, The British
Insurance Business: A Guide to its History & Records (Sheffield:
Sheffield Academic Press, 1994. First
edition 1976), p 69-70.
“Industrial life assurance required the services of tens of thousands of
agents who acted as canvassers and collectors.
In the early twentieth century as many as 80,000 were so employed all
over the country. The companies were
faced with the problems of processing very large volumes of data. In response, in 1872 the Prudential had begun
to employ women as clerks, following the earlier example of the Post
Office. The Prudential at the time
issued up to 20,000 policies each week, as a new policy was required whenever a
policyholder decided or persuaded to pay more in weekly or monthly premiums...
Each policy was entered on a handwritten card.”
Godfrey Hodgson, Lloyd’s of London: a reputation at risk (Harmandsworth: Penguin Books,
1984) p 128.