مشروع دمج شركات التأمين العامة
مصباح كمال
تمهيد وإشارات
ليست
لدينا معلومات بوجود مشروع ملموس واضح التفاصيل لدمج شركات التأمين وإعادة التأمين
العامة، لكننا نستشف وجود نية لإدخال تغيير (أو ما يسمى اصطلاحاً هيكلة) هذه
الشركات. فقد نُقل عن رئيس الوزراء حيدر
العبادي تأكيده، في مؤتمر إطلاق استراتيجية تطوير القطاع الخاص في
العراق 2014-2030 تحت شعار (التحول نحو القطاع الخاص ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد
العراقي)، على أن "إحدى القضايا المهمة للنهوض بالقطاع الخاص هي إعادة هيكلة الشركات العامة للدولة لتكون فعالة أكثر في القطاع الاقتصادي"، لافتاً
إلى أن "مجلس الوزراء أقر خلال الاجتماع الأخير للمجلس هيكلة الشركات العامة للدولة." ونفى العبادي
"وجود
نية للاستغناء عن العاملين في الشركات العامة للدولة"،
مُحذراً
من "انهيار هذه الشركات وخسارة البلد اقتصادياً إذا ما بقيت على هذا الحال."[1] وربما يمتد هذا التأكيد ليشمل شركات التأمين
العامة، ذات التمويل الذاتي، رغم أنها ليست من الشركات الآيلة للانهيار، وحالها لا
علاقة له بحال الشركات العامة الأخرى المهملة، عن قصد، من قبل حكومات ما بعد 2003.
وقد
قرأنا عن موافقة مجلس الوزراء في تشرين الأول 2015 على دمج شركات وتقليص عدد شركات
وزارة الصناعة والمعادن، من 76 إلى 32 شركة.
وحسب التقارير الصحفية فقد انتهت الوزارة من عملية الدمج في أوائل شباط
2016. يشير هذا إلى أن عملية إعادة
الهيكلة (بناء اقتصاد رأسمالي) قد بدأت.
وقد
ورد لعلمي في الأيام القليلة الماضية أن وزير المالية وجه خطاباً إلى شركات
التأمين العامة يطلب فيه إبداء وجهة نظر مجالس إدارات الشركات بمشروع الدمج. وذكر لي أن بعض رؤساء هذه المجالس هم من دعاة ومؤيدي
الدمج. لكن المعلومات ليست متكاملة
ودقيقة، ولذلك لن أعلق عليها قبل معرفة التفاصيل، واكتفي ببعض الملاحظات العامة عن
الدمج بين الشركات لفتح باب للمناقشة.
ومن
المناسب هنا التأكيد على أن خطاب الوزير إلى الشركات هو تصرف قانوني صحيح متبع في مختلف
الاختصاصات القضائية في العالم، إذ أن تحقيق الاندماج يتطلب قراراً من مجلس إدارة
كل شركة بحل الشركة للتمهيد لتأسيس الشركة الجديدة. وفي الوقت الحاضر ليس معروفاً إن كانت الوزارة (أو
الشركة الراغبة في الاندماج) ستقوم بتكليف جهة مهنية مستقلة للتقييم المالي
للشركات موضوع الدمج، أو أن ديوان التأمين سيشترط على الشركات الراغبة بالاندماج
تقديم مثل هذا التقييم المستقل (البند ثانياً من المادة 50 من قانون تنظيم أعمال
التأمين لسنة 2005 يكتفي بالقول إن "على المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم
طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات اللازمة التي يحددها رئيس الديوان
بتعليمات يصدرها لهذا الغرض." ربما
تشمل "التقارير والبيانات اللازمة" كل ما يتعلق بذمم الشركات موضوع
الدمج وغيرها من قضايا قد تكون مستترة؛ لكن الديوان، حتى كتابة هذه الورقة، لم
يصدر تعليمات خاصة بدمج الشركات.
عدا
خطاب وزارة المالية لشركات التأمين العامة (لم نطلع على نصه) فليس معروفاً إن كان
لمستشاري الوزارة أو مستشاري مجلس الوزراء هدفاً محدداً وراء مشروع الدمج ضمن
استراتيجية حكومة العبادي لهيكلة الشركات العامة للدولة. ولم يقع في أيدينا أي نص صادر منهم للتعرف على
مواقفهم، وهل أن ما يدور في بالهم يجد سنداً له في تاريخ تطوير قطاع التأمين
العراقي بغض النظر عن اختلاف الاتجاهات الفكرية بين الماضي والحاضر.[2]
كنت
من المشجعين على الدمج بين شركات التأمين الخاصة،[3] الضعيفة في رأسمالها واحتياطياتها المالية وكوادرها
(بعضها أقرب ما تكون إلى شركات عائلية ومصادر رأسمالها مثار تساؤل)، لخلق شركات
متينة مالياً تعمل على تكوين كوادر متقدمة مؤهلة كي تكون في وضع تستطيع معه
التنافس مع شركتي التأمين العامتين على أعمال التأمين، الحكومية والخاصة، وتمهد
الطريق لبناء مواردها المالية، من رأس المال والاحتياطيات، كي تقوم بترتيب
اتفاقيات لإعادة التأمين خاصة بها بشكل مستقل.[4] وفي الوقت ذاته كنت أثير الشكوك حول مدى ضرورة
إعادة هيكلة (خصخصة) شركات التأمين العامة.[5]
يمكن تبرير الاندماج بين
شركات التأمين الخاصة (هناك 30 حوالي شركة
تأمين خاصة مرخصة بمزاولة أعمال التأمين) كوسيلة للتغلب على معضلات ضعف القدرة
التنافسية (سوى التنافس الذي يعرف بتكسير الأسعار: الاكتتاب على أساس غير فني يهدد
وجود الشركة في المستقبل)، والقدرة على التوسع في الإنتاج، وتعظيم الاحتياطيات
المالية، وإعادة تدوير الأرباح لتمويل رأس المال المطلوب من قبل الجهاز الرقابي.
ولكن هل هناك ضرورة لدمج
الشركات العامة؟ بالمقاييس العراقية
السائدة في الوقت الحاضر فإن هذه الشركات ناجحة، فهي، كشركات تمويل ذاتي، لا تعتمد
على خزينة الدولة، وتحقق ارباحاً سنوية، وتوزع جزءاً منها على العاملين
كحوافز بعد تسديد حصتها من ضريبة الدخل والرسوم.
لذلك ينهض السؤال: لم التفكير بدمجها الآن وهي المساهمة في حالة التنافس
القائمة بينها وبين شركات التأمين الخاص؟ أهو
بداية لخصخصتها؟[6] "المستبد بأمره" بول بريمر الثالث لم
يجرؤ، لسبب ما، على خصخصة شركات التأمين العامة رغم أن الوكالة الأمريكية للتنمية
الدولية USAID قد تقدمت بعد الاحتلال بفترة قصيرة بمشروع متكامل
ظاهرياً أعدته شركة بيرنغ بوينت إنك BearingPoint Inc لإعادة هيكلتها، كأربع شركات متخصصة في التالي:
التأمين على السيارات، التأمين غير البحري، التأمين البحري والطيران، والتأمين على
الحياة والتقاعد.[7] لا بل أنه استثنى في أحد أوامره (الأمر رقم 39،
أيلول 2003، القسم السادس، مجالات الاستثمار الأجنبي) قطاع التأمين من الاستثمار
الأجنبي.
