إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2015/04/14

The Insurance Industry in Egyt Acccross 150 years

قراءة نقدية لكتاب
 
الاتحاد المصري للتأمين، صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف (القاهرة: الاتحاد المصري للتأمين، 2014)، 399 صفحة (تجليد فني)
 
 
نشرت في التأمين العربي، الاتحاد العام العربي للتأمين، القاهرة، العدد 124، نيسان/أبريل 2015، ص 6-12.
 
 
مصباح كمال
 
 
تفضل رئيس الاتحاد المصري للتأمين، السيد عبد الرؤوف قطب، بإهدائي نسخة من كتاب صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف.  فله جزيل شكري.
 
يصدر هذا الكتاب الأنيق في إخراجه ضمن "مشروع المائة كتاب تأميني الذي يتبناه الاتحاد المصري للتأمين" (ص 11).[1]  وهو مشروع رائد في مجاله يذكرنا بسلسلة الألف كتاب الذي كان يصدر في القاهرة.  وكان العدد (575) من السلسلة عن مبادئ التأمين.[2]  آمل أن يحظى هذا المشروع بدعم كيانات التأمين العربية له مادياً، ومن خلال البحث والتأليف والترجمة.[3]  كما آمل أن تتظافر الجهود المشتركة لإنتاج المزيد من الدراسات والبحوث الموضوعة والمترجمة لفائدة صناعة التأمين في مصر وفي البلاد العربية.[4]
 
ويسجل للاتحاد المصري للتأمين شرف الإقدام على ولوج البحث في تاريخ التأمين في مصر.  هذا التوجه ليس موجوداً لدى اتحادات التأمين العربية الأخرى – حسب المعلومات المتوفرة لدي.  وهذا التوجه يُتمم ما أقدم عليه المعهد المصري للتأمين في السنوات الماضية في ترجمة وإعداد كتب أساسية في التأمين اعتماداً على نصوص المعهد القانوني للتأمين في لندن.
 
ضم فريق العمل لإعداد مشروع الكتاب، مع حفظ الألقاب، كل من عزة عارفين، مستشار الهيئة العامة للرقابة المالية؛ فاطمة عبد الفتاح، المستشار الإعلامي السابق لشركة مصر القابضة للتأمين؛ إلهامي القاضي، أمين عام الاتحاد المصري للتأمين؛ مصطفى عبد الوارث، مدير عام العلاقات العامة والإعلام بشركة مصر القابضة للتأمين.  وضمت اللجنة العليا، التي ساهمت في الإعداد والإشراف والمراجعة كل من عادل منير عبد الحميد، نائب رئيس شركة مصر القابضة للتأمين؛ عزت محمد باري، الأمين العام السابق للاتحاد الأفروآسيوي للتأمين وإعادة التأمين؛ عبد الرؤوف قطب، رئيس الاتحاد المصري للتأمين ورئيس اللجنة.  واستعانت اللجنة العليا بخبرة سمير مصطفى المتولي، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق لشركة المهندس للتأمين، ليتولى مع فريق العمل استكمال مهمة إعداد الكتاب.
 
إن هذا الكتاب هو منجز ريادي، فما كتب عن تاريخ صناعة التأمين في مصر، وفي غيرها من البلدان العربية قليل، ومعظمها لا يتعدى العرض الوصفي.  وحتى كتاب باسم فارس[5] رغم أهميته، يظل محاولة أولى في تأرخة صناعة التأمين العربية.  ولذلك يمكن أن يكون تاريخ صناعة التأمين في مصر نموذجاً لأسواق التأمين العربية الأخرى لتوثيق وقراءة تطورها لتكوين مصدر للبحث الأكاديمي في تاريخ تطور التأمين في عالمنا العربي.  وفي تقديري، فإن تاريخ صناعة التأمين في مصر سيكون مرجعاً أساسياً للباحثين في تاريخ التأمين في مصر.
 
يضم هذا الكتاب التوثيقي لصناعة التأمين في مصر عشرة أبواب نقتبسها كما وردت في ص 12:
 
الباب الأول: تاريخ صناعة التأمين المصرية
الباب الثاني: شركات التأمين العاملة في سوق التأمين المصري
الباب الثالث: صناديق التأمين
الباب الرابع: مجمعات التأمين
الباب الخامس: الإشراف والرقابة على التأمين
الباب السادس: تاريخ اتحادات التأمين في مصر
الباب السابع: فروع وأنواع التأمين
الباب الثامن: المهن ذات الصلة بصناعة التأمين
الباب التاسع: المنظمات ذات الصلة بصناعة التأمين
الباب العاشر: التعاون الدولي والإقليمي
 
ويضم الكتاب مجموعة جيدة من الصور للأشخاص (محمد طلعت حرب باشا، مؤسس مصر للتأمين، ص 26.  كان من الممكن إضافة المزيد من صور الأشخاص)، وشعارات الشركات (مع شرح لبعضها) ومبانيها، ومستندات أخرى (كصورة صك أسهم الأهلية للتأمين، ص 54؛ وعقد تأسيس الشرق للتأمين، ص 75؛ وقرار رئيس الجمهورية بتأسيس الشركة المصرية لإعادة التأمين، ص 110).
 
