نشرت هذه المقالة أصلاً في
موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
تقديم
كتبت مؤخراً تعليقاً قصيراً حول بعض جوانب قطاع التأمين العراقي اقتبس منه
التالي لعلاقته بما أود عرضه في هذه المقالة:
إن تعليل ضعف قطاع التأمين العراقي، منذ الحصار الدولي (1990) وحتى الوقت
الحاضر، لا يمكن أن يُفسّر بغياب التشريعات المُلزمة للتأمين فقط. في ظني أن
القضية بحاجة إلى المزيد من الرصد والتحليل لقوانين التأمين النافذة، وتصرفات
مؤسسات الدولة فيما يتعلق بالتأمين، والواقع الاقتصادي والاجتماعي، والموقف
من مؤسسة التأمين، وتفعيل ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية.[1]
وقد كتبت بعض
مفردات هذا الاقتباس على خلفية همس دائر في سوق التأمين العراقي حول مشروع لإعادة
النظر ببعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 المعروف بالأمر رقم (10)،
وإحياء، أو قل إعادة تفعيل، واحدة من مواد قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية.
ليست لدينا معلومات
موثقة عن هذا الهمس لكن ما وصلنا منه يشير إلى تحرك من قبل أطراف رسمية متمثلة
بوزارة المالية وشركة التأمين الوطنية ومستشاري رئيس الوزراء لإحداث تغيير سيطال،
إن تحقق، بنية سوق التأمين. (نأمل الحصول
على هذه المعلومات لأغراض الدراسة).
كتبت قراءتي
للمشروع على وجه السرعة، وهي قراءة انتقائية غير مكتملة ربما يستطيع زملاء المهنة
مناقشتها والإضافة لها. اعتذر عن أية هفوات وقصور في العرض.
محاولات سابقة
لحصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية
لقد كانت الإدارات
السابقة لشركة التأمين الوطنية تثير بين حين وآخر موضوع حصر جميع معاملات التأمين
العائدة للدولة مع شركة التأمين الوطنية اعتماداً على قانون تأسيسها وبعض الضوابط
التي تصدر بين حين وآخر حول دعم التعامل مع كيانات الدولة (الاستفادة من خدمات
ومنتجات القطاع العام). وقد بانَ هذا
الموقف مع جولة التراخيص النفطية الأولى والثانية وعند التعامل مع الشرط النموذجي
للتأمين الذي ارتبط بعقودها (المادة 24).[2] وقتها اعترضت شركات التأمين الخاصة على محاولة
حصر تأمين هذه العقود بشركات التأمين العامة، وأصدر ديوان التأمين كتاباً بتاريخ
10 تشرين الأول 2010 موجهاً لشركة نفط الجنوب يقضي بعدم مشروعية توجيه المقاولين
المتعاقدين معها (شركات النفط الأجنبية) بالتعامل حصراً مع شركة التأمين الوطنية
لأنه يتعارض مع المادة/ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. وباختصار، لم تفلح جهود شركة التأمين الوطنية
في حصر تأمين عقود جولات التراخيص معها.
ويأتي التحرك الجديد مدعما بقوة القانون ووزارة المالية ومستشاري رئيس
الوزراء، وهو ما يدلّ على وجود تنسيق بين هذه الأطراف ربما لم يكن موجوداً في
السابق.
إعادة صياغة بعض
أحكام المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005
يقوم هذا التحرك
على إعادة صياغة بعض أحكام المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة
2005. وهو موضوع ناقشت جوانب منه في دراسة
منشورة بعنوان "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم
10): المدخل لتغيير القانون" وأرى من المفيد اقتباس فقرات منها كونها تلقي
ضوءاً على هذا المشروع:
يرد نص المادة 81 تحت الباب السابع، أحكام متفرقة، الفصل الأول،
أحكام عامة، وكما يلي:
المادة-81-
أولاً- لأي شخص
طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي
مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثانياً- لا يجوز
اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو
معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف
ذلك.
ثالثاً- يجري
التأمين على الأموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في
التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين
في العراق حق الاشتراك فيها.
