في استذكار مروان هاشم القصاب
فؤاد شمقار
قام زميلنا مصباح كمال بتجميع أوراق وتعليقات المرحوم مروان هاشم المنشورة في مجلة التأمين العراقي في كتاب إلكتروني (PDF) بعنوان مقالات في التأمين وإعادة التأمين في العراق (أيار 2011). وذكر في كلمات التقديم بأن الذين يفكرون ويكتبون عن الشأن التأميني وتعقيداته هم القلّة. ولكن، ومع الأسف، فإن من يقرأون ما يكتب بهذا الشأن هم الأكثر قلّة وإلا أين هي التعليقات على تلك الكتابات أو المساهمات في النقد والمشاركة في إبداء الرأي مؤيداً أو منتقداً؟ وأقولها صراحة قد أكون أنا شخصياً واحداً من هؤلاء. ولا أجد حرجاً حينما أقول بأني ومع شديد الأسف لم أطلع في حينه على جميع ما كتبه زميلنا المرحوم مروان هاشم رحمه الله في التأمين وإعادة التأمين ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم معرفتي باستخدام الحاسوب. ولعل تجديد تعارفنا الإلكتروني مع زملائي كان السبب في قراءة بعض المدونات في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي.
لقد كان زميلنا مصباح وفياً وصادقاً مع زميلٍ رحلَ عنا كان همّه الأول خدمة قطاع التأمين بإخلاص من منطلق المحافظة على شرف المهنة وحبها. وأنا من جانبي أقدر وأكبر تقدير مصباح لمساهماته واحترامه لذكراه من خلال تجميع أوراقه وتعليقاته. فبارك الله له وجهده في احترام وتقدير جهد الآخرين. وما أتمناه هو أن يهتدي الغير بمصباح في أسلوب التعامل مع مثل هذه المواضع وأن يكون مُقدراً للمواقف خدمه لصالح قطاع التأمين في العراق.
إن الأيام تمر بنا ونحن نمر بها كالسحاب، ونمر أحياناً ببعض الأشخاص فنلقي عليهم تحيات المجاملة المعتادة، ولكن لا نقترب منهم لمسافة تجعلنا نعرفهم حق المعرفة. وتبقى معرفتنا بهم لذلك سطحيه، وتبقى لهم في أذهاننا صوراً نكونها من خلال معرفتنا البسيطة. وفجأة تأتي يد المنون لتخطف أحداً منهم لنكتشف أبعاداً في للإنسان الراحل لم تكن تخطر على بالنا. لقد كانت معرفتي وعلاقتي بالمرحوم مروان معرفه وعلاقة صداقه عمل في مؤسسه واحده، ولم أتعرف عليه كما تعرفت الآن بعدما انبرى صديق من بين الأصدقاء، الذي صداقته مع مروان لم تكن أكثر من صداقة مهنه سماها "صداقة إلكترونية" إذ أنه لم يلتقي به أبداً، لتسليط الضوء على الحقائق، والتعريف بما خفي وعلم، وذلك بإعطاء من اختطفه الموت بيننا حقه في بيان سيرته التي كنا نجهل قسماً كبيراً منها. هذا ما حصل مع المرحوم مروان حيث عرفته لسنوات خلت قبل تركه الوظيفة في شركة التأمين الوطنية وبقاءه لمدة ليست بالقليلة خارج الوظيفة، ومن ثم بعد أن عاد مجدداً إلى الخدمة في الشركة وفي نفس القسم الذي كان يعمل فيه، وهو قسم إعادة التأمين، والذي لم يحصل فيه على موقعه الحقيقي كما كان يجب.
إن قيام زميلنا مصباح بنشر ما كتبه السيد مروان من مقالات، تلك التي ضمنها أفكاره وبعضاً من علمه وخبرته، وأقول علمه بدون تردد، تتضمن أول ما تتضمن ملكة الكتابة، وهي صادره عن رجل صاحب فكر وعلم وخبره تراكمت على مر الأيام. وهو واع ومدرك لكل كلمه يكتبها ويقولها بكل جراءة وصراحة ووعي وكأنه أكاديمي متمرس، غيور على المصلحة العامة، ومهتم بقطاعٍ يعد واحداً من القطاعات الاقتصادية المهمة في الوطن.
إذ كنا نتفق معه في أغلب ما كتبه ونختلف معه في القليل منه، لكننا لا يسعنا إلا أن نفهم دافع الوطنية الصادقة لكل ما كتب. وإزاء هذا الحال لا يمكننا إلا أن نقول بأننا حقاً خسرنا شخصاً واعياً وحصيفاً، كنا نتمنى أن نعرفه عن قرب. كان، لو ظلَّ بيننا، سيثري هذه المواضيع بحثاً ودراسة لو لم تمتد يد المنون إليه. رحم الله مروان وأسكنه فسيح جناته وعزاؤنا لذويه ولأصدقائه ولكل معارفه.
كنت أتمنى أن يكرم مروان وأمثاله حال حياتهم، ولكن يظهر بأنه يجب أن تخطفنا يد المنون قبل أن يعرفنا الآخرين، والله أعلم هل سيعرفوننا كما كان ينبغي؟ وهل نكرم أم لا؟ أسئلة يبقى الجواب عليها للأيام التي تمر بنا كالسحاب.
لعله من الوفاء بمكان ليس للمرحوم مروان ولكن لكل ما يمثله من التواضع العلمي وحب المعرفة ومنهجيه البحث، أن نتابع بتمحيص وبحث كل ما يتعلق بالشأن التأميني، لندفع به إلى الأمام، وتطويره نحو الأفضل، وأن لا يدعي أحداً منا، كما لم يدعي مروان نفسه، بأنه يملك كل خيوط المعرفة، فالعمل التأميني ليس فردياً بل عمل فريق متجانس منسجم واع، يعزف كل منا اللحن السليم الذي لا يشذ عن مجمل المقطوعة لتستكمل السيمفونية الرائعة من خلال التفاهم والتناغم والأداء المتميز. كل منا يقوم بواجبه، ويدلي بدلوه، ورائدنا جميعاً خدمة مصالح المؤمن لهم والمهنة والقطاع والوطن.
وأخيراً لا يسعني إلا أن أقدم شكري الجزيل وامتناني الكبير إلى الأخ العزيز مصباح والذي بات يتحفنا باستمرار باهتماماته بقطاع التأمين والعاملين فيه، وبكل من مروا على الدرب الطويل كما تمر بنا الأيام. جزاه الله عنا كل الخير، وله كل الحب والتقدير والاحترام. ومن جانبي أنا، وبغية عدم تناثر الأوراق التي كتبها المرحوم مروان هاشم القصاب بين ثنايا النسيان وتبعثرها هنا وهناك فقد قمت بتجليد أربعة نسخ من كتابه مقالات في التأمين وإعادة التأمين في العراق وأودعتها في مكتبة الشركة لتبقى مرجعاً للأجيال القادمة.
مع اعتزازنا بمصباح وبكل من يعمل من أجل رفعة مكانة التأمين في وعينا وفي حياتنا.
هه ولير 28/5/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق