إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/02/07

Iraq Insurance Co - an outsider director general

هل أن شركة التأمين العراقية بحاجة إلى مدير عام من خارج قطاع التأمين؟


مصباح كمال


نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


مدير عام جديد لشركة التأمين العراقية العامة؟

قرأت هذا اليوم الخبر التالي:

موظفو دائرة تابعة لوزارة المالية يطردون مديرهم العام في أول يوم له بالمنصب

4 شباط 2020
بغداد اليوم-بغداد

أقدم عدد من موظفي شركة التأمين العراقية، التابعة لوزارة المالية، على طرد مديرهم العام المكلف حديثا، رشاد الدايني، في أول يوم له.

وحصلت (بغداد اليوم)، على شريط يوثق طرد موظفي شركة التأمين العراقية، لمديرهم العام المكلف حديثاً، رشاد الدايني، ومنعه من الدخول إلى البناية.

وقال مصدر لـ(بغداد اليوم)، إن "طرد الموظفين للمدير الجديد، ومنعه عن استلام مهامه، جاء بسبب تهم وملفات فساد متعلقة به". وأشار الى ان "الدايني سبق وأن تم طرده، من قبل موظفي مصرف الرشيد قبل عدة أيام للسبب ذاته."[1]

لقد كان المجتمع التأميني في بغداد يتداول خبراً غير مؤكد في تشرين الأول 2019 حول تعيين د. رشاد الدايني مديراً عاماً لشركة التأمين العراقية بالأصالة على خلفية اتهامات الفساد التي كانت توجّه له أثناء إدارته لمصرف الرشيد وإيجاد موقع ملائم له.  ويبدو أن استمراره في إدارة المصرف لم يعد ممكناً فاختارت له الطبقة السياسية أن يكون مديراً عاماً بالأصالة لشركة التأمين العراقية العامة إذ أنها فشلت في إيجاد موقع آخر له.

ولكن لماذا شركة التأمين العراقية وهي المعروفة منذ تأسيسها في بغداد في 14 تشرين الأول 1959 أن مدراءها هم من أصحاب الدراية بالتأمين.  ولفائدة القارئ أعرض أسماء المدراء، وهم من داخل قطاع التأمين.

ت
الاسم
تاريخ إشغال الموقع
1
كاظم الشربتي
15/7/1964 – 10/8/1965
2
ممتاز العمري
11/8/1965 – 7/5/1972
3
بديع أحمد السيفي
8/5/1972 – 3/3/1978
4
مجيد أحمد الياسين
4/3/1978 – 31/7/1978
5
مدحت الجراح
1/8/1978 – 21/5/1982
6
عبد الخالق رؤوف خليل
22/5/1982 – 28/10/1998
7
سالم يوحنا يوسف
29/10/1998 – 31/1/1999
8
طارق خليل إبراهيم
1/2/1999 – 30/9/2001
9
وليد خليل النعيمي[2]
1/10/2001 – 30/6/2003
10
صادق عبد الرحمن حسين
1/7/2003 – 9/1/2004
11
باسم مهدي صالح
10/1/2004 – 1/1/2007
12
صادق عبد الرحمن حسين
24/1/2007 – آب 2015
13
عباس شهيد
آب 2015 مدير عام وكالة.  أحيل على التقاعد بتاريخ 15 حزيران 2016
14
هيفاء شمعون عيسى
23 حزيران 2016 مدير عام وكالة.  عينت أيضاً بموجب الأمر الوزاري رقم 3 الصادر من وزارة المالية بتاريخ 20 آذار 2017 مديراً عاماً وكالة لشركة التأمين الوطنية
15
فائزة سلمان
عينت في تشرين الأول 2019 لتمشية الأعمال.  تشغل منصب مدير القسم المالي
16
رشاد خضير وحيد الدايني
شباط 2020. منع من دخول الشركة لبدء عمله يوم 4 شباط من قبل منتسبي الشركة

موقف منتسبي شركة التأمين العراقية من تعيين رشاد الدايني مديراً عاماً للشركة: تأملات

إن موقف موظفي وموظفات شركة التأمين العراقية يدل على شجاعة غير مسبوقة في مواجهة قرار وزارة المالية لتعيين من ينظرون إليه كفاسد.  ما يدعو إلى التساؤل والقلق هو سكوت هيئة النزاهة والادعاء العام والحكومة عموماً بما فيها وزارة المالية عن التحقيق بتهم الفساد الموجهة لرشاد الدايني (وغيره) كي تتبين الحقيقة.  لكن هذا السكوت ليس بغريب إذ أن العديد من ملفات الفساد تم تسويفها أو لم يتم فتحها بالرغم من الوعود المتكررة من قبل رؤوس السلطة المتعاقبين.

الفساد، المالي والإداري، مشكلة سياسية-اقتصادية لها آثارها السيئة على التطور الاقتصادي والنسيج الاجتماعي وعلى معنويات العاملات والعاملين في المؤسسات الرسمية.  لكنه صار صفة مميزة للطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003.  ويمثل تعيين رشاد خضير وحيد الدايني لإدارة مصرف الرشيد وخروجه أو طرده كما جاء في الخبر أو إقالته، ومن ثم تعيينه مديراً عاماً لشركة التأمين العراقية مثالاً لدوران النخب الفاسدة أو المتهمة بالفساد.

آمل أن تكون رسالة العاملين والعاملات في شركة التأمين العراقية تنبيهاً وتحذيراً لوزارة المالية ولرئيس الوزراء والطبقة السياسية ألّا تستهين بشركات التأمين العامة وكأنها دكاكين يمكن أن تتصرف في إدارتها كما تشاء وليس كمؤسسات لها تاريخها الطويل ودورها في بناء قطاع التأمين العراقي ورفد خزينة الدولة والمساهمة في الاستثمار العيني.  وآمل أن لا تتجه الحكومة لتعيين رشاد الدايني مديراً عاماً لشركة إعادة التأمين العراقية (الشركة بدون مدير عام منذ فترة)، آتياً من خارج قطاع التأمين.  لو جرى مثل هذا التعيين فإن الموقف المطلوب ربما يكون هو ذاك الذي اتخذه العاملون والعاملات في شركة التأمين العراقية، خاصة وأن الشركة عانت من إدارات سابقة لا علاقة لها بالتأمين ولم تعمل على تطوير الشركة.

لم يشهد تاريخ التأمين العراقي احتجاجاً ورفضاً لتعيين مدير عام لشركة تأمين عامة كالذي شوهد بالتوثيق أمام بناية شركة التأمين العراقية العامة.  ترى هل أن مثل هذا الرفض كان ممكنا في غياب حركة الاحتجاج على نظام ما بعد 2003؟  لقد كسرت حركة الاحتجاج الحالية حاجز الخوف من "الدولة العميقة" ومن العسف المليشاوي وأركان الفساد.  وفقدت الطبقة السياسية الطائفية الإثنية احترام المواطنين لها لفسادها ولفشلها في إدارة وتنمية الاقتصاد العراقي.

يحمل رشاد خضير وحيد الدايني شهادة ماجستير (2010، جامعة الشرق الأوسط، عمّان) وشهادة دكتوراه (2013، جامعة النيلين، الخرطوم) تتعلقان بجوانب من العمل المصرفي، ومع ذلك فإن الشهادة الأكاديمية لم تشفع له في البقاء في منصبه في مصرف الرشيد أو تقلد موقعه الجديد في شركة التأمين العراقية.  لم يعد العاملات والعاملون في المؤسسات العامة يقيمون وزناً للشهادات الأكاديمية إذا كان أصحابها متهمون من قبل المنتسبين بالفساد الإداري أو المالي.  يبدو أن رشاد الدايني مثال على ذلك، حسب ما يرد في الأخبار.[3]  ويبدو أن الدفاع[4] عنه لم ينجح أو يلقَ قبولاً من المحتجين ضده في مصرف الرشيد وشركة التأمين العراقية.  لتبرئة ساحته فإن تحقيقاً مستقلاً ضروري إنصافاً له، وخلاف ذلك فإن إلصاق التهمة به سيظل قائماً يلاحقه أينما حلَّ.

لقد عانت شركات التأمين العامة من التدخل السياسي في بعض شؤونها.  وقد كتبت بهذا الشأن بعض المقالات.  أقتبس هنا بعض ما كتبته:

"هذه الشركات تبدو في الظاهر مستقلة في إدارة كل شؤونها إلا أن ما ينتقص من هذه الاستقلالية أنها كانت، ومنذ أواخر سبعينات القرن العشرين ولا تزال خاصة بعد سقوط الدكتاتورية في 9 نيسان 2003، عرضة لتكون أوعية لاستخدام عناصر ذو توجه سياسي معين في كادرها الوظيفي، وأداة لامتصاص البطالة بين خريجي الجامعات وعلى أسس غير فنية (حزبية وطائفية وعشائرية)، أحياناً، وتعمل بموجب قواعد للاستخدام والترقية تفتقر إلى المحفزات وتكبح الطموح والإبداع وتعظيم كفاءة الأداء ولا تعتمد على مبدأ الثواب والعقاب والشفافية والمحاسبة.  لربما تلحق هذه الملاحظة حيفاً ببعض العاملين في الشركات وهو ما لا نقصده فنحن نعرف أن المؤهلات الفنية والحرفية للعديد منهم كانت رفيعة وهم الذين ساهموا في إبقاء النشاط التأميني حياً أثناء السنوات الصعبة وهم الذين رفدوا شركات التأمين الخاصة بالعديد من الكوادر وما زال البعض مثابراً في العمل وفي إحياء النشاط التأميني رغم المعاناة الطويلة التي كانت تسم حياتهم."[5]

بودي أن أختم بإثارة سؤال لا أعرف جوابه: هل أن رفض تعيين مدير عام لشركة عامة يؤشر على تطور جديد في التفكير الإداري؟  أعني بذلك بوادر نشوء نظام إداري ديمقراطي حيث يكون للعاملات والعاملين دور رئيس في اختيار المدير؟  أما آن الأوان لاختيار مدير من داخل شركة التأمين العراقية العامة وانهاء المحاصصة الحزبية وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب؟


4-5 شباط 2020


[2] لست متأكداً من الخلفية التأمينية للدكتور وليد خليل النعيمي.
[3] قرأنا الآتي في أحد المواقع:

العشرات من الموظفين التابعين لمصرف الرشيد خرجوا بتظاهرة امام مبنى الادارة العامة للبنك المركزي في منطقة الشورجة وسط بغداد. مطالبين بضرورة ابعاد مدير المصرف بسبب تهم الفساد الموجهة اليه.

ناهيك عن تعامله بمبدأ الرشوة والمحسوبية بتمرير المعاملات اليومية التي تخص الموظفين والمراجعين على حد قولهم.

وفي خضم الحديث عن تهم الفساد كشف بعض المتظاهرين عن وثائق صادرة من هيأة النزاهة في وقت سابق تشدد على عدم تولي رشاد الدايني اي منصب. الا ان هنالك بعض الاحزاب هي التي عملت على تنصيبه مديرا لمصرف الرشيد.. رغم وجود شخصيات كفوءة قادرة على ادارة المصرف بالشكل الذي يرضي جميع الاطراف وفق المحتجين

ولوح المتظاهرون بتصعيد موقفهم واستمرارهم بالتظاهرات امام مبنى ادارة البنك المركزي في حال عدم استجابة الجهات المعنية بما طالبوا به بابعاد كل شخص متهم بالفساد من المؤسسات الحكومية وخصوصا في وزارة المالية.

[4] أنظر ما ورد في هذا الموقع:
حراك “مريب” ضد مدير الرشيد: كيف يتهم بـ”سوء الادارة” بعد يوم من تنصيبه.. وما علاقة شركة “كي كارد”؟

[5] مصباح كمال، "نظرة سريعة على بعض قضايا شركات التأمين العامة في العراق - ورقة استهلالية للنقاش" لندن، آب 2006.  [لا أتذكر مكان النشر.  نص المقالة متوفر عندي لم يرغب بقراءته]

مصباح كمال، "حول تعيين مدراء شركات التأمين العراقية العامة،" نشرت في الحوار، مجلة معهد التقدم للسياسات الإنمائية، بغداد، 2007.

مصباح كمال، "آثار إعادة المفصول السياسي إلى وظيفته في شركات التأمين،" مجلة التأمين العراقي

2020/01/06

Insurance & Arabic Language


ملاحظات سريعة حول التأمين واللغة العربية
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية

مصباح كمال 


نشرت أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:



يحتفي المتحدثون باللغة العربية في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر كل سنة باليوم العالمي للغة العربية، وبأشكال مختلفة كالتغني بصوتها وجمال حروفها في الماضي والحاضر ومكانة شكل الحرف العربي في الزخرفة وفن الرسم، وكذلك إسهامها في الحضارة البشرية تأليفاً وترجمة.  وقبل ذلك وفي 30 أيلول/سبتمبر تم الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة.  لم أقرأ شيئاً حول هاتين المناسبتين من منظور التأمين.

لقد كان للغة العربية دوراً حضارياً مهماً في العصور الوسطى من خلال المؤلفات الموضوعة باللغة العربية ونقل المعارف اليونانية القديمة ومعارف شعوب أخرى في مجالات شتى إلى اللغة العربية ومن ثم نقلها إلى لغات أجنبية، ساهمت بدورها في النهضة الأوربية.  لم يكن التأمين من بين هذه المعارف.  وستمضي عدة قرون قبل أن يدخل الـتأمين إلى العالم العربي من خلال الاحتلال والاستعمار الأجنبي ودخول الشركات الأجنبية، ومن بينها فروع ووكالات شركات التأمين.

هناك تأثر وتأثير، قد يكون مدمراً، بين اللغات ينشأ بفضل تطورات وأحداث تاريخية، بعضها ارتبط بالحروب وبعضها الآخر بالكولونيالية الاستيطانية، والهجرات، والتجارة وبتركيبات إيديولوجية ودينية وغيرها.  على سبيل المثل، انحسار لغات الشعوب الأصلية في استراليا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية.  وقبل ذلك حصل ذات الشيء مع الفتوحات الإسلامية للأقاليم المجاورة للجزيرة العربية حيث طغت اللغة العربية على غيرها.  وفي تاريخ أسبق، تدهور حضارة وادي الرافدين وانحسار ومن ثم اختفاء اللغة السومرية والأكدية ... الخ.


أذكر أنني عندما بدأت العمل في شركة التأمين الوطنية في بغداد (1968) تعلمت فيها مبادئ التأمين باللغة العربية.  وكان أول كتاب أقرأه في موضوع التأمين مترجماً من اللغة الإنجليزية[1] استفدت منه كثيراً.  واستمر اهتمامي بقراءة الكتابات التأمينية باللغة العربية منذ ذلك الوقت رغم أني قرأت غيرها بالإنجليزية أيضاً.  لم يكن موضوع التأمين صعباً وشائكاً لعرضه باللغة العربية.  لقد تعرّف أجيال من ممارسي التأمين على موضوعه باللغة العربية قبل أن يتوسع البعض، وفيما بعد الكثير منهم لمتابعته ودراسته بلغات أجنبية ومنها الإنجليزية.

قد يثار سؤال: هل كان استخدام اللغة العربية عائقاً أمام تطور نشاط التأمين في العالم العربي؟  لقد نشأ التأمين بصيغته التجارية أجنبياً لكن ذلك لم يمنع التعريف البسيط به أولاً منذ أربعينيات القرن التاسع عشر عندما نشر رفاعة رافع الطهطاوي كتابه تخليص الابريز في تلخيص باريز سنة 1834 وقبل ذلك افتاء ابن عابدين بعدم جواز التأمين؛ ثم التعامل معه وتطبيقه باللغة العربية في العقود الأولى من القرن العشرين وخاصة في مصر.

ورغم الأصول الأجنبية للتأمين فقد ترجم وتعرّب تدريجياً، وخاصة في مجال التعاقد القانوني والقواعد القانونية المنظمة لعمل شركات التأمين والخدمات الساندة كالوساطة وتسوية الخسائر إضافة إلى ترجمة نصوص وثائق التأمين.  وباستثناء بعض الدول العربية فإن لغة التأمين المعتمدة هي العربية سواء في التعامل مع جمهور المؤمن لهم أو التقاضي أمام المحاكم.

مشروع بحث لدراسة تاريخ ترجمة التأمين

ليست هناك، بقدْر ما نعرف، دراسة عن تاريخ بدء ترجمة وثائق التأمين الموضوعة باللغات الأجنبية، الإنجليزية والفرنسية، إلى اللغة العربية.  وإذا كان هذا صحيحاً فإنه موضوع يستحق البحث.  يمكن التكهن بأن المحاولات الأولى للترجمة جرت في أعقاب نيل البلدان العربية لاستقلالها من الاستعمار والسيطرة البريطانية والفرنسية.  ونزعم أن ستينيات القرن العشرين شهدت حركة ترجمة واسعة لوثائق التأمين الأجنبية.

وقد كان للاتحاد العام العربي للتأمين دور مهم في ترجمة/صياغة بعض وثائق التأمين إلى اللغة العربية وبلغة خالية من التعقيد إلى حد كبير، نذكر منها الآتي:

§     وثيقة الحريق العربية الموحدة (1975)
§     وثيقة التأمين من السرقة (1975؟)
§     الشروط العمومية الموحدة لوثيقة تأمين حياة الأفراد بالأقطار العربية (1995)
§     الشروط العربية الموحدة لوثيقة تأمين الحياة الفردية (1995)
§     الدليل الإرشادي لمساعدة المؤمن لهم في التعاقد على وثائق التأمين البحري "بضائع" (2009)
§     الشروط الأساسية لوثيقة التأمين المختلط الجماعي (2009)
§     وثيقة تأمين جميع أخطار المقاولين
§     وثيقة تأمين جميع أخطار التركيب

ربما هناك وثائق أخرى قام الاتحاد بوضعها أو ترجمتها أتمنى ممن له علم بها بتعريف القراء بها.

إن شركات التأمين في بعض الدول العربية، قطر على سبيل المثل، ملزمة بتوفير نصوص وثائقها باللغة العربية وخلاف ذلك فإنها تتعرض للغرامة.

التأمين في المعاجم اللغوية المختصة

من المفارقات أن بعض مصطلحات التأمين الإنجليزية ربما تعود أصولها إلى اللغة العربية رغم أن التأمين بصيغته التجارية الرأسمالية، كمفهوم وكممارسة، لم يكن معروفاً في العالم العربي حتى أوائل القرن التاسع عشر عندما كتب ابن عابدين (1784-1836) رد المحتار على الدر المختار وأورد فيه حكماً بعدم جواز التأمين [البحري].[2]  من بين هذه المصطلحات: العوار[3] average والعوارية العمومية general average، والخطر hazard[4] أو risk[5].  لو صحت الاستعارة أو الاشتقاق من اللغة العربية فإن ذلك لا يعني أن الاستعمالات العربية كانت تتعلق بنشاط تأميني.  وحتى أن الاستعارة ذاتها قابلة للنقاش.[6]

لا يستخدم مؤلف هذا المعجم كلمة "عوار" مقابل average ويترجمها "مُعيّر"، وفي شرحها يقول بأنه "مشتق من عيّر، عاور، عوّر المكاييل: قدّرَها ونظرَ ما بينها. معار (الفرس السمين المُضمّر)، تعاوروه: تداولوه، عوّر الغنم: عَرّضها للضياع."  كما أنه لا يذكر "العوارية" وهي الخسارة المعروفة في التأمين البحري وأقدم أنواعها حضوراً في الكتابات الأجنبية القديمة هي الخسارة العمومية.  وهذه الأخيرة هي خسارة عمدية يراد من تكبدها إنقاذ عناصر المخاطرة البحرية من الهلاك الكلي، كإلقاء جزء من شحنة السفينة في البحر لتخفيف الحمولة والتقليل من احتمال غرق السفينة وما فيها وعليها، أي التضحية بأحد عناصر المخاطرة البحرية من أجل إنقاذ المصالح الأخرى.[7]

ولا ترد كلمة "عوار" في المعجم الاقتصادي الإسلامي للدكتور أحمد الشرباصي (دار الجيل، 1981)، لكنه يذكر كلمة "العِير – بكسر العين – هي القافلة فيها التجارة." ص 309.

إن عدم ربط الكلمة باستعمالها التأميني يشير إلى غياب التأمين في تفكير من هم خارج مجال النشاط التأميني.  ونلاحظ ذلك أيضاً في شرح مصطلحي hazard و risk حيث يورد معجم الفردوس كلمة "مخاطرة" مقابل risk، وفي التعريف: "لفظ مُشتق من رِزق: كل ما يعطى للإنسان من الله سواء كان ربحاً أو خسارةً، خيراً أو سوءاً." (ص 514).  إقحام فهم ديني ضيق لتعريف المخاطرة أو المخاطرة يلغي فائدته لأغراض التأمين.

وهذا يذكّرني بموقف الكنيسة المسيحية في القرون الوسطى تجاه الأحداث العشوائية التي كانت الكنيسة تنظر إليها كنتائج للإرادة الإلهية، ولذلك فدراسة احتمال وقوعها وإخضاعها للتأمين تصبح غير ممكنة.[8]  ويذكرني أيضاً بمصطلح آخر كان يرد في وثائق التأمين الهندسي (وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين ووثيقة تأمين كافة أخطار النصب أو التركيب في ترجمات أخرى) وهو Acts of God وترجمتها الحرفية هي "أفعال الله."  لكن هذه الترجمة الحرفية لم تعتمد لهذه الوثائق، واجتهد المترجم المجهول للمصطلح ليكون المقابل العربي "أخطار القوة القاهرة،" وهي الأخطار الخارجة عن إرادة الإنسان كالزلازل والفيضانات والعواصف وغيرها من أخطار الطبيعة.  وقد تمّ التخلي عن مصطلح Acts of God في الوثائق الإنجليزية واستبدلت بمصطلح Major Perils لإبعاد الله من شبهة التسبب بالأضرار والخسائر للبشر والحجر.

إن التأمين كغيره من النشاطات الاقتصادية في تطور مستمر يعكس ويواكب التغير في قطاعات الاقتصاد الأخرى وفي العلاقات القانونية والمصادر الجديدة للخطر وغيرها.  وقد حاول العديد من الكتاب ملاحقة هذا التطور وتقريبه من أذهان ممارسي التأمين العرب من خلال وضع معاجم لمصطلحات التأمين باللغتين الإنجليزية والعربية.  كان البعض يكتفي بوضع المفردة الأجنبية مع ما يقابلها باللغة العربية[9]، والبعض الآخر زاد على ذلك بتقديم شرح باللغة العربية لمعنى المصطلح.[10]  لقد ساهمت هذه المعاجم وغيرها، وكذلك العديد من كتب التأمين العربية التي ضمت في متونها المصطلحات باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية،[11] في استقرار لغة التأمين العربية.  وجاء ذلك بفضل جهود فردية تستحق التقدير.

لكننا لا نعدم أن نجد تبايناً في المصطلح العربي بين ممارسي التأمين مثلما نلاحظه فيما ينشر في المطبوعات الورقية وفي الإنترنت.  على سبيل المثل، البوليصة وهي كلمة معرَّبة تقابل وثيقة التأمين، التحمُّل (الخسارة المهدرة أو الفرنشيزة أو الاستقطاع)، وفي الماضي السيكورتاه أو السيغورتا أو السوكرة وهي كلمات معرَّبة تعني التأمين كما في قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) العثماني لسنة 1905 (هكذا يرد عنوان القانون في الأصل).  وربما يرجع أصل الكلمة إلى الإيطالية كما عرضته في دراسة لهذا القانون.[12]  لكن هذا التباين لم يكن حجر عثرة أمام الفهم المشترك بين العاملين في قطاع التأمين العربي.

مستقبل التأمين باللغة العربية

لا أرى أن هناك جهداً منظماً لتعريب لغة التأمين، وما قام به الاتحاد العام العربي للتأمين بحاجة إلى إكمال، وكذلك ما تقوم به معظم أسواق التأمين العربية.  على سبيل المثل، ما قامت به هيئة التأمين في دولة الإمارات العربية المتحدة بإلزام شركات التأمين بإصدار وثائق التأمين باللغة العربية.  كان ذلك سنة 2018 لكنها استثنت سنة 2019 بعض وثائق التأمين من شرط تحريرها باللغة العربية وهي: وثائق التأمين على أجسام السفن، وآلاتها، ومهماتها، وتأمين المسؤوليات المتعلقة بها، ووثائق التأمين على أجسام الطائرات، وما في حكمها وآلاتها ومهماتها، وتأمين المسؤوليات المتعلقة بها.، ووثائق التأمين على الأقمار الصناعية والمناطيد والمركبات الفضائية وآلاتها ومهماتها، وتأمين المسؤوليات المتعلقة بها، وتأمينات البترول، وتشمل جميع التأمينات التي تعتبر عادة ضمن تأمينات البترول، ووثائق التأمين ذات الطابع الدولي والتي يستدعي الأمر أن تكون باللغة الإنجليزية.[13]

إن الجمع بين اللغتين العربية والإنجليزية يجد حضوره في بعض وثائق التأمين التي تصدرها شركات تأمين أجنبية تعمل في الإمارات، إذ يرد في فصل التعريفات لوثيقة لتأمين الحوادث الشخصية التنبيه التالي:

تحمل بعض الكلمات معاني محددة عند ظهورها في هذه الوثيقة.  تظهر هذه الكلمات أدناه أو في القسم الذي تنطبق عليه، وقد تمت كتابتها بحروف بارزة.  أي كلمة لا تظهر في قسم التعريفات سوف تتبع تعريفها باللغة الإنجليزية.[14]

وكانت العديد من أسواق التأمين العربية، لبنان على سبيل المثل، تصدر وثائق تأمين ثنائية اللغة إنجليزية-عربية أو عربية-فرنسية.

لا يمكن أن تترسخ العربية لغة للتأمين في أجواء تعتبر اللغة العربية متخلفة، وتفضيل التحدث بالإنجليزية والمباهاة بها، كما في الإمارات وغيرها، وتكريس تدريس اللغة الإنجليزية، ليس كلغة ثانية بل اللغة الأساس في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية الخاصة.  وهذا بالطبع له آثاره على مجالات أخرى في الحياة العامة.

ومن الملاحظ أن معظم دور النشر العربية ليست مهتمة بالتأمين وما يعرض عليها من كتب التأمين المترجمة أو الموضوعة باللغة العربية مصيرها الرفض المؤدب لأن هذه الكتب ليست ناجحة تجارياً.  ومن الملاحظ أيضاً أن مؤسسة معنية بالترجمة وأعني المنظمة العربية للترجمة (تأسست في بيروت سنة 2000) لم تقم حتى الآن، حسب علمي، بترجمة كتاب تأميني إنجليزي أو فرنسي.

إن الترجمات التأمينية التي تنشر هي من ثمرات جهود شخصية كالتي يقوم بها زميلي تيسير التريكي، وهذه الجهود مستمرة.

إن لغة التأمين العربية تثرى باستمرار بفضل ترجمة الكتب التأمينية، والصحافة المكرسة للتأمين فهناك أكثر من مجلة عربية مختصة بالتأمين تصدر في بيروت وتوزع في البلدان العربية، وهناك كذلك بعض المواقع الإلكترونية باللغة العربية مكرسة للتأمين.[15]  هذا إضافة إلى المجلة الفصلية التأمين العربي التي تصدرها الأمانة العامة للاتحاد العام لشركات التأمين، مقرها في القاهرة.

قرأت لأحد علماء النفس العراقيين، د. قاسم حسين صالح، "أن البلدان التي نجحت في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، تم لها ذلك باعتماد لغتها القومية، ولك أن تستشهد بكوريا الجنوبية، فضلاً عن الصين واليابان.  فلقد كانت كوريا من أفقر دول العالم فيما تعدّ الآن سابع دولة صناعياً."[16]

كتبت في مكان آخر أن "تعزيز المعرفة التأمينية بحاجة إلى تحديث كتب التأمين المتوفرة باللغة العربية أو تأليف الجديد منها، وترجمة كتب ودراسات تأمينية موضوعة باللغات الأجنبية." وأشرت إلى مشروع ترجمة الكتب التأمينية لزميلي تيسير التريكي الذي تعاونت معه في ترجمة ومراجعة بعض الكتب التأمينية منذ أواسط ثمانينيات القرن المنصرم.  وآمل أن تنشط حركة الترجمة في مجال التأمين.

عرف عن اللغة العربية قدرتها على تعريب المفردات الأجنبية في مختلف فروع المعرفة.  وقد ذكرنا كمثل السيكورتاه والبوليصة، وفي زماننا التسونامي والسيبرانية.  وربما يكون تعريب المستجدات، في حال صعوبة صياغة مقابل عربي، هو الطريق السهل لإغناء لغة التأمين وإدامة التواصل مع التطورات التأمينية في العالم.

تمني شخصي

آمل أن يقوم زملاء المهنة في العراق والبلاد العربية الأخرى برفد موضوع لغة التأمين العربية بكتاباتهم، وكذلك وارتباطاً بها إعادة النظر في نصوص وثائق التأمين.  إن إعادة النظر هذه ضرورية للتخلص من الأخطاء المطبعية، وسلامة التنقيط، وإبراز الشروط المُسْقِطة لحق المؤمن له أو إبراز الشروط التي يفرضها القانون كشرط التحكيم الذي ينص القانون المدني العراقي، مثلاً، على إبرازه بصيغة واضحة.  والمراجعة ضرورية أيضاً للتخلص من اللغة غير الواضحة التي دخلت في النص من خلال الترجمة الضعيفة.


أود التنبيه إلى أن الآراء الواردة هنا فيها الكثير من التعميم الذي يحتاج إلى تمحيص وتعديل.  إن ما دفعني إلى عرضها المبتور هو إثارة النقاش وخاصة من قبل من لهم معرفة أفضل باللغة العربية وبتاريخ التأمين في العالم العربي.

18-23 كانون الأول 2019




[1] و. ا. دنسديل، مبادئ التأمين (القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1965)، سلسلة الأف كتاب، ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الأنصاري، مراجعة الدكتور يحيى عويس.
[2] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 158-160: فصل "مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي" نشر أصلاً في التأمين العربي، جلة الاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 99، 2008.

[3] مهند عبد الرزاق الفلوجي، معجم الفردوس: قاموس الكلمات الإنجليزية ذوات الأصول العربية، الجزء الثاني (الرياض: مكتبة العبيكان، 2012)، ص 95.

[4] الفلوجي، ص 316.

[5] الفلوجي، 514.

[6] فيما يخص الخطر، راجع:
Franz Rosenthal, Gambling in Islam (Leiden: E. J. Brill, 1975), Ch VII, A Note on Hazard, pp 172-178.

[8] مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، ترجمة وإعداد مصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، ص 97-105.

[9] H. L. Muller-Lutz, Insurance Dictionary: German-French-English-Arabic (Karlsruhe: Verlag Versicherungswirtschaft, 1983).
وقد ساهم جان شدياق في وضع المصطلحات العربية للطبعة الأولى، وبعده ساهم جان شويري في تنقيحها في طبعات لاحقة.

[10] Tayseer H. Treky, A Dictionary of Insurance Terms: English-Arabic (London: Witherby & Co, 1985).

بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين: إنجليزي-عربي (عمان: دار الثقافة، 2016)، 2ج.  وهذا المعجم هو بمثابة عمل موسوعي يضم شروحاً للمصطلحات.

[11] على سبيل المثل، جمال الحكيم، التأمين البحري (القاهرة: ط1 1955، ط2 1979)، حيث يرد في الصفحات 151-174 اصطلاحات في التأمين البحري والقانون والتجارة.

[12] فصل " قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) العثماني: دراسة تمهيدية في كتاب مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 28-38.

[14] https://www.hsbc.ae/1/PA_ES_Content_Mgmt/content/uae_pws/pdf/ar/personal-accident-insurance.pdf
[15] من باب العرفان أقول بأن هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة التي تصدر في بغداد وموقع شبكة الاقتصاديين العراقيين الإلكتروني فتحتا صفحاتهما لنشر كتاباتي التأمينية رغم أن المجلة والموقع ليسا متخصصين بالتأمين.  إن هذا الانفتاح على الكتابات التأمينية يمكن أن يوسع من دائرة الاهتمام به.

[16] "محنة اللغة العربية في أهلها،" جريدة المدى، https://almadapaper.net/view.php?cat=223566