سنغض النظر في هذه
المقالة عن الفقرة ثالثاً رغم أهميتها وشكوى البعض من وجودها، وربما نقوم بدراستها
في ورقة مستقلة في المستقبل. ويكفي أن
نشير هنا إلى أن هذه الفقرة، خلافاً للفقرتين ثانياً وثالثاً، تذكر حق "جميع
المؤمنين المجازين في العراق" الاشتراك في مناقصات التأمين على الأموال
العامة. انطلاقاً من هذه الملاحظة نجد أن
الفقرة أولاً لا تشير إلى مؤمنين مجازين في العراق، وكذا الأمر بالنسبة للفقرة
ثانياً. لم تأتِ هذه الصيغة في إغفال ذكر
العراق عفواً وفي لحظة غفلة بل من باب التصميم وضمن رؤية لتوجيه الاقتصاد
العراقي. كما نغض النظر عن مدى شرعية
قانون تنظيم أعمال التأمين في ضوء اتفاقيات جنيف حول تغيير المحتل الأجنبي لقوانين
الدولة المُحتَلّة، ويكفي أن نقول إن هذا القانون لا ينسجم مع اتفاقيات جنيف التي لا تجيز للقوة المحتلة صلاحية تغيير ما هو قائم ما لم يكن هناك
تهديداً مباشرا لأمن القوة المحتلة أو أن هناك ضرورة تستوجب التغيير. وفي هذا السياق فإن النشاط التأميني، في أي من
صوره، لم يشكل تهديداً مباشراً أو غير مباشر للاحتلال الأمريكي، ولم تكن هناك
ضرورة اقتصادية أو اجتماعية لتغيير القوانين المنظمة للنشاط ما لم ندخل الاعتبارات
الإيديولوجية في الحسبان (إعادة تشكيل الاقتصاد العراقي من منظور العقيدة
الليبرالية الجديدة)، وفي هذه الحالة فإن الضرورة ليست عراقية، نابعة من متطلبات
تنمية الاقتصاد العراقي.
المادة 81 ناقصة، كما يلاحظ القارئ، لأنه يخلو من إشارة إلى محل إقامة
المؤمن أو معيد الـتأمين أو تسجيله في العراق أو ترخيصه من قبل الديوان ولا
القانون الذي تشير إليه هذا المادة، حسب علمنا، نصًّ خلاف ذلك ولم ينشر حتى الآن
تعديل للقانون بهذا الشأن. ويلاحظ أيضاً
أن هذه الفقرة تُقرُّ حق الشخص الطبيعي في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو
خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين دون النص على عراقية المؤمِن أو معيد
التأمين (بمعنى تسجيله لدى مسجل الشركات وترخيصه من قبل الديوان).
وفّرت المادة 81
الأرضية القانونية لتسريب أقساط التأمين العراقية إلى الخارج من خلال القبول الضمني
بالتأمين خارج النظام الرقابي non-admitted insurance وهو
ما لا نجد نظيراً له في معظم الانظمة الرقابية على النشاط التأميني في
العالم. وقد كتبتُ في مكان آخر ان
"مايك بيكنز، مفوض التأمين في ولاية أركنساس، الذي أعد نص القانون باللغة
الإنجليزية، يعرف تماماً القيود المفروضة على حرية شراء التأمين في ولايته وفي
الولايات الأخرى للولايات المتحدة. ومع
ذلك أقحم هذه المادة تعبيراً عن العقيدة الليبرالية الجديدة في رفع الضوابط
الرقابية."[3]
لقد وفرَّ قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الغطاء القانوني للتأمين
خارج العراق لدى شركات تأمين أجنبية غير مسجلة في العراق وغير مرخصة. وعدا ذلك فإن القانون يتعارض مع أحكام الدستور
الدائم، فقد أكدت المادة 130 من الدستور حول نفاذ القوانين
القائمة على الآتي:
"تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم
تُلغَ أو تُعدّلَ، وفقاً لأحكام هذا الدستور."
من التشريعات النافذة ذات العلاقة قرار مجلس قيادة الثورة رقم 192 المؤرخ
3/12/1998 الذي نصَّ في الفقرة ثانياً على أنه
"لا يجوز
التأمين خارج العراق مباشرة على أشخاص أو أموال موجودة في العراق أو مسؤوليات قد
تتحقق فيه." (الوقائع العراقية،
العدد 3757، ص 618)
ويعرف القارئ المُطّلع أن هذا القرار ألغى قانون شركات ووكلاء
التامين رقم (49) لسنة 1960 الذي نصّ في المادة 57 على
الآتي:
"لا يجوز لأي
شخص أن يُؤمن خارجَ العراق مباشرةً على أشخاصٍ أو عقاراتٍ أو أموالٍ موجودة في
العراق."
ومن النواقص التدوينية
لقانون تنظيم أعمال
التأمين لسنة 2005 عدم إيراد نص بإلغاء قوانين التأمين السابقة أو الاحتكام إليها
في حالات معينة. هناك إذاً تضاربٌ بين
قانون سنة 2005 والقوانين السابقة التي لم تخضع للإلغاء.
إزاء هذا الوضع يصبح ضرورياً القيام بالمراجعة الفنية والقانونية لقانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وإعادة تدوينه فهو صار يُشكّل عنصراً أساسياً في
توجيه النشاط التأميني. إن القانون، في
صيغته الحالية، يحجّمُ دور شركات التأمين العراقية. وقد عرضتُ موقفي من تغيير القانون في مقالتي
"نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق" المنشور في مرصد
التأمين العراقي وقد أشرت إليه سابقاً.[4]
قانون تأسيس
شركة التأمين الوطنية واحتكار تأمينات الدولة
ما استجد مؤخراً
يتضمن إعادة النظر بالبند (أولاً) من المادة (81)، وربط ذلك بقانون تأسيس شركة
التأمين الوطنية رقم (56) لسنة 1950.
الأطراف المحركة للموضوع تقول، وهي على حق، إن هذا البند يتعارض مع قانون
الشركة الذي ينص في المادة (7) على ما يلي:[5]
"على دوائر
الحكومة والمؤسسات الرسمية أن تعهد حصراً إلى الشركة بمعاملات التأمين التي
تجريها."
الحجة القانونية
للأطراف المحركة للموضوع سليمة إذ أن قوانين التأمين السابقة (غير الملغاة) لقانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ما زالت سارية.
وليس في قانون 2005 ما يفيد أن أحكامها تعتبر متفوقة paramount أو لها الصدارة في التطبيق في
حال تعارضها مع أحكام قوانين أخرى. كما أن
هناك قاعدة قانونية عامة تقضي بأن الأحكام الخاصة تقيّد الأحكام العامة،
أي أن أحكام قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية لسنة 1950، في هذه الحالة، تقيد
نفاذ أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.
هذه الأطراف تقف على أرضية صلبة لترويج ودعم دعواها.[6]
والسؤال الذي ينهض
هنا هو: هل أن ما هو خاص يلغي ما هو عام إذ أن التقييد لا يتضمن
الإلغاء؟ وإذا كان الإلغاء ليس وارداً كيف
سيتم تقييد أحكام قانون 2005؟ ثم كيف
يستقيم هذا الوضع مع المادة 130 من الدستور: "تبقى التشريعات النافذة معمولاً
بها، ما لم تُلغَ أو تُعدّلَ، وفقاً لأحكام هذا الدستور." علماً بأن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005
أقر في حزيران 2005 وأقر الدستور في تشرين الأول 2005. لعل الرجوع إلى مجلس شورى الدولة يفيد في تفسير
تضارب الأحكام وإيجاد حلول له.
إن نجحت هذه
الأطراف في مشروعها فإنه يتطلب تدخل المُشرّع لتغيير أحكام المادة (81) برمتها.
بعض آثار المشروع
كيف يتساوق المشروع
الدائر لحصر تأمينات الدولة ومؤسساتها بشركة التأمين الوطنية مع مشروع التوجه
الاقتصادي لحكومات ما بعد 2003، وبإرشادات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي،
نحو ما يسمى بتحرير السوق وتعزيز التنافس بين الوحدات الاقتصادية وإعلاء دور
القطاع الخاص؟ كيف يمكن حلّ هذا التناقض
بين المشروعين: من خلال المحاجّة القانونية أم القرار السياسي؟ ربما ستكشف الأيام القادمة مسار ونتيجة ما أقدمت
عليه الأطراف المحركة لقانونية حصر تعاملات التأمين الحكومية بشركة التأمين الوطنية.
لو تحقق مشروع حصر
تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية فإن سوق التأمين العراقي ستجابه وضعاً
جديداً يحمل معه آثاراً سلبية على شركات التأمين الخاصة ويغير من بنية سوق التأمين
(سوق غير متوازن في بنيته يتميز باحتكار القلة).
نزعم أن الطلب الأساسي على الحماية التأمينية خلال العقود الخمسة الماضية
كان يأتي من دوائر ومؤسسات الدولة. إن
احتجاز هذا الطلب، بقوة القانون، لشركة تأمين واحدة يعني حرمان شركات التأمين
الأخرى من الاكتتاب بهذا الطلب واقتصار اكتتابها بأعمال القطاع الخاص
والأفراد. وهو يعني أيضاً إقصاء التنافس
على تأمينات الدولة، وتعميق التفاوت بين الشركة المحتكرة لهذه التأمينات وشركات
التأمين الأخرى.
إن حصر تأمينات الدولة بشركة تأمين واحدة سيوفر الأرضية لتكوين شركة تأمين
عملاقة في قطاع العراقي، كما كتبت في سياق آخر.[7] "مثل هذه الشركة العملاقة من حيث حجم رأس المال والاستثمارات ودخل أقساط التأمين المكتتبة وعدد
الموظفين العاملين فيها وكوادرها الفنية، تجعلها في وضع تنافسي قوي في مواجهة
شركات التأمين الخاصة (وهي شركات عراقية وطنية) تؤثر على وجود الأخيرة." وبفضل قدراتها تستطيع هذه الشركة
"التحكم" في فرض الأسعار والشروط، التي قد لا تستطيع شركات التأمين
الصغيرة التنافس معها.
وقد يمتد تأثير الحصر ليشمل شركة إعادة التأمين العراقية. فبفضل زيادة القوة المالية المتوقعة لشركة
التأمين الوطنية فإنها تستطيع أن تستغني عن شراء إعادة التأمين الاتفاقي من شركة إعادة
التأمين العراقية،[8]
إذ أن حجم أعمالها سيكون مصدر جذب لاهتمام معيدي التأمين في العالم ويوفر لها قوة
تفاوضية أفضل مع المعيدين. إحدى النتائج
السلبية لهذا الوضع هو احتمال خسارة الإعادة العراقية لأعمال شركة التأمين الوطنية
(وهي، سوية مع شركة التأمين العراقية العامة، تشكل في الوقت الحاضر المصدر الأكبر
للأعمال التي تكتتب بها الإعادة العراقية) إن قررت التأمين الوطنية تجاوز الإعادة
العراقية. لو تحقق هذا الوضع فإن حجم
الاعمال المتبقية لدى الإعادة العراقية سينحصر بأعمال شركات التأمين الخاصة، وهو
حجم صغير لا يجذب اهتماماً من معيدي التأمين المحترفين. وبالتالي سيضعف مكانة الإعادة العراقية وعندها
سيتمهد السبيل لتصفيتها أو دمجها مع شركة التأمين الوطنية.[9]
ماذا يمكن
لشركات التأمين الخاصة أن تقوم به؟
المقترحات الأولية التالية تفترض توفر النوايا الحسنة لدى شركات التأمين
كافة، والحرص على مصائر قطاع التأمين بكل مكوناته.
الاندماج
يمكن لشركات التأمين الخاصة الضعيفة في رأسمالها واحتياطياتها المالية
وكوادرها (بعضها أقرب ما تكون إلى شركات عائلية ومصادر رأسمالها مثار تساؤل)،
الاندماج مع بعضها[10]
مع بعضها لخلق شركات متينة مالياً تعمل على تكوين كوادر متقدمة مؤهلة كي تستطيع
التنافس مع شركتي التأمين العامتين على أعمال التأمين (خارج أعمال التأمين العائدة
للدولة). وبفضل الاندماج والعمل على بناء
مواردها المالية، من رأس المال والاحتياطيات، تستطيع ترتيب اتفاقيات لإعادة
التأمين خاصة بها بشكل مستقل.[11]
التوجه نحو التخصص
لو حرمت شركات التأمين الخاصة[12] من فرصة التعامل مع تأمينات الدولة فإن الوضع الجديد قد يدفع البعض منها
نحو التخصص بالاكتتاب في فروع معينة للتأمين لاستقطاب طالبي التأمين لهذه
الفروع. على سبيل المثل، التخصص في توفير
أشكال مختلفة من التأمين من المسؤولية المهنية أو التأمين الطبي. لكن ذلك رهن بالقدرات الفنية والمالية وتوفر
حماية إعادة التأمين (وهي في الوقت الحاضر ضعيفة وغير مكتملة) إلا أنه يوفر فرصة
للشركات الخاصة للارتقاء بمستوى خدماتها وتعزيز متانتها المالية وكوادرها الفنية
للإبقاء على حصتها من الاكتتاب بوثائق التأمين الفردية وأعمال القطاع الخاص
ومواجهة شركة التأمين الوطنية.
المشاركة في التغطية مع شركة التأمين الوطنية
لعبت شركة التأمين الوطنية دوراً قيادياً في قطاع التأمين العراقي،
وبإمكانها تطوير هذا الدور من خلال الاكتتاب بالأخطار الكبيرة لدوائر الدولة
ومؤسساتها وإشراك نخبة من شركات القطاع الخاص (تتميز بمتانة مالية وطاقم فني) في
تغطية مثل هذه الأخطار (coinsurance). مثل هذه المشاركة توفر
الفرصة لتعظيم القدرة الاحتفاظية لسوق التأمين العراقي وتقليص الطلب على شراء
حماية إعادة التأمين من الخارج (أي تقليص تصدير العملة الصعبة). كما أنها توفر فرصة للشركات المشاركة في
التغطية لرفع مستوى أدائها ومراكمة التجربة والمعرفة. يعني ذلك أن شركة التأمين الوطنية تساهم في
تطوير قطاع التأمين العراقي.
تقديم صياغات مختلفة لتعديل قوانين التأمين
إلزام دوائر الدولة ومؤسساتها بالتأمين على أعمالها لدى شركة التأمين
الوطنية حصراً يلغي أي دور لشركات التأمين الخاصة. يمكن إعادة النظر بمفهوم الحصرية من خلال تحليل
مفردات الأعمال المعروضة للتأمين أو يمكن أن تعرض للتأمين حسب الظروف، وفرز البعض
منها للتأمين حصراً مع شركة التأمين الوطنية.
وهنا يرد في البال التأمين على عقود الدولة الإنشائية – وهي أصلاً تتطلب
معارف ومهارات فنية اكتتابية ليست متوفرة لدى جميع شركات التأمين في العراق.
ممارسة التأثير والتظلم
تستطيع شركات التأمين الخاصة تشكيل جماعة ضغط فيما بينها وتستقطب آخرين
لتشكيل رأي موحد بهدف الحفاظ على مكانتها في سوق التأمين العراقي. ليس معروفاً إن قامت هذه الشركات، منفردة أو
مجتمعة، بالتحاور مع الأطراف المحركة لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين
الوطنية للتوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف.
أو أنها قامت بذلك ولم تعلن عنه.
إن لم يكن مثل هذا الحوار ممكناً تستطيع هذه
الشركات التشكي لدى الدوائر الحكومية والخاصة ومنها مجلس شورى الدولة والمؤسسات
المنظمة لمصالح القطاع الخاص وغيرها.
من باب الختام
لم تتكشف بعد أسباب تحرك وزارة المالية وشركة
التأمين الوطنية ومستشاري رئيس مجلس الوزراء لتعديل بعض مفردات قانون تنظيم أعمال
التأمين لسنة 2005 وجعلها منسجمة مع قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية لسنة
1950. قد يكون السبب هو حرص حقيقي على
إزالة التعارض بين قوانين التأمين وتشذيبها.
وقد يكون السبب استعادة شركة التأمين الوطنية لمكانتها المقرّة بقانون
تأسيسها واستعادة دورها في سنوات ازدهارها بعد تأسيس النظام الجمهوري والممتدة
لثمانينيات القرن الماضي.
وقد يكون السبب إرسال رسالة قوية إلى شركات
التأمين الخاصة التي لا تلتزم بالمعايير الفنية المعهودة والقواعد التنظيمية في
مزاولة العمل التأميني، وخلق الأرضية لانسحابها من سوق التأمين كي ينحصر التنافس
على الأعمال، خارج أعمال الدولة، بين شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العامة
ومجموعة صغيرة وقوية من شركات التأمين الخاصة.
وكذلك تفويت الفرصة على المفسدين في دوائر الدولة ومؤسساتها المسؤولين عن
ترتيبات تأمينها.
نزعم بأن الأطراف وراء المشروع لم تقم بإصدار
ورقة/أوراق لاستدراج الآراء والتعرف عن كثب على آثار المشروع على مكانة شركة
التأمين العراقية، وهي شركة عامة، وشركات التأمين الخاصة بضمنها دكاكين التأمين؛ وعلى
دور شركة إعادة التأمين العراقية؛ وعلى التطور اللاحق لقطاع التأمين العراقي؛ وبسط
تطبيق القانون المعدل على إقليم كوردستان-العراق.