يلاحظ في الأسواق العالمية، التي
تشهد منافسة قوية بين الشركات، أن الدافع وراء الاندماج قد يكون الحد من المنافسة
وربما إخراج المنافسين وخاصة المنافسين الصغار، أو تحقيق تكامل في عرض المنتجات،
أو الحفاظ على حصة الأعمال في السوق وإبقاء هامش الربح عالياً لصالح رأس المال، أو
غيرها من الأسباب. لكننا لم نعثر على
الدافع وراء توجه وزارة المالية وتدخلها في تقرير مصير شركات التأمين العامة ذاتية
التمويل من خلال الدمج. ترى هل أن مشروع
الدمج هو الآلية التي تعمل وزارة المالية على تحقيقه تماشياً مع مروجي سياسة
التجارة الحرة في الداخل والخارج، وإزالة العوائق التجارية والقانونية أمام الشركات
المتعددة الجنسيات لدخول سوق التأمين العراقي، والتمهيد لانضمام العراق إلى منظمة
التجارة الدولية مع النمو (المرتقب) للاقتصاد العراقي؟ هل صارت الوزارة تخطط للمستقبل؟
من
المعروف انه رغم تدخل الأجهزة الرقابية فإن الميل نحو تأسيس شركات قوية قادرة على
التصدي لتقلبات النظام الرأسمالي، داخل البلد الواحد وعلى المستوى العالمي، يظل
قائماً من خلال الاستفادة من آليات الاندماج والاستحواذ. وقد ارتبطت موجات الاندماج في الغرب مع ازدياد
حرية التجارة في الخدمات والانفتاح الاقتصادي عموماً مما شكل تحدياً للعديد من
شركات التأمين.[8]
لفائدة
القراء فإن شركات التأمين العامة تضم شركة التأمين الوطنية (تأسست سنة 1950 كشركة
حكومية)، شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960 كشركة مختلطة) وشركة
التأمين العراقية (تأسست سنة 1959 كشركة خاصة وخضعت للتأميم سنة 1964). ولكل شركة نظامها الداخلي.
الضوابط القانونية
لاندماج شركات التأمين
ترد القواعد الضابطة لاندماج شركات التأمين في قانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 تحت الباب الخامس، تحويل الوثائق وتملك واندماج وتصفية
المؤمنين، في الفصل الثالث: اندماج المؤمنين.
تتناول المادة 50 اندماج المؤمنين كما يلي:
أولا- يجوز
اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او
معيدي التأمين المملوكين للدولة.
ثانيا- على
المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات
اللازمة التي يحددها رئيس الديوان بتعليمات يصدرها لهذا الغرض.
ثالثا- يدقق
رئيس الديوان التقارير والبيانات والوثائق المقدمة، وله الموافقة على الاندماج أو
رفضه بقرار مسبب.
رابعا- اذا
وافق رئيس الديوان على طلب الاندماج فينشر أعلانا على نفقات طالبي الاندماج في
صحيفة يومية واسعة الانتشار في العراق لمدة (5) خمسة أيام متتالية، ولكل ذي مصلحة
التظلم من القرار خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ اخر نشر لإعلان الموافقة على
الاندماج.
خامسا- يبت رئيس الديوان في التظلمات المقدمة
وفقا لأحكام البند (رابعا) من هذه المادة خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء
مدة تقديمها، ولكل ذي مصلحة الاعتراض على القرار الصادر نتيجة التظلم أمام محكمة
البداءة المختصة خلال (7) سبعة أيام من تاريخ التبلغ به.
ويرد في الباب الرابع، رقابة رئيس الديوان على المؤمنين، في
المادة- 47-
الإجراءات التي يستطيع رئيس الديوان اتخاذها في حالات محددة وهي:
أ-
تخلف المؤمن او عجزه عن الوفاء بالتزاماته
أو احتمال تخلفه او عجزه عن ذلك او عدم قدرته على الاستمرار بأعماله.
ب-
ارتكاب المؤمن مخالفة لأحكام هذا القانون
أو الانظمة أو التعليمات الصادرة بموجبه.
ج- عدم
اتخاذ المؤمن الاجراءات اللازمة لإعادة التأمين على المخاطر التي يتحملها او عدم
كفايتها.
د- اذا
خالف المؤمن برنامج العمل الذي قدمه للديوان وحصل على الاجازة بموجبه.
هـ- اذا
زادت مجموع خسائر المؤمن على خمسين بالمئة من رأسماله المدفوع.
و- توقف
المؤمن عن أعماله مدة لا تقل عن سنة دون سبب مبرر أو مشروع.
عندها
يستطيع رئيس الديوان أتخاذ ما يلزم من إجراءات بحق المؤمن المخالف ومنها البند
ثانياً-ح: "دمج المؤمن في مؤمن اخر بموافقة المؤمن الذي سيدمج معه."
البند الأول يشرع جواز اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو
معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او معيدي التأمين المملوكين للدولة
(التأكيد من عندي). اي أن الأساس القانوني
لمشروع الوزارة جاهز، لكن هذا لا يعفي الوزارة من عرض الدافع أو الدوافع
لمشروعها.
إذا ما تحقق مشروع الدمج بين شركات التأمين العامة فإنه
سيعتمد على أحكام هذا القانون. وقد اقتبستها بالكامل لفائدة القراء.
سينتظر المرء بكثير من الاهتمام التعرف على موقف ديوان التامين من هذا
المشروع للتثبت إن كان جهازاً تابعاً وخاضعاً لوزارة المالية أم إنه يتمتع بالاستقلالية
(كما هو معرّف في الموقع الإلكتروني لوزارة المالية) في اتخاذ قرارته.
بعض تداعيات الاندماج
على المستوى النظري يمكن
الإشارة إلى بعض أوجه التآزر synergies الاستراتيجية المترتبة على الاندماج.
وهذ تتمثل بالوفورات الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق بفضل الاندماج. فيما يلي سنستعرض ما نراه مفيداً لأغراض هذه
الورقة.
خلق شركة تأمين "عملاقة." مع دمج شركتي التأمين
العامتين ستتشكل شركة تأمين، تعتبر في السياق العراقي الحالي، شركة عملاقة من حيث
حجم رأس المال والاستثمارات ودخل أقساط التأمين المكتتبة وعدد الموظفين العاملين
فيها، تجعلها في وضع تنافسي قوي في مواجهة شركات التأمين الخاصة.
بفضل القوة المالية للشركة
الجديدة فإنها تستطيع أن تستغني عن شراء إعادة التأمين الاتفاقي من شركة إعادة
التأمين العراقية، إذ أن حجم أعمالها سيكون مصدر جذب لاهتمام معيدي التأمين في
العالم. إحدى النتائج السلبية لهذا الوضع
هو خسارة الإعادة العراقية لأعمال الشركتين (إن قررت الشركة الجديدة إهمالها)، أي
ان حجم الاعمال المتبقية لدى الإعادة العراقية سينحصر بأعمال شركات التأمين الخاصة،
وهو حجم صغير لا يجذب اهتماماً من معيدي التأمين المحترفين. وبالتالي سيضعف مكانة الإعادة العراقية وعندها
سيتمهد السبيل لتصفيتها أو دمجها مع الشركتين.
الإشكالية هنا هي أن الشركة
المدمجة تستطيع، نظرياً، توفير حماية إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري لشركات
التأمين الخاصة إلا أن تضارباً في المصالح سينشأ من خلال تنافس الشركة المدمجة
وشركات التأمين الخاصة على أعمال التأمين المباشر. هذه قضية تحتاج إلى عناية خاصة. وما مراجعة تجربة الدمج في مصر من قبل أصحابها،
بعد عقد، إلا دليلاً على أهمية التفكير بما سينشأ عن دمج يتأسس لاعتبارات إيديولوجية
غير قائمة على أسس اقتصادية لها علاقة بتطوير السوق الوطني المتكامل للتأمين.
ميزة أخرى للاندماج هي تعظيم
القوة الشرائية تجاه المجهزين، ونعني بهذا تعزيز القدرة التفاوضية للشركة الجديدة
مع مجهزي إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري.
وسيكون هذا تطوراً مهماً لأنه يوفر الفرصة ليس فقط للاستغناء عن خدمات شركة
إعادة التأمين العراقية بل التخلص مما يراه البعض العبء الذي تمثله محافظ معظم
شركات التأمين الخاصة على الاتفاقيات الحالية التي تديرها الإعادة العراقية (الشك
بأن شركات التأمين الخاصة تنتقي ما تسنده من أعمال للإعادة العراقية).
تعظيم الإيرادات (دخل
أقساط التأمين). توسيع محفظة تأمين فروع معينة، فربما يكون لدى
شركة التأمين الوطنية استراتيجية لتعظيم محفظة التأمين على الحياة (بدأت تمارسها
أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وهي المحفظة الرائدة في أعمال شركة التأمين العراقية
ولأسباب تاريخية تعود إلى تخصصها الأساسي في مجال التأمين على الحياة (1964-1988).
باندماجها (استحواذها) على شركة
التأمين العراقية تصبح شركة الـتأمين الوطنية (وهي الشركة الأكبر) قادرة على توسيع
قنوات توزيع منتجات التأمين، والتوجه نحو السيطرة على سوق التأمين، وبالتالي
المحافظة على حجم الأرباح والتوسع فيه.
وقد يكون أحد نتائج هذا الوضع إضعاف مكانة شركات التأمين الخاصة وشلّ
قدرتها على التنافس.
الاقتصاد في التكاليف. ويتحقق هذا كنتيجة لوفورات الحجم،
من خلال تقليص عدد العاملين والتخلص من الازدواجية في إشغال الوظائف. المشكلة هنا هي أن الموظف الحكومي العامل في شركات
التأمين العامة لا يخضع للفصل او الاستغناء عن الخدمات، إلا في حالات يحددها
القانون. ربما تستطيع إدارة الشركة
الجديدة المنبثقة عن الدمج تشجيع التقاعد المبكر، أو تشجيع على استقالة موظفيها للتحول
إلى العمل في الشركات الخاصة، وهو توجه ضعيف لأن موظف الشركة العامة، بفضل نظام
الحوافز، يتمتع بمكافآت ليست متوفرة في الشركات الخاصة.[9] لكننا نلاحظ أن المتقاعدين عن
العمل في شركات التأمين العامة يميلون إلى الاستمرار في العمل لدى شركات التأمين
الخاصة.
ويمكن أن يتخذ الاقتصاد في
التكلفة شكل التخلص من التسهيلات الفائضة من خلال الاستخدام المشترك للمدخلات،
كاستخدام الخبرات الفنية والإدارية، والتقنيات وقوائم المستهلكين (طالبي التأمين
المرتقبين أو المؤمن لهم). وكذلك توزيع
المصاريف التشغيلية الثابتة (تكاليف الإنتاج) على قاعدة أكبر من المستهلكين (طالبي
التأمين وحملة وثائق التأمين)
ويفترض أن الاقتصاد في التكاليف
وتعزيز الوضع التنافسي، في الظاهر، سيقترن، كما ينبغي، بتحسين جودة المنتج التأمين
والخدمات المرافقة له سواء بتحسين مستوى الأداء وكفاءة ومؤهلات العاملين الفنية
واللغوية أو إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة.
هل هناك ضرورة للاندماج
في الوقت الحاضر
في غياب الشفافية وعدم معرفة
الدافع/الدوافع وراء مشروع وزارة المالية، من رأينا ان الاندماج بين شركات التأمين
العامة ليس مطلوباً في الوقت الحاضر. فهذه
الشركات لا تعاني من مصاعب مالية وإدارية وفنية وقدرة على التنافس مع بعضها ومع
شركات التأمين الخاصة. لنتذكر ان اللجوء
إلى آلية الاندماج قد يفرضه المشكلات المالية وغيرها التي تواجهها الشركات وهي مما
لا تعاني منها الشركات العامة.
