تأمين الزلازل
في العراق
مصباح كمال
هذه المقالة هي تتمة لمقالة الزميل عبد القادر عبد الرزاق فاضل
"الزلازل وما وقع منها في العراق" المنشور في مرصد التأمين العراقي
بتاريخ 2 نيسان 2015.[1]
[1]
في تعليلهم للهزات الارتدادية يذكر المتحدثون باسم الهيئة العامة
للأنواء والرصد الزلزالي أن الهزات تأتي ضمن نشاط الصفائح التكوينية في العراق،
وأن هناك زيادة في النشاط الزلزالي والفوالق التكوينية على الشريط الحدودي مع ايران
وأن "العراق بحكم موقعه على حدود الصفيحة التكتونية العربية وتحرك هذه
الصفيحة باتجاه الشمال الشرقي واصطدامها بالصفيحة الإيرانية والتركية تجعل المناطق
الشمالية والشمالية الشرقية الأكثر تعرضاً للهزات.[2] وتشير معظم التعليقات الصحفية والتصريحات
الرسمية إن مركز الارتدادات الزلزالية التي تضرب العراق تقع في إيران.
[2]
لم تقم أية مؤسسة تأمينية
في العراق، في الماضي أو الحاضر، بتصنيف جداول بالزلازل المرصودة وقوتها ومواقعها
والأثار البشرية والمادية المترتبة عليها.
ولم تدرس الآثار الاقتصادية للزلازل على الأموال والأشخاص. وكما ذكرتُ في مكان آخر فإنه "من المؤسف حقاً أن لا تتوفر إحصائيات عن الخسائر
المادية المباشرة المترتبة على الكوارث الطبيعية (الجفاف، الفيضان، الحالوب،
الزلازل) المؤمن عليها أو غير المؤمن عليها والخسائر المالية التبعية (خسارة الدخل
نتيجة لتوقف الإنتاج). وحتى قطاع التأمين
لم يأخذ على عاتقه بعدُ رصد الكوارث الطبيعية المعلن عنها في أجهزة الإعلام وغيرها
من المصادر الرسمية التي لم نتعرف عليها، أعني الهيئة العامة للأنواء الجوية
والرصد الزلزالي."[3]
ربما يكون هذا الزعم
خاطئاً.
قد يكون سبب عدم الاهتمام
هو استثناء خطر الزلازل من وثائق التأمين المعتمدة في العراق في حين أن شركات
إعادة التأمين العالمية التي كانت توفر اتفاقيات إعادة التأمين لشركات التأمين
العراقية قبل 1990 كانت مهتمة بموضوع الزلازل.
فشركة ميونيخ لإعادة التأمين، التي كانت المعيد القائد لاتفاقية التأمين
الهندسي لشركة التأمين الوطنية، كانت تدرج تصنيف العراق الزلزالي في هذه الاتفاقية. يعني هذا أن معيدي التأمين كانوا يرون وجود
احتمال، ربما يكون بعيداً، لتأثر الأصول المادية
المؤمن عليها لأضرار الزلازل وما قد يترتب على الحريق أو الانفجار الذي قد يقع
كنتيجة مباشرة للزلازل.
إن تراخي سوق التأمين العراقي تجاه خطر الزلازل وأخطار الطبيعة الأخرى ليس
ببعيد عن تراخي أسواق تأمينية أخرى في الخليج العربي. وهو وضع يعكس، عموماً، ضعف التغلغل التأميني،
وبالتالي تدني الخسائر المترتبة على كوارث الطبيعة. وفي حالة العراق وبسبب عدم وقوع خسائر مادية كنتيجة
مباشرة أو غير مباشرة للزلازل، أو هذا ما تخبرنا به الصحافة، فإن تأمين الزلازل
ليس مطلباً أساسياً ومهماً.
[3]
في عرضه لاستثناء خطر الزلازل من وثيقة التأمين ضد الحريق النموذجية يذكر
الأستاذ المحامي بهاء بهيج شكري أن "سبب استثناء الزلازل من الوثيقة
الاعتيادية هو أن الخسائر الناتجة عنها تعتبر من الخسائر المنتشرة التي تشكل كارثة
اقتصادية (Catastrophe) ومع ذلك فهي تعتبر من الحوادث الخاصة التي يجوز تغطيتها في
الوثيقة الموسعة وفق شروط خاصة وقسط تأمين مستقل عن قسط تأمين الحريق."[4]
وقد جاء هذا الاستثناء بعد زلزال سان فرانسيسكو في
نيسان/أبريل 1906 الذي أدى إلى دمار 25,000 مبنى وهلاك 700 فرد. وبلغ مجموع الخسائر في
الممتلكات نحو 400 مليون دولار، دفع منها ما يقرب من 265 مليون دولار من قبل شركات
التأمين. وكان من نتائج الزلزال إفلاس خمسة عشر شركة تأمين أمريكية وأربع شركات تأمين
أوروبية. وقتها "كان عدد قليل من شركات التأمين قد أدخل شرطاً
في وثائق تأمينها تعفيها من المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الزلزال. وعلى إثر ذلك قامت تلك الشركات
بجمع المعلومات عن قواعد تأمين الزلزال في جميع أنحاء العالم وصياغة شرط نموذجي
استثنى المسؤولية عن أضرار الحريق الناجمة بشكل مباشر أو غير مباشر عن الزلزال،
وحّولًّ عبء الإثبات على المؤمن عليه."[5].
[4]
موضوع الهزات الأرضية، ومنها الزلازل، في العراق يجد حضوراً له في وثيقتين
للتأمين: وثيقة تأمين الحريق ووثيقة التأمين الهندسي (وثيقة تأمين كافة أخطار
المقاولين ووثيقة تأمين كافة أخطار النصب).
وثيقة الحريق النموذجية في العراق والتأمين على الزلازل
وثيقة الحريق النموذجية، التقليدية، المعتمدة في العراق، كما يرد في كتاب
أكاديمي، تستثني الأضرار المترتبة على "الهزات الأرضية، الأعاصير، العواصف أو
أي ثورة للطبيعة أو ظواهر جوية قاهرة."[6]
ويقول الأستاذ المحامي بهاء بهيج شكري: "لا تدخل الحرائق التي تنشأ
بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن مدلول الحريق المغطى بوثيقة التأمين. فلو حدث حريق في مبنى نتيجة لحدوث زلزال وسرت
النار إلى المباني المجاورة بفعل عوامل الطبيعة فإن جميع حوادث الحريق هذه تكون
خارج نطاق غطاء التأمين."[7]
كما أن الوثيقة العربية الموحدة للتأمين من الحريق، التي قامت لجنة فنية
مختصة في الاتحاد العام العربي للتأمين بصياغتها في أواسط سبعينيات القرن الماضي وأصبحت
صيغتها النهائية جاهزة للاستعمال عام 1981، اعتمدتها العديد من شركات التأمين
العربية الأعضاء في الاتحاد، ومنها شركات التأمين العامة في العراق. لا تضمن هذه الوثيقة (بموجب الشرط الثاني،
الاستثناءات) حسب النص المتوفر لدينا:
4- التلف أو الضرر المسببين من الأحداث التالية أو
الناجمين منها أو ما أسهم فيه منها بصورة مباشرة أو غير مباشرة:
آ-
الهزات الأرضية.
ب-هيجان
البراكين والنار من باطن الأرض.....
يعود إلى أنه يتصف أيضا بالعمومية ويأتي على أضرار
كبيرة في مواقع متعددة من غير الممكن التكهن بها. علما ان النص على استثناء هذا الخطر بشكل صريح يأتي
لاستبعاد أضرار الحريق الذي سببه هزة أرضية حيث ان أضرار الهزة الأرضية الناتجة عن
أو بسبب الارتجاج لا يوجد ما يشير إلى تغطيتها بوثيقة الحريق الاعتيادية. هذا ومن الممكن التأمين من هذا الخطر بتوسيع
غطاء وثيقة الحريق بتظهيره خاصة تلحق بها، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن لهذا التوسيع
نوعين من الاغطية.
الغطاء الأول، يشمل ضرر الحريق الناتج عن الهزة
الأرضية فقط.
والغطاء الثاني، وهو الأوسع، يشمل بالإضافة إلى
الأضرار التي يسببها الحريق، الارتجاج وما ينتج عنه من تصدع وانهيارات وتساقط
الأبنية وما تخلفه من أضرار للأموال المؤمنة مهما كانت طبيعتها. وهذا الغطاء هو السائد والسبب هو أن الأضرار
التي تنتج بسبب تصدع وانهيار الأبنية هو الاكثر حدوثا والأكبر ضررا ثم إذا صاحب
الهزة الارضية حريق ستتداخل الاضرار ويكون من الصعب الفصل بينهما.
وقد تغير الوضع مع
تأمين خطر الزلزال كخطر إضافي، وكذلك إدخال نماذج من وثيقة تأمين جميع أخطار
الممتلكات التي لا تستثني الزلزال، عموماً.
وقد استوعبت شروط اتفاقية إعادة تأمين محفظة الحريق العراقية في السنوات
القليلة الماضية هذا التطور وبات بإمكان شركات التأمين تغطية الزلازل.
وثيقة التأمين الهندسي والتأمين على الزلازل
وثيقة التأمين الهندسي النموذجية المعتمدة من قبل شركات التأمين العراقية
مطابقة للوثيقة المعيارية الصادرة من شركة ميونيخ لإعادة التأمين. لا تستثني هذه الوثيقة خطر الزلزال لكنها تقييد
تغطيته، حسب المتطلبات الاكتتابية، من خلال إضافة التظهيرة رقم 8 لإلزام المؤمن له
إثبات أنه قد أخذ خطر الزلزال بنظر الاعتبار في تصميم المشروع المؤمن عليه بموجب
قواعد الإنشاء الصالحة لموقع المشروع وكذلك الالتزام بمواصفات المواد والتصنيع ...
الخ.[9] أو إضافة التظهيرة رقم 9 الذي
يستثني بالمطلق أي ضرر أو خسارة أو مسؤولية سببها المباشر أو غير المباشر هو الزلزال
أو ناشئاً عن الزلزال.[10]
ليست هناك بيانات عن أضرار الهزات الأرضية على المشاريع الإنشائية في
العراق إذ لم تأتي الصحافة أو الهيئة العامة للأنواء والرصد الزلزالي على أي ذكر
لها.
[5]
الجدول التالي ليس دقيقاً
لأنه ليس صادراً من الهيئة العامة للأنواء والرصد الزلزالي. والمعلومات الواردة فيه ليست كاملة، وهي مقتبسة
باختصار من أخبار منشورة في الصحافة العراقية.
جدول بأهم الاحداث الزلزالية في العراق، 2011-2015
موقع الزلزال
|
تاريخ الزلزال
|
قوة الاهتزاز
بمقياس ريختر
|
ملاحظات
|
الفلوجة والرمادي
|
أواخر تشرين الثاني
2011
|
هزة ضعيفة لم يحدد
مقدارها
|
لم تسجل أية خسائر
|
بغداد
|
29/11/2011
|
3.5
2.9
|
هزتين لم تؤديا إل
خسائر في الأرواح والممتلكات
|
ناحية رزكاري في قضاء
كلار/سليمانية
|
29/11/2011
|
4.0
|
لم يسفر عن وقوع خسائر
في الأرواح والممتلكات
|
شهرزور وحلبجة/سليمانية
|
14/1/2012
|
3.4
|
لم تسجل أية خسائر
|
محافظة كركوك
|
5/3/2012
|
5.1
|
مناطق متفرقة جنوب
المحافظة
|
ناحية شيخ سعد/الكوت
|
آذار 2012
|
|
لم تسجل أية خسائر
|
علي الغربي/ميسان
|
20/4/2012
|
5.9
|
لم تسجل أية خسائر
|
الموصل
|
21/5/2012
|
وصفت في الصحف بأنها
"خفيفة"
|
لم تسجل أية خسائر
|
الناصرية
|
19/1/2013
|
4.2
|
|
الرفاعي/ذي قار
|
24/1/2013
|
|
لم تسجل خسائر بشرية أو
مادية
|
قضاء على الغربي/منطقة
الشريط الحدودي مع إيران
|
15/2/2013
|
3.6
|
شعر أهلي علي الغربي
بالهزة الأرضية
|
شمال شرق الموصل بمسافة
53 كم
|
11/3/2013
|
4.8
|
عقبت الهزة هزتان
أرضيتان بمقدار 3.1 و 3.4
|
سنجار ودهوك
|
13/3/2013
|
4.5
|
خسائر مادية غير محددة
لبعض المنازل
|
قضاء جمجمال/سليمانية
|
15/7/2013
|
3.9
|
|
ناحية بنجوين/سليمانية
|
15/7/2013
|
2.8
|
|
شرق محافظة نينوى
|
15/7/2013
|
2.6
|
|
قضاء حلبجة
|
15/10/2013
|
3.0
|
|
قضاء الطوز وشرق قضاء
كفري
|
5/11/2013
|
4.5
|
|
كرميان
|
22/11/2013
|
5.4
|
الأضرار غير معروفة
|
خانقين
|
22/11/2013
|
5.2
|
الأضرار غير
معروفة. شعر بها الناس في بغداد
|
بغداد، بابل، النجف،
واسط، الديوانية، ديالى، كركوك، السليمانية
|
22/11/2013
|
5.3
|
مصدر الهزة هي هزة
ارتدادية ضربت مناطق قصر شيرين في إيران
|
الناصرية
|
18/12/2013
|
3.9
|
|
السليمانية
|
12/4/2014
|
4.3
|
لم تسجل خسائر في
الأرواح والممتلكات
|
البصرة، واسط، العمارة
|
18/8/2014
|
6.1
|
هزات ارتدادية ضربت
الشريط الحدودي بين العراق وإيران
|
قزانية ومندلي/محافظة
ديالى
|
1/9/2014
|
5
|
هزتين: الأولى بقوة 4.7
والثانية بقوة 5 درجات
|
السليمانية
|
28/1/2015
|
3.5
|
|
لقد قمنا بإعداد هذا
الجدول بهدف تشجيع ممارسي التأمين في العراق من المهتمين بالموضوع للقيام بتدقيقه
والإضافة له. ونتمنى أن يقوم أحد ممارسي
التأمين التوسع في دراسة موضوع الكوارث الطبيعية في العراق، ومنها الفيضانات
والزلازل، من منظور تاريخي اقتصادي وفني وتحليل معطيات وثائق التأمين ذات العلاقة.
هناك دراسات علمية يمكن
للباحث التأميني المختص أن يستفيد منها في تقييم الزلازل وأخذها بنظر الاعتبار في الاكتتاب بخطر
الزلزال بالتعاون مع الجيولوجيين والمهندسين
المختصين. ومن بين الدراسات التي اطلعنا
عليها:
Sahil
.A. Alsinawi and Zia O. Al-Qasrani, “Earthquake
Hazards Considerations for Iraq,” Fourth International Conference of
Earthquake Engineering and Seismology 12-14 May 2003, Tehran, Islamic Republic
of Iran.
وفي الاستنتاج يقول
الباحثان:
رغم أن العراق لا يقع مباشرة على كتلة كثيفة من المراكز الزلزالية الحديثة
لكن التكوينات الجيوديناميكية تظهر درجة تعرض هي بين المتوسطة والعالية، يرافقها
تزايد تعرض المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية لآثارها. لقد شهد البحث والرصد الزلزالي، ووعي المخاطر
الزلزالية اهتماماً جيداً خلال العقدين الماضيين.
ومن المؤمل أن تحفز البيانات الواردة في هذه الدراسة على بحوث هندسية أكثر
تفصيلا للوضع الزلزالي للعراق.
ولهما دراسة أخرى:
Sahil
.A. Alsinawi and Haqi I. Moosawi, “Seismic
Zoning and other Seismic Parameters Consideration for Iraq.”
هناك معلومات تاريخية حول
الزلازل في العراق نقتبس التالي من وكالة أنباء رويترز (21 آب 1946):
"Earthquakes
in Iraq
SIX PERSONS KILLED
London, Aug. 21.— Reuter’s Baghdad
correspondent says that 100 Government buildings and houses were destroyed and six persons
were killed and 14 injured by earthquakes in the Pnejwin and Sulaimaniya districts of North East
Iraq."
ونختم
هذه الورقة بهذا الجدول التاريخي للزلازل في العراق للفترة 678-1991.
لندن 18
أيار/مايس 2015
[5] روبن بيرسون، عرض
كتاب: "من توحيد الصناعة إلى توحيد القانون 1871-1914،
القانون العابر للحدود الوطنية وزلزال سان فرانسيسكو الكبير،" ترجمة مصباح
كمال، مجلة التأمين العربي، العدد 119، ديسمبر/كانون
الأول 2013، وكذلك مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2014/01/from-industrial-to-legal.htm
l
[6] د. عبد الباقي عنبر فالح، فاروق حبيب الملاك، عبد الرحمن مصطفى طه، إدارة
التأمين (البصرة: جامعة البصرة، 1990)، ص 189.
[8]
منعم الخفاجي، وثيقة الحريق النموذجية ووثيقة الحريق العربية الموحدة:
دراسة مقارنة (مكتبة التأمين العراقي، طبعة إلكترونية، 2014)، ص 19.