وبذلك لم تتوفر الفرصة لمناقشة مستفيضة، قانونية واقتصادية، للمشروع من قبل
المتأثرين به، والاستفادة من هذه الفرصة لصياغة سياسة/رؤية لقطاع التأمين العراقي.
هذه تكهنات بانتظار من يقوم بتأييدها أو بيان
خطلها. آمل أن تساهم هذه الورقة في إثارة
مناقشة مفتوحة جادة للمشروع بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة، والأخذ بعين
الاعتبار مسألة بناء سوق وطني اتحادي متين.
مصباح كمال
20 شباط/فبراير 2018
[1] موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، باب التعليقات:
[2] مصباح كمال، شروط التأمين والتعويض النموذجية في عقود النفط
العراقية: ملاحظات حول بعض مفردات
هذه الشروط،" مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2010/12/24.html
يمكن قراءة هذا المقال
في كتابي وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي،
2014)، ص 54-57. والكتاب متوفر في مكتبة
شبكة الاقتصاديين العراقيين.
أنتهز فرصة كتابة هذه
الورقة للاعتراف بأنني كنت على خطأ عندما كتبت التالي، صفحة 48:
"إن الزعم الذي يتردد
بأن شركة التأمين الوطنية التي تملكها الدولة، كونها الأقدم والأكبر في العراق،
لها امتياز حصري للاكتتاب بجميع التأمينات المطلوبة بموجب عقود النفط ليس له أساس
قانوني أو تعاقدي."
[3] مصباح كمال، "نحو
مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق"، مرصد التأمين العراقي:
http://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/06/a-policy-for-iraqs-insurance-sector/
[4] مصباح كمال، قانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة
التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-182.
[5] الوقائع العراقية | رقم العدد: 2861 | تاريخ: 23/07/1950. النص الكامل متوفر في قاعدة التشريعات
العراقية:
[6] من
المفارقات أن شركات التأمين العامة، ومنها شركة التأمين الوطنية، لم تقدم موقفاً
تجاه مسودة قانون سنة 2005 عندما اجتمع ممثلوها مع مستشاري سلطة التحالف المؤقتة
للاطلاع على مسودة قانون تنظيم أعمال التأمين..
[7] مصباح
كمال، "عودة إلى مشروع دمج شركات التأمين العامة،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين و مجلة التأمين
العراقي:
[8] ليس هناك قانون يلزم شركة التأمين الوطنية وشركات
التأمين كافة بإجراء إعادة التأمين مع شركة إعادة التأمين العراقية إذ أن إعادة
التأمين الإلزامي لنسبة من محافظ التأمين مع الإعادة العراقية قد ألغي في أواخر
ثمانينيات القرن الماضي.
[9] مشروع دمج شركة التأمين الوطنية العامة وشركة التأمين
العراقية العامة الذي تبناه الرئيس السابق وكالة لديوان التأمين لم يتحقق حتى الآن
وربما تم تأجيله أو غض النظر عنه. من
يدري، لعل مشروع الدمج يثار ثانية ليشمل هذه المرة دمج شركة إعادة التأمين
العراقية العامة مع الشركتين وتكوين شركة تأمين قابضة تقوم بأعمال التأمين المباشر
وإعادة التأمين الاتفاقي والاختياري.
[10] حول تشجيع الاندماج بين شركات التأمين، كجزء من مشروع
وضع سياسات للتأمين، أنظر: مصباح كمال، قانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد:
منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص
26. ويمكن قراءتها أيضاً في
"السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين
نموذجاً،" الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009 وكذلك مدونة مجلة
التأمين العراقي:
http:misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html
[11] في الوقت الحاضر تقوم شركة إعادة التأمين العراقية بترتيب
اتفاقيات إعادة التأمين باسمها لصالح جميع شركات التأمين، العامة والخاصة. وبفضل دخل أقساط التأمين التي تكتب بها
الشركتين العامتين تستفيد معظم شركات التأمين الخاصة من هذه الاتفاقيات.
[12] ليس معروفاً ماذا سيكون وضع شركة التأمين
العراقية العامة في حال حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية.