إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/09/07

Absence of Insurance in Government Programme for 2011-14

تعليق على غياب التأمين في

برنامج الحكومة للسنوات 2011- 2014

مصباح كمال

ترددت في كتابة هذا التعليق بانتظار أن يقوم أحد الزملاء في قطاع التأمين بذلك، أو أن تقوم جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين بذلك كونها، في تقديري، الجهة المهتمة بمكانة قطاع التأمين في الحياة العامة. ربما قام أحدهم بذلك ولكني لم استهدي إليه. وقد كتبت في الماضي[1] أن قرارات وبرامج الحكومات والأحزاب السياسية، وخاصة تلك المعروضة أثناء الانتخابات البرلمانية العامة والمؤتمرات، توفر الفرصة للقطاع، أفراداً وكيانات، لإبداء موقف منها. لكن شيئاً من هذا التمني لم يجد له تعبيراً في الواقع، وهكذا بات علينا، مرة أخرى، أن نرصد ونعلق على أمر ذو علاقة بقطاع التأمين، ولنذكّر بعضنا بأهمية الإعلان عن قطاع التأمين للحكومة والصحافة من خلال إبداء المواقف تجاه قضايا تمس القطاع مباشرة أو بصورة غير مباشرة. إعلان المواقف من شأنها أن تساهم في تعزيز الوعي بالتأمين.


مناسبة هذا التعليق هو نشر جريدة الصباح بتاريخ 18 تموز 2011 لنص رسالة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى مجلس النواب المتضمنة الإطار العام لبرنامج الحكومة الاستراتيجي للسنوات 2011- 2014. وسنقتبس بعض الفقرات من الرسالة والبرنامج ما نعتقد بأنها تمس قطاع التأمين الغائب تماماً من تصورات الحكومة.


جاء في رسالة رئيس الوزراء أن السنوات الماضية شهدت تركيز الحكومة على


"ضرورة توفير الأمن والاستقرار المهددين في بلدنا، وقد عملنا جاهدين حتى تحسن الوضع الأمني تحسناً ملحوظا وإن بقيت بعض التهديدات هنا وهناك وبسبب هذا التركيز لم تلق إعادة الإعمار والتنمية الوقت والجهد والإمكانات الكافية، فنرى معاناة المواطنين في توفير الكهرباء لمنازلهم، وضعف الرعاية الصحية والتعليم والسكن المناسب والحصول على فرص العمل الكريمة "


قد لا نختلف على أن الأمن، وما يترتب عليه من استقرار، عنصر مهم في إدارة الحياة العامة والخاصة وتحقيق التراكم لكن تعليق غياب السياسات الاقتصادية، ومنها ما يتعلق بالنشاط التأميني، على شماعة الأمن ليس إلا تبريراً يفتقد إلى شرح كامل ومقنع. لا نية لنا في مناقشة هذا الموضوع ونكتفي بالقول أن الحكومات، منذ 2003، انشغلت بالمغانم والمحاصصات واستغرقت النخبة الحاكمة والمنتفعين منها ومؤسسات الدولة ، على ضعفها، في التسابق عليها بحيث أصبح الاهتمام بإعادة الإعمار والتنمية لا يلقى إلا القليل من الاهتمام. والحال هذا يذكرنا بأطروحة الثوريين وأصحاب الدعوات القومية بتعليق الديمقراطية والحريات العامة لحين التخلص من الاستعمار أو تحقيق الوحدة القومية.


وذكر رئيس الوزراء أن


"هذه الوثيقة .. هي برنامج الحكومة الستراتيجي، وفيها تظهر المحاور الآتية في لغة واضحة وستكون نصب أعيننا في خلال فترة رئاستنا لهذه الحكومة:


1- أمن العراق واستقراره

2- الارتقاء بالمستوى المعاشي والحياتي للمواطن العراقي

3- تحقيق اقتصاد أفضل وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسات العامة والخاصة

4- زيادة إنتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية

5- إصلاح الخدمة المدنية

6- تنظيم العلاقات الاتحادية – المحلي."


"هذه المحاور جميعها ضرورة ملحة ومتساوية وإن كانت الحاجة مستمرة ً للأمن وتحقيق الاستقرار لما لها من تأثير في تحسين الخدمات العامة التي تؤسس لحياة سعيدة في مجتمع حديث، لذا فإن إنتاج النفط والغاز إنتاجاً مستمراً مهم لتمويل إعادة الإعمار والتنمية التي يحتاجها بلدنا، ويحتاج أيضاً إلى اقتصاد متنوع وحديث ليكون مصدراً للثروة وفرص العمل. والمحاور جميعها تعكس الحاجة لخطط مدروسة بعناية لكي تنفذ تنفيذاً كاملاً وفقاً للدستور. وإن ما يواجهنا في عملنا هي البيروقراطية الحكومية، لذلك فإننا نحتاج إلى إصلاحات إدارية وتحسينات كثيرة لدعم التنمية في البلد.


ستكون هذه الموضوعات (المحاور آنفة الذكر) محور عملنا، وسنقوم بتقديم التقارير تقديما منتظماً عن أي تقدم محرز. ونحن نرحب بالآراء والتعليقات حول جعل العراق بلداً آمناً وحراً كريماً للعيش السعيد.


نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء."


لنلاحظ أن رئيس الوزراء يرحب بالآراء والتعليقات وليس الدعوة إلى التقييم النقدي. هناك تهيب من النقد لذلك فإن الدعوة له لا يرد في الرسالة وفي البرنامج. ولعله انعكاس لميل تسلطي كامن قائم على أن المعرفة ليست متاحة للجميع وهو أقرب ما يكون إلى التفكير الديني.


لنترك التعليق العام والانجرار نحو مناقشة نص الرسالة ومفردات البرنامج لغيرنا ونركز القول على أن المحاور الستة لبرنامج الحكومة وما سينشأ عنها من أعمال إنشائية وصناعية وخدمية تنطوي على إنفاق من ميزانية الدولة الآن وفي السنوات التالية. لكن ما يعيب البرنامج غياب أية إشارة لتمويل المحاور الستة.


لو عرفنا الكلفة التقديرية التي يتطلبها تحقيق البرنامج الحكومي لكان أركان التأمين العراقي في وضع يستطيعون معه تقدير حجم أقساط التأمين التي يمكن أن تحققها شركات التأمين لقاء توفير الحماية لمفردات البرنامج من موجودات وخدمات ومسؤوليات قانونية.


إضافة لذلك لو كانت مفردات البرنامج واضحة وملموسة كان بإمكان شركات التأمين أيضاً تصور الأنواع المختلفة لوثائق التأمين التي يحتاجها البرنامج. وكذلك العمل المشترك على توفير هذه الوثائق من المصادر الداخلية للشركات أو من خلال التعاون مع شركات إعادة التأمين أو وسطاء إعادة التأمين الدوليين. في غياب العمل المشترك، لتعظيم فرص الاستفادة من الموارد الداخلية المتاحة، ستلجأ كل شركة تأمين، وتحت دعوى المنافسة والحرية الاقتصادية، إلى العمل لوحدها. قليل من التخطيط المسبق بين الشركات للعمل المشترك كفيل بخلق شروط الإمساك بزمام المبادرة في الداخل وتعزيز القوة التفاوضية للقطاع.


ونضيف إلى ذلك أن العمل المشترك يعطي زخماً للشركات في وضع تصوراتها بشأن بنود التأمين والتعويض في العقود الإنشائية كي لا تُهضم حقوق شركات التأمين العراقية – كما هو حاصل في العديد من عقود الدولة.


كما أن العمل المشترك، ويتمناه المرء أن يكون على المستوى الاتحادي، من شأنه أن يدعم أي تحرك من قبل ديوان التأمين العراقي لتعديل أحكام معينة من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 والتي تميل في غير صالح شركات التأمين العراقية – كما تدل التجربة القائمة على ذلك.


يبدو لنا أن من قام بصياغة البرنامج، سواء كان فرداً أو أفراداً منتظمين في لجنة صياغة، لم يعرفونا بالكلفة المالية للبرنامج ومصادر التمويل. ولا ندري إن كان التأمين قد ورد بذهن كاتب البرنامج. نعرف أن هناك العديد من المستشارين لدى رئاسة الوزراء والبعض منهم له علاقة بقطاع التأمين والمصارف. وللتدليل على هذه العلاقة نقتبس مطولاً من مقالة للزميل سعدون الربيعي:


"استناداً إلى الأمر الديواني المرقم 19 لسنة 2010 الصادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء – هيئة المستشارين - الخاص بتشكيل فريق عمل استراتيجية القطاع الخاص والحوار الاجتماعي، انبثقت لجنة فرعية لقطاع المصارف والتامين شاركت فيها كممثل عن شركات التامين الخاصة وحضر اجتماعاتها كوادر متقدمة من الوزارات المعنية والبنك المركزي والشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وشركة الكفالات المصرفية واتحاد رجال الأعمال واتحاد الصناعات العراقية ورابطة المصارف الأهلية العراقية.


عقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات خلال عام 2010 كان آخرها في 30/8/2010 تدارست فيها خطوات تطوير ودعم القطاع الخاص ومنح القروض لتأهيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمبالغ تتراوح من خمسة آلاف دولار إلى 250 ألف دولار وبفائدة ميسرة وحسب حجم المشاريع وطاقتها الإنتاجية.


وخلال هذه الاجتماعات كنت أؤكد على دور وأهمية شركات التامين العامة والخاصة بالتنسيق مع المصارف الأهلية المعتمدة حاليا” في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضرورة التامين على حياة المقترضين بمبلغ القرض الممنوح ... واستثمرت مشاركتي في هذه اللجنة لعرض ما يعانيه قطاع التامين من تجاهل بعض المسؤولين في الدولة وتهميش دوره الفاعل في عملية التنمية الاقتصادية، وإغفال ما نكتبه للجهة القطاعية المختصة ( وزارة المالية – ديوان التامين ) عن المشاكل والمعوقات التي يعاني منها قطاع التامين العراقي والتهاون بالرد الايجابي على مقترحات شركات التأمين الخاصة ... وعرضت مقترحات عديدة في اللجنة الفرعية لقطاع المصارف والتأمين التي تشرف عليها وتتابع نشاطها – هيئة المستشارين – الأمانة العامة لمجلس الوزراء."[2]


اعتماداً على هذه المعلومات من حقنا أن نسأل لماذا غاب التأمين عن الصورة؟ ذات السؤال يمكن أن يثار من قبل القطاع المصرفي: لماذا لم يجد له مكاناً في البرنامج الذي يقوم على "التحول نحو اقتصاد السوق الحرة."


وفي رأينا أن هناك عدم وضوح في التوجه الاقتصادي لأن الاقتصاد، في حالته الراهنة، ما زال ريعياً يجمع بين الاعتماد المطلق على الموارد النفطية: "زيادة إنتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية" (كما جاء في المحور الرابع من برنامج الحكومة) وبين "الارتقاء بالمستوى المعاشي والحياتي للمواطن العراقي (كما جاء في المحور الثاني)، "إذ تُعدُ الحكومة مسؤولةً عن تهيئة الخدمات العامة التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حياة المواطنين التي تشتمل على إيجاد (السكن الملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والخدمات العامة اليومية للمواطن العراقي)، وإتاحتها للجميع."


من المفيد التذكير هنا أولاً أن عنصر تمويل المحور الثاني غائب ونفترض أن معظم التمويل سيأتي من الريع النفطي. وثانياً أن مفردات هذا المحور، كغيره، من المفترض أن يجلب معه طلباً فعالاً للحماية التأمينية بأنواعها المختلفة: التأمين البحري والهندسي والمسؤوليات القانونية والحوادث الشخصية وتأمين المعدات الإنشائية .. الخ. وثالثا، هناك مفردات ومصطلحات في الأدبيات الاقتصادية المتداولة على المستوى الصحفي والأكاديمي لا تأتي رسالة رئيس الوزراء أو البرنامج على ذكرها. لا يرد، مثلاً، ذكر للقطاع العام أو القطاع الخاص، أو القطاع المالي، أو التمويل والميزانية والبطالة والتضخم والتخطيط الاقتصادي والاقتصاد الريعي، وكأن الاقتصاد العراقي ليس معنياً بها.


نقرّ إزاء هذا الوضع أن واضعي البرنامج ليسوا مطالبون بذكر التأمين بالتخصيص فالتأمين هو دائما الحلقة الأضعف في تصورات الحكومة والأحزاب السياسية، والأصح القول أن التأمين غائب في هذه التصورات. نعم يحاول وزير أن يظهر نفسه بأنه مهتم بالتأمين.[3]   ويلغي وزير آخر وجود التأمين في العراق.[4]   ومسؤول كبير يتحدث عن إعادة رسملة وتحديث صناعة التأمين.[5] أكلُّ هذه الحالات كانت تقوم على دراسات وأوراق عمل أم أنها كانت نزوات أو أفكار غير مكتملة. ونسأل: كم من أوراق بحثية قام هؤلاء بتكليف خبراء التأمين في العراق القيام بها؟


نأمل أن لا يكون مآل رسالة رئيس الوزراء مشابهاً للاهتمام الطارئ بالتأمين لدى هؤلاء فقد أكد على الآتي:


"ستكون هذه الموضوعات (المحاور آنفة الذكر) محور عملنا، وسنقوم بتقديم التقارير تقديما منتظماً عن أي تقدم محرز. ونحن نرحب بالآراء والتعليقات حول جعل العراق بلداً آمناً وحراً كريماً للعيش السعيد."


ترى هل أن الصيغ الإنشائية كافية للإقناع؟ هل هي بديل عن سياسات ملموسة بعكس العموميات التي نقرأ منها الكثير وهي لا تختلف مما ينشر في أعمدة الرأي الصحفية. لكننا سنُحسنُ الظن وننتظر التقارير المنتظمة عن التقدم المحرز بشفافية لا تخفي المعوقات ولا الأطراف المقصرة. ونأمل أن يذكر أحد التقارير شيئاً عن قطاع التأمين العراقي. ونأمل من زملاء المهنة في العراق وكذلك جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين متابعة الموضوع.


لندن 21 تموز 2011


[1] أنظر، على سبيل المثال، مصباح كمال، "قطاع التأمين العراقي والانتخابات العامة القادمة،" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/11/blog-post_23.html

[2] سعدون الربيعي،"شركات التأمين الخاصة تشارك في اجتماعات هيئة المستشارين لتطوير القطاع المصرفي والتأميني" مرصد التأمين العراقي: http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/01/05
[3] مصباح كمال، نقد "مؤتمر التأمين" وتصريحات وزير المالية" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/07/28-2009.html مجلة التأمين العراقي.

كُلف الزميل سعدون الربيعي تقديم مذكرة بالتوصيات التي عرضت في المؤتمر وقدمها لوزير المالية الذي رعى المؤتمر. لكن المذكرة لم تخضع إلى متابعة ولم يجري تداول بشأنها مع الزميل الربيعي أو جمعية شركات التأمين العراقية.

مصباح كمال، "تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية" مجلة التأمين العراقي.http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/6-2009.html

[4] مصباح كمال، "نزيف أقساط التأمين في العراق" مجلة التأمين العراقي.

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/blog-post_23.html

[5] مصباح كمال، "د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html