لو كان واضحاً وبما لا يقبل
الشك أن مشروع الدمج يراد منه خلق كيان تأميني وطني قوي لمواجهة منافسة أجنبية
يراد إدخالها إلى سوق التأمين العراقي، مع انفراج الوضع الأمني وبدء الانتعاش
الاقتصادي، فإنه في هذه الحالة يستحق التأمل.
لكننا نعرف بأن مستشاري الحكومة، في الداخل والخارج، يؤكدون باستمرار على
تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد.
ومن رأينا ان مشروع الدمج الذي
يجري الإعداد له قد يؤدي، في ظل البنية الحالية لسوق التأمين العراقي، إلى تقويض
التنافس القائم وربما إلى تحكُّم الشركة الجديدة في فرض الأسعار والشروط، وهو ليس
في صالح طالبي التأمين. وإزاء هذا الوضع
قد تلجأ شركات التأمين الصغيرة إلى منافسة سعرية غير مقيدة، للحفاظ على حجم
أعمالها. وهذا من شأنه أن يخلق فوضى في
الأسعار قد يؤدي في النهاية، بالنسبة لبعض شركات التأمين الخاصة التي تمارس مثل
هذه المنافسة، إلى إفلاسها عندما ترد عليها المطالبات الكبيرة بالتعويض دون أن
تكون لديها القدرة المالية، الخاصة بها وتلك التي قد توفرها حماية إعادة التأمين
(وقد تكون غير موجودة أصلاً)، لتسديد أقيامها.
نأمل أن تكون وزارة المالية
وديوان التأمين العراقي وشركات التأمين العامة مدركة للمعايير/الأهداف الموضوعية لعملية
الاندماج بعيداً عن أية دعاوى إيديولوجية.
ونرى أن بعض هذه المعايير/الأهداف، وضمن شروط سوق التأمين العراقي في الوقت
الحاضر، هي:
المحافظة على الوضع التنافسي، وتجنب الآثار السلبية على شركات التأمين
الخاصة (وهي شركات عراقية وطنية)، واستنباط وسائل حمايتها من المنافسة القوية المحتملة
للشركة المؤسسة نتيجة للدمج.
تحقيق نقلة نوعية لرفع مستوى الأداء من خلال تحسين جودة المنتج التأميني، تحسين
مستوى الخدمات التأمينية، رفع كفاءة العاملين في شركات التأمين، بناء الكوادر، زيادة
الإنتاج، إدخال التكنولوجيا المتقدمة في أداء العمل وفي الإنتاج.
الكشف عن مبررات الدمج، واتساقه مع معطيات سوق التأمين العراقي، ومدى
مساهمته في تعزيز سوق وطني اتحادي متكامل.
في تاريخها الذي يمتد لما يزيد
عن نصف قرن عملت شركات التأمين العامة على خدمة الاقتصاد العراقي، وبدرجات متفاوتة،
ضمن الإطار العام للتحولات الاقتصادية والسياسية التي كانت خارج إرادتها. لم تشكل هذه الشركات في يومٍ ما عبئاً على
خزينة الدولة بل على العكس كانت توفر إيراداً للخزينة من خلال الضرائب والرسوم.
أملي أن تساهم هذه الورقة في
إثارة نقاش عام مفتوح، بين ممارسي التأمين والمهتمين بقطاع التأمين، بشأن مصائر
شركات التأمين العامة، والكشف عن ما يخطط لها.
21 شباط/فبراير 2016
[2] ذكرت في مقالة لي أن إعادة الهيكلة كانت معروفة في الماضي ولكن ليس بهذا الاسم.
