إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/03/23

Health Insurance & Alienation

صناعة التأمين الصحي:

كيف يمكن لكارل ماركس أن يساعدنا في فهم أزمة الرعاية الصحية



يونا شين[1]


ترجمة: مصباح كمال



من أجل إعادة التفكير جذريا في الجدل الدائر حول إصلاح الرعاية الصحية، نحتاج أن نفهم أولا ما هو التأمين الصحي، وبالضبط ما يؤمن عليه. بالنسبة للأشياء الخارجية، مثل البيت والسيارة، أو القارب، نعرف بالضبط ما تؤمنه وثيقة التأمين: بيت، سيارة، قارب، على التوالي. فنحن نؤمّن من أجل استرداد المنتجات التي نشتريها في حالة وقوع أضرار أو خسائر لها سواء عن طريق الإصلاح أو الاستبدال.



ماذا عن التأمين الصحي الخاص بك؟



في حالة التأمين الصحي، إذا كنا محظوظين في الحصول عليه، فنحن قادرون بفضل التأمين على توفير التمويل لتغطية التكاليف اللازمة لاسترداد صحتنا من مرض فاجع. وبهذا المعنى، يبدو عدم وجود أي فرق بين وثيقة تأمين سيارة، على سبيل المثال، ووثيقة تأمين صحي. ومع ذلك، فإن هذا لا يبدو صحيحا تماما.



في حالة السيارة، نفهم من دون شك أنه شئ خارجي منفصل تماماً عنا. الأمر نفسه ينطبق على المنازل والقوارب، وغيرها من الأشياء. ولكن خلافا لهذه الأشياء، على أي حال، فإن صحتنا ليست خارجية. فهي التي تجعلنا نقوم بوظائفنا، وتمكننا من أن نحيا حياة منتجة وذات مغزى. إنها تسمح لنا أن نكون ما نحن عليه. وليس من المعقول أن نتصور أن صحتنا على نحو ما هي خارجية بالنسبة لنا. هل يمكن بعد ذلك أن نتحدث عن صناعة التأمين الصحي بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن صناعة تأمين الممتلكات؟



كيف يكون التأمين الصحي ممكناً؟ هنا يدخل ماركس.



من أجل فهم هذه المشكلة، أقترحُ أن نستخدم المفهوم الماركسي عن "الاغتراب". يستخدم كارل ماركس هذا المفهوم لفهم علاقة العمل مع ما ينتجه في مخطوطات عام 1844. هذا المفهوم مفيد لمساعدتنا على فهم كيف أن صحتنا تخضع لنفس عملية "التغريب" من أنفسنا في عملية جدلية تجعل الصحة، على حد سواء، ملكاً لنا ولكن في نفس الوقت ليست لنا. اسمحوا لي أن أشرح.



دعونا نتفق أولاً على أن العمل هو صنو الطبيعة البشرية. فنحن نُعرّف كبشر بالعمل الذي نقوم به. في الواقع، نحن عملنا، وأسماؤنا كثيراً ما تكشف ذلك. فنحن حدادون، بناؤون، صناع براميل خشبية، صناع أحذية، طحانون، الخ.



ومع ذلك، في الوقت الذي تدخل فيه هذه المنتجات دورة الشراء والبيع من أجل الربح، فإن العلاقة بيننا وبين هذه المنتجات تخضع لعملية تغيير جذري، تصبح شيئاً غريباً عنا وتتخذ حياة خاصة بها، منفصلة بالكامل عنا. ولأنها تكتسب قيمة، فإن العمال الذين قاموا بإنتاجها يرون أن ملكيتهم فيها تتقلص وفي الوقت نفسه يرون أن القيمة الخاصة بهم تتقلص بما يتناسب مع قيمة منتجاتهم. ووفقا لماركس: كلما زاد نشاط العامل كلما قلّ ما يملك. وما يتجسد في نتاج عمله لا يعود له. ولذلك، كلما كان المُنتج أكبر كلما تضاءل العامل.



هذا هو على وجه التحديد كيف تبدأ عملية "التغريب" إذ تصبح علاقة العامل مع نتاج عمله علاقة مع شئ غريب. "اغتراب" العامل عن نتاجه لا يعني فقط أن "عمله يصبح شيئاً، يتخذ وجوداً خارجياً، ولكن موجودا بشكل مستقل، خارج نفسه، وغريباً عنه، ويقف معارضاً له كقوة مستقلة."



ومع العمل الذي يقوم به العامل، كلما أزداد إنتاجه من خلال عمله، كلما ازداد اغتراب نشاطه عن نفسه. فعمله يصبح "سلعة" إذ يدخل في علاقة مختلفة جوهرياً، علاقة تجارية، علاقة تبادل، علاقة بيع وشراء." وهكذا فإن عملنا، الذي يحدد لنا ما هو طبيعتنا، يصبح مصدرا للربح، ليس بالنسبة لنا، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يسيطرون عليه.



لقد أصبحت صحتنا سلعة لصناعة بأكملها.



عملية "استلاب العمل" هذه تساعدنا على فهم كيف أن صناعة التأمين الصحي تعمل اليوم. فصحتنا، التي تمكننا من العمل، تصبح مُستلبة منا. ونحن نقوم بالتأمين على صحتنا كما لو كانت شيئاً خارجياً تماما مثل سيارة، أو منزل، أو زورق.



النظام الذي تقوم عليه "صناعة" التأمين الصحي في أميركا اليوم هو التأمين على صحتنا طالما أنها منتجة. فصحتنا انتزعت منا، وتم تحويلها إلى شئ خارجي، وبفضل ذلك يتم تحقيق أرباح هائلة، ليس لنا ولكن لأولئك الذين يسيطرون على "الصناعة " فصحتنا قد "استلبت" منا حرفيا بعد خضوعها لعملية التحول من شيء متأصل فينا إلى مُنتج خارجي. الصحة التي يُؤمن عليها على أي حال ليست كامل صحتنا، الجيدة والسيئة، ولكن فقط ذلك الجزء الإنتاجي منها؛ فقط ذلك الجزء الذي يدر الربح؛ فقط ذلك الجزء الذي يُولّد الربح.



كلمة "صناعة" في حد ذاتها صائبة في وصف نظامنا التأميني الحالي. فتحت عنوان "الصناعة" نفترض أن هناك شئ ملموس، خارجي مُنتج من خلال العمل الإنساني الذي يكون قابلاً للتأمين. الكلمة نفسها تشيع فكرة أن صحتنا هي رأسمال، والغريب أن الرأسمال هذا ليس لنا ولكن بالأحرى رأس المال الذي من خلاله تصبح الصناعة نفسها أكثر ثراء وثراء. الكشف مؤخرا على المرتبات غير المعهودة للمديرين التنفيذيين لشركات التأمين يعكس ذلك. ونحن نشعر، بطريقة ما، في قرارة أنفسنا بأن هذا ليس صحيحا، فصحتنا ليست سلعة. وهذا هو السبب في أن هناك غضبا كبيراً على هذه المرتبات الباهظة.



وعليه فإن المشكلة في هذا النموذج هو أن صحتنا، كما يشير النموذج الماركسي عن "الاغتراب،" ربما يمكن التأمين عليها، ولكننا لسنا مُؤمَنين. فحالما نصبح غير قادرين على إنتاج هذا الكائن الخارجي المرغوب، صحتنا، لا نعود بعدها موضوعاً يمكن التأمين عليه. ولم لا؟ لأننا لم نعد مالكين لصحتنا. شركات التأمين هي المالكة لها. أي أولئك الذين يربحون من امتلاك صحتنا. وبالتالي، كلما كُنا أصحاء كلما تدنى امتلاكنا لصحتنا. هذا هو الديالكتيك الماركسي في التطبيق.



هل يمكن حقا أن تكون مغترباً عن صحتك؟



في رأيي، من السخف التفكير في أن صحتنا هي شيء يمكن أن يُستلب منا، وأن تُحوّلَ إلى سلعة من قبل صناعة بأكملها لتحقيق أرباح لهذه الصناعة. السلع موجودة فقط لتحقيق أرباح لأصحابها. ومع ذلك، فإن تأمين صحتنا ليس مثل تأمين سيارة، أو منزل، أو زورق. ليس هناك حجة في كون هذه الأشياء خارجية إذا خسرناها فإننا لا نموت. من ناحية أخرى، إذا فقدنا صحتنا والتأمين لأننا لم نعد أصحاء، فإننا نموت لمجرد أننا لا نمتلك القدرة على شراء ما يلزم من العناية.



لقد حان الوقت لإعادة النظر في بنية الرعاية الصحية. أولا وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى الابتعاد عن فكرة أن صحتنا شيء يمكن التأمين عليه من قبل "صناعة." فكرة أن صحتنا جزء من صناعة ما خطأ جوهري. "صناعة التأمين الصحي" في حد ذاتها تسمية خاطئة. الصحة ليست سلعة. لا يمكن ولا ينبغي أن تكون سلعة. يجب أن لا تستخدم صحتنا من أجل الربح.



نحن بحاجة لاستعادة ملكية صحتنا. فلنعمل على إدخال العناية/الرعاية في "الرعاية الصحية" بدلا من إعطائها "لصناعة." حياتنا تعتمد على ذلك.



لندن تموز 2010

________________________________________

نص ماركس حول الاغتراب في مخطوطات عام 1844


وكل هذه النتائج يحويها التعريف القائل ان العامل يرتبط بناتج عمله كما يرتبط بموضوع [بشئ] غريب، لأنه من الواضح بحكم هذه المقدمة أنه كلما أنفق العامل نفسه زادت قوة عالم الأشياء الغريب الذي يخلقه ليقف فوق وضد نفسه وأصبح – عالمه الداخلي –أكثر فقراً، وقلّ ما يعود إليه كشيء مملوك له. ... إن العامل يضع حياته في الموضوع [الشئ]، لكن حياته الآن لا تعود تنتمي له وإنما للموضوع. ومن هنا فكلما زاد نشاط العامل، زاد افتقاره إلى الموضوعات [الأشياء]. وأياً كان ناتج عمله، فإنه لا يعود مُنتجاً لنفسه. ومن هنا فكلما زاد هذا الإنتاج أصبح هو ذاته أقل كينونة. ولا يعني اغتراب العامل في ناتجه أن عمله قد أصبح موضوعاً (شيئاً) – وجوداً خارجياً – فحسب وإنما يعني أن الموضوع يوجد خارجه، مستقلاً عنه، كشيء غريب عنه، وأنه يصبح قوة في ذاته تواجهه، إنه يعني أن الحياة التي منحها للموضوع تواجهه كأمر مُعادٍ غريب.


All these consequences are implied in the statement that the worker is related to the product of labor as to an alien object. For on this premise it is clear that the more the worker spends himself, the more powerful becomes the alien world of objects which he creates over and against himself, the poorer he himself – his inner world – becomes, the less belongs to him as his own. It is the same in religion. The more man puts into God, the less he retains in himself. The worker puts his life into the object; but now his life no longer belongs to him but to the object. Hence, the greater this activity, the more the worker lacks objects. Whatever the product of his labor is, he is not. Therefore, the greater this product, the less is he himself. The alienation of the worker in his product means not only that his labor becomes an object, an external existence, but that it exists outside him, independently, as something alien to him, and that it becomes a power on its own confronting him. It means that the life which he has conferred on the object confronts him as something hostile and alien.


[1] نشرت هذه المقالة في الصحيفة الإلكترونية الأمريكية The Huffington Post تحت عنوان:


“Health Insurance Industry: How Karl Marx Can Help Us Understand the Health Care Crisis”

http://www.huffingtonpost.com/
بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2009. وهذا هو الرابط لها:

http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:Y9pJCTmJsIAJ:www.huffingtonpost.com/yuna-shin/health-insurance-industry_b_318340.html+karl+marx+and+insurance&cd=2&hl=en&ct=clnk&gl=uk

يرد تعريف بكاتبة المقالة، يونا شين، في الصحيفة الإلكترونية كالآتي: أم، زوجة، ابنة، وصديق في كل وقت. وهي أيضا مُدرسة، ومتطوعة، كاتبة، وحالمة لبعض الوقت. بينما يوفر لها التدريس في الكلية المحلية المشاركة في الأمور الأكاديمية، فإن ممارسة اليوغا تُذكرها بانتظام بالبساطة والامتنان التي تحاول بهما ملء حياتها. تعتبر نفسها محظوظة لامتلاكها للتوازن بين الحياة الأسرية والعمل والسعي لتحقيق السعادة.

وقد تعرفنا على هذه المقالة أثناء بحثنا لموضوع مكانة التأمين في كتابات آدم سمث و كارل ماركس.






2012/03/09

Refusing Insurance for Armoured Vehicles?

رفض تأمين

السيارات المصفحة لأعضاء البرلمان العراقي؟



مصباح كمال



لا أدري إن كان لزملائي وزميلاتي في قطاع التأمين العراقي موقف تجاه قرار البرلمان العراقي لتخصيص ما يقرب من 50 مليون دولار لشراء 350 سيارة مصفحة للنواب، وكذلك خطاب الدائرة البرلمانية للجنة الأمن والدفاع لمفاتحة وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية "لشراء أسلحة (بنادق ومسدسات) للسادة النواب" (وفاتت اللجنة ذكر السيدات من أعضاء مجلس النواب). قد يبدو السؤال متعجرفاً وهو ما لا أعنيه إطلاقاً إذ أنه ينحصر في الموقف التأميني البحت من هذا القرار المتكبر على حقوق المواطنين والناخبين والمستغرق في مصالح أعضاء البرلمان.


لقد كُتب الكثير من النقد عن إهدار المال العام وبؤس الأداء التشريعي والرقابي فيما يخص الأحوال المعيشية للناس دونكم سوء الخدمات وغياب السياسات الاقتصادية للتنمية. ولعل خير رد على "ممثلي الشعب" هو ما قاله شرطي مرور عندما قارن تعرضه للخطر اليومي مع ما يتعرض له أعضاء البرلمان أو تعرض عمال المساطر للخطر والذين يقتلون بالجملة في العمليات الإرهابية. ولا نريد الخوض في هذا الجانب ويكفي أن نقول ان الاحتجاج على قرار شراء السيارات المصفحة، رغم عدم استهانتنا بسلامة أعضاء البرلمان، فهم مواطنون أيضاً، أثبت أهمية الرأي العام وقوة الردع الكامنة فيه. نأمل ان تكون هذه التجربة درساً للبرلمانيين بعدم الاستخفاف بمشاعر ناخبيهم ومصالح المواطنين.


وأنا أتابع هذا الموضوع خطر ببالي أهمية أن يلعب قطاع التأمين دوره في التأثير على قرارات من هذا النوع والإعلان عن نفسه كقوة مؤسسية مؤثرة. أعرف جيداً بانني أتحرك في دائرة المُتخيل عندما افترض، مثلاً، قيام جمعية التأمين العراقية بتوزيع إعمام على شركات التأمين العراقية كافة تُحرّمُ بموجبه تأمين السيارات المصفحة لأعضاء البرلمان، فالجمعية لا تمتلك صلاحية التحريم ودورها في الحياة العامة ما زال مفقوداً وفي أحسن الحالات ضيقاً ومستغرقاً في الشؤون الداخلية لأعضائها.


لكننا نود أن نتخيل دور فعالاً للجمعية من خلال استحضار نجاح الاحتجاج الشعبي والصحفي والسياسي ضد شراء السيارات المصفحة.


استلهام هذا النجاح قد يدفع، إن توفرت الإرادة وتكاتفت الجهود بين شركات التأمين، نحو تغيير سياسة شراء الحماية التأمينية من قبل الوزارات وغيرها من المؤسسات الرسمية. لكن تحقيق هذا التغيير يستلزم الحضور المستمر للجمعية في الفضاء العام ـ أعني في الصحافة، وفي المنتديات، والبرلمان والحكومة والأحزاب .. الخ.


دعونا نتخيل طلباً من وزارة الدفاع أو الداخلية للتأمين البحري على هذه السيارات المصفحة من بلد المنشأ إلى مخازن الوزارة لا تستجيب له أية شركة تأمين مرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي؛ ترفض تلبية هذا الطلب من باب التضامن مع الحركة الرافضة لهذه السيارات وامتثالاً للقرار الجماعي المُتخيل لجمعية التأمين العراقية. بالطبع نفترض أن الوزارة المعنية ستجري التأمين من خلال مناقصة بين شركات التأمين العاملة في العراق المرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي، كما يقضي بذلك قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. التجربة تدل على ان طالب التأمين لن يتأثر برفض طلب التأمين بعكس ما نجده في الكثير من الدول حيث يتوقف تنفيذ العقود في غياب التأمين عليها.


لو لجأت الوزارة إلى التأمين في الخارج، أو خولت المُجهز بشراء التامين من شركات تامين أجنبية، تكون الوزارة عندها قد فضحت نفسها أمام الرأي العام، وأصبح الاهتمام بمكانة شركات التأمين العراقية موضوعاً في الصحافة وفي المناقشات العامة. هنا ستنكشف استهانة الحكومة، وكذلك مجلس النواب، بدور قطاع التأمين العراقي. هنا تتوضح الصورة: نحن امام سياسيين "خرده فروش"، لا هم لهم سوى مصالحهم الآنية وليس رجال دولة معنيون ببناء المؤسسات. وضعٌ متخيل لا ينهض به الواقع، فلا الجمعية تتحرك ولا طالبو التأمين معنيون بالتأمين مع شركات تأمين عراقية إذ أنه من المرجح ان عقد استيراد السيارات المصفحة قد ضم بنداً للتأمين على أساس سيف، أي على أساس الكلفة والتأمين والشحن.


وكما يخبرنا الزميل سعدون الربيعي في العديد من مقالاته ومداخلاته فإن استيرادات الوزارات والمؤسسات الرسمية منذ 2003 تميل عموماً للتأمين على أساس سيف CIF‏ الذي ألغى دور شركات التأمين العراقية فيما يخص التأمين البحري على الاستيرادات. "الفضل" في ذلك يعود لتوجيهات وزارة التخطيط!


في الماضي، وأعني سبعينيات القرن الماضي، كانت عقود الأسلحة وكذلك مشاريع الصناعة العسكرية، نظراً لسريتها، لا تُعرض للتأمين على شركة التأمين الوطنية، وقتذاك كانت الشركة الوحيدة للتأمينات العامة حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي. اختفت السرية الآن، أو هكذا يبدو الأمر في مرحلة ما بعد 2003، إلا أن استبعاد شركات التأمين العراقية، بصيغة أو أخرى، ما زال قائماً. هذا الوضع يعكس استخفافاً بقطاع التأمين وهو السائد في العراق وله أسبابه. ألم يحن الوقت لتلعب جمعية التأمين العراقية دوراً فعالاً في الحياة العامة؟


لندن 5 آذار 2012


قرأنا اليوم، 6 آذار، خبراً نقلته وكالة كل العراق [أين] أن "البرلمان صوت وبالأغلبية في جلسته المنعقدة اليوم على الغاء تخصيصات السيارات المصفحة ونقلها لباب اخر".



2012/03/08

Insurance in Trade Exchange Between Iraq and its Neighbours

أين أختفى التأمين في التبادل التجاري بين العراق وجيرانه



يؤكد الكاتب ان هذه الورقة تمثل موقفه الشخصي البحت ولا علاقة لها البتة بشركة وساطة التأمين التي يعمل فيها.

يشكر الكاتب الزميل محمد فؤاد شمقار على تقديمه لبعض التوضيحات والتصحيحات.

مصباح كمال



نقرأ في خبر أن "حجم التبادل التجاري مع الأردن بلغ 2 ملياري دولار خلال 2011 وشمل جميع النشاطات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات ما عدا النفطية. وأن الحكومة العراقية تسعى إلى رفع التبادل التجاري بين البلدين الجارين إلى أكثر من أربعة مليارات دولار بسبب التقارب الاقتصادي بين الجانبين". وأن "الحكومة العراقية تسعى إلى بذل قصارى جهدها لتتحول الفترة المقبلة العلاقة مع الدول الإقليمية إلى دول اقتصادية واستثمارية"[1] [العبارة الأخيرة غير واضحة. ربما المقصود أن العلاقة مع الدول الإقليمية ستشهد تحولاً نحو العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، أو ما يشبه هذا المعنى]


وفي خبر آخر[2] "اعلن السفير الكويتي في بغداد، الجمعة، أن بلاده بدأت بوضع إجراءات إدارية وقانونية لتسهيل دخول التجار العراقيين إلى الكويت بهدف توسيع التبادل التجاري بين البلدين. وقال علي المؤمن .. "إن الحكومة الكويتية قررت التفاهم مع غرفة التجارة العراقية بشأن اجراء تسهيلات دخول التجار العراقيين للعمل في الكويت بهدف توسيع التبادل التجاري بين البلدين." وأضاف أن "اجراءات دخول التجار العراقيين ستختصر بين غرفة التجارة العراقية وغرفة التجارة الكويتية ودائرة الهجرة الكويتية ،وسيتم تسهيل وتسريع اجراءات (الفيزا) ليسمح لهم بمزاولة الاعمال التجارية في الكويت في اقصر فترة." وتضيف وكالة الأنباء أن حجم التبادل التجاري مع الكويت بلغ 250 مليون دولار خلال عام 2011.[3]


نزعم أن "جميع النشاطات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات" الوارد في الخبر الأول و "مزاولة الاعمال التجارية في الكويت" في الخبر الثاني لا يشمل النشاط التأميني. وهذا ما نحاول إبرازه في هذه المقالة القصيرة اعتماداً على المعلومات المتاحة لنا. ونود التنبيه إلى أن بعض المعلومات الواردة هنا، رغم تداولها الشفاهي وحتى التحريري، ينقصها التوثيق وهي قد تكون غير صحيحة. ونتمنى لذلك لو تقدم القراء بما لديهم من معلومات وبيانات تفند أو تؤيد أو تصحح ما ورد في المقالة.


التبادل التجاري، أي المتاجرة خارج بلد المنشأ، الذي يجري الحديث عنه في مثل هذه الأخبار هو تبادل السلع العينية، ولبيان أهمية التبادل التجاري، ذو الاتجاه الواحد فيما يخص العراق، نقتبس التالي، مترجماً، من مقالة صحفية عن الواقع المزري للقطاع المصرفي تلقي الضوء على البعد الواحد للتبادل التجاري.


كل شيء لتناول الافطار - اللبن والمربى وسلطة الفاكهة - هو من تركيا، وحتى الخبز في بعض الأحيان" كما يقول صالح [د. مظهر محمد صالح، مستشار البنك المركزي العراقي]. وسأل [المستشار] مراسلاً زائراً: "هل تريد بعض الماء؟" وبابتسامة مرر زجاجة بلاستيكية للمياه من الكويت. "تركيا لديها المياه. لكن الكويت هي واحدة من تلك البلدان من دون ماء. ونحن هنا في بلاد ما بين النهرين، وهي بلد فيه اثنين من الأنهار الكبرى، نستورد المياه من الكويت."[4]


المواد الغذائية مستوردة من تركيا ومياه الشفة من الكويت. وأين التأمين عليها؟ من يدري! لعل إحدى شركات التأمين العراقية تتبرع بالجواب.


ليس معروفاً حجم أقساط التأمين في الملياري دولار مع الأردن والـ 250 مليون دولار مع الكويت. وزيادة حجم التبادل التجاري، الذي تعمل له الحكومة العراقية كما يقول الخبر، ربما لن يستفيد منه قطاع التأمين العراقي ما لم يقترن بسياسة للتبادل التجاري واضحة تأخذ التأمين بعين الاعتبار من منظور مصالح الاقتصاد العراقي الآنية والمستقبلية كي لا يخسر قطاع التأمين العراقي حقوقه بالمشاركة في ضمان التجارة البينية، بدلاً من الاستسلام لإيديولوجية التبادل التجاري الحر دونما أي اعتبار لنتائجه السلبية، والاستمرار في الحط من شأن نظام الحماية[5] كما فعل بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق عندما رفع الحواجز الجمركية.


ربما يكون ضبط التحويل الخارجي، لأغراض مكافحة غسيل الأموال بموجب قانون سنة 2004، احدى الوسائل المهمة للتعرف على حجم أقساط التأمين المصدرة خارج العراق للمبالغ التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف دولار. ولعل مثل هذه البيانات متوفرة لدى البنك المركزي العراقي. [6]

لا يرد في هذه الأخبار ذكر للتبادل التأميني بين العراق وجيرانه، ويبدو أن السبب يعود إلى عدم إيلاء النشاط التأميني ما يستحقه من اهتمام المسؤولين، ويترك الاهتمام إلى أركان التأمين في العراق ودول الجوار، ومع هذا فهؤلاء أيضاً لا ينشرون بيانات عن حجم أعمال التأمين المتداولة ربما لأن النشاط التأميني غير موجود أو أن البيانات بشأنها غير موجودة أصلاً وهو ما نميل إليه. لنأخذ مثلاً تجارة الاستيراد العراقية فهذه تكاد أن لا تخضع للتأمين لدى شركات تأمين عراقية وذلك لأن توجيهات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي لم تنص على التأمين بموجب عقد البيع على أساس الكلفة والشحن Cost & Freight (C&F) وهكذا صار عقد البيع ينظم على أساس الكلفة والشحن والتأمين CIF أي أن المشتري يترك أمر التأمين للمجهز.


لا تستفيد شركات التأمين العراقية من عقود النقل البري للنفط الخام العراقي إلى الأردن إذ أن مسؤولية المجهز العراقي، الشركة العامة لتسويق النفط، تنتهي عند التسليم للشاحنة البرية. وحسب علمنا، لم يطلب الطرف العراقي تأمين النقل داخل الأراضي العراقية وحتى الحدود الأردنية لدى شركات تأمين مسجلة في العراق. وهذه مسألة تستحق المزيد من الدراسة لضمان حقوق الأطراف الثالثة داخل العراق التي قد تتضرر من عمليات التحميل والنقل، ولتوفير الفرصة لشركات التأمين العراقية الانتفاع من تأمين حركة النقل داخل الأراضي العراقية. والحديث هنا ينصب على المسؤولية المدنية خارج البطاقة البرتقالية،[7] أو ما يعرف في سوق التأمين العراقي بالترانزيت، وكذلك تأمين الشحنات النفطية ذاتها.[8]


في الحالة الأردنية يبيع العراق النفط الخام إلى الأردن ولكن بأقل من أسعارها في الأسواق العالمية. وعدا ذلك ربما لا يبيع العراق سلع أخرى أو خدمات معينة في الأردن. التبادل التجاري في هذه الحالة ذو اتجاه واحد، من الأردن إلى العراق، والمستفيد الأعظم هي الدولة المصدرة. ولكننا لا نعدم شكوى المصدرين، في الأيام الأخيرة، من أن "عمليات التصدير للبضائع الأردنية إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية لابد أن تمر عبر الأراضي السورية، وعليه فإن قطع العلاقات سيؤثر بشكل كبير على الصادرات الأردنية، التي سيتوجب عليها إيجاد خطوط تجارية جديدة عبر العراق مما سيزيد النفقات في أجور الشحن والتأمين وعليه التأثير على الأسعار المنافسة للسلع الأردنية في الأسواق الخارجية."[9]

شركات تأمين دول الجوار تستطيع، وبفضل التسهيلات القانونية، شراء حصة في رأسمال شركة تأمين عراقية خاصة.[10] مثل هذا الامتياز غير متوفر للرأسمالين العراقيين للصعوبات التي يواجهونها في دول الجوار. شركة تأمين كويتية، مثلاً، تستطيع أن تستثمر في شركة تأمين عراقية. وليس هناك عوائق قانونية لدخول سوق التأمين العراقي كاشتراط أن لا يزيد حصة المالك الأجنبي عن نسبة معينة مثلاً.


يذكر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) أن حضور شركات التأمين الأجنبية هو من خلال فروعها المسجلة في العراق، أي أنها لا تحتاج إلى تأسيس شركة تأمين مستقلة لمزاولة النشاط التأميني في العراق. فالمادة 2 (البند السابع عشر) تُعرّف المؤمِن بأنه "القائم بالتامين او اعادة التامين الذي تسري عليه احكام هذا القانون، وهو قد يكون شركة تامين عراقية، او فرع شركة تامين اجنبية، او اي كيان او جهة مخولة ممارسة اعمال التامين في العراق." [التأكيد من عندنا]. والفصل السادس من القانون مكرس للالتزامات الخاصة بالمؤمن الأجنبي (المادة 46)


والملاحظ أن الضوابط المفروضة على شركات التأمين العراقية أكثر صرامة من الضوابط التي تطبق على فروع شركات التأمين الأجنبية. يرد في البند ثانياً من المادة 37 أن "لرئيس الديوان تكليف موظف او اكثر من موظفي الديوان للتثبت او للتدقيق في اوقات مناسبة منتظمة او غير منتظمة في اي من معاملات المؤمِن او سجلاته او وثائقه، وعلى المؤمِن ان يضع أيا منها تحت تصرف الموظف المكلف والتعاون معه لتمكينه من القيام بأعماله بشكل كامل، ولرئيس الديوان الاكتفاء بإجراءات وتقارير فاحصي مراقبي التامين في بلد المؤمن الاجنبي اذا كانوا ملتزمين بمعايير ومبادئ التامين الدولية."[11] [التأكيد من عندنا]. وتؤكد المادة 38 – البند الخامس على أن "لرئيس الديوان الاكتفاء بالتقارير المالية والبيانات والوثائق التي يقدمها المؤمن الاجنبي الى مراقب التامين في بلده شرط التزامهم بمبادئ التامين الدولية."


تسريب أقساط التأمين العراقية إلى دول الجوار ودول أخرى أصبحت صفة ملازمة للنشاط التأميني في العراق منذ 2003، أحد "بركات" الأمر رقم 10.


ومن تبريرات تهريب الأقساط أن شركات التأمين العراقية لا تمتلك الموارد الاكتتابية والمالية لإجراء التأمين معها. وفي أحسن الحالات، عندما تقوم الشركات الأجنبية بإجراء التأمين مع شركة تأمين عراقية، من خلال مناقصة أو بالتعيين، فإنها تشترط على شركة التأمين القبول بأقل احتفاظ وربما عدم الاحتفاظ بأي حصة من موضوع التأمين. مثل هذا التبرير قابل للنقاش ويقع عبء ذلك على ديوان التأمين العراقي وشركات التأمين العراقية ممثلة بجمعيتها.


إضافة إلى الأردن والكويت، المستفيدة من التبادل التجاري ومن تسريب أقساط التأمين، هناك تركيا وإيران[12] ولبنان والإمارات العربية المتحدة وليس معروفاً إن كانت أقساط التأمين العراقية تُسرّب إلى سوريا أو المملكة العربية السعودية.


العراق، بضمنه إقليم كوردستان، ومنذ 2003، أصبح مستورداً لمعظم احتياجاته من السلع المصنعة والزراعية والغذائية حتى بات أمنه الغذائي مرهوناً خارج حدوده ويعمل الريع النفطي على تغطيته. وهو "يستورد" التأمين وإعادة التأمين، غير المعلن عنه، من خلال تسريب أقساط التأمين التي تقوم بها شركات التأمين العراقية ذاتها وكذلك الشركات والمؤسسات الأجنبية العاملة في العراق.


نعرف بأن العديد من شركات إعادة التأمين الأجنبية تعمل على احترام قوانين البلدان الأخرى وخاصة ما يتعلق منها بقوانين التأمين. إن كانت هذه القوانين تُحرّم التأمين خارج القواعد الرقابية prohibition of non-admitted insurance فإنها تمتنع عن إجراء التأمين المباشر. ولكن عندما تكون هذه القواعد هشّه، كما هو الحال في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 حيث يسكت القانون عن التحريم، فإن شركات إعادة التأمين الأجنبية لا ترى ضيراً في إجراء التأمين. وهذا هو السائد في الوقت الحاضر.


هناك دافع آخر لدى شركات إعادة التأمين الأجنبية، ذو طابع عملي، وهو عدم قدرتها على تقديم الخدمة المطلوبة في أسواق أخرى بيسر ما لم تكن هناك فجوات قانونية يمكن النفاذ منها، كما ذكرنا أعلاه، أو يمكن الاستعانة بالمؤمن له لتوفير واسطة الوصول إلى موقع وموضوع التأمين المؤمن عليه. ويتم هذا من خلال خبراء تسوية المطالبة اللذين يظهرون في الساحة وكأنهم من العاملين لدى المؤمن له أو ضيفاً عليه.


التأمين سلعة غير منظورة والكشف عنها ليس سهلاً ما لم تتوفر آليات رقابية لذلك. ومن رأينا أن كفة التبادل التجاري في الوقت الحاضر تميل لصالح دول الجوار وهي المستفيدة الكبيرة منه. وهكذا يبقى قطاع التأمين العراقي، أو بعض الشركات، مغيباً وفي أحسن الحالات خاضعاً لشروط خارجة عنه.


لندن 28 كانون الأول 2011



[1] تصريح المستشار الاقتصادي في الحكومة العراقية سلام القريشي لوكالة كردستان للأنباء، بغداد، 23 كانون الأول/ديسمبر (آكانيوز).

[2] بغداد 23 كانون الأول / ديسمبر(آكانيوز).

[3] القواعد المنظمة للدخول والخروج بين البلدان هي من اختصاص الحكومات لكننا نقرأ هنا، نقلاً عن السفير الكويتي، أن الحكومة الكويتية تقرر "التفاهم مع غرفة التجارة العراقية،" (والغرفة ليست مؤسسة رسمية) بدلاً من الحكومة العراقية. هل أن هناك سوء نقل للتصريح أو عدم اكتمال للفكرة التي أرادها السفير؟ نرجو ذلك.

[4] Roy Gutman, “Dysfunctional banking sector helps keep Iraq in economic shambles,” McClatchy Newspapers, published in The Kansas City Star: http://www.kansascity.com/2011/12/25/3337377/dysfunctional-banking-sector-helps.html#storylink=cpy#storylink=cpy

هناك تبادل تجاري غير رسمي ذو اتجاه واحد من العراق إلى الخارج كما جاء في خبر تحليلي (وسيم باسم/ايلاف، الثلاثاء 27 كانون الأول/ديسمبر 2011): "يربط خبراء اقتصاد عراقيون ومواطنون، بين ارتفاع أسعار اللحوم والماشية المضطردة في البلاد وبين تهريب المواشي إلى دول الجوار، والذي استفحل إلى درجة كبيرة عبر عصابات وجدت في الفراغ الأمني عبر الحدود المشتركة مع دول الجوار، فرصة لتحقيق أرباح طائلة من جراء عمليات التهريب. وما يثير للانتباه، بحسب الخبير الزراعي، فوزي تركي، أن عملية التهريب تحدث باتجاه واحد، من العراق إلى الخارج. أما التهريب المعاكس فيحدث بكميات ضئيلة جدًا." اقتصاد التهريب هذا لم يلق ما يستحقه من دراسات في الماضي والحاضر إلا قليلاً، وما يعنيه من خسارة في الضرائب للخزينة، والتراكم لأغراض الاستثمار، وفرص التامين. أنظر:

Michiel Leeznenberg, “Refugee Camp or Free Trade Zone? The Economy of Iraqi Kurdistan since 1991” in Kamil A Mahdi (editor), Iraq’s Economic Predicament (Reading: Ithaca Press, 2002), pp 306-311.

وليس معروفاً إن كان غسيل الأموال الوارد إلى العراق يدخل ضمن معطيات التبادل التجاري. وهذا النشاط يختفي خلف الاستثمار كما يبدو. ففي خبر نقلته وكالة السومرية نيوز، بغداد ، د كانون الأول 2011، جاء فيه أن "عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية عزيز شريف المياحي [كشف] عن قيام شركات عربية وأجنبية بتبييض الأموال في العراق من خلال إيداع أموالها في البنك المركزي تحت ذريعة الاستثمار، مؤكدا أن هناك شركات ترسل مبالغ أكثر من المبالغ المطلوبة ولا تنفذ في الوقت نفسه المشاريع المتفق عليها."

وجاء في الخبر أيضاً أن "هيئة الاستثمار الوطنية وهيئات استثمار المحافظات تتعاقد مع شركات استثمارية عربية وأجنبية وتمنحها إجازات استثمار، في حين أن هذه الشركات لا تنفذ المشاريع المتفق عليها مع هيئة الاستثمار الوطنية وأغلبها تستغل منحها هذه الإجازة لتحويل اموال من الخارج الى العراق لغرض تبييضها".



[5] ها-جون تشانغ، "من نظام الحماية الى التبادل التجاري الحر،" لوموند ديبلوماتيك، النشرة العربيّة، يونيو/حزيران 2003.

[6] يضع البنك المركزي العراقي قيوداً على التحويل الخارجي:

"1- يجب أن يقدم إلى البنك سبب تحويل المبلغ وبصورة رسمية بشكل كتاب أو إشعار مدين بالمبلغ المراد تحويله.
2- إذا كان المبلغ أكثر من 10000$ تخضع لتعليمات غسيل الأموال.
تخضع الفقرتين أعلاه إلى تعليمات البنك المركزي العراقي وتعرض عليه.
3- ممنوع تحويل أي مبلغ مهما كان إلى إيران وسوريا أو منهما إلى العراق حيث تعتبر هذه المبالغ دعما للعمليات الإرهابية.
والقيود أعلاه تطبق كذلك فيما يخص تحويل أقساط التامين وإعادة التامين."

المصدر: رسالة مؤرخة في 12/12/2011 من الزميل المحامي منذر عباس الأسود.

[7] البطاقة البرتقالية هي بطاقة التأمين الموحدة عن سير السيارات عبر البلاد العربية بموجب اتفاقية عربية تم توقيعها في تونس بتاريخ 26/4/1975. وتغطي هذه البطاقة مسؤولية المركبة أو سائقها عن الأضرار الجسدية والمادية التي قد تلحقها هذه المركبة بالغير خلال فترة وجودها في البلد المزار والمنتسب للاتفاقية. ويقوم المكتب الموحد المتواجد في البلد المزار بتسوية هذه المطالبة والرجوع بكامل ما دفعه من تعويض على المكتب الموحد الصادرة منه البطاقة البرتقالية. وتقوم شركة التأمين الوطنية حالياً بإدارة المكتب الموحد في العراق.

للمزيد من المعلومات أنظر: موقع الاتحاد العام العربي للتأمين:

ويكون تعويض الحوادث الناجمة عن السيارات المؤمنة بموجب البطاقة البرتقالية طبقاً للشروط والاوضاع التي يقررها قانون التأمين الاجباري (الالزامي) في الدول التي يقع فيها الحادث. اي ان القانون النافذ يحدد نوع التعويض. (من رسالة إلكترونية بتاريخ 27 كانون الأول 2011 للزميل محمد فؤاد شمقار).

[8] لا نستسهل مسألة تأمين الشحنات النفطية من قبل الطرف العراقي لأن عقد البيع يجنبه تحمل متابعة مسؤولية ما يلحق الشحنات من خسائر. نحن نثير الموضوع للإشارة إلى عدم اهتمام مؤسسات الدولة بدور غيرها من المؤسسات العراقية العامة والخاصة.

[9] نقلاً عن المتحدثة باسم هيئة تنظيم قطاع النقل البري في الأردن، إخلاص يوسف، لشبكة CNN العربية، 26 كانون الأول 2011.
[10] تم تعديل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 لمنح الشركات الأجنبية والأشخاص الحق في تأسيس الشركات وحيازة الأسهم والسندات في الشركات العراقية. وجاء قانون الاستثمار رقم. 13 لسنة 2006 لتشجيع الاستثمار الأجنبي في العراق. و بموجب المادة 10 من القانون يحق للكيانات والأشخاص الأجنبية بالاستثمار في العراق والتمتع بنفس الحقوق والامتيازات التي تمنح للكيانات العراقية. ويضمن القانون عدم مصادرة الاستثمار الأجنبي، وحرية حركة رؤوس الأموال الأجنبية.

[11] ترى ما هي علاقة "إجراءات وتقارير فاحصي مراقبي التامين في بلد المؤمن الاجنبي" بنشاط فرع هذا المؤمن في العراق؟ يبدو أن الأجنبي منزّه عن الإخلال بالقواعد الرقابية ويكفي الديوان أن يقرأ إجراءات وتقارير مراقب آخر وكأن هذه التقارير جاهزة للتوزيع حسب الطلب. الخبير الأمريكي الذي وضع القانون أراد أن يخفف الضوابط على شركات التأمين الأجنبية في العراق، عن طريق فروعها، إلى أقصى حد ممكن. وهذا يستقيم مع فلسفة الحد من الرقابة أو إلغائها deregulation في الفكر الليبرالي الجديد.

[12] ذكر الزميل محمد فؤاد شمقار في خطاب طويل مؤرخ في 6 تموز 2011 إلى رئيس مجلس وزراء حكومة إقليم كوردستان العراق (غير منشور) شكوى تهريب أقساط التأمين من الإقليم إلى خارج كوردستان، وذكر فيه أيضاً اسم ثلاث شركات أجنبية.


2012/03/07

The World Bank & Iraq's Insurance Sector

قطاع التأمين العراقي

مناقشة لتقرير البنك الدولي ورأي الدكتور مهدي حافظ


مصباح كمال

 
عنوان هذه المقالة مستوحى من مقابلة أجرتها جريدة «الحياة» مع د. مهدي الحافظ، وزير التخطيط العراقي السابق، نشرت تحت عنوان "تقرير للبنك الدولي يوصي بتطوير القطاع المالي في العراق" (بغداد، هشام عبد الوهاب، الحياة، السبت 7 يناير/كانون الثاني 2012). لم يتجاوز ما ذكره الدكتور الحافظ عن قطاع التأمين العراقي خمسة عشر كلمة من تقرير تجاوزت كلماته ستمائة كلمة. قال:

"ان قطاع التأمين لا يزال محدوداً، ويخضع لهيمنة مؤسسات تابعة للدولة وغير مشمولة بالرقابة المطلوبة"

وكما قلنا في مقالات سابقة لنا فإن قطاع التأمين لا يشغل سوى حيّز مفرط في الصغر، وأحياناً غير دقيق، في تفكير الاقتصاديين العراقيين.[1]  وما التصريح أعلاه إلا نموذجاً آخراً لقلة الاهتمام بالموضوع والمرور السريع عليه. وما جاء في التصريح هو ترديد لما ورد في تقرير البنك الدولي الذي ينطوي على مغالطات فيما يخص قطاع التأمين وهو مما لا يليق بمؤسسة تضم الخبراء ولها من الموارد البحثية مما لا يتوفر عند غيرها.

نرحب بتصريح الدكتور الحافظ وذكره لقطاع التأمين وهو أول من يقوم بذلك، وبسرعة، بعد صدور تقرير البنك الدولي. ونأمل أن يقوم غيره من الاقتصاديين العراقيين، وكذلك المعنيين بالنشاط التأميني وممارسيه، مناقشة تصريحاته، وكذلك مناقشة تقرير البنك وما ورد فيه من وصف واستنتاجات وتوصيات بشأن قطاع التأمين تقوم على إدخال الخصخصة وتطبيق تجارب أسواق أخرى على العراق ولاعتبارات إيديولوجية – وهو ما سنحاول إبراز جوانب معينة منه في هذه الورقة.

لنستعرض مصادر تصريح الدكتور الحافظ كما وردت في تقرير البنك المعنون القطاع المالي العراقي[2] بإشراف الخبيرة المصرية سحر نصر، [سحر وليس سهر] كما ورد في الحياة، الصادر في أول كانون الثاني 2011. ومن خلال الاستعراض نناقش الأفكار الواردة في التقرير.



محدودية قطاع التأمين

يذكر تقرير البنك التالي حول محدودية الانتاج في قطاع التأمين: [3]

لا يمكن تقييم حجم سوق التأمين بصورة مناسبة من جراء قلة البيانات المتوفرة. يعتقد بعض المشاركين في السوق أن قيمة الإجمالي السنوي الكلي لأقساط التأمين المسجلة لكل شركات التأمين تتراوح بين 60-80 مليون دولار أمريكي بالنسبة لشركات التأمين غير المملوكة للدولة، وحوالي أربع أو خمس أضعاف هذه القيمة لشركات التأمين المملوكة للدولة. إعادة التأمين غير منتشرة بصورة كبيرة، ويُعتقد أن أقساط إعادة التأمين تساوي 16-25% من إجمالي أقساط التأمين المسجلة.
صحيح أن البيانات الاحصائية عن حجم السوق قليلة لكن معدو التقرير كان بإمكانهم مراجعة شركة إعادة التأمين العراقية، التي تدير اتفاقيات إعادة التأمين نيابة عن معظم شركات التأمين المرخصة بمزاولة النشاط التأميني، للحصول على بيانات ومعلومات أخرى. أو كان بإمكانهم طلب البيانات من الاتحاد العام العربي للتأمين حيث يقدم وفد سوق التأمين العراقي تقريره كل سنتين لمؤتمر الاتحاد. لكنهم لم يفعلوا إما قصداً أو جهلاً بهذين المصدرين. أو كان بإمكانهم أيضاً الاستفادة من التقارير السنوية لشركة التأمين الوطنية، المملوكة للدولة منذ تأسيسها سنة 1950، وهي الأكبر والأغنى بين جميع شركات التأمين العراقية، لتقييم حجم أقساط التأمين وتطورها على مدى السنوات الماضية، والاستفادة منها في رسم سيناريوهات نموها في المدى القصير. وهنا أيضاً ينهض السؤال: أهو تقصير أم جهل من جانب معدي التقرير؟

لم يذكر التقرير، في نسخته العربية المترجمة، عدد شركات التأمين العاملة في العراق التي صارت تقرب من ثلاثين شركة (عدد الشركات في النسخة الإنجليزية للتقرير 23 شركة). أما "أقساط التأمين المسجلة"، سواء ما تعلق منها بأقساط شركات التأمين الخاصة أو شركات التأمين المملوكة للدولة، فهي من نتاج الخيال أو قائمة على افتراضات غير مدروسة وغير واقعية، ولا علاقة لها بواقع النشاط التأميني والإنتاج الحقيقي لأعمال التأمين.

في دراسة لم تنشر بعد بعنوان "ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي" (كانون الأول 2011) ذكرنا ما يلي عن أقساط التأمين المكتتبة:

وإذا كانت شركة التأمين الوطنية، شركة عامة، هي الأقدم والأغنى بين شركات التأمين العراقية الأخرى العامة والخاصة قد حققت دخلا بلغ 60,561,538 ألف دينار عراقي سنة 2010 [4] (ما يعادل 51,761,998 دولار أمريكي، بضمنه 11,030,013 دولار يمثل صندوق التأمين الإلزامي، البحري-هياكل، الطيران، السيارات التكميلي، الزراعي، الحياة، فردي وجماعي، ترانزيت وإعادة تأمين وارد) فالدخل المتحقق لدى الشركات الأخرى أقل بكثير منه. فقد بلغ مجموع دخل أقساط إحدى شركات التأمين الخاصة، النشطة، سنة 2010، ما يزيد قليلاً عن مليار ونصف المليار دينار عراقي.[5]  وحسب معطيات شركة إعادة التأمين العراقية بلغ دخل الأقساط المكتتبة سنة 2010 للشركات 8,463,031,129 دينار (ما يعادل 7,233,356 دولار أمريكي) في فروع الحريق، والحوادث العامة، والهندسي والبحري-بضائع، في حين اكتتبت شركة التأمين الوطنية لوحدها في تلك السنة ٍ16,047,835 دولار في هذه الفروع الأربعة. وهكذا نرى كم هي ضئيلة نسبة دخل التأمين إلى الموازنة.

ترى لماذا أهمل معدو التقرير مثل هذه البيانات المتوفرة خاصة وأن أحدهم قابل مدير عام شركة التأمين الوطنية العامة؟

القول بأن "إعادة التأمين غير منتشرة بصورة كبيرة" كلام فضفاض. ترى هل المقصود به أن شركات التأمين المباشر لا تشتري حماية إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري أم أنه افتئات على شركات التأمين العراقية؟ كيف يستقيم هذا القول مع ذكر شركة إعادة التأمين العراقية كواحدة من الشركات المملوكة للدولة المهيمنة على قطاع التأمين؟ (ص 67 من التقرير).

ويذكر التقرير أن "أقساط إعادة التأمين تساوي 16-25% من إجمالي أقساط التأمين المسجلة" دون أن يعرف القارئ إن كانت هذه النسبة تمثل أقساط إعادة التأمين التي تمر من خلال شركة إعادة التأمين العراقية إلى شركات إعادة التأمين العالمية أو تمثل هذه الأقساط مضافاً إليها أقساط إعادة التأمين الاختياري التي تحولها شركات التأمين المباشر إلى هذه الأسواق لشراء الحماية المطلوبة.

ربما يكون السبب وراء القول بعدم انتشار إعادة التأمين بصورة كبيرة هو الرغبة الدفينة في تحويل شركات التأمين العراقية إلى شركات واجهة تقوم بإصدار وثائق التأمين للشركات الأجنبية العاملة في العراق، والنفطية منها بشكل خاص، لقاء قسط بسيط (هو في الواقع أجر لقاء خدمة)، ودون الاستفادة من اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية. بهذا المعنى فإن انتشار إعادة التأمين مُقيّد، وهذا يحرم شركات التأمين العراقية من تطوير قدراتها الاكتتابية فنياً ومالياً وهي الخاسر الأكبر في علاقة غير متكافئة مع الشركات الأجنبية.

لا يقدم لنا التقرير سبباً لمحدودية إنتاج التأمين: إرث سنوات العقوبات الأممية (1990-2003)، حروب النظام والغزو والاحتلال وما ترتب عليه من تفكيك وتحطيم للبنى الارتكازية، واقتتال طائفي، وغياب للأمن، تدهور الطبقة الوسطى وقلة الدخل المتوفر للإنفاق على التأمين، والدور التخريبي لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) في توفير الغطاء القانوني لتسريب أقساط التأمين إلى الخارج، واشتراطات الشركات الأجنبية العالمية العاملة في العراق والنفطية بوجه خاص على شركات التأمين العراقية، الخاصة والمملوكة للدولة، بعدم الاحتفاظ بأقساط التأمين أو بحدودها الدنيا ولصالح شركات التأمين المقبوضة وشركات إعادة التأمين الدولية. وغيرها من أسباب تفسر ضعف الطلب للحماية التأمينية.



هيمنة شركات التأمين المملوكة للدولة ومشروع خصخصتها

قول الدكتور الحافظ ان "قطاع التأمين .. يخضع لهيمنة مؤسسات تابعة للدولة" يقوم على ما جاء في التمهيد للتقرير حول النتائج الرئيسية للدراسة. فبالنسبة لقطاع التأمين، كان الاستنتاج أن هذا القطاع "صغير تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة وغير خاضع للرقابة." (ص vii). وجاء بعض التفصيل في ص 67:

تهيمن شركات التأمين المملوكة للدولة على هذا القطاع. وسبب هيمنة شركات التأمين الثلاث المملوكة للدولة (شركة التأمين الوطنية العراقية، شركة التأمين العراقية، الشركة العراقية لإعادة التأمين) يعود إلى أن كل أو معظم العقود الحكومية لخدمات التأمين يتم منحها لشركات التأمين المملوكة للدولة. وعلى الرغم من أن المادة 81 من قانون تنظيم شركات التأمين تقضي بأن العقود الحكومية للتأمين يتم الحصول عليها من خلال مناقصة (منافسة) عامة، يتم فيها السماح لجميع شركات التأمين المرخصة بالمشاركة، ولكن المفهوم السائد هو أن شركات التأمين المملوكة للحكومة يتم منحها عادةً عقود التأمين الحكومية.

شركات التأمين الخاصة لها مشاكلها بعضها ناشئ عن ضعف قاعدة رأس المال والاحتياطيات المالية والكوادر المدربة وغيرها، وصغر حجم دخل الأقساط المكتتبة. بعضها يتشكى من غياب الرعاية الحكومية لها بدلاً من تأكيد وجودها الفاعل في السوق القائم على التنافس. وتتشكى أيضاً من حصر تأمين منشآت الدولة ومؤسساتها، وكذلك عقود شركات النفط الأجنبية، لدى شركات التأمين العامة. ولها الحق في ذلك لأنه يتعارض مع متطلبات التنافس، ومع أحكام المادة 81 – ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي نصت على ما يلي:

يجري التامين على الاموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات او دوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقا لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.
وقد تدخل ديوان التأمين العراقي من خلال مخاطبة شركات النفط العراقية، الشريكة لشركات النفط الأجنبية، لضمان التزامها بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين. وبهذا أصبح التأمين على عقود جولة التراخيص النفطية مفتوحة لجميع شركات التأمين الأعضاء في الديوان. لكن الفرق بين شركات التأمين الخاصة والعامة يظل قائماً فيما يخص دخل أقساط التأمين وحجم رأس المال وعدد الموظفين والمهارات الفنية المتوفرة وهو يميل لصالح الشركات العامة، بفضل متانتها المالية أساساً، لكن عدداً قليلاً جداً من الشركات الخاصة تتمتع بكفاءة متميزة في إدارة أعمالها. ولعل المنافسة في تقديم الخدمات، وليس الأسعار، بين الشركات الخاصة والعامة كفيلة بالكشف عن ضعف بنيوي لشركات تأمين خاصة لا تتوفر على عناصر تُعينُها على نمو حقيقي في حجم أعمالها. التركيز "البازاري" لبعض هذه الشركات على الاكتتاب بأسعار غير فنية، للحصول على الأعمال، يخدمها في الأمد القريب لكنه لا يساهم في بناء سوق متين للتأمين.


من المفارقات أن شركات التأمين الخاصة تتشكى من هيمنة شركتي التأمين المملوكتين للدولة (تنتجان 80% من أقساط التأمين) لكنها تطلب دعماً من الحكومة لتعزيز مكانتها في السوق – أي تطلب من الحكومة أن تحتضنها كي تنجح في المنافسة السوقية! وعدا ذلك لم تقم هذه الشركات بدراسات معمقة لأوضاعها وأوضاع السوق، ولم تثابر في تعزيز الجهد الجماعي للضغط على صانعي القرار، وفضح الممارسات الضارة لدى طالبي التأمين، من العراقيين والأجانب، ولدى شركات التأمين ذاتها.

ويعزي تقرير البنك الدولي بطء نمو سوق التأمين إلى هيمنة شركات التأمين الحكومية (ص 68) دون توضيح العلاقة السببية بين بطء النمو والهيمنة، ويكتفي، بعد الفقرة التي اقتبسناها أعلاه عن هيمنة الشركات المملوكة للدولة، باستنتاج غير منطقي وغير مؤسس على وقائع وأرقام فيما يخص العراق، بهذا الزعم:

اتضح أن هيمنة شركات التأمين الحكومية أبطأت من نمو سوق التأمين، ولذا من أجل أن ينمو سوق قطاع شركات التأمين بالسرعة الطبيعية، يجب التفكير في خصخصة شركات التأمين المملوكة للدولة.
بيت القصيد هو الخصخصة بغض النظر عن ضرورته من عدمه فيما يخص شركات التأمين المملوكة للدولة العراقية. وبهذا الشأن نقتبس هنا مطولاً من دراسة حديثة لنا تلقي بعض الضوء على مطلب الخصخصة. [6]

نُقرٌّ أن إيقاع العصر يستدعي التغيير والتعامل مع الضرورات والشروط المستجدة ولكن شريطة أن يكون التعامل من منظور تأسيس اقتصاد "رأسمالي" مُنتج يحافظ على المصالح الوطنية. ويقتضي ذلك إعادة تعريف الوظيفة الاقتصادية للدولة للتحول من الاقتصاد الريعي، وتقويض طفيلية القوى السياسية الماسكة بمقاليد السلطة (سلطة المال من خلال الريع والفساد والإفساد وسلطة السياسة من خلال التمثيل البرلماني وكذلك سلطة الأمن). وهي ذات القوى التي قزّمت الدولة، ككيان محايد، من خلال إقحام المحاصصة في بناء مؤسساتها.

وبالنسبة لقطاع التأمين فإن

"نشاط التأمين سيبقى مرتبطاً بالدرجة الأولى بمقدار التطور الاقتصادي المحلي بصورة عامة، وما يتبعه من تطور في قطاع البنوك كمصدر لتمويل الاستثمار وكوسيط في النشاط التجاري بصورة خاصة. وفي الحالتين، فإن التوقعات تعتمد بالدرجة الأساسية على مقدار النجاح المحقق في إحداث التغيير الاقتصادي الجذري (الاستراتيجية والسياسات وإقامة البنية الأساسية المادية والاجتماعية والبيئية العامة) وليس فقط تحقيق زيادة في الإيرادات النفطية. ومن واقع التطورات الراهنة والمحتملة في المدى القريب، فإن من المستبعد أن تزداد فعاليات التأمين على المستوى الكلي كما يتمثل في نسبة حجم أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كثافة سوق التأمين، كما في معدل إنفاق الفرد على التأمين كالذي تظهره ميزانية الأسرة." [7]

اعتماداً على هذه الرؤية هل ستساعد إعادة هيكلة شركات التأمين في زيادة دور هذه الشركات ضمن الاقتصاد المُنتج؟ وهل هي فقرة من مشروع تقليص الاعتماد على الموارد الريعية أم انها واحدة من الإجراءات غير المنتظمة في رؤية متكاملة لتوجيه الاقتصاد العراقي (كما هو الحال مع رأسمالي ما بعد 2003، من العرب والكرد، ممن يعملون في أكثر من مجال دون أن يكون لديهم رؤية لتحقيق التكامل بين هذه المجالات؟ وذات التفكير ينطبق على سياسات القوى السياسية الحاكمة). البديل المرتجى هو المشروع الوطني المتكامل للتنمية القائم على إعادة النظر في توزيع الريع النفطي، وتحديداً تقليص الاعتماد عليه والذي من شأنه أن يحدد معالم السياسات الاقتصادية التفصيلية التي تصب في المشروع. وخلاف ذلك سيسود الاستغراق في الجزئيات كما هو حال الرأسماليين الجدد.

لنلاحظ أن الريع النفطي الذي يتكدس لدى المصرف المركزي العراقي (وقد بلغ الآن، آب 2011، 58 بليون دولار) لا يمثل دخلاً لقوة عمل المنتجين أو الفائض المتحقق للرأسماليين لقاء تشغيلهم لاستثماراتهم الإنتاجية أو الضرائب التي يدفعونها لخزينة الدولة. هو ليس إلا إيرادات النفط الخام المُصدر. ولأن استقلال المصرف المركزي له الأولية العظمى، كما رسمها مستشارو بول بريمر، انحسر وبالأحرى ألغي دور المصرف في المساهمة في التنمية الاقتصادية وما يترتب عليها من دور لقطاع التأمين. هو الآن ليس إلا حارساً للإيرادات النفطية ولا دور له في التنمية الاقتصادية. وقد كتبنا في مكان آخر: [8]

"أن الهوس بالسياسة النقدية، كما يمارسها المصرف المركزي، لا يساعد في إعطاء دفعة لبدء عملية النمو الاقتصادي. فتركيز السياسة على احتواء التضخم من خلال رفع القيمة التبادلية للدينار العراقي مع الدولار الأمريكي لم يؤدي إلى النتيجة المطلوبة في الوقت الذي تم فيه زيادة أسعار المحروقات وتأثيرها المتنامي على أسعار السلع والخدمات. وبدلا من أن يكون عاملا فاعلا في التنمية الاقتصادية تم إعادة تكييف المصرف المركزي على أسس نيوليبرالية:[9] التأكيد على استقلالية المصرف (لإلغاء أي دور للمصرف في تمويل الحكومة أو تمويل العجز)، الحد من التضخم (لتحويل أنظار المصرف من الاهتمام بأهداف أخرى كالمساهمة في تحقيق استخدام كامل للعمالة، ودعم السياسة الصناعية أو تخصيص الاعتمادات لقطاعات اجتماعية معينة كالإسكان والتطبيق غير المباشر للأدوات النقدية (معدلات الفائدة للمدى القصير)."
إن لم يكن تجاوز الريع هو المطلوب فقد تكون إعادة الهيكلة من الخطوات المطلوبة لدخول العراق كعضو في منظمة التجارة العالمية من خلال التمهيد لرفع القيود والضوابط ومنها (بالنسبة لشركات التأمين): التخلي عن إلزامية إسناد حصة من الأخطار لشركة الإعادة الوطنية (وبالنسبة للعراق فإن الحصة الإلزامية قد ألغيت أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وإلغاء تعرفات الأسعار (ولكن ليس هناك تعرفات حقاً في العراق)، والسماح للشركات الأجنبية للمساهمة بكامل رأسمال الشركات – أي دون الحاجة لشراكة عراقية. هناك شركات تأمين خاصة يساهم فيها رأس المال العربي والأجنبي.

هل تقتضي إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي خصخصة شركات التأمين العامة بعد أن فقدت هذه الشركات سنة 1997 موقعها الاحتكاري الذي كان مفروضاً بقوة القانون. كانت هذه الشركات حتى ذلك الوقت، وبالأصح منذ سنة 2000 عندما تأسست أول شركة تأمين خاصة، تتمتع بريع داخلي بفضل التحكم في منافذ التوزيع أو قل احتكار هذه المنافذ. ولا يزال بعض من هذا التحكم قائماً فيما يخص إدارة تعويضات التأمين الإلزامي إذ ليس لشركات التأمين الخاصة دور في هذا المجال، ولها الحق في المشاركة مما يتطلب مراجعة لقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 وتعديلاته.

قد تكون إعادة الهيكلة من متطلبات التحديث كي يكون السوق العراقي على مستوى أسواق التأمين الأخرى في العالم العربي. وهذا يتناغم أيضاً مع شروط صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي – إخراجه من الإرادوية في تسيير الاقتصاد الوطني وإخضاعه لقوى السوق. لكن هذا التبرير ضعيف ولا ينهض به واقع سوق التأمين العراقي في الوقت الحاضر فالمنافسة بين الشركات العامة والخاصة قائمة، والسوق يخضع لقوى العرض والطلب خاصة بعد أن أكد ديوان التأمين العراقي على الشركات النفطية الالتزام بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في استدراج عروض التأمين من جميع شركات التأمين العراقية من خلال المناقصات. وكان عدم الالتزام بالأحكام موضوع مساءلة وانتقاد من قبل شركات التأمين الخاصة.

لكن التحديث مطلوب بحد ذاته لمواكبة التغيرات الحاصلة في العالم دون أن يتطلب ذلك خصخصة شركات التأمين العامة. وقد رصدنا بعض ملامح التحديث في دراسة سابقة لنا[10] نقتطف منها العناوين الفرعية التالية مع القليل من التعليق:


الإطار القانوني - إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين اسمة 2005.

الإطار التنظيمي - تنظيم الهيكل الهرمي والشفافية والمساءلة، إضافة إلى أمور أخرى، تنطبق على الشركات الخاصة والعامة على حد سواء.

سياسة الاستخدام.

الاستقلال المالي لشركات التأمين العامة - تحقيق استقلال ذاتي مالي حقيقي للشركات لتعمل دون الرجوع إلى وزارة المالية في أمور صغيرة وكبيرة على حد سواء.

المهارات اللغوية والتدريب المستمر.

تكنولوجيا المعلومات - إدخال واستعمال تكنولوجيا المعلومات بشكل واسع (information technology) يمثل الشكل الأكثر وضوحاً لعملية تحديث قطاع التأمين.

الأغطية التأمينية - مراجعة وثائق التأمين وإعادة صياغتها لتكون سهلة الفهم على المؤمن لهم وتتماشى في نطاق تغطيتها مع ما هو متوفر في أسواق التأمين المتقدمة.

التعامل مع جمهور المؤمن لهم - التخفيف من البيروقراطية الثقيلة في التعامل مع المؤمن لهم لتعزيز الثقة بالفائدة المرجوة من الحماية التأمينية.

ويتطلب تحديث التعامل مع المؤمن لهم إيجاد دائرة مظالم لهم يمكنهم من الرجوع إليها في حالات التجاوز والاختلاف والإهمال من قبل شركات التأمين.

ومن الوسائل الأخرى لتعزيز ثقة الجمهور وكذلك الالتزام بالمعيار الأخلاقي والفني للعمل إصدار مدونة لقواعد السلوك code of conduct لقطاع التأمين برمته لتكون شركات التأمين خاضعة للمساءلة بموجبها.

تعزيز التغلغل التأميني والكثافة التأمينية - وهما معياران لقياس مساهمة قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني.

ربما يكون التبرير تحرير الدولة من أعباء كونها أكبر رب عمل. وهو صحيح وآخذ بالتضخم بفضل سياسة تكريس المحاصصة الاثنية والطائفية بإقحام المزيد من الموظفين في مؤسسات الدولة حتى ولو بشهادات مزورة. لكن شركات التأمين العامة، رغم أنها توظف ما يزيد عن الف وخمسمائة موظف إلا أن هؤلاء لا يشكلون أي عبء على خزينة الدولة لأن الشركات تحقق فائضاً يكفي لتمويل الرواتب والمصاريف الأخرى زيادة عن تمويل الخزينة بأرباحها ورسم الطابع ولها استثماراتها العقارية وغيرها.

لقد شهد قطاع التأمين تدهوراً كبيراً بسبب الحروب والعقوبات الدولية افقدته الموارد المالية والبشرية للتحديث من الداخل. هل لذلك صار التوجه نحو إعادة الهيكلة واستدراج الشركات الأجنبية، وهو ما تشجع عليه الحكومات العراقية، هو الحل للنهوض من الواقع الراكد؟ أي أن إعادة الهيكلة ضرورية لإدخال التكنولوجيا (المعرفة الجماعية عن كيفية إنتاج السلع والخدمات بأسوب أكثر كفاءة) وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمستهلك، حتى إذا تطلب الإصلاح إزاحة المُنتِج، الرأسمالي، الوطني، كما هو حاصل في قطاع النفط من خلال تقزيم دور شركة النفط الوطنية المرتجاة وحصر دور الرأسمال الوطني في أعمال هندسية صغيرة.

مناصرو القطاع الخاص يؤكدون على ريادية القطاع في ابتكار المنتجات وتعظيم الانتاج ورفع كفاءته. لكن شركات التأمين الخاصة، التي تأسست بموجب قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، لم تقدم حتى الآن لسوق التأمين العراقي ما يشهد على مثل هذه الريادية.

هل الوصول إلى تأمين أعمال مؤسسات الدولة هي ما ترغب به هذه الشركات؟ هي حقاً تريد ذلك دون أن تدعو إلى خصخصة شركات التأمين المملوكة للدولة، فهي قادرة على التعايش معها لا بل ان الشركات الخاصة تستمد شيئاً من قدرتها الاكتتابية من خلال اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية المملوكة للدولة. وما استمرار هذه الاتفاقيات وتحسين شروطها سنوياً إلا بفضل دخل أقساط التأمين التي تكتتب بها شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين. وكذا الأمر بالنسبة لمجمعات التأمين المشتركة بين الشركات الخاصة والعامة.

مجرد تحويل أقساط تأمين أعمال الدولة من شركات التأمين العامة إلى شركات التأمين الخاصة لا يستلزم بالضرورة نمو أقساط التأمين فالطلب على الحماية التأمينية لا يتحدد بعدد شركات التأمين أو بملكية هذه الشركات. هناك عوامل اقتصادية واجتماعية وأخرى قانونية تؤثر على مستوى الطلب. وبعد أن تحقق مطلب المساواة في التنافس مع الشركات المملوكة للدولة لِمَ لا تعمل شركات القطاع الخاص على تطوير الانتاج خارج أعمال الدولة؟

الخصخصة ليست عصا سحرية لحل مشاكل شركات التأمين الخاصة أو زيادة إنتاج أقساط التأمين. علينا البحث عن أسباب أخرى وراء عدم التطور السريع لشركات القطاع الخاص ونمو حجم أقساط التأمين المكتتبة لجميع الشركات.

من المغالطات الفجة في تقرير البنك الدولي أنه

لا يوجد تأمين إجباري، والتأمين الإجباري على السيارات شائع جداً في العالم كله، تماماً مثل الأشكال الأخرى من التأمين الإجباري مثل التأمين على العمال ضد الإصابات والحوادث في مكان العمل، ولكن لم يتم إنشاء تأمين إجباري في العراق. يجب تطوير التأمين الإجباري على السيارات لكي يوفر حماية للأشخاص المصابين في حوادث السيارات. بمجرد سريان التأمين الإجباري على السيارات، فسوف يكون خطوة هامة لمساعدة قطاع التأمين على النمو.

هذا الكلام فيه إساءة لذكاء ممارسي التأمين في العراق وإغفال أو جهل مفرط من خبراء البنك الدولي بقوانين التأمين الإلزامي على حوادث السيارات في العراق التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي (قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964) وتتوجت بإصدار القانون رقم 52 لسنة 1980 (قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات) وتعديلاته.



غياب الرقابة المطلوبة على النشاط التأميني

جاء في التمهيد للتقرير أن النتائج الرئيسية، بالنسبة لقطاع التأمين، أن هذا القطاع "صغير تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة وغير خاضع للرقابة." (ص vii)

لنا أن ننقد ديوان التأمين العراقي وقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وقد قمنا بذلك في العديد من دراساتنا المنشورة في مجلة التأمين العراقي، ومجلة الثقافة الجديدة وفي مراسلات مع أركان التأمين في العراق. كما كتب زملاء لنا في العراق عن ذات الموضوع وكتاباتهم منشورة في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي وبعض كتاباتهم كانت بصيغة خطابات موجهة للديوان ووزارة المالية التي لم تحظ بالاهتمام. ولكن لم يجر الانتباه إلى أيٍ من هذه الكتابات واكتفى معدو التقرير بلقاء مع مدير عام شركة التأمين الوطنية، السيد صادق فاضل عليوي، وربما آخرين في سوق التأمين العراقي لم يرد اسمهم[11] في صفحة الشكر والتقدير في التقرير (ص xi).

انتقد معدو التقرير قانون تنظيم أعمال التأمين والديوان وجمعية شركات التأمين إلا أنهم لم يذكروا أن القانون والمؤسسات التي تمخضت عنه هو من صنع أمريكي قام بتحرير مسودته مفوض التأمين في ولاية أركنساس لحساب شركة بيرنغ بوينت المُعينة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. والقول أن قطاع التأمين ليس خاضعاً للرقابة بحاجة إلى تكييف. الديوان ضعيف في رئاسته وطاقمه الوظيفي. فمنذ سنوات والديوان يُدار من رئيس بالوكالة، بعدما هرب الرئيس الأول من العراق خوفاً على حياته، ربما لأن الرئاسة يخضع لبازار المحاصصة وتجاذباته. تابعية الديوان لوزارة المالية يشل من إرادة رئيسها بالوكالة لتنفيذ مهامه في استخدام الكوادر وتفعيل الرقابة ولو عن بُعد (الرقابة الموقعية ليست مقررة في القانون). ومع هذا أصدر الديوان مجموعة من التعليمات تنفيذاً لبعض أحكام القانون.

وإذا كان لنا أن نفرد نقداً أساسياً للديوان، من غير ما أتى تقرير البنك الدولي على ذكره اعتماداً على المبادئ الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، فهو فشله في تعديل العيب الأساسي في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وهو السماح المضمر فيه لتجاوز إجراء التأمين مع شركات تأمين عراقية. وهذا السكوت عن التأمين مع هذه الشركات يفسر تدني أقساط التأمين المكتتبة. [12]

غياب الرقابة المطلوبة على النشاط التأميني صورة خاصة من حالة عامة تنطبق على جميع مجالات الحياة في العراق ومنها النفط الخام المصدر والمهرب.

تقييم عام

مما يؤسف له أن الدكتور الحافظ لم يتقدم بموقف نقدي خاص به واكتفي بترديد ما جاء في تقرير البنك الدولي تجاه قطاع التأمين خاصة وأنه من بين القليل من الاقتصاديين الذين يتابعون الشؤون الاقتصادية بدقة معرفية وتجربة عملية.

لا نشارك الدكتور الحافظ حماسته بأن دراسة البنك الدولي «تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة إلى تطوير الحياة الاقتصادية في البلاد، وتقدم مساهمة كبيرة لجعل القطاع المالي في جميع اركانه عنصراً مشجّعاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه الاقتصاد». لقد كان الوقت الممتد منذ الغزو الأمريكي حتى اليوم حساساً في "تطوير الحياة الاقتصادية" وغيرها من مجالات الحياة فيما يخص المصالح العامة للناس، وإدارة الموارد الريعية صوب تنمية الاقتصاد وليس مجرد مراكمة الأرقام عن النمو و"الإنجازات" غير المترابطة. وقد فشل المشروع الأمريكي ومن يمثله في العراق في التغلب على الصعوبات، الموروثة والجديدة، التي تواجه الاقتصاد. وفيما يخص ركن التأمين فإنه لن يكون "عنصراً مشجّعاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه الاقتصاد" إن هو ظل على حاله أسيراً لفوضى التنافس المُقامِر من قبل العديد من دكاكين (عفواً شركات) التأمين والغطاء القانوني لتسريب أقساط التأمين خارج العراق.

لنكرر هنا ما ثبتناه في مكان آخر:

لا نأتي بجديد في القول ان الاقتصاد وكذلك النشاط التأميني المرتبط به يخضع للتغير إلا أنه في المرحلة الحالية لا يتمتع بالدينامية الكافية لتحقيق نقلة نوعية كتجاوز طبيعته الريعية ليحتل القطاع المالي (المصرفي والتأميني كمثال) مكانة أكبر في التنمية الاقتصادية. هذا الوضع يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسات الموجهة مثلما يعكس حالة "الحصار" غير المعلنة على نشاط القطاع: قوانين وعقود غير ملائمة (قوانين التأمين والاستثمار وشروط التأمين في عقود الدولة)، ضعف الحماية الإعادية، غياب سياسة تأمينية وطنية، يضاف لها هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي.[13]



لندن 9 كانون الثاني 2012



[1] آخر مقالة كتبناها بهذا الشأن هو "ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي" نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:


http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=50803&spell=0&highlight=%E3%D5%C8%C7%CD+%DF%E3%C7%E1

نشرناها بعد ذلك في مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/


[2] البنك الدولي، القطاع المالي العراقي، نيويورك، 2011.

[3] البنك الدولي، القطاع المالي العراقي، ص 67.

[4] شركة التأمين الوطنية، قسم التخطيط والتسويق، تقرير مجلس الإدارة كما في 31/12/2010، ص 15.


[5] الشركة المعنية هي شركة الحمراء للتأمين (رسالة من منذر الأسود المحامي في 18/12/2011).

[6] مصباح كمال، "هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟"، الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011، 43-53.

[7] مقتطف من رسالة من د. صبري زاير السعدي للكاتب مؤرخة في 27 تشرين الأول 2010.

[8] مصباح كمال، "النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق" الثقافة الجديدة، العدد322-323، 2007، ص 12-13. كتب النص الأصلي بالإنجليزية ونشرت نسختها المحررة في مجلة ميس MEES, Vol 50: 23, 4th June 2007.

[9] Gerald Epstein, “Central Banks as Agents of Economic Development,” Political Economy Research Institute, University of Massachusetts Amherst, September 2005. http://www.peri.umass.edu/Publication.236+M5d9a4547bec.0.html


[10] مصباح كمال، "د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي،" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html


[11] اكتفى معدو التقرير بدراسة واحدة عن التأمين في الشرق الأوسط ليست لها علاقة مباشرة مع قضايا وإشكاليات قطاع التأمين العراقي المتوارثة، تلك المستجدة بعد الاحتلال الأمريكي وبفضل قانون تنظيم أعمال التأمين الذي قامت الإدارة المدنية للاحتلال بصياغته. وهذه الدراسة المذكورة بالنص في التقرير هي:

Rodney Lester, The Insurance Sector in the Middle East and North Africa Region: Challenges and Development Agenda, World Bank, November 2010.

[12] لمن يرغب في قراءة آراء نقدية عن قانون 2005 الرجوع إلى مدونتي مجلة التأمين العراقي و مرصد التأمين العراقي. وقد قمنا بجمع عدد من دراساتنا النقدية عن القانون مع مقدمة في كتاب من المؤمل أن ينشر في بغداد سنة 2012.

[13] مصباح كمال "ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي" نشر في مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/


نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:



Dilemmas of Iraq's Insurance Sector

ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي


مصباح كمال


يؤكد الكاتب أن هذه المقالة تعكس موقفاً شخصياً بحتاً ولا علاقة لها البتة بشركة وساطة التأمين التي يعمل فيها. ويؤكد الكاتب أيضاً بأنه يفصل قناعاته الشخصية عن متطلبات عمله المهني.



توطئة

يرد في لسان العرب هذا التعريف للمحنة: "المِحْنة: الخِبْرة. والمِحْنة واحدة المِحَنِ التي يُمتَحَنُ بها الإِنسانُ من بلية، نستجير بكرم الله منها." وبعضٌ من هذا المعنى هو الذي نعتمده في هذه الورقة ولكننا نستخدم عبارة "المحنة" أيضاً لوصف ذلك الوضع الذي يستدعي الاختيار بين خيارات، بدائل، تبدو غير مواتية أو متنافية أو أن نتائجها غير مرضية. أي أن الوضع ذو طابع إشكالي يستوجب التفكيك والتفكير بتداعيات القرارات. استخدامنا لعبارة المحنة هنا قد ينطوي على شيء من التطرف والاستفزاز، وربما هو كذلك لكنه يخدم قضية إبراز بعض المفارقات والقضايا العقدية لقطاع التأمين العراقي. وهذا ما نرجوه.


سنأتي على المفارقات والمحن بسرعة دون التوسع في العرض والشرح والتعليل كي يبقى حجم المقالة مقبولاً إضافة إلى أن المحن تتطلب دراسات مستقلة. ربما أخطأنا في الانتقاء، وربما فاتنا أن نرصد بعض المظاهر، وربما قصّرنا في التحليل ولذا نتوجه برجاء إلى القارئ والقارئة لتنبيهنا إلى ذلك وغيره من عناصر القصور.


نزعم أن قطاع التأمين العراقي يمر بمحنة بعضٌ من آثارها هي امتداد لسنوات العقوبات الدولية (1990-2003) والبعض الآخر من إفرازات الاحتلال الأمريكي (تغيير القوانين) وموقف، أو لا موقف، الحكومات المُعينة والمنتخبة (إهمال قطاع التأمين). سنحاول في هذه الورقة إبراز بعض مظاهر المحنة التي تشكل في مجموعها ما أسميناه سابقاً بحالة حصار غير معلنة لقطاع التأمين. ففي ختام مقالتنا "ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي" ذكرنا التالي:


لا نأتي بجديد في القول ان الاقتصاد وكذلك النشاط التأميني المرتبط به يخضع للتغير إلا أنه في المرحلة الحالية لا يتمتع بالدينامية الكافية لتحقيق نقلة نوعية كتجاوز طبيعته الريعية ليحتل القطاع المالي (المصرفي والتأميني كمثال) مكانة أكبر في التنمية الاقتصادية. هذا الوضع يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسات الموجهة مثلما يعكس حالة "الحصار" غير المعلنة على نشاط القطاع: قوانين وعقود غير ملائمة (قوانين التأمين والاستثمار وشروط التأمين في عقود الدولة)، ضعف الحماية الإعادية، غياب سياسة تأمينية وطنية، يضاف لها هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي. [1]
سنحاول الاستفادة من هذا القول بقدر ما يتعلق بموضوعها تاركين مسألة "هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي" إذ أنها موضوع مستقل يستحق دراسة خاصة.


محنة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005

المحنة هنا هي البلية التي وردت في لسان العرب. فالقانون من صنع أمريكي، مقتبس من قانون التأمين الأردني، دون الاعتراف بالمصدر، وهكذا تكون النزاهة الفكرية وحقوق الملكية الفكرية على الضد مما يروج لها. ويهمل القانون تاريخ التشريع العراقي في التأمين. وقد كتبنا، كما كتب غيرنا، دراسات نقدية عنه منشورة في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية. المفارقة هي أن القانون فيه جوانب سلبية تكاد أن تلغي الإيجابي فيه، وربما عن قصد لإبقاء النشاط التأميني العراقي في حدوده الدنيا وفسح المجال أمام طالبي التأمين من الشركات الأجنبية العاملة في العراق التأمين خارج العراق. وبذلك فإن المستفيد الحقيقي هي هذه الشركات وشركات التأمين الأجنبية. عندما تتسرب أقساط التأمين خارج العراق بفضل سكوت القانون عن التأمين لدى شركات تأمين عراقية (وهذه هي البلية العظمى) فإن القيمة الاقتصادية للقانون، بسبب هذه البلية، يعادل نهباً منظماً لهذه الأقساط خارج رقابة ديوان التأمين العراقي الذي بدوره لم يتحرك إلا قليلاً (التأكيد على عدم إغفال الوزارات والمنشآت العامة لشركات التأمين الخاصة). وفيما يخص البلية فإن الديوان لم يتقدم حتى بورقة موقف تجاه سلبيات القانون.

رغم مناشدة ديوان التأمين العراقي (وزارة المالية) والكتابات المتعددة عن الآثار الضارة للقانون لم تتحرك الوزارة ولا مستشارو مجلس الوزراء ولا البرلمان لإعادة النظر بهذا القانون (الأمر رقم 10) الذي صاغته سلطة التحالف المؤقتة.


الابتلاء بهذا القانون هو من إفرازات الاحتلال الأمريكي. هي محنة "تلدُ أخرى" فالقانون فيه عيب أساسي (تجاوز إجراء التأمين مع شركات تأمين عراقية) يُقوض من مكانة قطاع التأمين العراقي،[2] ولن يتغير ما لم تتوفر الإرادة السياسية خارج المصالح الضيقة لإعادة النظر ببعض أحكامه. وهو القانون الذي تأسس ديوان التأمين العراقي بموجبه لكن الديوان لا يزال ضعيفاً، مستضعفاً، لا يستطيع تنفيذ وظيفته الرقابية كما يجب. أملنا أن لا يرتبط تعديل القانون بتخليص العراق من العبء الثقيل للبند السابع من قرارات مجلس الأمن أولاً!


محنة التأمين في إقليم كردستان العراق

المحنة على المستوى الاتحادي ومستوى الإقليم (غياب لغة تأمين كردية، غياب كتب تأمين باللغة الكردية، ضعف الإلمام باللغة العربية واللغة الإنجليزية للتطوير التأميني المهني في الإقليم، ضعف المشاركة في تأمينات النفط وغيره).



التأمين بين لغتين. الاهتمام باللغة العربية يقرّب قطاع التأمين في الإقليم من قطاع التأمين العراقي، وكذا الأمر في اعتماد قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات (القانون رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته)، وهكذا. مثل هذا التقرب يقوّي التوجه نحو الفيدرالية قيد التشكل وهو توجه ربما لا يشغل حيزاً في التفكير القومي الكردي الميّال إلى المزيد من الاستقلال عن التوجهات الاتحادية مثلما لا يشغل مكاناً في تفكير أصحاب القرار على المستوى الاتحادي. إضافة إلى ذلك، عندما يكون حضور اللغة العربية بين سكان الإقليم ضعيفاً فإن الحاجة إليها تصبح غير مطلوبة إن لم تكن ملغية.



على الجانب الاتحادي هناك قصور واضح في الاهتمام باللغة الكردية. ينص الدستور العراقي، المادة 4 على ان "اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ..." دون أن يعني ذلك اعتماد هاتين اللغتين للأغراض التجارية غير الرسمية بين الأفراد والمؤسسات. ونحن نميل إلى اعتماد اللغتين في المجالات غير الرسمية لأنه يعزز من النظام الاتحادي. ألم يحن الوقت لإنشاء موقع الديوان بالكردية إلى جانب العربية والإنجليزية؟

وهكذا يراوح قطاع التأمين في الإقليم في مكانه وبدلاً من أن يكون العراق الاتحادي فناءه الخلفي يبقى متقوقعاً على حاله، لا هو بقادر على الخروج من أسر التوجه القومي ولا هو يتشجع للانطلاق في الفضاء الاتحادي. وتبقى الكوادر القديمة الهرمة التي تعلمت في بغداد، وهي قليلة، تقوم بالأعباء الإدارية والفنية لشركات التأمين في الإقليم. وسوف يمضي وقت، نرجوه أن لا يكون طويلا، قبل أن نشهد نقلة نوعية في قدرات الشباب العامل في هذه الشركات (الذي لا يمتلك معظمه معرفة كافية باللغة العربية والإنجليزية وبالتالي يظل محروماً من مواصلة التطوير الفني اعتماداً على هاتين اللغتين).


وخارج دائرة اللغة تباحث ممثلو ديوان التأمين العراقي غير مرة مع وزارة مالية الإقليم، المشرفة على عمل شركات التأمين في الإقليم، للسماح لفروع شركات التأمين من أعضاء الديوان للعمل في الإقليم وغيرها من شؤون التأمين، دون أن يترجم هذا التباحث إلى قرارات لتغيير ما هو قائم.


الرقابة على النشاط التأميني في الإقليم. وهناك تجاذب غير معلن بشأن الرقابة على النشاط التأميني: أن يكون اتحادياً (أي خاضعاً لديوان التأمين العراقي) أم إقليمياً (أي خاضعاً لقانون يشرعه برلمان الإقليم). فقد جرت محاولة لوضع مسودة قانون رقابة على التأمين في الإقليم من قبل وزارة مالية الإقليم إلا أنه لم يخضع للتشريع. وكان ذلك سنة 2006 عندما قامت الوزارة بتشكيل لجنة تنظيم أعمال التأمين في إقليم كوردستان العراق، للنظر في تنظيم أعمال التأمين في الإقليم. وقد قامت اللجنة بصياغة قانون مستقل لتنظيم النشاط التأميني في الإقليم. وهذه المحاولة هي أيضاً جزء من النزوع القومي للاستقلال في قطاع التأمين.[3] وفي تعليقي على المحاولة قلت ان هناك قانوناً اتحادياً (فيدرالياً) للتأمين، هو الأمر رقم (10) قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، لا يفرق بين مركز وإقليم. ورغم المآخذ عليه، وقد عرضنا لها في أكثر من ورقة، فإن بالإمكان تقويم وإعادة صياغة ما لا يتناسب من أحكامه مع هدف خلق سوق وطني اتحادي للتأمين، أو لا يتفق مع السياسة الاقتصادية لحكومة الإقليم. أي انه ليست هناك ضرورة اقتصادية أو قانونية لوضع قانون رقابة على النشاط التأميني خاص بالإقليم. وقد قام الزميل فؤاد شمقار بالتوسع في التحليل القانوني وقدم دراسة موضوعية مهمة، ضمن أحكام الدستور العراقي، حول تنظيم قطاع التأمين في الإقليم يستحق القراءة الدقيقة.[4] ولعل دراسته تلقى أذناً صاغية من أصحاب القرار في المركز والإقليم.


وليست لدينا معلومات آنية عن محاولة تنظيم النشاط التأميني في الإقليم. واقع الحال هو عدم تطور سوق تأمين وطني اتحادي. وقد أشيع مؤخراً أن وزارة مالية الإقليم لن ترخص لشركات تأمين جديدة لمزاولة العمل في الإقليم ما لم يكن رأسمالها بحدود 25 مليون دولار، وهو مطلب يكاد أن يكون تعجيزياً[5] يستوجب الكشف عن الأسباب التي تختفي وراءه. وهو لا يستقيم مع متطلبات الحد الأدنى للضمان كما جاء في تعليمات المبلغ الادنى للضمان، المادة 2 الصادرة من ديوان التأمين العراقي.[6]

شركات التأمين الكردية وتأمينات النفط. مثلما يشهد قطاع النفط تجاذباً بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم (مسودة قانون النفط والغاز، العقود النفطية مع الشركات الأجنبية) فإن قطاع التأمين يحاكيه في التجاذب إلا أنه غير معلن وذلك لأن النشاط التأميني لا يستحوذ على تفكير صانعي القرار ولا يظهر في وسائل الإعلام ما يفيد وجود مشكلة في الرقابة على هذا النشاط على المستوى الاتحادي ومستوى الإقليم. فقد وقعت حكومة الإقليم على عشرات العقود النفطية مع شركات نفطية أجنبية بلغت أقيامها المليارات إلا أن حصة شركات التأمين الكردية من تأمين الموجودات النفطية والعقود النفطية لحكومة الإقليم ضئيلة جداً ولا يتجاوز القيام بتوفير ترتيبات الواجهة (إصدار وثيقة التأمين لقاء أجر دون الاحتفاظ بأي جزء من الخطر المؤمن عليه). الوضع هنا شبيه بالوضع على المستوى الاتحادي.


حل القضايا التأمينية المعلقة المرتبطة بشركات التأمين العامة. وهذه هي أحد مظاهر المحنة أيضاً متمثلة بعدم قدرة شركات التأمين على مزاولة العمل في إقليم كوردستان لأسباب يعود بعضها إلى تركة النظام الديكتاتوري وبعضها إلى النزوع القومي للتمايز وتقليل الارتباط الرسمي بقطاع التأمين العراقي. ولنا ملاحظات وأفكار عن هذا الموضوع منشورة في مدونة مجلة التأمين العراقي.


محنة إعادة التأمين الاتفاقي ودور شركة إعادة التأمين العراقية

تكمن بعض مظاهر المحنة في استمرار معيدي التأمين الاتفاقي على اعتبار الحالة الأمنية عنصراً مؤثراً على الاكتتاب، ولهذا فهم ينظرون بعين الشك إلى الاكتتاب بأخطار معينة كخطر الشغب والإضراب والاضطرابات المدنية، أو الغطاء الموسع الذي يندرج تحت عنوان العنف السياسي، أو أخطار المنشآت النفطية أو المخازن وغيرها. معيدو التأمين الاتفاقي في واقع الأمر يقيّمون حالة العراق وليس حالة الأخطار المؤمن عليها فقط – أي انهم يقيمون بيئة هذه الأخطار. وقد قلنا في مقالة لنا مؤخراً:


أن سوء الأوضاع الأمنية يُصعّبُ على شركات التأمين شراء حماية إعادة التأمين من الشركات الإعادية العالمية ويقلّص ويُضعف من نطاق هذه الحماية، إذ لا تتوفر هذه الحماية إلا بأسعار وشروط مُكلفة. وبالتالي، فإن ضعف الحماية الإعادية يؤثر سلباً على القدرات الاكتتابية واحتفاظ شركات التأمين بالأقساط.[7]  

ربما لا ينتبه معيدو التأمين إلى النزوع القوي لدى الناس للاستمرار في عملهم وتدبير شؤونهم الحياتية، واستمرار العاملين في شركات التأمين على العمل رغم الأعمال الإرهابية التي خفت كثيراً مقارنة بسنة 2006. ولكن يبدو أن منطق ربط الاكتتاب الفني بالوضع الأمني يظل قائماً في خلفية تفكير المعيدين مما يؤثر على عملية الاكتتاب. وهكذا نرى أن أسعار تأمين الأخطار العراقية، مقارنة بمثيلاتها في دول الجوار، عالية مما يعني أن هذه الأسعار تنطوي على تحميل سعر إضافي عن خطر الحالة الأمنية الكامنة في ذهن المعيدين.


المظهر الآخر للمحنة الإعادية هو الشكوى المتبادلة بين المعيدين وقطاع التأمين العراقي. يؤكد المعيدون على التطور البطيء لدخل أقساط التأمين فيما يؤكد ممثلو قطاع التأمين أن قيود واشتراطات اتفاقيات إعادة التأمين تلجم ارتفاع دخل الأقساط. هناك، كما نرى، خوفٌ مُبطن، غير مُعلن، لدى المعيدين من عدم كفاية القدرات الاكتتابية العراقية في تقييم وتسعير الأخطار وبالتالي يصبح وضع القيود على حدود المسؤوليات واشتراط إلجاء شركات التأمين، من خلال شركة إعادة التأمين العراقية، إلى المعيدين ضرورياً من باب السيطرة على العملية الاكتتابية.


ونعرف أن صغر حجم دخل الأقساط لا يكمن في الوضع الأمني وإنما في أسباب أخرى عرضناها سابقاً ويمكن الرجوع إلى واحدة من مقالاتنا بهذا الشأن ونقتبس منها الآتي:

أن طالب التأمين وشركة التأمين يتعرضان لأسعار وشروط إعادية هي في أحسن الأحوال ذات طابع عقابي لأنها لا تعكس الخصائص الفنية لموضوع التأمين بقدر ما هي تقييم اكتتابي للعراق. يتفهم المرء ثقل الوضع الأمني وكلفة إدارة الاكتتاب والسيطرة على الخطر وتسوية المطالبات لكن تسعير هذه الكلفة وشروطها تصل في وطأتها حد دفع المؤمن له للتخلي عن إجراء التأمين خاصة في تلك الحالات التي لا يطلب منه فيها إبراز شهادة تأمين لرب العمل. مقابل ذلك، لو كان طالب التأمين شركة غير عراقية صار موقف المعيد، الذي يكتتب بالخطر خارج القوانين الرقابية non-admitted insurance، أكثر مرونة. وهكذا تتسرب أقساط التأمين خارج سوق التأمين العراقي. [8]

وهذا الحال لا يزال قائماً في إعادة التأمين الاختياري وفي تجاوز شركات التأمين، وبالتخصيص الشركات الخاصة، لاتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية. ولنا أن نضيف: إذا كان حجم الموازنة لسنة 2012 سيكون 125 ترليون دينار، بعد تخفيضه من 132 ترليون دينار، استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي لتمكين، أو قل لتكبيل، العراق للاقتراض من الصندوق عند الضرورة،[9] ما هي حصة قطاع التأمين العراقي من هذه الموازنة - أي دخل أقساط التأمين الذي يستطيع القطاع الاكتتاب به؟


نعرف من الماضي أن هذه الحصة ضئيلة جداً على مستوى شركات التأمين الاتحادية وشركات إقليم كوردستان. وإذا كانت شركة التأمين الوطنية، شركة عامة، هي الأقدم والأغنى بين شركات التأمين العراقية الأخرى العامة والخاصة قد حققت دخلا بلغ 60,561,538 ألف دينار عراقي سنة 2010 [10] (ما يعادل 51,761,998 دولار أمريكي، بضمنه 11,030,013 دولار يمثل صندوق التأمين الإلزامي، والبحري-هياكل، والطيران، والسيارات التكميلي، والزراعي، والحياة، فردي وجماعي، وترانزيت وإعادة تأمين وارد) فالدخل المتحقق لدى الشركات الأخرى أقل بكثير منه. فقد بلغ مجموع دخل أقساط إحدى شركات التأمين الخاصة، النشطة، سنة 2010، ما يزيد قليلاً عن مليار ونصف المليار دينار عراقي.[11] وحسب معطيات شركة إعادة التأمين العراقية بلغ دخل الأقساط المكتتبة سنة 2010 للشركات 8,463,031,129 دينار (ما يعادل 7,233,356 دولار أمريكي) في فروع الحريق، والحوادث العامة، والهندسي والبحري-بضائع، في حين اكتتبت شركة التأمين الوطنية لوحدها في تلك السنة ٍ16,047,835 دولار. وهكذا نرى كم هي ضئيلة نسبة دخل التأمين إلى الموازنة فهي بحدود 0.022%.


الخروج من أسار المحنة ليس سهلاً فالمحنة هي استمرار لحالة قائمة منذ الغزو الأمريكي. قدمتُ قبل أكثر من سنتين[12] عدداً من المقترحات لاستعادة ثقة معيدي التأمين بسوق التأمين العراقي التي ستنسحب آثارها على الوسطاء وغيرهم من بيوت الخبرة التأمينية. وقلت إن هذه المقترحات لا تستنفد الأدوات التي يمكن الاستعانة بها في مجالات تطوير العلاقات المهنية، وزيادة حجم الإنتاج، وتحسين مستوى الأداء لدى شركات التأمين العراقية. قد يساعد وسطاء التأمين والمستشارون توجهات شركات التأمين في بعض جوانب هذه المجالات إلا أن تحقيقها يقع على عاتق شركات التأمين.

"ابتداءً نرى أن يكون الإطار العام لتنظيم العلاقة مع المعيدين قائماً على أساس التعاون وليس الخصومة أو المواقف العاطفية، أو التعكز على الشكوى منهم، أو استدعاء زمن العلاقات القديمة "الجميلة." ويقتضي التعاون التحرك بهدف تعزيز الأرضية المشتركة للعمل بدلاً من توتير غير مقصود للعلاقة. يعني ذلك أن يحاول الطرفان فهم أوضاع كل منهما وإيجاد الحلول التأمينية العادلة.
هناك مقترحات أخرى في الورقة ومنها: العمل تدريجياً للتعامل المباشر مع المعيدين دون المرور بوسطاء التأمين بالنسبة لعقود إعادة التأمين النسبية، زيارة مراكز شركات الإعادة الأوربية والاجتماع بالمكتتبين في أوطانهم وعدم الاكتفاء بلقائهم في دول الجوار، توجيه دعوات مكتوبة للمكتتبين لزيارة العراق وتشجيعهم عليها ورصد الإجابة التي ترد منهم للتعرف على ما يؤرقهم بهذا الشأن، تثقيف طالبي التأمين بأهمية تقديم معلومات وتوضيحات دقيقة بدلاً من الاكتفاء بالعموميات لمساعدة شركات التأمين في التفاوض على أسعار وشروط الإعادة، العمل على إقناع المعيد أو توليد قناعة لديه أن الوضع الأمني مسألة ثانوية فيما يخص السيطرة على الخطر، وتحليل الأخطار لزيادة الاحتفاظ لدى شركة التأمين وشركة إعادة التأمين العراقية." [13]

منافذ لاحتواء بعض مظاهر المحنة الإعادية؟

الإعادة الإلزامية لمحافظ الأخطار بنسبة معينة لدى شركة إعادة التأمين العراقية. مثل هذا النظام كان موجوداً حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي وكان التراجع عنه بإلغائه خطوة عملت على إضعاف الإعادة العراقية. فكرة الإلزام، ضمن إطار إيديولوجية السوق المفتوح، ينظر إليها شزراً وبالرفض رغم أن القواعد الرقابية في العديد من أسواق التأمين المتقدمة لها ضوابط يعتبر الخروج عنها موضوعاً لعقوبة كأن تمارس شركة تأمين أو وساطة التأمين العمل في دولة أوروبية دون أن يكون لها وجودٌ ثابت في الدولة – أي ممارسة العمل من وراء الحدود (حالة إيطاليا على سبيل المثال)


زيادة رأسمال شركات التأمين. وهذه ضرورية لخلق سوق تأمين وطني قوي من خلال تعزيز القاعدة المالية للشركات. ومن المناسب القيام بها على مراحل لمساعدة الشركات الصغيرة للوفاء بمتطلبات الزيادة من الداخل (دعوة المساهمين لزيادة رأس المال) أو الاندماج مع شركات تأمين أخرى. ومن يدري ماذا سيكون مصير هذه الشركات. قد يكون بعضها موضوعاً للاستحواذ من قبل رأس المال الخليجي، وقد لا يمضي وقت طويل، بعد انحسار الأزمة المالية العالمية القائمة، لأن يكون بعضها الآخر موضوعاً لاستحواذ شركات تأمين عالمية.


إلزامية التأمين على أخطار معينة كالتأمين على الحريق. فكرة الإلزامية مخيفة لحَمَلة إيديولوجيا الليبرالية الجديدة بين أصحاب القرار في العراق دون معرفة بتطورها التاريخي واستعمالها في الدول الرأسمالية المتقدمة. يجب التفكير بهذا الموضوع على مستوى السوق لأنه يمس حماية ثروات الوطن الخاصة والعامة. [14]


نوافذ التأمين التكافلي. من شأن تأسيس نافذة للتأمين التكافلي، وخاصة في تأمينات الحياة، زيادة الطلب على المنتجات التأمينية التي تقع في دائرة الحظر لدى بعض مفسري الشريعة الإسلامية.


خصخصة شركات التأمين العامة. لن تؤثر الخصخصة على حجم الأقساط المكتتبة أو نمط التنظيم الداخلي للشركة. ربما تؤدي الخصخصة إلي تقليص عدد العاملين في الشركة. [15]


وقف لجوء شركات التأمين الخاصة إلى إعادة التأمين خارج العراق بدلاً من الاستفادة من اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية. هذه الشركات تنتقي ما تريد إمراره من خلال الإعادة العراقية أو إعادة التأمين في الخارج. حرية تصرف هذه الشركات تجد ما يدعمها في الأمر رقم 10 إذ تجيز المادة 27 – أولاً "للمؤمِن [شركة التأمين] اعادة التامين داخل العراق او خارجه."


إلغاء شركة إعادة التأمين العراقية. كتبنا التالي في دراستنا "هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟ تمهيد لمناقشة موسعة"


"حالياً تقوم شركة إعادة التأمين العراقية بدور المدير للاتفاقيات الإعادية لمعظم شركات التأمين العاملة في العراق العامة والخاصة. إلغاء الإعادة العراقية سيؤثر أساساً على شركات التأمين الخاصة والصغيرة منها من حيث حجم الأعمال ورأس المال على وجه التخصيص. فهذه الشركات لن تكون قادرة لوحدها منفردة على شراء إعادة التأمين الاتفاقي. إن كان الإلغاء هو مصير الإعادة العراقية فإنه قد يوفر فرصة لمثل هذه الشركات للتشارك فيما بينها لشراء إعادة التأمين على نمط ما كانت تقوم به الإعادة العراقية. ويتطلب هذا الترتيب قيام واحدة من الشركات الخاصة بوظيفة التنسيق لشراء الحماية لحين تحسن أوضاع هذه الشركات (زيادة رأسمالها وحجم أقساط التأمين التي تكتتب بها أو اندماجها مع بعضها) بحيث تستطيع معه ترتيب اتفاقياتها بانفراد."
تحصر شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، اسناد الأعمال التي تكتتب بها بشركة إعادة التأمين العراقية، وهي تفعل ذلك ليس بحكم الاختيار وإنما من باب الضرورة، وهو "تقليد" يستمد بعضاً من مبرراته من الماضي عندما كانت شركات التأمين تسند جزءاً من محافظها لشركة إعادة التأمين العراقية (ألغي الإسناد الإلزامي في ثمانينيات القرن الماضي)، وكذلك سنوات الحصار الدولي (1990-2003) عندما تكاتفت الشركات فيما بينها لضمان استمرار النشاط التأميني بحدوده الدنيا بعد أن توقف غطاء إعادة التأمين بسبب قرارات الحظر.[16]


من مزايا شركة إعادة التأمين العراقية، وهي مملوكة للدولة، أنها تقف محايدة، وعلى مسافة واحدة، بين الشركات العامة والخاصة. وهي بهذا الموقف تلتزم المعايير الفنية وتعمل، بوعي أو بدونه، على تطوير سوق التأمين العراقي رغم أن بعض شركات التأمين الخاصة والعامة تتخطى الإعادة العراقية في إعادة تأمين الأعمال الاختيارية – وهو ما حصل بالنسبة للعديد من التأمينات النفطية امتثالاً لشروط شركات النفط الأجنبية.


إلغاء شركة إعادة التأمين العراقية قد يكون موضوعاً للترحيب من قبل بعض الأطراف، وخاصة إيديولوجي الليبرالية الجديدة ممن يعتبر وجود شركة إعادة تأمين وطنية قيداً على حرية التجارة. محنة الإعادة ليست محصورة بالتناطح مع مثل هذه الدعاوى المضمرة، وهي لا تقوم بذلك، بل في ضمان قبول شركات التأمين العامة والخاصة بوجودها. فالشركات العامة ترى أنها تتحمل أعباء ونتائج سوء سلوك الشركات الخاصة بالاكتتاب بأسعار واطئة جداً وبعدم تغذية الاتفاقية بالأعمال وفي ذات الوقت تنتج مطالبات بالتعويض تؤثر على نتائج الاتفاقيات التي تديرها الإعادة العراقية. ولهذا فإن الشركات العامة تلوح بالخروج من هذه الاتفاقيات.


مقابل ذلك تلجأ شركات التأمين الخاصة إلى إسناد القليل من أعمالها للاتفاقيات التي تديرها الإعادة العراقية، أي انها تسرب أقساط التأمين خارج السوق الوطنية ولصالح شركات عربية وأجنبية، وبذلك تضعف من حجم أقساط التأمين المسندة إلى الإعادة العراقية.


محنة شركات التأمين الخاصة

الفرق الكبير بين شركات التأمين العامة والخاصة يمتد من دخل أقساط التأمين إلى حجم رأس المال وعدد الموظفين، والكفة تميل عموماً لصالح الشركات العامة، بفضل متانتها المالية أساساً، لكننا لا نعدم كفاءة متميزة لدى عدد قليل من الشركات الخاصة.


ولعل المنافسة في تقديم الخدمات، وليس الأسعار، كفيلة بالكشف عن هشاشة شركات تأمين خاصة لا تتوفر فيها عناصر القدرة على النماء الحقيقي ودورها لا يتعدى تشويه مسار نضوج سوق التأمين العراقي.


تتشكى الشركات الخاصة من الرسوم والضرائب وغياب الرعاية الحكومية لتعزيز مكانتها وهو ما تناوله الزميل سعدون الربيعي في عدد من مقالاته.[17] كما تتشكى من حصر تأمين منشآت الدولة، وكذلك عقود جولات التراخيص النفطية، لدى شركات التأمين العامة، وهو غير مقبول لأنه يتعارض مع أحكام المادة 81 – ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي نصت على ما يلي:


"يجري التامين على الاموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات او دوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقا لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها."


لكن هذه الشكوى إن كانت موجودة قد زالت الآن بعد تدخل ديوان التأمين العراقي من خلال مخاطبة شركات النفط العراقية الشريكة لشركات النفط الأجنبية لضمان التزامها بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين.


محنة معظم شركات الـتأمين الخاصة تكمن في ضعف قاعدة رأسمالها واحتياطياتها الفنية وكذلك عدم توفر العدد الكافي من الكوادر المدربة لديها. وهذا يفسر ميلها الحثيث نحو المنافسة السعرية، والاكتتاب بأوطأ الأسعار، لضمان الحصول على الأعمال دون الاهتمام بالاعتبارات الفنية ومنها توفير خدمات رفيعة للمؤمن لهم. هي تريد تنمية محفظتها لكنها مقيدة. وقد يكشف التطور اللاحق عن وسائل لتحقيق النماء من خلال زيادة رأس المال أو الاندماج مع شركات تأمين أكبر وطنية أو أجنبية .. الخ كما ذكرنا أعلاه.


محنة تأمين قطاع النفط

الموارد النفطية هي العنصر الأساس للاقتصاد العراقي، وهذه الموارد تغطي عيوب هذا الاقتصاد إذ ليس هناك إنتاج صناعي وزراعي حقيقي. ورغم هذه الأهمية الاستثنائية للقطاع النفطي فإن ما يشتريه القطاع من حماية تأمينية ضئيل جداً مقارنة بحجم الموارد. ويبدو لنا أن القطاع يكاد أن يستغني عن تأمين ما يتعرض له من أضرار مادية لامتلاكه ما يكفي من موارد داخلية لتمويل أعمال تصليح الأضرار بدلاً من تحويل كلفة التمويل، لقاء قسط سنوي معلوم مسبقاً يمكن إدخاله في موازنة وزارة النفط والشركات التابعة لها، إلى شركات التأمين العراقية.


بدلاً من تمويل جبر الأضرار من الموارد الداخلية يمكن الاستفادة من هذه الموارد في استثمارات جديدة وفي تنمية القدرات البشرية.


وحتى لو سلمنا جدلاً بأن قطاع النفط قادر على تمويل خسائره المادية إلا أنه يفتقر إلى سياسة في هذا المجال. بمعنى أنه يستجيب للضرورات عند قيامها (وقوع الضرر الذي يستوجب التصليح) بدلاً من أن يكون له سياسة واضحة في إدارة الخطر من منظور تحويل عبء تحقق الخطر على شركة التأمين أو من خلال تكوين صندوق ذاتي للتأمين هو بمثابة شركة التأمين إذ ترصد له سنوياً مبالغ محددة (ربما تعادل قسط التأمين السنوي الذي تدفعه لو لجأت إلى شركة تأمين) تتراكم على مر السنين لتشكل احتياطياً كبيراً ربما يكفي لتمويل الخسائر المادية ذات الطبيعة الكارثية. وربما يمكن لهذا الصندوق أن يكون نواة لتأسيس شركة تأمين مقبوضة. ومن المؤسف أن مثل هذه السياسة غائبة عن التفكير لدى المعنيين في قطاع النفط.[18]


شركات التأمين العراقية محشورة في زاوية ضيقة فيما يخص التأمين على جولة التراخيص النفطية. كانت البداية في عدم إشراك شركات التأمين الخاصة وبعد ضغط من هذه الشركات وتدخل ديوان التأمين العراقي صارت المنافسة على تقديم خدمات التأمين للشركات النفطية الأجنبية مفتوحة للشركات العامة والخاصة على حد سواء – وهو ما تقضي به المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.


بعد تجاوز محنة شركات التأمين الخاصة صار "عصر" شركات التأمين من قبل الشركات النفطية الأجنبية أمراً قائما لم تستطع شركات التأمين العراقية الوقوف ضده. اتخذ العصر شكل الضغط على أجور ترتيبات الواجهة[19] لتكون في حدودها الدنيا، والتقليل من حدود الاحتفاظ إلى أدنى المستويات، والحرمان من ممارسة الاكتتاب: فكل شيء مجهز من قبل شركة النفط الأجنبية أو شركة التأمين المقبوضة أو وسيطها المعتمد أو مستشارها (كنص وثيقة التأمين، إجراءات المطالبة، شرط الاختراق فيما يخص تسديد أقساط التأمين والتعويضات بتجاوز دور شركة التأمين) لينحصر دور شركة التأمين-الواجهة بإصدار وثيقة التأمين.


وقد تم ذلك بالانتقاء بين شركات التأمين من خلال إجراء المناقصات التنافسية بينها بعد تأهيل تلك الشركات التي تتماثل مع اعتبارات التقييم التي تعتمدها شركات النفط الأجنبية. ونفس نظام المناقصات طُبق على انتقاء وسطاء ومستشاري التأمين. ويعتبر الخروج على أي بند من شروط المناقصات كافياً لإلغاء عطاء شركة التأمين.


الدافع الأساسي لموقف الشركات النفطية الأجنبية هو تقليص حجم الانفاق على التأمين مثلما هو الحال على شراء الخدمات الأخرى وذلك لتعظيم هامش الأرباح، وضمان الحصول على التعويضات لأن شركات التأمين المحلية لا تمتلك موارد مالية كافية تستجيب للمطالبات الكبيرة (خاصة وهي محرومة من الاستفادة من اتفاقياتها الإعادية). والدافع الآخر تدوير أقساط إعادة التأمين لتستقر عند شركات التأمين المقبوضة لها بفضل الاشتراط على شركة التأمين القبول بشرط الاختراق Cut Through Clause فيما يخص تسديد أقساط التأمين والمطالبات – أي تأسيس علاقة مباشرة بين المؤمن له (شركة النفط الأجنبية) ومعيد التأمين (الحصة الكبرى تستقر لدى شركة التأمين المقبوضة لشركة النفط) تجاوزاً لدور شركة التأمين العراقية التي تقزّم دورها إلى واجهة لإصدار وثيقة التأمين.


بالنسبة للشركات النفطية فإن تمويل أقساط التأمين يتم من خلال تكاليف انتاج البترول petroleum cost recovery ، أي إن الطرف العراقي يشارك في تمويل أقساط التأمين إلا أن دور الطرف العراقي في إدارة التأمين مفقود أو ضعيف جداً.


سلوك الشركات النفطية يكاد أن يكون نظاماً عاماً تطبقه في العديد من دول "العالم الثالث" (دول "الجنوب") التي تعمل فيها هذه الشركات، أي أنها ليست خاصة بالعراق. مثل هذا النظام يسري لأن هذه الدول، ومنها العراق، سمحت لنفسها الخضوع لسلطة الشركات النفطية العالمية، وضعف الشريك المحلي (شركات النفط الوطنية) وضعف السوق الوطنية للتأمين، وغياب دعم الدولة لقطاع التأمين، وغياب رؤية (سياسة) واضحة تجاه النشاط التأميني الوطني، وموقف شركات إعادة التأمين العالمية بعدم منح شروط مناسبة لشركات التأمين المحلية بالاكتتاب والاحتفاظ بالأخطار النفطية. وهكذا يعمل قطاع التأمين العراقي في ظل هذا الحصار غير المعلن – المحنة التي لا يجد في الوقت الحاضر من يستجير به منها.


بعض عقود الدولة، ومنها ما يسمى بعقود التراخيص النفطية، هي التي تشترط التأمين بصيغة محددة مع شركات تأمين محلية – لو توفر الغطاء التأميني المطلوب محلياً. وهنا يبدو أن الشركات النفطية الأجنبية تتصرف من موقف يُحسب لصالحها في استدراج عطاءات التأمين من شركات تأمين محلية، وهي حقاً كذلك بعد أن تعلمت الدرس من سوء التصرف في أسواق أخرى في العالم. لكن تصرفها قابل للمناقشة والنقد كما أشرنا أعلاه.


وقد اختتمنا دراسة قصيرة لنا حول المادة 24 من جولة التراخيص التي صيغت لصالح الشركات النفطية، التي تذكرنا بصياغة بعض بنود الدستور العراقي الملتبسة، "أن التزام شركات النفط العالمية العاملة في العراق بمتطلبات التأمين مع شركات تأمين عراقية ليس متساوياً، ولا سيما في إقليم كوردستان، فليست كل الشركات تمتثل بصرامة لقوانين التأمين في العراق أو الالتزامات التعاقدية." [20]


وحسب المادة 24-6 من عقود جولة التراخيص، ونترجمه بتصرف، فإن "خطة التأمين تتطلب من المقاول والمشغل [شركة النفط الأجنبية] الحصول على تأمينات من شركة تأمين عراقية أو أجنبية عاملة في جمهورية العراق لتغطية الأخطار ذات العلاقة بالعمليات النفطية وأي نشاطات أخرى ذات صلة بها وكما قد يقضي به القانون خلال فترة العقد، بما في ذلك مسؤولية الطرف الثالث والضرر البيئي والضرر [البدني] إذا كانت مثل هذه التغطية متوفرة في جمهورية العراق بشروط معقولة تجاريا. إذا كانت مثل هذه التغطية غير متوفرة في جمهورية العراق، يجب الحصول على التأمين من شركة تأمين أجنبية. وتقوم شركة التأمين بالتعاون مع المقاول والمشغل، واعتماداً على مدى الحاجة، بترتيب إعادة التأمين للتغطيات في السوق الدولية لذلك الجزء من الخطر الذي يفيض عن صافي احتفاظ شركة التأمين." [التأكيد من عندنا]

ترى هل حصل تعاون حقيقي بين شركة النفط الأجنبية وشركة التأمين العراقية الفائزة بمناقصة التأمين؟ سؤال ليس من السهل الإجابة عليه بسبب السرية التي تكتنف المناقصات والمشاركة فيها والتي يتوجب على جميع الأطراف المشاركة الالتزام بها.


محنة شركات التأمين تكمن في أن عدم المشاركة في المناقصات التأمينية هو نوع من "الانتحار الاقتصادي" لكن المشاركة تعني الخضوع لمنطق السوق الذي كرسه قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وأحكام العقود النفطية – أي القبول بالمنافسة ولكن بشروط الشركات النفطية. بعض شركات التأمين العراقية تفضل عدم الاشتراك في مناقصات الشركات الأجنبية، ومنها النفطية، ربما لقناعة أن المناقصة شكلية وأنها سترسي على واحدة من الشركات العامة، أو لأن الشركة الأجنبية تبحث عن أوطأ الأسعار وتعمل على تقييد حرية شركة التأمين العراقية في الاحتفاظ بحصة من تأمين العقد وفي المساهمة في إدارة المطالبات بالتعويض وفي حقها باستلام أقساط التأمين أولاً وليس تجاوزها لصالح العلاقة المباشرة بين الشركة الأجنبية وشركات إعادة التأمين ومنها شركات التأمين المقبوضة.


استخلاص المزيد من المنافع للشركات النفطية يهدد في النهاية حيوية سوق التأمين العراقي وتطوره فنياً (اكتتابياً) ومالياً إلا بالحدود الدنيا – أي القيام بوظيفة الشركة الواجهة الصرفة (بعض شركات التأمين تقوم بهذه الوظيفة مع تخليها المطلق عن المسؤولية، وهو ما ترغب به الشركات النفطية).


في سبعينيات القرن الماضي عندما لم يكن غطاء التأمين المطلوب من قبل طالب التأمين الأجنبي متوفراً في العراق كانت شركة التأمين الوطنية، وقتها كانت الوحيدة التي تزاول أعمال التأمينات العامة عدا الحياة، هي التي تتولى البحث عن الغطاء في أسواق التأمين العالمية.


كان المبرر لهذا الموقف قانونياً باعتبار أن جميع الأصول العراقية وما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية تجاه الطرف الثالث يجب أن يجري التأمين عليها مع شركة تأمين عراقية مرخصة. أما المبرر الاقتصادي، غير المعلن، فهو ان الطرف العراقي، ممثلاً بإحدى مؤسسات الدولة وهي المستثمر الأكبر آنذاك، صاحب المشروع (رب العمل) هو الذي يتحمل كلفة عقد استيراد المواد والمعدات وكلفة الإنشاء والتركيب بضمنها كلفة شراء الحماية التأمينية وكذلك هامش ربح المقاول. صار الآن من حق المؤمن له المباشر أن يتعامل، ضمن آلياته، مع سوق إعادة التأمين وفرض شروط هذا السوق على شركة التأمين العراقية الفائزة في المناقصة.


عمومية المحنة

ليس صحيحاً إعفاء شركات التأمين وجمعية التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي من المسؤولية تجاه الوضع القائم. شركات التأمين، مثلاً، لا تطبق تعليمات جمعية التأمين العراقية رغم "تأكيد ديوان التامين على ذلك بكتابه ذي العدد 139 في 21/11/2011 وضرورة التقيد بالأسعار"[21] بخصوص الالتزام بتعريفة التسعير، أي بالحدود الدنيا لأسعار التأمين على أخطار معينة كالتأمين الهندسي. ويجد هذا الموقف تبريره أحياناً بقيم المنافسة باعتبارها أعلى شأناً من قيم تطوير سوق وطني متماسك للتأمين. ولكن خرق التعليمات، رغم علم الجمعية والديوان، لا يقابله، كما يقول الزميل المحامي منذر الأسود، أي شكل من أشكال الردع.[22]


شركات التأمين مهتمة اساساً بمصالحها الخاصة وليس بمصالح إعادة تشكيل سوق التأمين العراقي (على أساس وطني اتحادي)، ولم تطور بعد "جبهة" للضغط على صانعي القرار لإيلاء قطاع التأمين ما يستحقه من عناية وتأييد.


الرؤية الضيقة لشركات التأمين ذاتها في الاهتمام بمصالحها الخاصة بدلاً من توسيع دائرة الاهتمام لصالح سوق التأمين بأجمعه جعل من منطق المنافسة غير المقيدة أسلوباً لتسريب أقساط التأمين خارج العراق وبفضل الغطاء القانوني الذي يوفره قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الساكت، عن قصد، عن التأمين خارج العراق، أي خارج رقابة الديوان. فالقانون لا يفرض على طالبي التأمين، عراقيين وأجانب، أفراداً وشركات، إجراء التأمين حصراً مع شركات تأمين عراقية.


تتظلم شركات التأمين الخاصة من هيمنة شركتي التأمين العامتين (تنتجان 80% من أقساط التأمين) وتطلب دعماً من الحكومة لتعزيز مكانتها في السوق – أي تطلب من الحكومة أن تحتضنها كي تنجح في المنافسة السوقية! لم يقترن تشكي البعض منها من الحالة القائمة بدراسات معمقة، بجهد جماعي ضاغط على صانعي القرار، وبفضح ممارسات ضارة لدى طالبي التأمين ولدى شركات التأمين ذاتها، ولم تعمل سوية، إلا لماماً، لتطوير سياسة (رؤية) للقطاع.

ربما يقول البعض ما الفائدة من كل ذلك وأصحاب القرار منشغلون في تزوير الشهادات والتغطية عليها، وفي الكسب غير المشروع (الفساد المالي) والنهب والزبائنية، وحتى أن وزيراً لا يكلف نفسه بالرد على رسالة لشركة تأمين لعقد لقاء معه أو مع من يمثله. نعم هو مشغول بقضايا كبرى! كأعضاء البرلمان الذين لا يلتقون بناخبيهم!


هل استسلمت شركات التأمين العراقية لمنطق ما هو قائم والقبول بموقف الحكومات في إهمال القطاع؟ لا نعتقد ذلك، فهذه الشركات التي ربما لم تشهد فساداً في إدارة أعمالها تثابر، رغم كل السلبيات، لتطوير النشاط التأميني كل على طريقته في ظل غياب سياسة تأمينية واضحة.


الحكومة تكاد أن تكون غائبة إلا من خلال تعيين رئيس بالوكالة لديوان التأمين العراقي. سنوات عدة مضت على تأسيس الديوان وما يزال موقع الرئيس بالوكالة! يتساءل المرء لماذا لا يثير قطاع التأمين اهتماماً حقيقياً من الحكومة. أترى أن الإهمال سببه عدم فهم هذا القطاع أو التقليل من شأنه أم هو انعكاس لحالة عامة تتمثل بغياب الاقتصاديين، رغم أن الذين يسيطرون على صنع القرار في العراق ناس عقلانيون يكرسون انفسهم لخدمة مشروع إقحام الليبرالية في الاقتصاد العراقي.



التمسك بالأمل

نحن على قناعة أن "محنة" سوق التأمين العراقي آيلة إلى الانفراج ولكن يصعب الآن التكهن بما سيسفر عنه من حلول (في ظل بارانويا المحاصصة)،[23] ومدى نجاعة أي حل في إحداث نقلة نوعية - في بنية السوق وأهميته في الاقتصاد الوطني، وفي تكوين السوق الاتحادي، ومكانته بين شركات التأمين العربية، ومقارنته الكمية والنوعية بتاريخ القطاع في الماضي لرصد التطور الحقيقي الحاصل. لكن المؤشرات، اعتماداً على ما يجري في بلدان أخرى متقدمة ونامية وفي العراق أيضاً، هي أن النموذج التأميني، وهو مرتبط تماماً بالنموذج الاقتصادي، لن يبقى على حاله بل سيشهد تحولاً. وما التعددية الحالية، في ملكية الشركات وفي توزيعها الجغرافي والتجاذب في الشأن الرقابي وفي محاولة الخروج من أسار القوانين والممارسات القائمة وقيود إعادة التأمين الاتفاقي إلا إشارات قوية لما قد سيكون عليه الحال في العقد القادم. وهذا التحول ليس آلياً وقد يتعثر ما لم يقترن بقوة الإرادات الدافعة نحو التغيير. نحن نحلم بالتعددية داخل الإطار الاتحادي.


لندن 28 كانون الأول 2011



[1] نشر في مرصد التأمين العراقي


http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/

[2] لمن يرغب في قراءة آراء نقدية عن قانون 2005 الرجوع إلى مدونتي مجلة التأمين العراقي و مرصد التأمين العراقي.  وقد قمنا بجمع عدد من دراساتنا النقدية عن القانون مع مقدمة في كتاب من المؤمل أن ينشر في بغداد سنة 2012.


[3]  أنظر مصباح كمال: "ضوابط تنظيم أعمال التأمين في إقليم كوردستان العراق: ملاحظات نقدية" مجلة التأمين العراقي



http://misbahkamal.blogspot.com/2008/02/blog-post_22.html#!/2008/02/blog-post_22.html
[4] فؤاد شمقار: "دستور جمهورية العراق وقانون تنظيم أعمال التأمين ورغبة سلطات إقليم كوردستان في تنظيم القطاع والإشراف عليه" مرصد التأمين العراقي



[5] منذ سنة 1991 بدأ تدريجياً بروز مجموعات رأسمالية كردية لها قدرات مالية كبيرة، وهذه قادرة على تأسيس شركات تأمين في الإقليم برأسمال يزيد عن 25 مليون دولار.  إن تأسست مثل هذه الشركات فسيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ على بنية السوق في الإقليم وعلى المستوى الاتحادي إن رغبت في العمل في جميع أنحاء العراق.











[6] "الغيت هذه المادة بموجب المادة (1) من تعليمات التعديل الاول لتعليمات المبلغ الادنى للضمان رقم (4) لسنة 2006، رقمه 14 لسنة 2010، واستبدلت بالنص الاتي:

لا يقل المبلغ الادنى للضمان عما يأتي: اولا- (1500000000) مليار وخمسمائة مليون دينار للمؤمن المجاز لممارسة اعمال التامين العام ثانيا- (2000000000) ملياران دينار للمؤمن المجاز لممارسة اعمال التامين على الحياة ثالثا- (3000000000) ثلاثة مليارات ينار للمؤمن المجاز لممارسة اعمال اعادة التامين حصرا رابعا - (2000000000) ملياران دينار للمؤمن المجاز لممارسة اعمال التأمينات العامة والتامين على الحياة من المشمولين بالاستثناء المنصوص عليه في البند (اولا) من المادة (16) من (قانون تنظيم اعمال التامين) الصادر بالأمر رقم (10) لسنة 2005."

[7] لإلقاء المزيد من الضوء على حالة الأمن والنشاط التأميني راجع مصباح كمال: "ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي،" مرصد التأمين العراقي


[8] مصباح كمال: "التأمين في العراق: قصور في التفكير الاستراتيجي؟"


http://misbahkamal.blogspot.com/search?updated-min=2011-01-01T00%3A00%3A00Z&updated-max=2012-01-01T00%3A00%3A00Z&max-results=9#!/2010/02/458-2010-568.html
[9] حسب وكالة كردستان للأنباء (آكانيوز)، أربيل 2 كانون الأول/ديسمبر نقلاً عن أحمد جاوشين، نائب رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي.
من المناسب أن نشير إلى أن المؤسسات المالية الدولية تساهم في خلق المديونية. لمتابعة إثقال مديونية دول "العالم الثالث" يمكن الرجوع إلى
Eric Toussaint and Damien Millet, Debt, the IMF and the World Bank (New York: Monthly Review Press, 2010).

[10] شركة التأمين الوطنية، قسم التخطيط والتسويق، تقرير مجلس الإدارة كما في 31/12/2010، ص 15.

[11] الشركة المعنية هي شركة الحمراء للتأمين (رسالة من منذر الأسود المحامي في 18/12/2011 كتبها بعد قراءته لمسودة المقالة).

[12] مصباح كمال: "مُذكرة: عن معيدي التأمين وشركات التأمين العراقية" مجلة التأمين العراقي الإلكترونية
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/06/blog-post_839.html
[13] مصباح كمال: "مذكرة ..." مصدر سابق.

[14] أدخل التأمين الإلزامي ضد خطر الحريق والزلازل في الأردن بعد صدور نظام التأمين الإلزامي ضد خطر الحريق والزلازل الذي سيكون نافذاً سنة 2012. ويلزم النظام صاحب الملك بتأمين البناء والمستأجر أو مشغل المنشأة بتأمين الموجودات بموجب نموذج عقد التأمين الإلزامي. راجع مجلة البيان الاقتصادية، العدد 476، تموز (يوليو) 2011، ص 188.http://www.albayanmagazine.com/Archive/2011/Issue%20476%20July%202011.pdf

[15] مصباح كمال: "هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟ تمهيد لمناقشة موسعة" الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011.

[16] مصباح كمال: "التأمين في العراق: قصور في التفكير الاستراتيجي؟" مصدر سابق.

[17] سعدون الربيعي: "شركات التأمين الخاصة تشارك في اجتماعات هيئة المستشارين لتطوير القطاع المصرفي والتأميني" مرصد التأمين العراقي


وكذلك "برنامج مستقبلي لجمعية التأمين العراقية" مرصد التأمين العراقي


[18] للتعريف بجوانب أخرى يمكن الرجوع إلى مصباح كمال: "وزارة النفط وقطاع التأمين العراقي والتأمين على المنشآت النفطية" مجلة التأمين العراقي.




[19] لمزيد من التحليل راجع مصباح كمال: "ترتيبات الواجهة: محاولة أولية لتقييم نقدي" مجلة التأمين العربي، العدد 95، 2007، ص 25-32 وكذلك مرصد التأمين العراقي
[20] مصباح كمال: "شروط التأمين والتعويض النموذجية في عقود النفط العراقية: ملاحظات عن بعض مفردات هذه الشروط" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2010/12/24.html#!/2010/12/24.html



[21] أشكر الزميل منذر الأسود المحامي على هذه المعلومة التي أرسلها لي بتاريخ 11/12/2011.

[22] رسالة الزميل الأسود المؤرخة 11/12/2011.

[23] "البارانويا مرض غريب، له - كما جانوس آلهة الأبواب في الأساطير الإغريقية - أكثرُ من وجه. في وجهه الاول جنون عظمة، وافتتان بالذات، كما بالجبروت، وفي وجهه الثاني جنون اضطهاد وارتياب، يتوجس فيه الممسوس ان كل الكائنات تريد به شراً." نقلاً عن فالح عبد الجبار، "بارانويا السلطة في العراق" جريدة الحياة، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2011
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/333029