إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/08/29

Does Iraq's Insurance Market Benefit from Global Competition?

هل يستفيد سوق التأمين العراقي من المنافسة في السوق العالمي؟


مروان هاشم


تقديم

وجدت من الضروري الكتابة في بحث اقتصادي لموضوع أجده مهما جدا عن علاقة السوق المحلي مع السوق العالمي وتأثير هذه العلاقة على تحديد الأسعار. أود التأكيد من البداية ان ما أطرحه هو دراسة أولية، علميه منهجيه، تهدف إلى التعرف بسوق التأمين العالمي وعرض وتحليل ونقد لواقع السوق المحلي وتعامله مع السوق العالمي. وسأبدأ في بيان مفهوم عام للسوق وأنواع الأسواق وتأثير النظام السياسي والاقتصادي في العراق على تحديد معالم هذا السوق بشكل خاص ( سوق التأمين العراقي ).


سأستخدم في هذا التحليل الطريقة الوصفية ( اللفظية ) وهي الطريقة التي تستخدم المنطق الكلامي في إيجاد العلاقة بين الظواهر المختلفة، أما الطريقة الرياضية للتحليل، والتي تبين العلاقة الداليه بين المتغيرات، فلا أجد داعياً لاستخدامها لأنها قد تجر البحث إلى منحى لا يرغب المطلع الدخول إليه خصوصا وان نتائج التحليل الوصفي تتطابق مع التحليل الرياضي في النهاية وتؤكده.


تعريف السوق

السوق هو المكان الذي يلتقي فيه البائعون والمشترون للسلع والخدمات وبهذا فهو مكان العرض والطلب كأن يقال، مثلاً، سوق التأمين في لويدز. وبسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال لم يعد من الضروري التواجد المادي في السوق حيث أصبح بالإمكان إجراء عمليات البيع والشراء عن طريق الانترنيت وطرق أخرى دون ان يرى البائع أو المشتري احدهما الآخر.


ومن أهم وظائف السوق هي تحديد قيم السلع والخدمات. وهنالك وظائف أخرى غير مباشره ومنها كون السوق مؤشرا مهما يؤدي إلى إعادة تنظيم الإنتاج أو تقنين الاستهلاك وغيرها.


أنواع الأسواق

أهم أنواع الأسواق هو سوق المنافسة التامة. ويمتاز بوجود عدد كبير من البائعين والمشترين، وحرية الدخول والخروج من هذا السوق، والتجانس في نوع البضاعة والخدمة. والنوع الثاني هو سوق الاحتكار ويمتاز بوجود منتج واحد للسلعة أو الخدمة وعدم وجود سلعه بديله يمكن الانتقال إليها. الأسباب التي تؤدي إلى الاحتكار هي وجود سلع وخدمات تحتاج إلى رأس مال كبير مثل صناعه الكهرباء أو توزيع مياه الشرب، أو تحتاج تكنولوجيا عاليه ومتطورة مثل صناعه بعض أنواع الاسلحه والأقمار الصناعية والمنشآت النووية. وينشأ الاحتكار كذلك بسبب تشريع بعض القوانين مثل قوانين الكمارك أو حصر الإنتاج لدى الدولة. وعلى كل حال، ما تم ذكره يمثل حاله افتراضيه لا يمكن تطابقها على ارض الواقع لذا يمكن تقسيم السوق واقعيا بين مزايا سوق المنافسة التامة وسوق الاحتكار فيظهر عمليا ما يسمى بسوق المنافسة الاحتكارية أو سوق احتكار القلة. ولا داعي إلى الدخول في هذه التفاصيل لأغراض هذه الورقة. الخلاصة، ان سوق المنافسة يؤدي إلى الحصول على أحسن الأسعار بينما سوق الاحتكار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويشذ عن ذلك احتكار الدولة.


سوق التامين العالمي

من المعروف والمتفق عليه ان هذا السوق وطبيعة الخدمة التي تقدم فيه تقترب إلى حد التطابق مع سوق المنافسة التامة لأسباب عده احدها انه ولد من رحم الانظمه الرأسمالية التي تدعو إلى حرية التجارة وإزالة القيود، وان البائعين لهذه الخدمة لا يحتاجون إلى رأسمال كبير أو خبره فنيه عاليه المستوى أو نادرة، وأن طبيعة هذه الخدمة تقتضي توزيع مسؤوليات الخطر. أي ان الاحتكار يتناقض مع طبيعة الخدمة المقدمة والتي تقتضي التوزيع لا الاحتكار، ومن السهولة الدخول أو الخروج من هذا السوق كبائع أو مشتري.


وبعد هذا التفصيل السريع لطبيعة الأسواق بصوره عامه وسوق التأمين بالتخصيص نود فهم العلاقة بين هذا السوق و قطاع التأمين العراقي ( السوق المحلية ) وسنبدأ بموجز تأريخي، من البداية ولغاية عام 2003، مع تفصيل مفيد، ولحد الآن. ان أهمية هذه المرحلة تأتي من أنها تمثل النظام الاقتصادي الذي نعيشه حاليا والذي يؤثر على هذه العلاقة.


نبذه تاريخيه

بعد رواج أعمال التأمين في العراق منذ الخمسينيات وحتى عام 2003 وبالرغم من مرور العراق على عدد من الأنظمة الاقتصادية ابتداء بالعهد الملكي وبنظام ليبرالي، وما تلاه من تدخل الدولة في أعمال التنمية الاقتصادية، إلى تحول العراق إلى الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد النظام الشمولي ادعت أنها اشتراكيه أو حققت بعض المبادئ للنظام الاشتراكي فكان التأميم لقطاع التأمين عام 1964 ثم المنافسة الحكومية بدخول شركه التأمين العراقية إلى سوق التأمينات العامة عام 1988 ثم بعد ذلك دخول شركات القطاع الخاص في نهاية التسعينات. ولان هذا هو ليس موضوعنا الأساس فإنا أردنا ان نسجل ان العلاقة مع السوق العالمي لهذا القطاع كانت قد بنيت على أساس الاستفادة من حالة المنافسة التامة في سوق التامين العالمي للحصول على أفضل الأسعار والشروط بعد تقديم العروض المقدمة، إضافة إلى الاتصالات المباشرة مع المعيد في اتفاقيات إعادة التأمين النسبية ومباشره مع الوسطاء لبعض أنواع التامين التي تحتاج إلى ذلك، وتحقق بذلك أفضل النتائج للسوق المحلى.


قطاع التأمين و علاقته مع الأسواق العالمية بعد عام 2003

من المؤكد انه خلال عام 2003 حصلت تغيرات كبيره جاء بعضها بشكل سريع وغير مدروس، ومع ذلك أصبح من المؤكد من تصريحات أصحاب القرار بأن البلد متجه نحو نظام اقتصادي ليبرالي يعتمد على فتح الأسواق دون شرط أو قيد. وما سأذكره لاحقا لا يدخل ضمن محاوله نقد هذا النظام إذ أنني أسلم بأنه من الواجب التعامل والتكيف بشكل ايجابي مع التشريعات القانونية للنظام الاقتصادي ولكني ارغب في طرح موضوع آخر يمثل خطرا كبيرا على الاقتصاد العراقي مستعينا بأمثله من قطاع التأمين والذي يشبه حاله قطاعات اقتصاديه أخرى أو من خلال أمثله لأماكن جغرافيه من بلدنا لتوضيح هذا الموضوع المهم و كما يلي.


من المهم ان تشكل الوحدات الاقتصادية المختلفة نظاما موحدا يؤدي وظائفه المختلفة دون تعارض أو تناقض مع ما هو مشرع ( السلطة التشريعية ) أو ما هو منفذ ( السلطة التنفيذية ). ولكن يبدو من الواضح ان سلوك هذه الوحدات يسير بشكل مختلف وهذا يعود لأسباب لها امتداد تاريخي.


حتى نفهم ما يحصل الآن نعود إلى نهاية عام 1990 عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي بأن من نتائج المواجه العسكرية إرجاع العراق إلى قرون ما قبل الثورة الصناعية. وليس المقصود هنا الأذى المادي الذي من الممكن تعويضه بسنوات قصيرة - كما حصل لدول عديدة مثل اليابان وكوريا وألمانيا التي عادت إلى الصدارة في نظامها الاقتصادي بعد الحرب أو دول واجهت كوارث طبيعيه هائلة استطاعت ان تضمد جراحها بعد زلازل أو فيضانات وبوقت قياسي كما حصل في المكسيك، وكما يحصل الآن لإعادة البنية التحتية المتضررة بسبب الفيضان في باكستان - إنما المقصود هو الإنسان الذي عاد إلى سلوك وطبائع وثقافة القرون الوسطى. وقد تحقق ذلك؛ ودعمت سياسة النظام السابق غير المسؤولة هذا الاتجاه مما دفع أفراد المجتمع إلى إيجاد حلول بديله، مثلا القضاء العشائري الذي أصبح يلعب دورا مهما في تسويه النزاعات. ويبدو ذلك واضحا لو اننا راجعنا نسب الخسارة لمحفظه التأمين الإلزامي للسنوات 1985، 1995، 2005 سنجد انخفاضاً شديداً في نسبه التعويضات بفضل الاعتماد على التسويات العشائرية.


أي ان المجتمع، وفي ظل انحسار الدور الحاسم للدولة ومؤسساتها، اختار نظاما مرادفا للنظام المعلن عنه وهو نظام اقتصاديات المرحلة الإقطاعية. ولا نعني هنا انه استنساخ كامل لهذا النظام كما هو معروف تاريخياً بل هو تكييف مطور له أصبح واضحا على صعيد القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية. وخير دليل هو ما حدث في مدينه البصرة على الصعيد الجغرافي عندما قامت بعض الجماعات المتنفذة بحفر الأرض لغرض الوصول إلى أنابيب النفط الخام وثقبها للحصول على كميات منه لتهريبه، ووزارة التجارة على الصعيد القطاعي الاقتصادي عندما كشف شريط مسجل لحفل فاضح لأحد المسؤولين وبعد انتشاره أحرجت الدولة وقامت بعمليه عزل الموظف. وكان هذا السبب الحقيقي لمراجعة عقود الاستيراد أي ان المسؤول لو كان ذكيا في سلوكه ما كان احد سيعترض على هذه العقود. وقد يقول سائل: لكن الموضوع تم تسويته. في الحقيقة ان ما حدث في مدينه البصرة ووزاره التجاره ان المشرفين على النظام الاقطاعي تجاوزا حدود التوازن التوازن واخترقوا خطوطا حمراء لو أنهم لم يتجاوزوها لبقيت مصالحهم. لذا قامت القطاعات والمناطق الجغرافية بالاستعانة بخبرة موظفين أكفاء لإبقاء هذه العلاقة ضمن موازنة معقولة تعطي للدولة طابعاً شكلياً يسير على أساس نظام السوق الحر بينما تتحرك القاعدة على أساس نظام اقتصاد الإقطاعيات والذي يمتاز بأنه لا ينفتح إلا على مصالح رئيس القبيلة وبعض معاونيه. والمشكلة ان المجتمع اقتنع بهذه العلاقة وكيّف نفسه، ينتظر أفراده ان يحصل احدهم على بعض الامتيازات التي سيمنحها رئيس القبيلة، وقد يختلف معه على حصته من التوزيع. وفي أحسن الأحوال فانه يقف محايدا ينتظر نهاية الشهر لتسلم راتبه دون ان يكون له أي دور محسوس في العملية الإنتاجية أصلا. هذا تحليل عام لغرض الدخول إلى قطاع التأمين كمثل لما ذكر سابقا.


جميع الاتفاقيات مع المعيدين بعد عام 2003 إلى عام 2010 تجري باختيار السوق لوسيط واحد، وعندما تزايدت الاعتراضات قام الموظفون المعنيون ببعض التغيرات التي توحي بوجود منافسه مثل تقسيم أعمال الاتفاقية على ثلاثة وسطاء بنسب مختلفة وهذا لا يعني وجود المنافسة. كما ظهر لنا أسلوب جديد لم نكن نعرفه من قبل وهو الاعتماد على استشاري مقيم خارج العراق والذي يقوم نيابة عن سوق التأمين العراقي بإجراء عمليه مفاضلة سعرية ولكن الواقع هو غير ذلك: ليست هناك مفاضلة بالمعنى الضيق للكلمة فالأسعار يفرضها المعيد القائد. هذا المستشار، كوظيفة، لم يكن معروفا من عام 1950-2003 ولكن ظهر فجأة بعد 2003. وسيبرر مستشاري النظام الإقطاعي وجوده. ولكني اسأل: إذا كان لهذه الوظيفة معنى مهني غير معنى المصالح الشخصية فلماذا لم نحاول البحث عن استشاري بديل عندما قطعت إحدى شركات التأمين العراقية العلاقة معه لمده أكثر من سنه؟ وفي النهاية قد نُتهم بالمبالغة وان كل ما يحدث ما هو إلا مخالفات قانونيه تستطيع أجهزه الرقابة حلها. ولكني أود ان أبين انه ومع الأسف الشديد فأن أجهزة الرقابة تعمل لصالح النظام الإقطاعي وليس لصالح نظام الاقتصاد الحر ما عدا بعض المحاولات الفردية. وكما هو معروف لا يمكن للمحاولات الفردية، مع تقديرنا واحترامنا الشديد، ان تغير شيئاً من نظام عام قوي جدا. ومن الأسف الشديد أيضاً ان من كنت احسبهم على مقدار كبير من المودة والاحترام المتبادل عاملني باستخفاف ومخاشنه عندما طرحت الموضوع ومنهم زميلات عُرفن بمقدار كبير من الكياسة وحسن التصرف. وهذا شئ طبيعي لمن يشعر بأن مصالحه التي تم التخطيط لها ستواجه بنظام جديد يتعارض ويرفض هذه المصالح؛ وهذه سنة الحياة. وفي النهاية فإن قوانين المفاضلة على الشروط والأسعار لن تتحقق في ظل نظام اقتصادي يقوم على قيم النظام الإقطاعي.


وسيحاول البعض بيان خطل الفكرة، أعني فكرة غياب الاعتماد على المنافسة في استدراج اتفاقيات إعادة التأمين الاتفاقي، مستعينا ببعض شواهد التعاون المحلي بمجمعات المشاركة. وفي رأيي أنها ستثبت العكس لان هذه المجمعات قامت على أساس قبول الأعمال المرفوضة من شركة الإعادة الأجنبية والتي تعتبرها أعمال غير جيده. أليس الأفضل ان يقوم التعاون أولا على الأعمال الجيدة ثم التوجه إلى السوق العالمي؟ ومره ثانية، من المعروف في علم الاقتصاد ان الاحتكار هو من صنيعه منتج السلعة أو عارض الخدمة ولكن ليس من المعقول ان يكون من صنيعة طالبها إلا في حاله واحده هي ضمن هذا النظام الإقطاعي الذي أصبح منسيا في كل العالم ويدرس في الكليات الاقتصادية تحت عنوان التاريخ الاقتصادي أو تاريخ الفكر الاقتصادي. وهكذا الحال في القطاعات الأخرى: الكهرباء والبناء والصحة والتعليم وغيرها.


استنتاجات و توصيات

1. الدولة الحالية لا تمثل وحده اقتصاديه متكاملة فهي في المستويات العليا تؤسس لنظام الاقتصاد الحر ( السوق المفتوحة ) وفي المستويات الوسطى والقاعدة يعتمدون على النظام الاقتصادي الإقطاعي الذي لا ينفتح إلا على مصالح فرديه.


2. لا يمكن لهذا النظام ان يعيد بناء البنية التحتية أو تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب وسيبقى يعتمد على موارد النفط ( اقتصاد ريعي).


3. اعتقد أن المستويات العليا على معرفه تامة بهذا الوضع وقد يكون للوضع الأمني غير المستقر أو التنافس السياسي غير النافع هو ما شغلهم عن إيجاد الحل الجذري، فالحل لا يأتي من المواعظ الأدبية أو من محاولات فرديه، وان ما تحتاجه هو الإرادة السياسة فالنظام الاقتصادي الإقطاعي المتخلف سينهار من أول مواجهه فهو من الضعف بمكان يشبه قطع الدومينو التي تنهار بسقوط أول قطعه.


اعطف على زملائي الذين يبررون ويدافعون على هذا الحال. صحيح أنهم على المدى القصير يحققون ما حرموا منه لظروف تاريخيه غير طبيعيه ولكن على المدى البعيد سيتحقق لهم ولأولادهم الأفضل تحت نظام السوق الحر.


لنتذكر أن الإرهاب ينمو ويعشعش دائما بشكل جيد ضمن بيئة النظام الإقطاعي، الذي حاولت وصفه، فهما وجهان لعمله واحده أو يكمل احدهما الآخر وان كانت لا تبدو لهما علاقة مباشرة. ولذا من الضروري تجاوز هذا النظام.


وفي النهاية أقول لزميلاتي وزملائي: إذا كنا جيل من حرم من زهرة شبابه بسبب الحروب (1980-1991) وجيل من عاني الحصار (1990-2003) وقسوته صابرا محتسبا محافظاً على الحد الأدنى الضروري من قيمنا وأخلاقنا فلماذا لا نُكْمل ونكون جيل إعادة البناء لما بعد 2003. هل تعبتم؟ أنا لم اتعب. أرجو أن أقرأ رأيكم بما قدمته في هذه الورقة.


مروان هاشم
بغداد
29/8/2010


ملاحظات

- لا يعني هذا المقال أي شخص بعينه بل هو وصف عام وعذرا لمن يشعر بهذا. أنا رأيت ان الاقتراب ما استطعت من التوصيف الصحيح هو البداية الحقيقية للتغير نحو الأفضل. وبطبعي انظر للجميع بكل احترام و تقدير مبتعدا عن الشخصنه لصالح النظام المؤسساتي الذي أجد فيه الحل الأمثل

- لا يعني ذكر نظام السوق الحر بصيغته الحالية بأننا ندعو إليه أو نروج له دون نقد أو فهم أو تصحيح ولكن نجد ان في أسسه العامة البداية الصحيحة.

- انقطعت العلاقة وكما هو معروف بين السوق المحلي والسوق الدولي للأعوام 1990-2003.

- لم اذكر دور القطاع الخاص في هذا الموضوع مع أهميته وقد جاء ذلك لغرض التركيز في أساس المشكلة دون التشتت. ومن المؤكد انه كذلك يحتاج إلى إعادة تقييم دوره وقد يتاح لنا الكتابة بهذا مستقبلا.



2010/08/22

Social Insurance in Iraq: the Position of the Iraqi Communist Party


التأمينات الاجتماعية في العراق: قراءة لموقف الحزب الشيوعي العراقي

نشرت هذه الدراسة في الثقافة الجديدة (العدد 338، 2010) ص 56-65

مصباح كمال

نزعم أن التأمين كنشاط اقتصادي متميز، عام أو خاص أو تعاوني، لا يلقى اهتماماً من الأحزاب السياسية العراقية، وإن جاء ذكرٌ له فإنه ينحصر بشبكات الأمن الاجتماعي: التأمينات والمساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة. ولا نرغب هنا تفسير هذا الوضع وقد نعود إليه في مقالة لاحقة إذ أن شحة الاهتمام بموضوع التأمين حالة عامة تنسحب على أطراف أخرى، فالكل مستغرق بالشأن السياسي. هناك حقاً "فائض سياسي" متخندق وغير منتج لا يعير المسألة الاقتصادية ما تستحقه من اهتمام.

اخترنا الحزب الشيوعي العراقي نموذجاً للتعليق على الموقف من نمط معين من التأمين غير التجاري لتوفرنا على بعض المواد المطبوعة الصادرة منه. قد تكون الأحزاب العراقية الأخرى مهتمة أيضاً بموضوع التأمينات والمساعدات الاجتماعية لكننا لم نستطع الاطلاع على ما لديها من مواقف بهذا الشأن. ومن المفيد قبل عرض موقفنا الإشارة إلى أننا كنا قد تناولنا موضوع التأمين، كنشاط اقتصادي، ضمن إطار الوساطة المالية، ودوره في تجميع الأموال لحماية الثروات الوطنية، البشرية والمادية، والمساهمة في تكوين رأس المال الحقيقي. ولمتابعة الموضوع يمكن الرجوع إلى ورقتنا "هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كوردستان العراق؟"[1] ويكفي هنا أن نميز بين الوظيفة الاستثمارية لقطاع التأمين في دعم الفعاليات المالية المحفزة للنشاط الاقتصادي في الدولة وبين الوظيفة التقليدية "الإنتاجية" في توفير الحماية من الأضرار والخسائر المادية والمالية (ومنها خسارة الدخل) التي تلحق بالأفراد والشركات وسبل معالجتها من خلال التأمين التجاري بأنواعه المختلفة أو من خلال الضمانات (التأمينات) الاجتماعية. والمعروف أن التأمين التجاري يلعب دوراً موازياً أو مكملاً لأنظمة الضمان الاجتماعي التي تديرها الدولة في حالات العجز والإصابات المهنية والتقاعد والمرض. ولنا أن نضيف إلى ذلك التعاضد الأسري التقليدي، البر بالوالدين، وربما صندوق العشيرة وغيرها من أشكال التكافل الاجتماعي. ويمكن أن نلخص الموضوع بالقول أن الضمان الاجتماعي والتأمين، سواء أكان تجارياً أو تبادلياً أو تعاونياً، يشتركان في توفير مستويات متباينة من الحماية للأفراد في حياتهم وصحتهم ودخلٍ لورثتهم مع الفارق في وسيلة التمويل المستخدمة من قبلهما.

ونسارع إلى القول إن هذا العرض ينطوي على تبسيط لآلية التأمين ولا يأخذ بعين الاعتبار القدرة على تمويل شراء الحماية التأمينية (القدرة على تسديد قسط التأمين) أو توفير الموارد اللازمة للضمان الاجتماعي بما فيه الضمان الصحي. إن تحليلاً اقتصادياً للتأمينات الفردية، تمييزاً عن التأمينات التي تبرمها الشركات، يكشف الكثير عن البعد الطبقي لها. فبسبب ضآلة الدخل الفردي في العديد من البلدان النامية فإن الإقبال على شراء الحماية التأمينية يظلّ ضعيفاً. ولذلك نرى أن بعض المؤسسات في هذه البلدان تلجأ إلى ترتيب عقود التأمين الجماعي على الحوادث الشخصية التي قد تلحق بمنتسبيها أو على حياتهم.

ونرى أن الحزب الشيوعي يبدي اهتماماً، مع بعض التفصيل، بموضوع التأمين ولكن ليس في صيغته التجارية في حماية الأفراد والشركات ضد الخسائر التي تصيبها، وليس أيضاً كآلية تمويلية للنشاط الاقتصادي الاستثماري، وإنما من منظور الأشكال المختلفة للضمان الاجتماعي التي يحصرها بالدولة إذ لا يرد أي دور للسوق بهذا الشأن. ويجد هذا الاهتمام ترجمة موسعة له بعض الشئ في وثيقة أساسية هي برنامج الحزب الشيوعي العراقي.[2]  ونقتبس فيما يلي مقاطع مطولة مما ورد فيه ليتوضح السياق الذي يرد فيه ذكر الضمان الاجتماعي. (التأكيد في النصوص المقتبسة أدناه للكاتب. لكي لا نثقل متن المقالة بالتعليقات على النصوص المقتبسة آثرنا تحويلها إلى هوامش في نهاية المقالة لفائدة من يود المتابعة).

يرد في البرنامج تحت باب سياستنا الاقتصادية والاجتماعية ما يلي:
"12 توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز[3] بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية،[4] وذلك من خلال:

أ‌- استكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي عبر تعزيز الشبكة الحالية وتطويرها لتشمل إنشاء صناديق تقدم الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة[5] بما يؤمن حداً أدنى معقولاً من الدخل، وإيجاد نظام فعال لتمويل هذه الصناديق."


ويتكرر ذكر الضمان الاجتماعي في الأبواب التالية من البرنامج:

"الزراعة
لكي يحقق هذا القطاع الهام أهدافه ويضمن الأمن الغذائي لابد من:
7- تطوير القوى المنتجة في الريف عن طريق تشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، الخاصة والمختلطة والحكومية، وحماية العمال الزراعيين عن طريق التشريع والتنظيم النقابي والضمان الاجتماعي والصحي.[7]

الصحة
أدت سياسات النظام المباد وممارساته في هذا الميدان، والسياسة الصحية اللامنهجية بعد زواله، إلى تردي الوضع الصحي لعموم الشعب. ولمعالجة ذلك لا بد من:

1 - ضمان تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية، الوقائية والعلاجية، إلى المواطنين والعمل على إيصالها إلى كافة المناطق، والارتقاء بمستواها.

2-  توسيع شبكة المستشفيات والمستوصفات الحكومية في المدينة والريف وتامين كل الفعاليات ذات الصلة كالتحصين والصحة المدرسية وصحة الأسرة والرقابة الصحية وغيرها.

3 - ضمان حق التأمين الصحي للسكان، جميعاً، كجزء من منظومة الضمان الاجتماعي، واعتماد نظام عادل لتمويله.

الإعلام
على هذا الصعيد [9] يضع حزبنا في الصدارة الأهداف التالية:

3 - حث السلطات على مواجهة موجة العنف والإرهاب ضد الإعلاميين ووسائل الإعلام بحزم، واتخاذ التدابير اللازمة، على المستويات كافة، لقطع دابرها ومعاقبة المتورطين فيها، وتوفير الحماية الممكنة للعاملين في ميدان الإعلام، والضمان الاجتماعي لعائلات الضحايا.
7-  تشريع قانون جديد، ديمقراطي، لنقابة الصحفيين العراقيين ينسجم مع الواقع الجديد للحياة والعمل الإعلامي في البلاد، ويعبر عن إرادة الصحفيين وعامة العاملين في ميدان الإعلام، ويضمن نشوء كيان يدافع بأمانة عن حقوقهم ومصالحهم المشروعة في الظروف الاقتصادية الاجتماعية الجديدة، وبضمنها تحسين مستواهم المعيشي وضمان تمتعهم بالضمان الاجتماعي والحقوق التقاعدية.

شؤون العمال والشغيلة
على هذا الصعيد [10] يناضل حزبنا من اجل:
1- إلغاء القرار 150 لسنة 1987 وإصدار قانون جديد للعمل وتشريعات خاصة بالتنظيم النقابي والمهني، بما يحمي حقوق العمال ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية ويحول دون تعرضهم إلى الفصل الكيفي، ورفع مستوى معيشتهم ويضمن حياة لائقة للمتقاعدين منهم وكبار السن.

5- إقامة منظومة شاملة للضمان الاجتماعي ضد البطالة والعوز والإضرار الناجمة عن العمل.

حقوق الطفل
في خصوص الطفل [11] نسعى إلى:

1. سن قوانين وتشريعات تهدف إلى حماية الطفولة ورعايتها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية قدراتها ومواهبها، وحمايتها من العنف والتعسف في العائلة وفي المدرسة والمجتمع، وحظر جميع أشكال الاستغلال التي تمارس بحقهم.

2. تأمين الضمان الصحي والاجتماعي والتعليم للأطفال اليتامى وأبناء [وبنات] العوائل المعدمة، ولأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين الذين يتوجب قبل هذا توفير المأوى المناسب لهم.

3. توفير دور الحضانة ورياض الأطفال، خاصة لأطفال الأمهات العاملات."


نلاحظ أولاً أن مشروع بناء نظام اشتراكي (المفترض فيه توفير أكبر قدر ممكن من الأمن الاجتماعي المجاني أو لقاء قسط بسيط) في العراق في الوقت الحاضر ليس مطروحاً في هذا البرنامج رغم الإشارة إليه، وهذا الموقف مفهوم في ظل المتغيرات العالمية والعراقية. وحتى بدون هذه المتغيرات فإن ما يطرحه الحزب، في رأينا وفيما يخص موضوعنا، هو استمرار لما كان ينادي به الحزب منذ تأسيسه [12]. ونعني تحديداً الدعوة والعمل على التحسين المستمر للأوضاع القائمة في العراق من خلال الوسائل المتاحة له لصالح أغلبية الناس، وهو في هذا يسير على نهج مماثل لنهج الحزب الاجتماعي الديمقراطي في ألمانيا، مثلاً، أيام ما كان النقاش محتداً في العقد الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن الماضي بين أورثودكسية كارل كاوتسكي (1854-1938) وما صار يعرف بتحريفية إدوارد برنشتين (1850-1932).

وقبل ذلك كان الأمير أوتو فون بسمارك (1815-1898) مستشار ألمانيا قد دشن إدخال الأشكال الأولى للضمان الاجتماعي سنة 1884. وكان ذلك بعد انتخاب عدد من أعضاء الحزب الاجتماعي الديمقراطي كنواب في الرايخشتاغ الألماني وشيوع الأفكار الاشتراكية والتزايد المستمر في عضوية الحزب. كانت سياسة الإصلاح الاجتماعي الذي تبعه بسمارك، بعد فترة قمع قانوني شرس للحركة الاشتراكية سنة 1878، محاولة ناجحة لإرضاء بعض مطالب الطبقة العاملة وكبح تطور الفكر والحركة الاشتراكية. وما ساعده في ذلك وجود مدرسة "اشتراكية الدولة" التي كانت تنادي بدور اجتماعي موسع للدولة وخاصة تجاه الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمحتاجة ومن مفكريها الاقتصادي يوهان كارل رودبيرتس (1805-1875). وقد شمل نظام التأمين الاجتماعي الألماني التأمين ضد المرض والتأمين ضد حوادث العمل، والتأمين ضد العجز والشيخوخة. وأدخلت تشريعات لاحقة للتأمين الطبي الخاص بالأمومة، والتأمين ضد البطالة (1929).

ويمكن القول إن الخلفية التاريخية للتأمينات الاجتماعية تكمن في التحول نحو الاقتصاد الرأسمالي الحديث القائم على الصناعة في العالم الغربي والذي خلق نمطاً جديداً من فقدان الأمن الاجتماعي والتقسيم الطبقي انتبهت الفئات الحاكمة بسببها إلى ضرورة مواجهة واحتواء عناصر اللاتوازن في البنية الاقتصادية والاجتماعية، ومقارعة الفكر الاشتراكي الناهض. لا يعني هذا أن المجتمعات غير الرأسمالية لم تمارس أشكالاً مختلفة من الأمن الاجتماعي من خلال الادخار، والمساعدات الأسرية (البر بالوالدين) والجماعية (الإحسان من منظور ديني، الطوائف المهنية، صندوق العشيرة).

وفيما يخص موضوعنا نستطيع اختزال النقاش بين أطروحة انتظار "حتمية" انهيار النظام الرأسمالي أو العمل من داخله، من خلال الوسائل السلمية والمؤسسات السياسية المتاحة، ومنها البرلمان، للتحول نحو نظام اشتراكي. وقد كان الحزب، في تقديرنا، وفياً في تطبيق نهج التعامل الواقعي مع ما هو قائم وعدم انتظار سقوط الأنظمة القائمة ليقدم أطروحاته في التغيير. وقد شهدت الفترة منذ سقوط النظام الدكتاتوري سنة 2003 تكثيفاً لهذا النهج من خلال المشاركة في الحكومة وفي البرلمان والإعلام والعمل بين الناس.

على المستوى النظري يصنف الحزب كتنظيم ثوري يعمل من أجل تحقيق طموحات إنسانية مُستلْهَمة من تراث البشرية المتنوع ومنه الفكر الماركسي، لكنه لم ينادي بتحطيم مؤسسات الدولة ولم يُقْصِر عمله على الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين بل ظل حزباً وطنياً عراقياً لعموم العراقيين. فبياناته لم تخاطب العمال والفلاحين فقط بل "الشعب العراقي العظيم" أو "الجماهير." وهو بهذه الصيغة كأنه الممثل العام لتكوين اجتماعي جديد قيد التشكل يقوم على رؤية أو فرضية مفادها أن تحرير الإنسان من الاستغلال لم يعد رهناً للفعل الجماعي لطبقة اجتماعية واحدة. إن مجمل ما يقدمه الحزب من سياسات هو لأجل حل الأزمة العامة المتولدة من التركة الثقيلة للنظام الديكتاتوري الشمولي السابق وإفرازات الاحتلال السياسية والاقتصادية وهشاشة الوضع الأمني وإدغام الدين في المجتمع وفي السياسة .. الخ. وهو في ذلك لم يتوقف عن تقديم مطالب الطبقة العاملة والفئات الاجتماعية المسحوقة والمضطهدة فهي الأكثر تضرراً وحرماناً من المنافع.

الحزب في نظرنا، وخاصة في الوقت الحاضر، يعمل لتحقيق برنامجه من خلال البرلمان، أي تشريع قوانين تصب لصالح مجموع العراقيين. وفي ذات الوقت العمل على تصفية آثار الدكتاتورية والغزو واستعادة النشاط الاقتصادي في ظل نظام ديمقراطي إذ أن الاقتصاد لا يزدهر في ظل الفوضى وانعدام الأمن، وهذا أمر بديهي. وإذا جاز لنا أن نوسع من مفهوم رأس المال، فإن العراق يعاني فقراً في رأسماله المادي والبشري والمؤسسي بسبب الحروب وسياسات النظام الدكتاتوري والاحتلال والإفرازات الطائفية والقبلية والإثنية بعد 2003. ولا يرد الآن مشروع تحويل الاقتصاد صوب الاشتراكية بل التركيز على بلوغ هذا الهدف، في المدى البعيد، من خلال المنهج الديمقراطي ومن خلال إحلال الديمقراطية في جسم المجتمع. وهو ما يذكرنا بأطروحات كارل كاوتسكي.[13] وهذا ما يدعونا إلى تصنيف الحزب الشيوعي العراقي كحزب اشتراكي ديمقراطي. وهو بهذا الوصف يجعل دور الدولة رئيسياً وتأسيسياً في انتظام المجتمع والاقتصاد ـ أي ما يتجاوز أطار اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحصر تدخل الدولة في قضايا التعليم والبيئة وإدارة نظام العدل - ليعمل، من خلال الإرادة السياسية المتمثلة بالبرلمان والحكومة، على إعادة تشكيل الدولة الريعية القائمة على قياس المحاصصات الطائفية والقبلية والإثنية لتقوم بوظيفة التنمية الاقتصادية بتوجيه مركزي.

ما يطرحه الحزب من مهام وأهداف ودعوات، فيما يخص موضوع التعامل مع خطر الأمن الاجتماعي، تصب في مخطط بناء دولة الرفاهية welfare state، رغم توزعها في أبواب مختلفة في البرنامج: استكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي عبر تعزيز الشبكة الحالية وتطويرها لتشمل إنشاء صناديق تقدم الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة، الزراعة، الصحة، الإعلام، شؤون العمال والشغيلة، حقوق الطفل. وفي تقديرنا، فإن المخطط العام لدولة الرفاهية المرجوة في العراق يحاكي تحقيق أفضل الخدمات الاجتماعية الحمائية في النموذج الغربي. ولنا في نظام الضمان الاجتماعي في بريطانيا وغيرها من الديمقراطيات الغربية مثالاً جيداً لما يعمل من أجله الحزب.

لقد كان من المناسب أن يدعم الحزب أطروحته عن الأشكال المختلفة للضمان الاجتماعي باستدعاء المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة العراقية. ونعني بها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) (حق في العمل، حق التمتع بالراحة، حق التمتع بمستوى معيشي لائق، حق التعليم)، والعهد الدولي لإزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)، والعهد الخاص بحقوق الطفل (1989)، والعهد الصادرة من منظمة العمل الدولية سنة 1982 (الرعاية الصحية، تقديم المنافع أثناء المرض، والبطالة، والشيخوخة، وإصابات العمل، وتلك المرتبطة بالأسرة والأمومة وغيرها).
ونلاحظ أيضاً أن تأكيد الحزب هو على الجانب العملي وليس مجرد رفع الشعار والاستغراق في البحث النظري والأخير بالطبع يستحق الاهتمام لذاته ومن أجل توضيح المفاهيم والأسس الفلسفية لمشروع بناء دولة الرفاهية.[14] وغالباً ما يضم المشروع إبراز دور محدد للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد شبكة من الضمانات الاجتماعية. وخير ترجمة لهذا التوجه العملي هو عدم الاكتفاء برفع شعار "توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز" بل النص على وسائل تحقيق ذلك ومنها "الاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية."

ولكن من المؤسف أن عرض السياسات المختلفة التي تندرج تحت عنوان الضمان (التأمين) الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، بقيت منفصلة وفيها تكرار. ربما كان من المناسب تخصيص باب مستقل في البرنامج للتأمينات الاجتماعية. فالدعوة للاستخدام العادل لثروات البلاد (وهي كانت وما تزال محصورة أساساً بالثروة النفطية) من جهة وإيجاد نظام فعال لتمويل صناديق الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة بما يؤمن حداً أدنى معقولاً من الدخل لمستحقيها من جهة أخرى يجب أن لا تبقى منفصلة مثلما يجب عدم فصل حالات الضمان الصحي وحقوق الأطفال والأمومة .. الخ. ولعل بعض الأبواب، ومنها ما يتعلق بالطفولة والأمومة، كمثال، يمكن أن تُخصَّ بميثاق يضم سياسة الحزب ومشروعه من أجل الطفولة والأمومة. لذلك، بدلاً من التأكيد على الضمان الاجتماعي لكل فئة من الفئات المختلفة يفضل أن يكون هذا الضمان أحد ركائز بناء دولة الرفاهية حيث يكون الضمان، بأشكاله المختلفة، مطلباً أساسياً لضمان حياة كريمة للمواطنين والمواطنات كافة.

ويظل موضوع تمويل نظام الضمان الاجتماعي، في مختلف أشكاله، مسألة تستحق الكثير من البحث كي لا يظل الاعتماد على الريع النفطي عنصر التمويل الوحيد للنظام إذ أن الإشارة العامة في البرنامج لعوائد التنمية فضفاضة وتحتاج إلى تفكيك العناصر المكونة لها والتي يمكن أن تساهم في تغذية صناديق الضمان الاجتماعي (تطبيق وجباية الضرائب، مثلاً، بضوابط العدل على دخول الشركات والأفراد لا تكبح المبادرة الاقتصادية الضرورية للتنمية الاقتصادية). وتزداد أهمية الموضوع في ظل الدعوات الحثيثة، داخل وخارج العراق، إلى تحجيم دور الدولة وتقليص دورها الاقتصادي والاجتماعي من خلال خصخصة مؤسسات القطاع العام، وهو موضوع يستحق المناقشة إن جُرّدَ من إطاره الإيديولوجي، وكذلك خصخصة الخدمات العامة كالضمان الصحي. لقد أصبح موضوع تخلص الدولة من تقديم الرعاية الصحية الوطنية الشاملة مشروعاً اقتصادياً مقبولاً في العديد من دول العالم ومنها الدول العربية مما يعطي زخماً خارجياً لهذه الدعوات. كما أن هناك شركات تأمين تجارية، وكذلك شركات مصنعة للعقاقير الطبية وشركات استثمار في مؤسسات الطب والاستشفاء، تدفع بهذا الاتجاه لأغراض تجارية بحتة. وهذا وما يماثله توجهٌ سياسي عام لتسليع الخدمات وتحويل مصادر تمويلها على عاتق الأفراد. البعد الطبقي لمثل هذه السياسات يطال الفئات الفقيرة في المجتمع.

كما ذكرنا فإن التأمين في البرنامج حاضر في صيغته الاجتماعية، أي المرتبطة بالوظيفة الاجتماعية للدولة الحديثة. وضمن هذا المقترب فإن التأمين التجاري، أو التبادلي، لا يجد له ذكراً رغم أن السياسة الاقتصادية للحزب تحدد الأشخاص الاقتصاديين بالقطاع الخاص القائم على الملكية الفردية، والقطاع المختلط، والقطاع العام. أي أن الحزب يقبل بالتعددية في أشكال الملكية كما في السياسة. لكن هذا لا يعفيه من بلورة موقف واضح تجاه التطورات المحتملة في عرض الخدمات الاجتماعية ومنها الرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية. لذلك من المفيد مراجعة الأساليب الممكنة لمعالجة خطر الأمن الاجتماعي والتي يمكن حصرها بالتأمين الاجتماعي، والتأمين التعاوني (التبادلي) والتأمين التجاري.

ما نريد التأكيد عليه من هذا العرض ليس نقد سياسة الحزب الشيوعي العراقي، أو غيره من الأحزاب العراقية فيما يخص شبكات الأمن الاجتماعي، بل الإشارة إلى أهمية التأمين في صيغته الاجتماعية والتعاونية والتجارية والذي لم يلق بعد الاهتمام النظري والعملي المناسب. فجميع مقترحات برنامج الحزب بشأن هذه المسألة تفترض قيام الدولة لوحدها بتقديم خدمات التأمينات الاجتماعية وتمويلها أيضاً. وهنا يتوجب القول إن إشكالية الاعتماد على الريع النفطي في تمويل شبكات الأمان والتأمينات بحاجة إلى تحليل وتقييم نقدي مثلما هو الأمر بالنسبة لأنظمة التقاعد والتأمينات الصحية. التمويل قضية إشكالية في غاية الأهمية صارت تشغل حيزاً كبيراً في برامج الأحزاب في الدول الغربية المتقدمة بسبب التغير في البنية الديمغرافية، وازدياد الحاجة لخدمات المسنين، ومحاولات الانتقاص من أهمية الخدمات الصحية العامة، ومحاربة من ينوي إشاعة مثل هذه الخدمات .. الخ. ومشروع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لسن قانون يهدف إلى توفير رعاية صحية شاملة للمواطن الأمريكي مثال جيد لمسألة اجتماعية-اقتصادية تستفز المصالح والمشاعر معاً لدى أطراف متباينة المصالح، وبعضها يحارب المشروع من موقف إيديولوجي متوارث من أيام الحرب الباردة باعتبار المشروع بدعة شيوعية!

وباختصار، طالما أن الدولة العراقية ريعية بامتياز، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية غير مكتملة، ويميل السياسيون العراقيون، لقناعات شخصية أو امتثالاً لمؤثرات خارجية كتلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي، نحو محاكاة نموذج الدولة الرأسمالية، يصبح موضوع دراسة التأمينات الاجتماعية، بأنواعها المختلفة، وطرق تمويلها، أساسية في رسم سياسات الأمن الاجتماعي. وضمن هذه الرؤية تنهض الحاجة لتقييم دور شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، وما يمكن أن تقوم به في مجال الضمان الاجتماعي والصحي والتقاعدي. وبالطبع فإن هذه السياسات يجب أن توضع ضمن رؤية واضحة للاقتصاد العراقي من حيث توصيفه وتحديد معالم تطويره بعيداً عن الاعتماد المطلق على الريع النفطي.[15] ومن المناسب التأكيد هنا أن الاهتمام بالتأمينات الاجتماعية ليس بديلاً عن التركيز على التنمية والنمو الاقتصادي وخلق فرص التشغيل والعمل على توزيع أفضل للدخول. وهذا يتطلب إعادة لتوزيع المهام بين السوق والدولة.

لقد أتينا على ذكر بعض التقييمات للحزب الشيوعي العراقي وقدمنا فهمنا لبعض سياساته، نأمل أن يقوم غيرنا بتقويم ما أعوج في عرضنا للوصول إلى وضوح أفضل.

مصباح كمال
لندن 8 تشرين الأول 2009
تم تعديل الورقة في 24 تشرين الثاني 2009


الهوامش

[1] منشور في المدونة الإلكترونية مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2008/08/blog-post.html


[2] لقراءة نص البرنامج استخدم الرابط التالي: http://www.iraqcp.org/members4/0070606wa1.htm

أقر هذا البرنامج في المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي المنعقد في أيام 10-13 أيار 2007 تحت شعار"لنعزز صفوف الحزب ونعمل على توحيد قوى الشعب الوطنية لإحلال الأمن والاستقرار واستكمال السيادة الوطنية وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد." نلاحظ في هذا الشعار التأكيد على السياسي وغياب الإشارة إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي.

[3] "العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز" يقوم على قيم أخلاقية معيارية لم يجري بعد تحديدها على المستوى الوطني في العراق. فليس لدينا تعريفاً رسمياً للفقر والعوز كي يمكن في ضوئه رسم سياسات مناسبة تتماشى مع الدعوة الأخلاقية للعيش الكريم.

[4] "الاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية." في سياق هذا الموضوع يفهم من هذه العبارة استخدام الثروات والعوائد بين طبقات الشعب المختلفة، ويتطلب التحديد وإيجاد الوسائل المناسبة لتحقيقه من خلال السياسة الضريبية أو الإعفاءات أو الإعانات وغيرها. إن كان هذا الفهم خاطئاً فهل أن فكرة الاستخدام معنية بالتوزيع بين قطاعات الاقتصاد المختلفة؟ الموضوع يستوجب التدقيق.


[5] "البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة." يبدو لنا أن هذه الحالات لم تلقى عناية المشرع العراقي ومن هنا فإن الدعوة لها أمر ينسجم مع إدارة الاقتصاد الحديث من حيث إيلاء المواطنين لحقوقهم الإنسانية وفي ذات الوقت الحفاظ عل الحدود الدنيا من الطلب الفعال على السلع والخدمات من قبل الفئات الاجتماعية المعرضة للحالات المذكورة.

[6] "إيجاد نظام فعّال لتمويل هذه الصناديق." حسناً فعل فريق كتابة البرنامج في النص على نظام لتمويل صناديق "البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة." ففي غياب نظام فعال لا تستطيع هذه الصناديق أن تبقي على ملاءتها وتعين الأشخاص المعنيين. إيجاد هذا النظام يحتاج إلى جهد جماعي واستئناس برأي المنظمات النقابية والمدنية. وعموماً، فإن تمويل شبكات الأمان الاجتماعي إشكالي يحتاج إلى موازنة المصالح ضمن مشروع تنمية الاقتصاد العراقي ورفع قيمة الإنسان العراقي.

[7] استهل كاتبوا البرنامج باب الزراعة بذكر موضوع "الأمن الغذائي" وهو أمر مهم في ظل انهيار الإنتاج الزراعي بحيث بات العراق مستورداً لمعظم احتياجاته من المواد الغذائية، وزاد من سوء الوضع النقص الكبير في حصة العراق من المياه الدولية بات معه الأمن الغذائي رهينة لسياسات دول الجوار ووسيلة ضغط على الحكومات العراقية. الأمن الغذائي يعني "التأمين" على مستقبل الأجيال الشابة.

ولضمان الأمن يدعو البرنامج إلى "تطوير القوى المنتجة في الريف عن طريق تشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، الخاصة والمختلطة والحكومية، وحماية العمال الزراعيين عن طريق التشريع والتنظيم النقابي والضمان الاجتماعي والصحي." تبدو هذه المقترحات وكأنها حزمة متكاملة تخفف من وطأة وتفاقم الأمن الغذائي. وبالطبع يمكن لخبراء الزراعة تقديم مقترحات إضافية فيما يخص استصلاح الأراضي والبزل والبذور والقروض وغيرها. راجع د. هاشم نعمة "مشكلة التصحر وأبعادها البيئية والاجتماعية في العراق" الثقافة الجديدة (بغداد، العدد331، 2009) ص 31-43، لمتابعة بعض جوانب الموضوع.

وفيما يخص موضوع التأمين نذكر أهمية تطوير التأمين الزراعي (وهو تأمين يشمل التأمين على المحاصيل الزراعية والمواشي والدواجن) الذي يلعب دوراً مهماً في التعويض المالي عن آثار الآفات على المحاصيل الزراعية ونفوق الحيوانات لأسباب محددة. هذا التأمين من شأنه المساهمة في تجديد الإنتاج والاستمرار به.

[8] يقدم البرنامج المقترحات التالية لمعالجة الوضع الصحي المتدهور:

1 ضمان تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية.

2 توسيع شبكة المستشفيات والمستوصفات الحكومية في المدينة والريف.

3 ضمان حق التأمين الصحي للسكان، جميعاً، كجزء من منظومة الضمان الاجتماعي، واعتماد نظام عادل لتمويله.

هذه المعالجات مترابطة تشكل مع بعضها نظاماً يفترض البرنامج، أو هكذا نقرأه، أن تقوم به الدولة. لا يذكر البرنامج الدور الذي تقوم به العيادات والمختبرات الطبية والمستشفيات الخاصة في العراق. لكننا نفترض أيضاً أن مقترحات البرنامج لا تتعارض مع التوجه الاقتصادي للحزب والذي يقوم على تعددية الشخصية الاقتصادية: العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية. ونرى في النص على اعتماد نظام عادل لتمويل التأمين الصحي ما يشير إلى إمكانية مساهمة المنتفعين من هذا التأمين ببعض من كلفته قد تأخذ شكل قسط للتأمين، استقطاع من دخل الأجراء والموظفين، المساهمة البسيطة في كلفة الأدوية وهلم جرا. هل يا ترى إذاً أن البرنامج يحمل في طياته مشروع نظام تأميني مختلط لصحة المواطنين؟


[9] على الصعيد الإعلامي يثبت البرنامج الأهداف التالية:

- الضمان الاجتماعي لعائلات الضحايا من الإعلاميين.

- ضمان نقابة الصحفيين لتمتع الإعلاميين بالضمان الاجتماعي والحقوق التقاعدية.

وهنا يثار سؤال: من الذي يوفر الضمان والتقاعد: النقابة، أو المؤسسات الخاصة التي يعمل فيها الإعلاميون، أو الدولة؟ نعرف بأن المؤسسات الخاصة في العراق بدائية فيما يخص الاهتمام بحقوق العاملين لديها ولهذا فهي لم تفكر في إدخال أنظمة تقاعد مهنية في عقود العمل. ولم تعمل شركات التأمين، وهي ضعيفة الآن، على دراسة إمكانية توفير مرتب تقاعدي لقاء أقساط. ربما، وبالأحرى، يجب على النقابة والمؤسسات الخاصة توفير الحماية التأمينية، ولو في حدودها الدنيا، على الحياة وعلى الحوادث الشخصية. وحسب علمنا هناك مشروع قيد التنفيذ في هذا المجال.


[10] يضع البرنامج ضمن أهدافه ضمان حياة لائقة للمتقاعدين وكبار السن من العمال [توفير مرتب تقاعدي]، وكذلك إقامة منظومة شاملة للضمان الاجتماعي ضد البطالة والعوز [وهو مطلب عام تنسحب أثاره على فئات أخرى أتى ذكرها في البرنامج] والإضرار الناجمة عن العمل [أي تأمين إصابات العمل ومسؤولية رب العمل]. لم يأتي البرنامج عل ذكر الضمان الصحي للعمال من قبل أرباب العمل ربما لأن العمل كمواطنين يستطيعون الاستفادة من مستوصفات ومستشفيات الدولة. راجع تعليقنا السابق على البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة ومعالجة الوضع الصحي.


[11] عن الطفل والطفولة يذكر البرنامج حماية الطفولة ورعايتها [هدف عام] وتأمين الضمان الصحي والاجتماعي والتعليم للأطفال اليتامى وأبناء [وبنات] العوائل المعدمة، ولأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين الذين يتوجب قبل هذا توفير المأوى المناسب لهم. وكذلك توفير دور الحضانة ورياض الأطفال.


أيكون صحيحاً إن افترضنا أن توفير هذه الخدمات والمؤسسات المتخصصة يقع على عاتق الدولة أم مؤسسات اجتماعية أو تجارية مستقلة؟ يحتاج هذا الموضوع إلى التوسع لتحديد هوية مجهزي الخدمات وسبل تمويلها.

[12] نتمنى على من تتوفر له المصادر مراجعة سياسة الحزب في مجال التأمينات الاجتماعية ومتابعة تطوراتها كما ترد في وثائقه الرسمية.

[13] Massimo Salvadori, Karl Kautsky and the Socialist Revolution 1880-1938 (London: Verso, 1990), p 255.

[14] أنظر مقالة كريم الساعدي "شبكات الأمان الاجتماعي في بلادنا بين الواقع والطموح" طريق الشعب، http://www.iraqcp.org/tarikalshab/74/126/index3.htm


[15] يمكن الاسترشاد بما ورد في دراسة د. صبري زاير السعدي: التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني (1951-2006)، (دمشق، بيروت، بغداد: دار المدى للثقافة والنشر، 2009)




2010/08/17

Origins of Workers' Compensation in the USA - book review

أصول تعويض إصابات العمال: عرض لكتاب


مارك الدريتش
قسم الاقتصاد، كلية سميث، نورثهامبتون، ماسشوست، الولايات المتحدة الأمريكية.

ترجمة مصباح كمال

برايس فيشباك و شون كانتور، التمهيد لدولة الرفاهية: أصول تعويض إصابات العمال، شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 2000.

A Prelude to the Welfare State: The Origins of Workers' Compensation
Book Reviews

Price Fishback and Shawn Kantor, A Prelude to the Welfare State: The Origins of Workers' Compensation. Chicago: University of Chicago Press, 2000. xiii + 316 pp. $37.50 (cloth), ISBN: 0-226-25163-2.

Reviewed for EH.NET by Mark Aldrich, Department of Economics, Smith College.

http://eh.net/bookreviews/library/0322

Published by EH.NET (February 2001)

Copyright (c) 2001 by EH.Net. All rights reserved. This work may be copied for non-profit educational uses if proper credit is given to the author and the list. For other permission, please contact the EH.Net Administrator (administrator@eh.net). Published by EH.Net (March 2010). All EH.Net reviews are archived at http://www.eh.net/BookReview

هذا الكتاب الرشيق، القائم على بحث دقيق، للكاتبين ﭙرايس فيشباك و شون كانتور (كلاهما من جامعة ولاية أريزونا) سيلقى اهتماما من المؤرخ الاجتماعي والسياسي ومؤرخي الحركات العمالية، فضلا عن أولئك اللذين يهتمون أساساً بالتاريخ الاقتصادي. لن يجد القراء في هذا الكتاب ما هو جديد إلا قليلاً خاصة لمن هو على دراية بمقالات الكاتبين التي نشرت في وقت سابق. وقيمة الكتاب، لذلك، لا تكمن في الوصول إلى نتائج جديدة بقدر ما تكمن في جمع نتائج البحوث السابقة للمؤلفين في تحليل مقنع لأصول تعويضات العمال ونتائجها.

 

وتبدأ قصة الكتاب بمقدمة، ويعرض الفصل الأول السياق، الإطار، والخطوط العريضة للموضوع. ويخلص الباحثان إلى أن تعويضات العمال كان ابتكاراً مؤسسياً استفاد منه جميع جماعات المصالح الكبرى -- أصحاب العمل والموظفين وشركات التأمين. والدليل على هذا الادعاء، وكذلك كيف ولماذا تم تشريع هذه التعويضات هي مواضيع الفصول السبعة القادمة، يتبعها أحد عشر ملحقاً في 105 صفحة من البيانات الكمية. من خلال معالجة المعلومات التقنية بهذا الشكل فإنهما يُسهّلان استخدام الكتاب في المرحلة الجامعية الأولى، وكذلك في الدورات الجامعية المتقدمة.


هذا التاريخ مكتوب من خلال عدسة علم الاقتصاد الكلاسيكي الجديد. إحدى نقاط القوة في الكتاب هو المحور النظري القوي الذي قام الكاتبان باستخدامه في تحقيق موضوع الكتاب. ومع ذلك فهما أيضا يظهران دائما، تقريبا، درجة من الحساسية للسياق التاريخي يستحق الثناء.


الفصل الثاني المتعلق بالتعويض قبل تشريع تعويضات العمال هو أفضل معالجة للممارسة الفعلية لنظام مسؤولية أرباب العمل التي وقع نظري عليها. ويشير الباحثان إلى أنه بما أن الكثير من حالات التعويض قد تمت تسويتها خارج المحاكم فإن نظام مسؤولية أرباب العمل كان يمارس بشكل مختلف تماما عن المسلمات التي تفترضها الدراسات القانونية والاقتصادية. فالنتائج التي توصلا إليها بشأن التعويض عن الوفاة تؤكد إلى حد كبير استنتاجات النقاد في وقت مبكر. فقد كان النظام يطبق مثل اليانصيب: عدد قليل يفوز بالجائزة الكبرى ولكن الغالبية تلقى القليل جدا. وبالنسبة للإصابات، كانت الأمور أكثر تعقيدا وكان التعويض لا يعكس فقط طريقة عمل القانون العام وإنما أيضا الاعتبارات السائدة في سوق العمل مثل خبرة العامل. وفي الواقع، فإنهما ربما قللا من شأن هذه العناصر غير القانونية. فالسكك الحديدية في القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، كانت تلجأ بشكل روتيني إلى إعادة توظيف العمال من ذوي الإعاقة الدائمة. كما أن البعض من شركات السكك الحديدية كانت تدفع الأجور إلى العمال المعوقين مؤقتا دون اعتبار ذلك أجراً على سبيل التعويض.

في الفصل الثالث من الكتاب يبحث الكاتبان الآثار الاقتصادية للتحول صوب تعويض العمال. نتج عن هذا التحول رفع مستوى حدود التعويض عن الحوادث حقاً، كما أنه غيّرَ جوانب أخرى لسوق العمل أيضا. ويجادل الكاتبان بأن العمال استجابوا لنظام المسؤولية القديم عن طريق شراء التأمين، وزيادة معدلات الادخار الوقائي. ويشير التحليل الاقتصادي القياسي إلى أن العمال في ظل نظام التعويضات يخفضون من الادخار. وبالمثل، تبين إحصائيات الكاتبين أن التعويض أدى إلى انخفاض أجور العمال غير المنضوين في نقابات عمال الفحم والخشب.

واعتمادا على الأبحاث الإحصائية التي قاما بها في وقت سابق وإحصائيات الآخرين كذلك، يقول الكاتبان إن التعويض زاد من معدلات الحوادث المميتة في مناجم الفحم القيرية soft coal mining ، لأن هذه المناجم كانت توفر فرصة للعمال للمجازفة، في حين أن القانون الاتحادي لمسؤولية أرباب العمل خفض الوفيات في السكك الحديدية. الفرق، كما يقول الكاتبان، أن تعويضات مناجم الفحم كانت تُسفر عن مشاكل الخطر المعنوي الذي تجاهلته الشركات بسبب ارتفاع تكاليف الرصد بينما كانت الرقابة على العمل في خطوط السكك الحديدية أرخص تكلفة.

لست مقتنعا تماما بهذا التعليل. وخلافا للجوانب الأخرى من عملهما، فلا الكاتبين هنا ولا المصادر المعتمدة يدعمان النتائج الاقتصادية القياسية بدلائل غير كمية قوية. تكاليف المراقبة في مجال التعدين المعدني كانت بالضرورة عالية، لكن الوفيات في هذا المجال مالت للانخفاض. وهناك ما لا يقل عن اثنين من الأسباب المحتملة الأخرى لارتفاع عدد الوفيات في المناجم. الأول، أن الوفيات ربما كانت بسبب أن بعض الولايات وضعت بشكل مصطنع حدوداً متدنية للتعويض عن تكاليف الإصابات في مجال التعدين في حين أن عدم وجود تجربة كاملة للتسعير بموجب نظام التعويض بالنسبة لكثير من مناجم الفحم الصغيرة خفضت في الواقع من التكلفة الحدية للحوادث. وثانيا، تغير ظروف التعدين، وليس من الواضح ما إذا كان هذا التغير قد أخذ بنظر الاعتبار على نحو كاف في حسابات الاقتصاد القياسي. المعاصرون ادعوا أن الحرب العالمية لأولى جلبت موجة من الممارسات السيئة في التعدين أدت إلى انهيار سقوف المناجم في عشرينات القرن العشرين، في حين أن التعدين الميكانيكي (وليس فقط استخدام آلات قطع الفحم الحجري) زادت أيضا من المخاطر خلال هذه السنوات.

في حين أوافق على أن الأدلة بشأن انخفاض حوادث السكك الحديدية استجابة لقوانين مسؤولية أرباب العمل مقنعة، أشكك أن نجاحها ناتج في معظمه عن انخفاض تكاليف الرصد. فالمعروف أن مراقبة عمال القطارات كان صعباً، ومع ذلك فإن معدلات الوفيات بينهم انخفضت بشكل حاد ابتداءً من حوالي 1907 وفيما بعد. كان سبب ذلك جزئياً تحسين الرصد (فقد أدخل الناقلون نظاماً للتدقيق المفاجئ لمعرفة ما إذا كان عمال القطار يطبقون قواعد العمل) وفي جزء آخر منه الاستثمارات في نظام تحسين الإشارات التي أسفرت عن تحقيق مكاسب في الكفاءة والسلامة.

الفصول من الرابع وحتى السابع تتناول الاقتصاد السياسي لقوانين تعويضات العمال -- القوى التي شكلت توقيتها، واستخدام التامين من قبل الولاية أو القطاع الخاص، ومستويات المنافع التعويضية. وهنا دمج الكاتبان التحليل الاقتصادي القياسي مع دراسة حالات التي توظف التحليل التاريخي التقليدي القائم على مصادر ثانوية والبحوث الأساسية للكاتبين. فهما يناظران تباين التفسيرات التي تؤكد على دور جماعات المصالح مع تلك التي تركز على تحالفات سياسية أوسع نطاقا، ويستنتجان أن دور كليهما كان مهماً. ومع ذلك فإن التعويض وحده نجح خلال هذه السنوات، في حين خمدت المقترحات المتعلقة بالبطالة والتأمين الصحي -- على الأرجح، كما يقول الكاتبان، لأن جميع جماعات الضغط كانت تفضل التعويض فقط.

في كتاب يحتل فيه البحث قدْراً مهما كهذا الكتاب يمكن تسقُط عدد لا ينتهي تقريبا من الأخطاء الصغيرة في متنه. وسوف أذكر ببساطة اثنين منها. أولهما، إن الكاتبين يكتبان في بعض الأحيان كما لو أن الأطراف التاريخية الفاعلة كانت على علم بمُعامِلات الانحدار الحديثة. وهكذا يقال لنا (ص 177-178) أن مواقف أرباب العمل تأثرت بقدرتهم على تحويل تكاليف تعويض المنافع على العمال غير النقابيين بشكل أجور منخفضة. وفيما بعد (ص 187) يؤكد الكاتبان أن العمال النقابيين كانت لديهم حوافز قوية للضغط من اجل التشريع لأنهم كانوا ناجحين نسبيا في منع مبادلة الأجور بالتعويض. ولكن كيف يمكن لأي من المجموعتين أن يكون على علم بحجم التعويضات، كعنصر تبادلي، في المستقبل؟ وثانيا، في التذييل باء، والفصل 7، يحسب الكاتبان القيمة الحالية لاستحقاقات التعويض حسب الولاية والسنة من 1910-1930 على أساس توزيع الحوادث في ولاية أوريغون في الفترة 1915-1917. هذه عينة صغيرة غير تمثيلية، أما لماذا تجاهل الكاتبان بيانات مكتب إحصائيات العمال BLS من منتصف عشرينات القرن العشرين فهو موقف غير واضح. قد لا تؤدي أي من هذه الملاحظات إلى تغير واضح في العرض لكن المرء سيشعر بمزيد من الراحة إن تم التصدي لها.

وعلى الرغم من هذه المماحكات فإن هذا كتاب مهم وقيم. وسيصبح بكل تأكيد مرجعاً أساسياً في دراسة تعويض إصابات العمال كما أنه نموذج لما يجب أن يكون عليه البحث في الاقتصاد السياسي.

2010/08/07

Misbah Kamal


A Note on Insurance Intermediation in the

Law of Dallaleen No. 64 of 1935

This article was published in the History of IRAQ blog on 29 July 2010 without the Arabic information under footnote 2.
http://historyofiraq.blogspot.com/2010/07/insurance-in-1935-law-no-64-of.html


In September 2008 I published a short study in Arabic entitled: "Concerning Intermediation and Insurance Intermediation in Iraq" in the Iraq Insurance Review blog http://misbahkamal.blogspot.com/2008_09_01_archive.html

In introducing the study I pointed out that it is "a preliminary incomplete study that needs to be developed." In making that statement, I was hoping that "colleagues in Iraq would contribute to aspects of the legal and economic role expected of insurance brokers in the structure of Iraq’s insurance market.” I also mentioned that “insurance intermediation, as a distinct profession is not known in Iraq’s business sector; there is no business culture associated with insurance intermediation but intermediation, in the broad sense, is not lacking in Iraq and in this context we have to recall intermediation in buying and selling real estate.”


Recently I have come across a piece of legislation entitled Law of Dallaleen No. 64 of 1935, confirming the validity of the comments that I have quoted above regarding the concept and practice of intermediation and its public circulation but more importantly the presence of insurance intermediation apparently as a distinct activity.

The English transliteration of this Law (قانون الدلالين) is Kanoon Al-Dallaleen. The word Dallaleen is the plural form of Dallal, which can be translated as auctioneer, insurance broker, stock broker, intermediary, middleman and estate agent. Literally, the Arabic word Dallal means one who guides (and any professional intermediary is expected to guide clients).

I have translated the Law to English in full, appended below, for the benefit of the non-Arabic reader and to use it for my commentary on selected aspects of the law in the context of insurance intermediation. From the perspective of insurance history in Iraq, it is an important piece of legislation.

Here, I am taking advantage of some of the provisions of this Law to re-state and refine the general idea of intermediation to which I referred in my earlier study in Arabic– namely, that insurance intermediation, albeit in a limited form, was known and was the subject of limited regulation in the 193os.

Because of the generic nature of the concept “Dallal” as applied in this law, I have opted for using the English transliteration of the Arabic word in its various forms.

Article 1 of this Law provides the following definitions:

"Delalah – al-Wassattah [mediation, intermediation, brokerage] for concluding contracts or facilitating civil or commercial transactions concerning movable and immovable property, bonds and [shipping/insurance?] policies[1] and banknotes of different types and other branches deriving from such transactions.

Dallal [intermediary, broker] – he who is engaged in intermediation as a profession.”

We note here that the word "Dallal" is explained by the word al-Wassattah "mediation, intermediation” which suggests that the two words are synonymous. We also note that Delalah, the activity of intermediation, according to article 2 of this law, is limited to natural persons, as the law makes no specific provisions for the registration of the Dallal as a corporate body.

Sub-Article 2- E requires that the Dallal is “Competent in reading and writing in Arabic or employs a person with such competence.” This is interesting as it points to promoting Arabic as a language of business. It also implies that the Dallal might be either illiterate or a foreigner who has no command of the Arabic language. Thus, to make up for the lack of language competency, the Dallal has to employ “a person with such competence.”

Article 3 mandates that the Dallal must register at the Chamber of Commerce in the region where he practices his business. The registration is annual and subject to renewal and updating the identity of the category(ies) of Delalah engaged in. Here we see the early role of law in consolidating the position of chambers of commerce as partners in regulatory activity.

Article 4 refers to the classification of Dallaleen by the Chamber of Commerce to five categories but these categories are not mentioned (we assume that there was an implementing instrument or regulation in this regard that we have not been able to trace). We also assume that Delalah [intermediation, brokerage] in insurance business was one of these five categories. We are encouraged to assert this view because Schedule B of Order Number 14 of 1936, based on Law of Dallaleen No. 64 of 1935, sets the level of fees for intermediation in Baghdad in respect of a plethora of activities. The following fees were set for insurance:

“Fire and Flood and other Insurance, excluding life insurance, 10% of the original premium. Life insurance, 25% of the total premium of the first year.”
The law also includes a few provisions on the organization of the Dellal’s business like bookkeeping, adherence to the designated category of activity for which he is licensed, i.e. not breaching the field of specialisation, etc (Article 6). Also, to be noted is the emphasis on trust and the penalties stipulated if it is breached (Article 8). This is a significant provision as it registers a basic regulatory principle underlying modern systems of protection for the insureds’ interest.

We can conclude from reviewing these selected provisions that Delalah/intermediation activity, including insurance intermediation, was known in Iraq in the 1930s if not earlier but was not properly regulated and thus required legislative intervention in the form of the 1935 law and the orders derived from it.

We are not able to determine the source of this law. It may well be the case that it was based on an English model. But this is only a guess and needs proper investigation.