"هي حقاً ليست بالأمر الجديد بالنسبة لشركات التامين العراقية، فقد
عرفتها أولاً في ستينيات القرن الماضي (عمليات الدمج والتأميم)؛ وفي الثمانينيات
(إلغاء المؤسسة العامة للتأمين وإطلاق حرية العمل لشركتي التأمين العامتين لمزاولة
أعمال التأمين على الحياة وغير الحياة، وإلغاء إسناد حصص إلزامية لشركة إعادة
التأمين العراقية)؛ وفي التسعينيات (فتح السوق أمام تأسيس شركات تأمين خاصة وتحويل
شركات التأمين العامة إلى شركات ذات تمويل ذاتي).
وبعد سقوط الدكتاتورية صدر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتأسس
بموجبه ديوان التأمين العراقي وجمعية التأمين العراقية. وهذه كلها محطات مهمة في تاريخ هيكلة قطاع
التأمين العراقي تستحق الدراسة المستقلة."
أنظر: مصباح كمال، "هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات
التأمين العامة؟"، في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011؛ وكذلك مجلة
التأمين العراقي:
وقد شهدت الفترة التي أعقبت تأميم شركات
التأمين (تموز 1964) دمج الشركات في أربعة كيانات هي: شركة التأمين الوطنية، شركة
التأمين العراقية (وكانت تضم شركة الاعتماد للتأمين، وشركة الرشيد للتأمين)، شركة
بغداد للتأمين (وكانت تضم شركة التأمين التجاري العراقي)، وشركة الرافدين للتأمين
(وكانت تضم شركة دجلة للتأمين).
ليس عيباً أن نراجع تاريخ تطور قطاع التأمين
العراقي، وليس مفيداً لأغراض البحث والتوثيق أن نتقصد إحداث قطيعة معه لأسباب إيديولوجية.
[3] حول تشجيع الاندماج بين شركات التأمين، كجزء من مشروع وضع سياسات للتأمين،
أنظر: مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم
ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 26. ويمكن
قراءتها أيضاً في "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع
التأمين نموذجاً،" الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009 وكذلك مدونة مجلة
التأمين العراقي
http:misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html
[4] في الوقت الحاضر تقوم شركة إعادة التأمين
العراقية بترتيب اتفاقيات إعادة التأمين باسمها لصالح جميع شركات التأمين، العامة
والخاصة. وبفضل دخل أقساط التأمين التي
تكتب بها الشركتين العامتين تستفيد معظم شركات التأمين الخاصة من هذه الاتفاقيات.
[5] أنظر بهذا الشأن مقالتي "هل هناك مشروع
لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟"، في مجلة الثقافة الجديدة،
العدد 346، 2011؛ وكذلك مجلة التأمين العراقي:
[6] كتب الكثير عن محاولات الخصخصة وتصفية القطاع العام، وقد كتب مؤخراً صائب
خليل مقالاً نقدياً حاداً يعرض ويحلل فيه بعض أفكار الفئة الحاكمة. أنظر: صائب خليل "فرص العبادي
"السانحة" وتعليمات دافوس" باستخدام هذا الرابط:
[7] أنظر مصباح كمال: "نقد مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي"، MEES, Vol. 47, No. 19, 10 May 2004, pp D1-D5. نشر النص العربي المنقح والمزيد بعنوان
"ملاحظات نقدية حول إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي"، الثقافة
الجديدة، العدد 314، 2005، ص 48-58.
[8] تاريخ التكتلات
الاقتصادية والمالية يمتد لأكثر من قرن خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. لمتابعة الجوانب المختلفة لموجات الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين راجع:
M&A in
insurance: start of a new wave?, sigma No 3/2015, Zurich: Swiss Re.
[9] قد تكون هذه فرصة للتخلص من التخمة في الاستخدام نتيجة لسياسات المحاصصة وإعادة
المفصولين إلى وظائفهم (البطالة المقنعة).
أنظر: مصباح كمال،" آثار إعادة المفصول السياسي إلى وظيفته في شركات
التأمين،" مجلة التأمين العراقي: