وقفة مع مداخلات مجلس النواب العراقي في القراءة الثانية لمشروع قانون
تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980
مصباح
كمال
جاء
في نشرة الدائرة الاعلامية لمجلس النواب العراقي (4 تموز 2015) أن المجلس انجز "....
القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم
(52) لسنة 1980 والمقدم من اللجان المالية والامن والدفاع والنفط والطاقة والثروات
الطبيعية." ولخصت النشرة مداخلات
أعضاء المجلس نعرضها أدناه ونعلق عليها باختصار كما يلي:
"وفي المداخلات اكد النائب جوزيف صليوا
وجود فوضى عارمة في السيارات بسبب دخولها بشكل غير منظم، مطالبا بان تستوفي
السيارات المستوردة كافة مستلزمات الامان."
لا
أدري ماهي العلاقة السببية بين الدخول غير المنظم للسيارات إلى العراق [استيراد
السيارات] وتعديل قانون 1980. هل أراد أن
يقول بأن فقدان مستلزمات الأمان في السيارات المستوردة هي وراء بعض حوادث السيارات
وبالتالي مطالبات التعويض الناشئة عنها؟
لكن التعديل لا علاقة له باستيراد السيارات.
"وابدى النائب محمد تميم اعتراضه على
مشروع [الـ]قانون كون شركة التامين مختلطة [هكذا]،
لافتا الى اهمية اظهار السند القانوني بشان ذهاب الاموال لوزارة المالية."
لم
أفهم ما الذي يرمي إليه النائب من اعتراضه على "كون شركة التأمين
مختلطة"، وما هي هذه الشركة. هل كان
يفكر أن سوق التأمين العراقي الآن يتكون من شركات تأمين عامة وخاصة، وأن حصر إدارة
التأمين الإلزامي بشركة التأمين الوطنية ليس مقبولاً؟
ولا
ندري ماذا يعني من "ذهاب الاموال لوزارة المالية" فالأموال [قسط التأمين
الإلزامي من مجموع مبالغ المبيعات الفعلية لشركة توزيع المنتجات النفطية من
البنزين وزيت الغاز] تذهب إلى شركة التأمين الوطنية لتمويل المطالبات بالتعويض،
والتعديل المقترح هو أن "توزع
المبالغ المتحققة لدى شركة توزيع المنتجات النفطية بعد استقطاع حصتها البالغة نصف
بالمئة من هذه الزيادة بواقع (68%) الى شركة التأمين الوطنية و(32%) الى الموازنة
العامة للدولة وتسدد بأقساط ربع سنوية."
لمن
يريد أن تذهب هذه الأموال [أقساط التأمين]
إذاً؟ مداخلة النائب لا تكشف عن مصير هذه
الأموال. ومن المفارقة أن نائباً آخراً، مثنى
أمين، شدَّد على تحويل المبالغ التي تستحصل من الوقود الى وزارة المالية.
"ودعا النائب عبود العيساوي الى تعديل
القانون ليتلائم مع المتغيرات الاجتماعية خصوصا مع لجوء ذوي ضحايا الحوادث الى
الدية العشائرية."
المتغير
الأساسي، كما يظهر من قراءة هذه المداخلة، هو اللجوء إلى الدية العشائرية. وهو ليس بالجديد بل استمرار لسياسات السلطة الدكتاتورية
الماضية كما حلله د. سليم الوردي:
"لم يقتصر تشجيع السلطة للعلاقات
العشائرية على دعمها مادياً ومعنوياً، بل وعلى إضعاف فاعلية بعض القوانين المدنية
المصممة لتسوية النزاعات المدنية، مما فتح الباب على مصراعيه لإحلال أسلوب الفصل
العشائري بديلاً عنها. وكنت شاهداً على
مثال حي يتعلق بتطبيقات قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، بحكم عملي في
شركة التأمين الوطنية."[1]
ونضيف
إلى ذلك ما كتبه المحامي بهاء بهيج شكري بوجود ما يراه عيباً أساسياً في قانون
1980 مقارنة بالقانون القديم (قانون التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية
الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964) فقد كتب أن
"ضآلة مبالغ التعويضات التي درجت
اللجنة المذكورة [لجنة تقدير التعويض المكونة من قاضٍ من الدرجة الثانية وعضوين
يمثلان شركة التأمين الوطنية ودائرة الرعاية الاجتماعية] على تقديرها لم تكن لتغطي
10% من الضرر الفعلي الذي يصيب الشخص المضرور، مما أعاد "النظام
العشائري" المعروف بنظام "الفصل والدية" للظهور والذي سبب إعادة
تطبيقه إرهاقاً كبيراً لمالكي المركبات.
هذا النظام الذي اختفى نهائياً بتشريع قانون التأمين الإلزامي القديم وما
رافقه من إلغاء نظام دعاوى العشائر."[2]
"بدورها
طالبت النائبة عالية نصيف بشمول المشاة بالقانون بالإضافة الى اهمية ان تتعامل
شركة التامين بشفافية."
يا
للمطلب العجيب! أو ليس القانون وضع أصلاً
لحماية الأطراف الثالثة، "المشاة"، وضمان حصولهم على تعويض مناسب بقوة
القانون؟ ما قالته النائب البرلماني ربما يدل
على أنها لم تكلف نفسها عناء قراءة قانون 1980 وإلا ما كان لها أن تقدم مطلب شمول
المشاة بالقانون.
أما
مطلب تعامل "شركة التامين [الوطنية] بشفافية" فهو مطلب يبدو أنه جوهري
وربما يعكس تجربتها، أو تجربة غيرها، في مطالبة شركة التأمين الوطنية بتعويض. لا أدري إن كانت السيدة النائب تعرف بأن هناك
لجنة يرأسها قاض من الدرجة الثانية وتضم ممثلاً عن شركة التأمين الوطنية وممثلاً
عن مؤسسة الرعاية الاجتماعية. وظيفة هذه
اللجنة تقدير قيمة التعويض للطرف المتضرر.
إزاء
ذلك، ماهي الشفافية التي تطلبها السيدة النائب؟
"واشارت
النائبة نجيبة نجيب الى ان القانون تم تشريعه في ظل نظام اشتراكي مما يفرض الحاجة
الى تشريع قانون يلبي الطموح والفترة الحالية."
هذا
كلام عام فضفاض، ربما لم ينقل كاتب النشرة فحواه بشكل سليم. ترى ما هو "الطموح" وما هي مزايا
"الفترة الحالية" من منظور تأميني؟
هل انها تريد إعادة النظر في نظرية تحمل التبعة (كأساس لالتزام المؤمن،
شركة التأمين، بدفع التعويض للطرف المتضرر بدلاً من المسؤولية القائمة على ركن
الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس)، وهي النظرية التي يستند عليها قانون 1980؟ ترى هل أنها تدعو إلى استعادة مبدأ سلطان
الإرادة ومبدأ نسبية آثار العقد؟
"وشدد
النائب مثنى امين على اهمية تعديل القانون او الغاءه وتحويل المبالغ التي تستحصل
من الوقود الى وزارة المالية."
كيف
يستقيم التشديدُ على "أهمية تعديل القانون" مع بديل إلغائه؟ إن كان التعديل مهماً فما السبب لطرح فكرة
إلغائه؟
ليس
واضحاً سبب الدعوة إلى "تحويل المبالغ التي تستحصل من الوقود الى وزارة
المالية" [المراد بهذه المبالغ هو قسط التأمين الإلزامي المستوفى بنسبة (0.003) ثلاثة بالألف من مجموع مبالغ المبيعات
الفعلية لشركة توزيع المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز]
هل
المراد بذلك تحويل إدارة تعويضات التأمين الإلزامي من شركة التأمين الوطنية، وهي
تابعة لوزارة المالية، إلى هيئة أخرى في وزارة المالية؟ هل أن نائب البرلمان كان يفكر بتأسيس هيئة
مستقلة داخل وزارة المالية تتولى مهام النظر بمطالبات التعويض؟ أي، بعبارة أخرى، تأسيس شركة تأمين متخصصة
بإدارة كل ما يتعلق بالتأمين الإلزامي من حوادث السيارات؟
إن
كان مثل هذا التفكير حاضراً في ذهن النائب أقترح عليه تقديم مشروع قانون جديد إلى
الحكومة كي تنظر بأمر تبنيه وعرضه للنقاش العام.
وهناك تجارب في غير مجال التأمين الإلزامي من حوادث السيارات في بعض الدول،
ومنها المملكة المتحدة، حيث تم تأسيس شركة متخصصة للتأمين على خطر الإرهاب أوائل
تسعينيات القرن الماضي. ومن المنتظر إطلاق
شركة أخرى لتأمين أخطار الفيضانات.
لا
أظن بأن نائب البرلمان كان يفكر ضمن هذا الإطار.
"واوضح
النائب حسن توران ان تعديلات القانون طالت اكثر من 70 منه الامر الذي يتوجب اعادته
الى الحكومة لإرسال قانون جديد."
مشروع
تعديل القانون لا يتجاوز صفحة واحدة، عدد كلماته من أوله إلى آخره 256 كلمة. كيف طالت تعديلات القانون "أكثر من 70
منه" ليتوجب إعادته إلى الحكومة لإرسال قانون جديد؟ هذا القول ربما يدل على أن صاحبه لم يقرأ نص
قانون 1980 الذي يتوزع على بضع صفحات. أو
ربما يشير إلى كسل فكري في استيعاب مشروع التعديل وربطه بأحكام قانون 1980.
