في
توديع باسل النوري
11 كانون الثاني 1943 - 12
تشرين الأول 2013
مصباح كمال
"انتقل الى رحمة الله تعالى والدي باسل النوري صباح هذا اليوم وتم دفنه
في مقبرة سحّاب بعمان، وستقام الفاتحة على روحه الشريفة في داره الكائنة بعمان -
تلاع العلي - خلف مستشفى أبن الهيثم - بعد صلاة عصر يوم الغد الموافق 13/10/2013
ولمدة يوم واحد. إنا لله وإنا اليه راجعون."
هكذا بلغني خبر رحيل زميلنا العزيز باسل النوري يوم السبت 12 تشرين الأول من
ابنه حسن، بكلمات قصيرة يختفي وراءها عمرٌ كاملٌ لإنسانٍ عرفناه وعملنا معه. وكتبتُ الآتي له:
يؤسفني أن أقرا خبر الرحيل المبكر لوالدك باسل، زميل العمل في قسم التأمين
الهندسي في شركة التأمين الوطنية والصديق لسنوات طويلة لحين مغادرتي العراق عام
1977. كان مهندساً ناجحاً متمكناً من
أدوات عمله وعملت معه عن كثب. وقد حظيت
بلقائه في لندن (كانون الثاني 2009)، وقتها تحدثنا كثيراً عن الزمن الماضي وماذا
حل بنا بعد عسف الأحداث لننتهي خارج وطننا.
له الذكر الطيب ولك ولوالدتك وأهلك تعازيَّ.
مرة أخرى نفقد زميلاً عزيزاً خدم قطاع التأمين العراقي لسنين عديدة. والمحزن أن يغادر دنيانا خارج وطنه ومدينته المحببة
بغداد التي ولد فيها، مثل جمهرة واسعة من الفئة الخيرة من العراقيين التي وجدت
ملاذاً لها في الخارج، فقد اضطر باسل وعائلته لمغادرة العراق إلى سورية أولاً ثم
اضطر بعدها إلى مغادرة سورية إلى الأردن.
بعد تخرجه من جامعة بغداد (وكان قبلها قد درس الهندسة المدنية في بريطانيا
لكنه لم يكمل دراسته) عمل باسل في مكتب نيازي فتّو،[1] ثم انتقل للعمل في
شركة التأمين الوطنية، قسم التأمين الهندسي في الإدارة العامة في بغداد، مشاركاً
في الاكتتاب وفي تسوية التعويضات وإجراء الكشوف الميدانية على المشاريع الهندسية
لأغراض التأمين عليها وكذلك تسوية مطالبات التعويض الناشئة عنها. وكان في كل ذلك، وغيره، متمكناً من أدوات عمله
وأداء مهامه بإتقان باللغتين العربية والإنجليزية. وكان محط احترام زملائه. واعتقد أنه استفاد كثيراً من تجربته في العمل
في مكتب نيازي فتو، ناقلاً من تلك التجربة ما تعلمه من أساليب العمل الدقيق في
المكتب للعمل في شركة التأمين الوطنية.
إن لم تخني ذاكرتي بشأن دقة التواريخ فإنني عملت مع باسل في الفترة من 1969-1977،
وقتها كان المرحوم مؤيد الصفار مديراً لقسم التأمين الهندسي،[2] ويساعده في شعبة
الخدمات الهندسية التابعة للقسم، جاسم محمد عبيد العاني وباسل وجيه النوري وسعد
البيروتي، ومجموعة من السيدات والعناصر الشابة، وكنت وزميلي بسّام البناء نعمل في
إدارة تعويضات التأمين الهندسي متعاونين مع طاقم المهندسين.