جاء في كلمة اللجنة العليا أن هذا الكتاب يعتبر "أول مرجع يؤرخ بصورة شاملة ومتكاملة لصناعة التأمين المصرية منذ نشأتها حتى الآن" (ص 8).  وهو حقاً كذلك ولم تعرف الدول العربية الأخرى ما يماثله.  وتكشف محتويات الكتاب عن جهد واضح امتد إلى أربع سنوات، كما يذكر رئيس الاتحاد المصري للتأمين، السيد عبد الرؤوف قطب، في التقديم، وهو ما يعادل أو يزيد عن فترة الحصول على شهادة الدكتوراه.  ومن يقرأ الكتاب يدرك حجم الجهد المبذول في البحث والكتابة.
 
يتميز الكتاب بشموليته، فهو لا يغطي شركات التأمين العامة والخاصة بل أيضاً الجمعيات التعاونية (جمعية واحدة فقط)، الشركات المنشأة بقانون خاص (تأمين الصادرات)، صناديق التأمين الخاصة (القائمة على تحصيل الاشتراكات من الأعضاء والتعويض عند الوفاة)، وصناديق التأمين العامة (صندوق التأمين الحكومي لضمانات أرباب العهد، أي تأمين ضمان الأمانة، صندوق التأمين التعاوني على مراكب الصيد، صندوق التأمين الحكومي لضمان أخطار الخدمات البريدية، الصندوق الحكومي لتغطية الأضرار الناتجة عن حوادث مركبات النقل السريع، صندوق حماية حملة وثائق التأمين، وهو تحت التأسيس).
 
ويغطي الكتاب أيضاً مجمعات التأمين، وهيئات الرقابة، واتحادات التأمين، والمهن ذات الصلة بالنشاط التأميني (وسطاء التأمين، الاكتواريين، خبراء المعاينة وتسوية المطالبات ...الخ)، والمنظمات غير المصرية ذات الصلة بصناعة التأمين في مصر.
 
يقف الكتاب على مسافة واحدة من شركات التأمين العامة والخاصة وكأن مؤلفو الكتاب يريدون أن يقولوا بأن سوق التأمين يستطيع أن يتعايش مع أنماط مختلفة من ملكية شركات التأمين مثلما يتعايش مع أشكال مختلفة للنشاط التأميني (التجاري التقليدي والتكافلي والتعاوني).  وله نفس الموقف فيما يخص الإيديولوجيات الحاكمة للاقتصاد (الليبرالية، و"الاشتراكية"، وتلك القائمة على تدخل الدولة في النشاط التأميني).  ولا نعثر إلا على القليل من عرض وتحليل العوامل الخارجية (كالعدوان الثلاثي عام 1956) التي أثرت على صناعة التأمين في مصر منذ نشوئه في أوائل القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر.
 
وفي مجال تقييم مكانة الشركات المملوكة للدولة في الاقتصاد الوطني يذكر الكتاب (ص 51) دورها في الآتي: كونها المروج والمستثمر الرئيسي لمئات المشروعات العملاقة؛ تحقيق أرباح لها وزنها يؤول الجانب الأكبر منها للخزانة العامة للدولة (بعكس الشركات الخاصة التي تركز على مصالح المساهمين)؛ تأدية ضرائب ورسوم لخزانة الدولة، "وما قامت وتقوم به في إطار مسئوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع المصري" (لكن هذه المسئولية لم تخضع إلى عرض وتحليل منفصل في الكتاب).
 
ويفرد الكتاب فصولاً مستقلة عن شركات التأمين المملوكة للدولة، وهذا مفهوم ومطلوب أيضاً فهي الأقدم والأكثر متانة مالياً وفي كوادرها (واستفادت شركات التأمين الخاصة فيما بعد من كوادرها لتسيير أعمالها).  وهذه الشركات، حسب تاريخ تأسيسها، هي: شركة التأمين الأهلية المصرية (1900)، شركة المشرق للتأمين (1931)، شركة مصر للتأمين (1934)، والشركة المصرية لإعادة التأمين (1957).  وهذه الفصول يمكن أن تكون نواتاة لكتب مستقلة عن كل واحدة منها.[6]
 
نكتشف عند قراءة الكتاب أن شركات التأمين المصرية، بدءاً من تأسيس شركة التأمين الأهلية (29/5/1900)، كانت تدار من قبل رؤساء أجانب.  ونقرأ في صفحة 58 أن مجلس إدارة الشركة لم يضم في عضويته أي عضو مصري حتى صدور قوانين التمصير في عام 1957.  وكان هذا هو الوضع في دول عربية أخرى ومنها العراق، فعند تأسيس شركة التأمين الوطنية، التابعة للدولة، عام 1950 كان أول رئيس لها إنجليزياً.
 
ولأول مرة أكتشف "أن العاملين بالشركة قاموا بتأسيس أول نقابة لهم في عام 1953 في وجود الأجانب وكان أول رئيس لها هو الأستاذ فتحي محمد يوسف." (ص 58).  أتمنى أن يحظى هذا الموضوع بكتابات إضافية فهو مهمل، ولعل مصر متميزة من ناحية وجود تنظيم نقابي للعاملين في شركات/شركات التأمين.
 
لي بعض الملاحظات أقدمها للاستفادة منها مستقبلاً لو طبع الكتاب ثانية.
 
يخلو الكتاب من تنظيم ملحق للمصادر كان سيكون مفيداً لطلاب البحث في تاريخ التأمين في مصر.  وردت بعض المصادر في الهوامش، وهي قليلة، وهي لا ترقى إلى ثبت جامع لما كتب ونشر عن تاريخ التأمين في مصر (باللغة العربية وربما بلغات أخرى).  كان من المفيد أيضاً أن يضم هذا الكتاب المرجعي فهرساً بالأعلام والموضوعات لتسهيل استعماله من قبل القراء والباحثين.
 
ويخلو الكتاب أيضاً من أية إشارة إلى مساهمات رجال القانون المصريين من الأكاديميين أو العاملين في سلك القضاء في الثقافة التأمينية من خلال الدراسات المهمة عن الجوانب القانونية للتأمين.  مثلما يخلو الكتاب من الإشارة إلى مساهمات الأكاديميين وممارسي التأمين المصريين في تأليف أمهات الكتب التي تعلّم منها واعتمد عليها أجيال من ممارسي التأمين في مصر والمشرق العربي.[7]
 
ومن المؤسف أن لجنة الخبراء والمتخصصين لإعداد هذا الكتاب لم يضم مؤرخاً.  والإيضاح المقدم بهذا الشأن (ص 11) أن "طبيعة النشاط [التأميني] وتخصصه الدقيق وما يتطلبه إنجاز هذه المهمة من معرفة كاملة وشاملة بطبيعة صناعة التأمين والمبادئ التي تقوم عليها والمصطلحات المستخدمة ... أستوجب تشكيل فريق العمل من داخل المطبخ" فيه استهانة بإمكانيات المؤرخين المصريين، وكأن فهم المفاهيم التأمينية وتطور قطاع التأمين بالتزامن مع تطور الاقتصاد حكر على العاملين في كيانات التأمين، وكأن الكتاب دراسة فنية وقانونية لمبادئ التأمين ومصطلحاتها.  ربما فات على مُعدي الكتاب أن الكتب الرصينة حول تاريخ النشاط التأميني، في بلد ما أو على المستوى العالمي أو لشركة تأمين محددة، هي من إنتاج مؤرخين أكاديميين دون أن يعني هذا أي تقليل من قيمة الكتب التاريخية التي دبجتها أقلام العاملين في قطاع التأمين.[8]  إن عدم اعتماد مؤرخ ضمن فريق العمل حرم الكتاب من الأدوات التحليلية التي يستعملها المؤرخون.  ربما ما يشفع موقف فريق العمل هو إنتاج كتاب مبسط "كي يستفيد منه القارئ سواء أكان متخصصاً أو غير متخصص." (ص 12).
 
يرد في باب الإيضاحات دعوة للقارئ عند النظر في أقساط التأمين "أن يؤخذ في الاعتبار وجود نظام قومي متكامل للتأمين الاجتماعي بمصر بدأ منذ عام 1854م بجانب صناديق التأمين الخاصة ... " (ص 13).  إلا أن كتاباً مكرساً لعرض تاريخ التأمين في مصر لا يفرد فصلاً، أو بضع فقرات، لنظام قومي متكامل للتأمين الاجتماعي، أو يحيل القارئ إلى مرجع لمتابعة الموضوع.  كل ما نقرأه فيما بعد (ص 22) "وإن كان التأمين الاجتماعي قد بدأ في العصر الحديث اعتباراً من شهر ديسمبر 1854م بصدور أمر عالي ينظم المعاشات المدنية فقد تأخر ظهور التأمين التجاري ..."
 
تحت عنوان "نشأة التأمين في مصر" (ص 22) نقرأ التالي:
 
ترجع ممارسة التأمين في مصر بالفطرة إلى آلاف السنين الأمر الذي يشهد به ما تم اكتشافه من رسومات على حوائط المعابد ومقابر قدماء المصريين – الفراعنة – معبراً عن التكافل في حالات الوفاة ومواجهة تكاليف الدفن والتحنيط وغيرها من المناسبات.
 
وقد سرّني قراءة هذا القول لأنه يدرج مصر القديمة ضمن البلدان التي عرفت أشكالاً للتعاضد الاجتماعي القريب من مؤسسة التأمين البدائية.  لكن هذا القول، مع الأسف، لا يشير إلى المصدر الذي اعتمد عليه.[9]  وقل مثل ذلك عن الفقرتين التاليتين عن وجود بعض صور التأمين في الجزيرة العربية قبل الإسلام.  والاعتماد على النص القرآني هنا ليس له دلالات تأمينية لو اعتمدنا في تفسير نص سورة قريش على ما جاء في كتب أسباب النزول.  وعلى العموم فإن الاعتماد على النص القرآني يتطلب انتقاءاً دقيقاً للكشف عن الأشكال الأولية للتأمين في حين أن التقاليد القبلية قبل الإسلام أكثر ثراءً من هذه الناحية.[10]  ونعرف أن النص القرآني يحيل أحياناً إلى التواكلية، كما جاء في سورة البقرة "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [الضرر والخسارة بالمعنى التأميني] وبشر الصابرين (الآية 155) الذين إذا أصابتهم مصيبة [حادث بالمعنى التأميني] قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون." (156).  أي لا رجوع إلى مؤسسة أخرى (كيانات التأمين المختلفة في زماننا) تتولى توفير درجة من راحة البال ضد عدم التيقن وبعض التعويض عن خسائر الأفراد والجماعات.  وعلى أي حال، فإن القرآن "حمّال أوجه" كما نُقل عن علي بن أبي طالب.
 
هذا الكتاب لم يكتبه مؤرخون محترفون، وهو لا يبحث في تاريخ التأمين في مصر من خلال الاهتمام بتفاصيل ارتباطاته بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.  الاستغناء عن الكتابة التاريخية الأكاديمية من خلال الاكتفاء بما اسماه معدو الكتاب "دفتر أحوال مصر"، وهو مفيد كملخص للتطورات في مصر متبوعاً بالتطورات التأمينية، ليس كافياً.  إلا أن التطورات التأمينية لا تقترن، على مستوى التحليل، مع التطورات الاجتصادية والسياسية، ونعرف أن قطاع التأمين يتحرك، صعوداً وهبوطاً، مع حركة الاقتصاد الوطني.  وحتى أن دفتر الأحوال تأمينياً لا يذكر، على سبيل المثل (ص27)، ملكية شركات التأمين – هل كانت خاصة، وطنية، أجنبية، مختلطة، ونكتشف قليلاً بهذا الشأن في الفصول المخصصة لشركات التأمين العامة.
 
كما أن تجميع البيانات الاحصائية والمعلومات عن شركات التأمين لا تعني كتابة للتاريخ.  لا نقرأ في الكتاب شيئاً عن تطور الكثافة التأمينية والتغلغل التأميني (ما خلا ما ورد في ص 46 أن نشاط التأمين يمثل 0,3% (ثلاثة من عشرة في المائة) من الناتج المحلي الإجمالي بتكلفة عوامل الإنتاج بالأسعار الثابتة وذلك عن السنة المالية 2012/2013).  مثلما لا نقرأ عن إجمالي حجم وأنواع الاستثمارات التأمينية لقطاع التأمين ودوره في تكوين رأس المال.  ولا نقرأ عن إجمالي عدد العاملين في قطاع التأمين وتطور هذا العدد.  وفي صفحة 47 يعرض الكتاب أهم المؤشرات في جدول للسنوات المالية 2008-2013 لكنه لم يقدم جدولاً مماثلاً للفترة السابقة.
 
هناك مقاطع ترصد دور وتأثيرات المؤسسات الدولية التي خضع لها قطاع التأمين المصري بقرار سياسي متمثلاً بصدور القانون رقم 91 لسنة 1995 لتعديل قانون الرقابة على التأمين لسنة 1981، بالسماح للشركات الأجنبية المساهمة في رأس مال شركات التأمين المباشر بنسبة 49% (رفعت عام 1999 إلى 51%) وبنسبة 100% لشركات إعادة التأمين (ص 113).  تبع ذلك قرار الهيئة المصرية للرقابة على التأمين بتخفيض الحصة الإلزامية المسندة من الشركات المحلية إلى الشركة المصرية لإعادة التأمين تدريجياً حتى إلغاءها في 1/1/2013 بالنسبة لفروع التأمين البحري والسيارات والحوادث العلاج الطبي والإبقاء على إسناد 10% في فروع الحريق والطيران والبحري والبترول والهندسي. (ص 114).  يدلُّ هذا، في رأينا، على حرص القائمين على شؤون قطاع التأمين، للحد من الخضوع الكلي لمتطلبات المؤسسات الدولية في فتح السوق أمام رأس المال الأجنبي.
 
ويشيد الكتاب بسياسة الشركة المصرية لإعادة التأمين في الحفاظ على موقعها من خلال "زيادة قبول العمليات الجديدة الواردة من الخارج خاصة من المنطقة العربية ... مع تقليص الاكتتاب من المناطق التي تتسم بالأخطار الطبيعية ..." وكذلك توفير الطاقات الاستيعابية الكبيرة للشركات المباشرة وتمكينها من الاكتتاب بالأخطار الكبيرة، والمساهمة في الاحتفاظ بالنقد الأجنبي داخل مصر، مخففة بذلك العبء من ميزان المدفوعات. (ص 114).
 
هذا النمط من التحليل بحاجة إلى توسيع في ضوء مقارنة الأرقام قبل وبعد اتخاذ القرارات الأساسية التي حددت مسار قطاع التأمين المصري.  وقد بيّن الكتاب ملامح من التأثير السلبي للانفتاح على سياسات شركة الشرق للتأمين (ص 82-84).  فمن بين الأحكام التي وردت في الكتاب بهذا الشأن أن الشرق للتأمين، مع "انتهاج الدولة لسياسة الانفتاح ومع إلغاء المؤسسة المصرية العامة للتأمين كشركة قابضة وفي غياب قانون وهيئة فعالة للإشراف والرقابة على التأمين عندئذ قامت الشرق للتأمين بالمساهمة في عدد من المشروعات وفق سياسة استثمارية تراكمت سلبياتها ..."
 
يفرد الكتاب جدولاً (ص 42) لحجم نمو وتطور قطاع التأمين، ويكتفي بعرض تطور أقساط التأمين المباشر، وهي أرقام إيجابية.  ففي عام 1950 كان مجموع الأقساط الإجمالية المباشرة 6,9 مليون جنيه، وفي عام 2000/2001 كان 2096,1 مليون جنيه، وهو تطور هائل ربما يشير إلى زيادة الكثافة التأمينية، أو أن بعض الارتفاع يُعزى إلى عامل التضخم النقدي.  هذا التطور بحاجة إلى تحليل، وكان من المناسب الإشارة إلى تطور حجم العمالة خلال الأعوام 1950-2000، وكذلك حجم الاستثمارات[11] وحجم التعويضات المسددة.
 
عندما ينتهي المرء من قراءة الكتاب يشعر بأنه تعلّم ما لم يكن يعرفه، وأنه قد أضاف الجديد إلى معرفته بتاريخ صناعة التأمين في مصر.  إن القائمين على إنتاج هذا الكتاب يستحقون منّا كثيراً من الشكر والعرفان بفضلهم على تنويرنا.  أتمنى أن يلقى الكتاب رواجاً بين العاملين في قطاع التأمين المصري والعربي.
 
مصباح كمال
لندن، كانون الأول 2014/كانون الثاني 2015


[1] من المؤمل أن يكون الكتاب القادم للاتحاد مكرساً لرواد وأعلام صناعة التأمين في مصر، كما جاء في إيضاحات الكتاب، ص 11.
 
[2] و. أ. دنسديل، مبادئ التأمين، ترجمة د. أحمد فؤاد الأنصاري، مراجعة د. يحيى عويس (القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1965).
 
[3] للزميل تيسير التريكي مشروع مماثل تقريباً يهدف إلى إغناء مكتبة التأمين العربية بسلسلة مترجمة من الكتب التأمينية التي تفتقر إليها المكتبة.
 
[4] آمل أن يضم المشروع كتاباً جامعاً لقوانين التأمين، وكتباً تضم اطروحات ماجستير ودكتوراه عن مواضيع تأمينية أو لها علاقة بالتأمين، وكذلك إعادة طبع بعض المؤلفات التأمينية المصرية المهمة (الكلاسيكية)، ووضع بيبلوغرافيا عن الكتب التأمينية والمطبوعات الأخرى الصادرة في مصر.
 
[5] Basim A Faris, Insurance & Reinsurance in the Arab World (London: Kluwer Publishing, 1983)
[6] يرد في هامش في الصفحة 77 ذكر لمخطوطات مشروع كتاب للمؤرخ د. يونان لبيب رزق عن الشرق للتأمين "وللأسف لم يطبع الكتاب."  يتمنى المرء أن ينشر هذا الكتاب لأنه من تأليف مؤرخ مرموق ولأنه يصب في خانة اهتمامنا بقيام المؤرخين العرب بالبحث في النشاط التأميني في العالم العربي.
[7] على سبيل المثل: د. محمد إبراهيم دسوقي، تقدير التعويض بين الخطأ والضرر (القاهرة: مؤسسة الثقافة الجامعية، د.ت.)؛ جمال الحكيم، التأمين البحري: دراسة علمية عملية قانونية (القاهرة: 1955)
 
[8] هناك أمثلة عديدة بهذا الشأن، على سبيل المثل:
P. G. M. Dickinson, The Sun Insurance Office, 1710-1960 (London: Oxford University Press, 1960)
وكان المؤلف استاذاً في جامعة أوكسفورد البريطانية.
 
Ronald George Garnet, A Century of Co-Operative Insurance (London: George Allen and Unwin Ltd, 1968)
وكان المؤلف نائب رئيس كلية مانشستر للتجارة البريطانية.
 
Barry Supple, The Royal Exchange Assurance, A History of British Insurance 1720-1970 (Cambridge: Cambridge University Press, 1970)
وكان المؤلف بروفيسور التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في جامعة سيسيكس البريطانية.
 
Peter Borscheid and Niels Viggo Haueter, editors, World Insurance: The Evolution of a Global Risk Network (Oxford: Oxford University Press, 2013)
والمحرر بيتر بورشايد، بروفيسور فخري للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي في جامعة ماربورغ الألماني.  والمحرر نيلز فيجو هويتر، رئيس فريق تاريخ الشركة السويسرية لإعادة التأمين والمحفوظات التاريخية للشركة.  أما المشاركون في الكتاب فهم هارولد جيمس، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة برنستون؛ ودافيد غيوغيرلي، بروفيسور التاريخ في المعهد الفيدرالي التكنولوجي في زيوريخ؛ وتوبايس ستراومان، محاضر في قسم التاريخ في جامعة زيوريخ.
 
[9] وهذه مسألة مهمة لأن هناك رأي، لم يَلقَ، حسب علمي، نقداً من زملاء التأمين في مصر، يقول:
"المصريون، وكما تبين محفوظاتهم الأولى، كانوا، لحين اختلاطهم الحر مع أقوام آسيا الصغرى، يتعاطون بالرعي والزراعة ولم يهتموا بالتعاملات المالية، والمتاجرة أو الانتاج الصناعي.  فقد كان ميلهم الطبيعي نحو الفن والفلسفة وليس إلى ما هو عملي إذ كانوا يعتبرون الاشتغال بمراكمة الثروة money-making والمتاجرة مناسب للعبيد وغير ملائم للأكابر، وإضافة إلى هذا الرأي الشعبي فإن تعاليم الكهنة كانت تعارض بشدة استخدام النقود كآلية لكسب الفائدة.  القروض التي كانت تنظم في هذه العصور الأولى كانت ذات طبيعة عادية، وأكثر أنواعها شيوعاً كانت قروضاً للفلاحين الصغار والمزارعين.  وبسبب قلة التجارة لم يُسن تشريع لتنظيم القروض المخصصة لأغراض المتاجرة إذ أن النقود المستخدمة لهذه الأغراض كانت ستقابل بلعنة الكهنة.  وعليه إذا كانت العقود من نمط قروض القرض على السفينة مستخدمة عند المصريين قبل القرن الخامس عشر أو السادس عشر قبل الميلاد، فإنها كانت تُعقد بالسر وتنفذ اعتماداً على قرارات شخصية، كتلك التي كانت تستخدم في ضبط أعضاء النقابات التجارية في العصور الكلاسيكية والوسطى."
C F Trenerry, The Origin and Early History of Insurance (London: P S King and Son, 1926), p 51-52
هذه الترجمة مستلة من مسودة كتابي مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية المؤمل أن ينشر عام 2015 من قبل منتدى التعارف في بيروت.
 
[10] رينات بَكّين، "الأشكال الأولية للتأمين في المجتمع الإسلامي: مؤسسة الدية والزكاة كمثال،" ترجمة مصباح كمال، التأمين العربي، العدد 108، مارس (آذار) 2011، ص14-21.
[11] عند عرض ملامح تطور شركة التأمين الأهلية (ص 64)، يشير الكتاب إلى تضاعف حجم الاستثمار "آلاف المرات على مدى مائة عام حيث بلغت استثمارات الشركة في نهاية عام 2000 ملياراً ونصف المليار جنيه بينما كانت عام 1900 في حدود مبلغ 60 ألف جنيه."  وهو ما تم عرضه في جدول في الصفحة 60 حول أهم المؤشرات المتعلقة بالشركة ومنها الاستثمارات.  ويشير في نفس الصفحة (64) إلى سياسة الاستثمار العقاري للشركة.


2015/04/06

هل هناك عقد للتأمين في الفقه الإسلامي؟






مصباح كمال





نشر موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، أوائل آذار/مارس 2015، الطبعة الإلكترونية الأولى (منقحة ومزيدة، 2014) من كتابي "أوراق في تاريخ التأمين في العراق – نظرات انتقائية" (نشرت نسخته المطبوعة شركة التأمين الوطنية، بغداد، 2011 [2012]).



وقد كتب أ. فاروق يونس (9 مارس، 2015) في موقع الشبكة تعليقاً اقتبسه أدناه وبدوري قمت بالتعليق عليه. وفيما يلي أقدم التعليقين مع إضافة بسيطة لما كتبته أصلاً.



يقول أ. فاروق يونس:



لاحظت بان كتابكم القيم لم يخصص مبحثا مستقلا حول عقد التامين فى الفقه الاسلامى وجاء فى الصفحة 172 من الكتاب (ان تاريخ تطور التامين فى العالم العربى هو موضوع صعب لم يبحث بعد وحتى تاريخ النشاط التامينى فى كل قطر عربى ارتباطا مع التاريخ الاقتصادى لم يحظ بدراسة) مع اشارة مقتضبة لراى كل من ابن عابدين حول التامين البحرى وراى الشيخ محمد عبده الذى اجاز التامين على احد اشكال التامين على الحياة.



الحقيقة ان الجدل لم ينقطع بين رجال القانون وبين علماء الفقه الاسلامى حول عقد التامين.



جاء فى مقال الدكتور برهام محمد عطا الله الموسوم ب ( التامين وشريعة الاسلام ) المنشور فى مجلة المسلم المعاصر بتاريخ 16 كانون الاول 2001 ما يلى:



( ومن الذين عنو بمعرفة راى الشرع الاسلامى بموضوع التامين الدكتور رزق الله انطاكى والدكتور نهاد السباعى وهما يرون ان الفقه الاسلامى يتقبل عقد التامين وانه سبق الى تقريره ويذكران ما جاء فى – الدرر فى شرح الغرر – فى كتاب الكفالة لو قال رجل لاخر: اسلك هذا الطريق فانه امن وان كان محفوفا واخذ مالك فانا ضامن فسلكه واخذ ماله يضمن القائل.



ويستنبطان من ذلك ان فقهاء المذهب الحنفى قد قبلوا مبدئيا فكرة ضمان خطر الطريق التى تعتبر نصا صريحا فى التامين قبل ان يولد ذلك العقد) انتهى الاقتباس.



وفي تعليقي (23 مارس 2015) على كلمة أ. فاروق يونس كتبت التالي:



(1) ترحيب بالتعليق وتقديم للموضوع


سررت لقراءة تعليقك واهتمامك بالنشاط الـتأميني وتاريخه. حقاً ما قلتَ بأنني لم أخصص مبحثاً مستقلاً في كتابي حول عقد التأمين في الفقه الإسلامي. ولم يكن هذا سهواً من جانبي بل انعكاساً لموضوع الكتاب الأساسي وهو محاولتي الاقتراب من تاريخ التأمين في العراق. وما نقلته في الفصل المعنون (مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي) عن ابن عابدين ومحمد عبده لم يكن يهدف إلى تقويمٍ لموقفهما الفقهي بل العرض التاريخي، وهو عرض قاصر، للنشاط التأميني في العالم العربي. يضاف إلى ذلك أن الفقه الإسلامي الموروث لا يضم على وجه التحديد فصلاً مستقلاً حول عقد التأمين.



وبودي أن استفيد من هذه الفرصة للتفريق بين (1) الأشكال الأولية للتأمين، وهي كثيرة وموجودة لدى مختلف شعوب العالم، وبين (2) التأمين كمؤسسة اجتماعية أو تجارية مُنظمة تقوم بتجميع المساهمات/الأموال من مجموعة من الأفراد، ووضع هذه الأموال في صندوق يستخدم لجبر الضرر الذي يلحق بعدد قليل من الأفراد، مستفيداً بالقيام بهذه الوظيفة من قانون الأعداد الكبيرة والاحتمالات.



(2) أشكال بدائية للتأمين في التراث العربي


اقتباسك الأمين من مقال الدكتور برهام محمد عطا الله الموسوم بـ (التأمين وشريعة الإسلام) الذي أوردته في تعليقك يُصنّف ضمن الأشكال الأولية غير المنظمة للتأمين. لاحظ أن النص المقتبس (لو قال رجلٌ لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن كان محفوفاً وأخذَ مالكَ فأنا ضامنٌ، فسَلَكَه وأُخذَ ماله يُضمِن القائل)، أي إن القائل يُعوّض الشخص الآخر لخسارة أمواله، هو بمثابة اتفاق خاص بين شخصين لا يرقى إلى نشاط تأميني منظم، جماعي أو تجاري. صحيح أن هناك طرفين "متعاقدين" شفاهاً (القائل والرجل المخاطب، مُؤمِن ومؤمَن له) وأن هناك "مجازفة" (خطر تأميني ينطوي على احتمال التحقق من عدمه) وتحويل لعبء المجازفة (عبء الخطر) إلى القائل (المؤمِن)، إلا أن العِوَض/المقابل (قسط التأمين) وتجميع هذه الأقساط في صندوق مالي لتعويض الخسارة مفقودان، كما أن الضمان ليس مبنياً على تقييم للاحتمالات. أي أن الاتفاق لا يعدو غير تقديم حماية من شخص إلى شخص آخر ربما لسبب أخلاقي.



مثل هذا الاتفاق، كغيره، لا يُشكّل صيغة تأمينية قائمة على نظرية للاحتمالات، واتفاق منظم بين طرفين متعاقدين، قابل للتنفيذ بقوة القانون، مقابل مبلغ (قسط تأمين) لتعويض الطرف المتضرر في نفسه أو أمواله بسبب خطر أو أخطار محددة، وكل ذلك ضمن إطار تنظيمي مؤسسي، أو شبه مؤسسي، لإدارة عملية توزيع عبء الخسارة المالية على عدد كبير من أعضاء الجماعة المشتركة في مشروع الحماية من الأخطار الخارجية التي قد تصيبهم.



(3) إدارة الخطر في التراث العربي


ويشهد تاريخ العرب وجود أشكال أولية، تؤشر على بدايات إدارة الخطر. إدارة الخطر، رغم حداثتها كموضوع مستقل، فإنها موجودة، وبأشكال مختلفة، كممارسة للتحوط من آثار ما يمكن أن يحصل مستقبلاً للناس وأموالهم من خسائر وأضرار. نقرأ التالي في كتاب:



"من قديمٍ كانت جزيرة العرب طريقاً عظيماً للتجارة، فطوراً تنقل غلاتها إلى ممالك أخرى كالشام ومصر، وأهم هذه الغلات البخور الذي يكثر في الجنوب في ظفار؛ وطوراً تنقل غلات بعض الممالك إلى البعض الآخر، ذلك لأن طريق البحر لم يكن طريقاً آمناً، فالتجأ التجار إلى البر يسلكونه، ولكن طريق البر نفسه كان طويلاً وكان خطراً، لذلك أحاطوه بشيء من العناية، كأن تخرج التجارة في قوافل، وأن تسير القوافل في أزمنة محددة وفي طريق محدودة." (أحمد أمين، فجر الإسلام، بيروت: دار الكتاب العربي، ط 11، 1975، ص 11).



ولنا في قصة النبي يوسف ومشورته لفرعون مصر عن خطر سنوات المجاعة مثلاً جيداً عن إدارة هذا الخطر. وبهذا الشأن نقرأ التالي في القرآن (سورة يوسف: 43-49)



"قَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ. قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ. وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ."



التفكير في المستقبل وما قد يحمله من آثار واستنباط الوسائل المناسبة للتعامل مع تصور الآثار نشاط بشري يتخذ أشكالاً عديدة.



(4) تأصيل مؤسسة التأمين


أزعم أن البلدان العربية فشلت في تأصيل التأمين من خلال الاستفادة من الأشكال الأولية، البدائية، لبعض عناصر مؤسسة التأمين، كتجزئة/توزيع المخاطر، وضمان/كفالة الضرر. وظلت مؤسسة التأمين غائبة أو غريبة عن هذه البلدان لحين إدخالها إليها من خلال التوسع الإمبريالي الأوروبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. (H James (editor), P Borscheid, D Gugerli, T Straumann, The Value of Risk, Oxford: University Press, 2013, pp 50-52))



ليس هناك عقد للتأمين، في مفهومه الحديث وتنظيمه، في الفقه الإسلامي. وما يرد في التراث من إشارات، قبل الإسلام وبعده، تظل مجرد إشارات تكلست في بيئتها التاريخية ولم تخضع إلى تطوير لتتحول إلى مؤسسة منظمة للتعامل مع عدم اليقين وإدارة الخطر، الطبيعي والبشري، المصاحب لحياة الناس. لو كان التأمين حاضراً بصيغته التعاقدية في الفقه الإسلامي لما انصب رأي ابن عابدين على رفضه في (دار الإسلام).



لقد ظلّ النموذج الأوروبي لمؤسسة التأمين هو السائد، حتى أن تأسيس أول شركة تأمين إسلامية في السودان، من قبل بنك فيصل الإسلامي عام 1979، شركة التأمين الإسلامية المحدودة، استوحت هذا النموذج، في صيغته التبادلية، من النموذج الغربي رغم إضفاء تسميات جديدة على بعض المصطلحات كإطلاق تعبير التبرع على قسط التأمين، والاستفادة من بعض العقود الشرعية كعقد الكفالة وعقد الإجارة.



وقد كتبتُ في سياق آخر له علاقة بالموروث الديني المستخدم لأغراض الاشتغال في التجارة بأن الاعتماد على النص القرآني يتطلب انتقاءاً دقيقاً للكشف عن الأشكال الأولية للتأمين، في حين أن التقاليد القبلية قبل الإسلام أكثر ثراءً من هذه الناحية. (رينات بَكّين، "الأشكال الأولية للتأمين في المجتمع الإسلامي: مؤسسة الدية والزكاة كمثال،" ترجمة مصباح كمال، التأمين العربي، العدد 108، مارس (آذار) 2011، ص14-21). فالنص القرآني يُحيل المرء أحياناً إلى التواكلية، كما جاء في سورة البقرة: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [الضرر والخسارة بالمعنى التأميني] وبشّر الصابرين (الآية 155) الذين إذا أصابتهم مصيبة [حادث بالمعنى التأميني] قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون." (156). أي لا رجوع إلى مؤسسة أخرى (كيانات التأمين المختلفة في زماننا) تتولى توفير درجة من راحة البال ضد عدم التيقن والتعويض الكلي أو الجزئي عن خسائر الأفراد والجماعات. وعلى أي حال، فإن القرآن "حمّال أوجه" كما نُقل عن علي بن أبي طالب.



(5) الأشكال البدائية للتأمين وإشاعة ثقافة التأمين


اكتشاف الأشكال البدائية لبعض عناصر التأمين، وكذلك إدارة الخطر، في تاريخ العراق والعالم العربي يُفيد في تعميق الثقافة التأمينية المعاصرة، مثلما هو مفيدٌ في التأكيد على أن مصادر المعرفة والممارسات القديمة هي التي وفّرت التراكم الضروري لابتكار التأمين في شكله الحديث. وهذا ما انتبه له العديد من الباحثين في دراستهم لشريعة حمورابي، ونظام الدية قبل الإسلام وبعده وغيرها.



اشكرك ثانية لتعليقك الذي حفّزني على كتابة هذه الملاحظات، وآمل منك ومن المعنيين نقدها والإضافة إليها.



5 نيسان 2015