"وفي
ردها على المداخلات اكدت اللجنة المعنية عدم وجود اعتراض على القانون من حيث
المبدأ مشيرة الى ان القانون يخص التامين على السيارات مؤكدة ان القانون مفيد
للمواطن كثيرا كونه يعوضه عما أصابه من ضرر."
لن
نناقش هنا مشروع تعديل القانون فقد قام الزميلان محمد فؤاد شمقار ومنذر عباس
الأسود بدراسته والكتابة عنه.[3] لكن المؤسف، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، فإن
هذه اللجان لم تستأنس برأي شركة التأمين الوطنية، وهي التي تدير مطالبات التعويض
عن حوادث السيارات، أو جمعية التأمين العراقية، أو أياً من الحقوقيين والمحامين
العاملين في شركة التأمين العراقية العامة والخاصة، أو أية أطراف أخرى معنية
بالموضوع.
بعض
المداخلات هي من نمط إبداء رأي، أياً كان هذا الرأي. كما أنها تدور حوالي قانون 1980 ومشروع تعديله
إذ لا يرد في النشرة ما يفيد قيام مناقشة لفحوى مشروع التعديل أو الجوانب
الإشكالية في أحكام قانون 1980.
يبدو
أن المداخلات المذكورة في النشرة إما أن تكون مختزلة ولا تنقل أفكاراً مهمة ربما
جاءت في المداخلات أو أنها تمثل حقاً موقف أعضاء المجلس المشاركين في المناقشة. وإذا كان الأمر كذلك، فهناك فقر في المناقشة
ربما يعكس ضعف أو عدم توفر قاعدة معرفية تأمينية أو اطلاع كافٍ على الفلسفة التي
تنتظم قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980 وتعديلاته
وتاريخ تشريع التأمين الإلزامي ومنه قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية
الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964.
وكما
هو معروف، فقد اعتمد القانون على مبدأ تحمل التبعة ومفاده أن المسؤولية المدنية تقوم
على الضرر المتحقق دون الحاجة لوجود ركن الخطأ كما هو الحال في نظرية المسؤولية
التقليدية، كما جاء في الأسباب الموجبة والمادة الثانية من قانون 1980.
اعتماد
هذا المبدأ أشرَّ على تطور مهم غير مسبوق في تشريعات المسؤولية المدنية (افتراض
قيام المسؤولية بقوة القانون بغض النظر عن خطأ الشخص الذي تسبب فعله في الضرر الذي
لحق بالطرف المضرور، الطرف الثالث. لكن
تطبيق القانون كشف عن بعض العيوب. ومنها ضآلة
التعويضات المدفوعة للمضرورين، فالتعويضات هي دون القيمة الحقيقية لآثار الضرر
الفعلي. وهذه الظاهرة ساهمت في استعادة
نظام الدية والتسوية العشائرية، كما بيَّن المحامي بهاء بهيج شكري. وهناك جوانب أخرى رصدها الأستاذ شكري (إشكالية
تحديد الخطأ الجسيم، الحوادث المسببة بسيارات مجهولة، اختزال تحديد قسط التأمين
بعلاوة على سعر البنزين المستهلك مما يخلق إشكالية تتمثل بعدم وجود تناسب حقيقي
بين حدة الخطر وكلفة التعويض حسب نوع المركبات واستعمالاتها وغيرها من العناصر
الاكتتابية التي تؤخذ اعتيادياً بنظر الاعتبار لتحديد سعر التأمين الخ).[4]
اقترح
على أعضاء اللجان المالية والامن والدفاع والنفط والطاقة والثروات الطبيعية، وكذلك
نواب البرلمان المهتمين بالموضوع، شراء نسخ من كتاب المحامي بهاء بهيج شكري، التأمين
من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)
وقراءة المبحث الخاص فيه المعنون "ملاحظات حول قانون التأمين الإلزامي
العراقي رقم (52) لسنة 1980، ص 582-599، للاستفادة من تحليله الموضوعي لأحكام
القانون والأسباب التي عرضها لإلغاء هذا القانون.
نأمل
من أعضاء مجلس النواب الارتقاء بمستوى مناقشاتهم للقضايا التأمينية، وإن كانوا
يفتقرون إلى معرفة حقيقية بمفاهيم وممارسات التأمين فما عليهم إلا الاستئناس بأهل
الاختصاص في العراق، أعني جمعية التأمين العراقية التي تضم شركات التأمين
العامة والخاصة المرخصة من قبل ديوان التأمين.
20
تموز 2015
[2] المحامي بهاء بهيج شكري، التأمين
من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)،
ص 585-586.
[3] محمد فؤاد شمقار ومنذر
عباس الأسود، "ملاحظات حول مشروع قانون تعديل قانون التأمين الإلزامي من
حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980،" مرصد التأمين العراقي:
[4] حسب علمنا، ليست هناك
إحصائيات منشورة عن إجمالي المخصص من سعر الوقود (لتكوين رصيد المحفظة التأمينية
لتغطية التعويضات) وكلفة التعويضات المسددة.