رافقنا المرحوم باسل في العشرات من الكشوف الميدانية في أنحاء مختلفة من
العراق، وتعلمنا منه، ومن زملائه المهندسين في الشركة، بعض العناصر الأساسية في
عملية الكشف وخاصة الكشف لأغراض تسوية الخسائر. فقد كنا نشاركه في تسوية المطالبات بالتعويض ضمن
الصلاحيات التي كانت ممنوحة لنا. ولم يكن
باسل يبخل علينا بمعارفه. كان حريصاً على
مصالح الشركة بقدر حرصه على حقوق المؤمن له من المقاولين للحصول على تعويض منصف
لأضرار المشاريع التي يقومون بتنفيذها. وفي
حين كنا ندرسُ المطالبة بالتعويض في إطار وثيقة التأمين الهندسي كان باسل،
وزملاءه، يحلل عناصر المطالبة على ضوء حجم الضرر، بعد تحديده من خلال الكشف
الموقعي، وجدول الكميات ليخرج بعدها بتقدير موضوعي عادل لما يستحقه المقاول من
تعويض.
كان باسل، صاحب القامة المديدة، يفرض حضوره بحسن أخلاقه، ونطقه الواضح،
وابتسامته الأنيسة على من يتعامل معه من زبائن الشركة دون استعلاء. لا أتذكر أنه قد دخل في صراع مع زملائه أو صار
طرفاً في نزاع شخصي. ربما اختلف معهم في
تقييم مسألة خاصة بالعمل، كأن نختلف في تقييم أحقية المؤمن له بالتعويض، لكن ذلك
لم يكن أبداً سبباً للجفاء.
يؤسفني أن لا تسعفني ذاكرتي للإفاضة في الكتابة عن المرحوم باسل، على سبيل
المثال دوره في التدريب وفي الكتابة عن موضوعات تأمينية والإشراف على مباني للشركة
تحت الإنشاء، ودوره في عضوية مجالس بعض الشركات، وممارسته للعمل المستقل بعد
تقاعده من الشركة، ولذلك أتمنى على زملاء الراحل الكتابة عنه وعن ذكرياتهم
في العمل معه في شركة التأمين الوطنية، وبذلك نوفيه ما يستحقه من اهتمام كأحد
أفراد مجتمع التأمين العراقي، وفي ذات الوقت نساهم في توثيق بسيط لجزء من تاريخ
الشركة ومن عمل فيها.
لندن 16/15 تشرين الأول 2013
[1] نيازي داود فتو (1909-1976) "أول مهندس عراقي
أسس مكتباً هندسياً منتظماً، بأسلوب مهني معتبر. كان الرجل دقيقاً ومهنياً في أسلوب العمل
والمراجعة والمراسلة وحفظ الأوراق والجداول التقنية والتجارية، وكذلك في التتبع
العلمي عن طريق الكتب والمجلات، وفي تهيئة المواصفات وشروط التعهد. وكل هذا بأسلوب لما يزل بسيطاً وبدائياً ولكن
يتسم بروح الإخلاص والاتقان." رفعة
الجادرجي، الأخيضر والقصر البلوري: نشوء النظرية الجدلية في العمارة (لندن:
رياض الريس للكتب والنشر، ط 1، 1991)، ص 40.
ويذكر الجادرجي: "من اعماله الهندسية البناية الرئيسية لمصرف الرافدين
وبناية مركز الاتصالات في السنك مع المعمار رفعة الجادرجي." ص 34.
[2]
في
هذه الفترة كان قسم التأمين الهندسي يضم مؤيد الصفار، مدير القسم، والزميلات
والزملاء (حسب التسلسل الألفبائي مع حفظ الألقاب): أمل إبراهيم، باقر المنشئ، بسام
يوسف البناء، جوني حنا بطرس، ضياء هاشم مصطفى، عباس محمد علي، مصباح غازي عسكر
كمال، نبيلة هاشم فكري، نجيبة إلياس كاكا.
وكانت
شعبة الخدمات الهندسية تضم المهندسين وهم: باسل وجيه النوري، جاسم محمد عبيد
العاني، سعد عبدالرحمن البيروتي، عامر الغائب، فاضل رضا ناجي.
أشكر
الزميل بسّام البناء على مساعدته في تذكيري بالأسماء (لقاء بتاريخ 16/10/2013).