It is useful to note that this law, under Article 15, repealed the Ottoman Dallaleen and Brokers Order dated 26-7-1304 [20 April 1889] and its Supplement dated 25-8-1306 [26 April 1889]. The word Brokers here is a literal translation of the word Simsareen.[2] Unfortunately, we were not able to trace this Order and its Supplement, dating back to the nineteenth century, to compare it with the 1935 law. We are not sure if insurance and insurance broking were covered by them

It is not enough to write history, and we do not claim to be doing so, by speculating and relying on legal texts alone. It is true that laws reflect existing conditions necessitating regulation and influencing the direction of business development, but that does not absolve us from researching the facts relevant to these conditions and the practices associated with them. We view these legal texts as indicators that shed some light on existing conditions, and pave the way for professionalisation of uncodified traditional practices in certain areas.

We concede thatprofessionalism does not always arise by the force of law as the history of some professions in the West in particular witness Professionalisation, through defining terms of entry, for example, developed from within the professions themselves. The promulgation of the Dallaleen Law points to the emergence of specialised activities in the service sector. One is inclined to the view that legislative intervention in regulating business activities contributes to shaping or re-shaping of existing practices. And this is why this particular piece of legislation, like others, is so significant.

However, despite the legal framework for regulating intermediation and as far as insurance is concerned, intermediation did not develop for reasons that need to be investigated. The activity, in its evolution in the 1950s and 1960s, was reduced to the work of agents who were tied to insurance companies that survives to this day but without much weight.[3]

The 1935 Law, however, survived for over four decades until it was repealed by the Delalah Law Number 58 of 1987. Significantly, article 2 of the new law defined four categories of intermediaries: estate agency, buying, selling and leasing vehicles, auctioneering and buying and selling agricultural and industrial products and other properties. Insurance intermediation was not included among them. By now, insurance intermediation has lost all legal recognition.

One wonders if records were kept by the chambers of commerce in Baghdad, Basra and Mosul. If records do exist, they would be of great value to economic historians in estimating the number of intermediaries, their specialist activities, identities, revenues, etc.

If our analysis is correct, then Law of Dallaleen No. 64 of 1935 would be the first of its kind in regulating insurance broking business in Iraq. But this has to be qualified by virtue of the existence of previous regulations: Dallaleen and Brokers Order dated 26-7-1304 [20 April 1889] and its Supplement dated 25-8-1306 [26 April 1889]. The word “Brokers” in the title (simsareen plural, singular: simsar) here might not necessarily stand for “insurance brokers.” This of course needs further investigation.

We hope that colleagues concerned with the history of insurance in Iraq, and generally with Iraq’s economic history, will follow-up this and other related topics.

Misbah Kamal
London July 2010
_______________________________________

English Translation of the

Dallaleen Law No. 64 of 1935

The original Arabic text of this law can be read by using this link:
http://www.iraq-ild.org/LoadLawBook.aspx?SC=260920059254324

We the King of Iraq

With the agreement of the Senate and the House of Representatives ordered the promulgation of the following law:

Article 1
The following words and expressions have the meanings set opposite thereto:

Intermediation (Delilah) – al-Wassatah [intermediation, brokerage] for concluding contracts or facilitating civil or commercial transactions concerning movable and immovable property, bonds and [insurance] policies and banknotes of different types and other branches deriving from such transactions.

Intermediary (Dallal) – he who has taken on intermediation as a profession."

Chamber of Commerce - Chamber of Commerce in the region where the Dallal practices his regular work.

Article 2
The Dallal must meet the following conditions:

A – must not be less than twenty one year of age and have Iraqi nationality.

B - Not to have been convicted of a felony or misdemeanour involving moral turpitude unless he has regained the rights denied to him (sic) [i.e. unless the conviction was spent].

C – Not made bankrupt unless he has restored his solvency.

D - Known for his integrity and good conduct.

E – Competent in reading and writing in Arabic or employs a person with such competence.

Article 3
The Dallal who meets the conditions set forth in Article 2 must register with the Chamber of Commerce and renew the registration annually and has a certificate evidencing his registration containing his photograph and the categories of Delalah for which he is licensed to practice.

Article 4
A – The Dallallon [plural of Dallal] are classified by the Chamber of Commerce into five categories and the Dallal can object to [his] classification by the Chamber within one year.

B – The Dallal pays an annual registration fee to be set by a directive.

C - Part of the year is considered [a full] year for the purpose of registration.

Article 5
A Dallal registered with the Chamber of Commerce is permitted to practice his business throughout Iraq.

Article 6
The Dallal must comply with the following obligations:

Smaller Class Three or lower Dallals are exempt from all or some of these obligations based on a special directive.

A - Maintain a register with numbered pages the first and last pages of which to be stamped and approved by the Chamber of Commerce without charge according to the form approved by the Chamber of Commerce after approval by the Minister of Finance. Transactions are to be entered in Arabic by using ink or copying pencil.

B – Enter all transactions brokered in the log book daily with their details and the result gained by such transaction.‏

C - Avoid erasing and deletion or tearing of a page from the contents of the log book.

D - Does not leave a space between lines or more than the usual space between one transaction and another.

E - Does not leave a blank page between the pages in which transactions have been entered.

F - Keep log books, that are full, for a period of not less than ten years from the entry date of the last transaction.

G - Presents the license to a court of law when the court so decides.

H – Presents the license, on demand, to the relevant departments upon their request.

I - Submits to the Chamber of Commerce a statement in writing if he wishes to leave the profession within a year.

Article 7
A – a person who engages in Delalah in professions that by law are not to be the subject of Delalah, or practises Delalah without registering with the Chamber of Commerce shall be penalised by a court of law initially by a fine not exceeding forty dinars, and when the same [offence] is repeated by a fine not exceeding sixty dinars, or by imprisonment for a term not exceeding three months.

B – A person who continues to engage in Delalah after the end of the license year and before the renewal of the license or before payment of the fee shall be penalised initially by a fine not exceeding twenty dinars and on recurrence by a fine not exceeding forty dinars, or by imprisonment for a term not exceeding one month.

C – The Dallal who violates one of the obligations mentioned in Article 4 shall be penalised by the court initially by a fine not exceeding five dinars and on recurrence by a fine not exceeding ten dinars.

D – The Chamber of Commerce, at the request of the Minister of Finance or the stakeholders, bars the Dallal from doing business for a period not exceeding one year if he has neglected one of the obligations in Article 6 and that in addition to the sentence imposed by the court.

Article 8
The name of the Dallal will be permanently removed from the register of the Chamber of Commerce if he has been in breach of trust or has damaged the interests of those for whom he has acted as a broker or used deception and cheating in his dealings, after he is proven guilty in court and [the verdict] publicised in the press.

Article 9
The testimony of a Dallal who has engaged in Delalah without a licence does not count in court in respect of the transactions that he has brokered.

Article 10
It is not permissible for the Dallal to conduct business for his own account, and if in breach will be punished in accordance with paragraph B of Article VII.

Article 11
It is not permissible for government departments or municipalities to use a Dallal who is not registered with the Chamber of Commerce.

Article 12
The Dallal collects a fee not exceeding the ratios specified by a special directive.

Article 13
This law also applies to the Dallal who works for a sole trader or company or more than one company.

Article 14
The provisions of this law apply in areas, designated by a special bylaw, that have chambers of commerce.

Article 15
The Dallaleen and Simsareen Order dated 26-7-1304 and its Supplement dated 25-8-1306 is repealed.

Article 16
This Law shall become effective on 1 April 1936.

Article 17
The Minister of Finance and [the Minister of] Justice shall implement this law.

Written in Baghdad on the twelfth day of the month of Ramadan in the year 1354 and the eighth day of the month of December 1935.

Ghazi
Rasheed Ali, Deputy Minister of Justice
Raouf Al-Bahrani, Finance Minster
Yaseen Al-Hashimi, Prime Minister

Published in the Official Gazette number 1479 on 23-12-1935.

NOTES

 The present paper is an extensively revised and expanded version of the original Arabic that I have posted to the Iraq Insurance Review blog. I wrote this and other isolated article to remind the reader that knowledge of the past is important not only to preserve memory of the past but also to stress that accumulation is a pre-condition for progress. The ideology of ‘destroy and rebuild’ has placed a heavy toll on the advancement of Iraq.

[1] The bolisat, the plural form of bolisah, can be translated as “policies” plural of “policy” as in insurance policy. It seems that the word "bolisat" (plural) and "bolisah" (singular) was commonly used at that time as the word "Bolesat" is mentioned in the Insurance Companies Act No. 74 of 1936 in conjunction with word "sukkook” (instruments, documents) as follows:

“Article 3

1. The Minister of Finance must suspend the license ….. or cancel the license in each of the following circumstances:

A - If the [insurance] company or its agent violated the provisions of Law No. 74 of the year (1936) in any way.

B - if it is conclusively proven that one of the sukkook-holders (sic.) [policyholders] bolesat al-Tameen [insurance policies] in Iraq has made a claim against the insurance company, which is not contested, and the company or its agent neglected the claim for ninety days or if the agent or the company declined the implementation of a peremptory judgement.” [Emphasis added]

Here we see the use of the Arabic word “sukkook" (plural of “sukk") and the foreign word "bolesat [policies] of insurance" as synonymous.

The word "sukk" is used in common parlance in Iraq as equivalent to the words "cheque" (bank cheque) and "document" as in the expression “sukk al-Entidab" (the Mandate Document or Instrument."

But the word “Bolisah” is also common in shipping as in Bolisat al-Shahan (Bill of Lading).

Based on the above the word Bolisat under Article 1 of the Dallaleen Law of 1935 does not, strictly speaking, stand for insurance policy. This linguistic digression is meant to show that idiomatic use of words was not rigorously applied.

[2] For an extended comment on word simsareen (plural of simsar: middleman, broker, intermediary), readers of Arabic can refer to my article “Concerning Intermediation and Insurance Intermediation in Iraq," Iraq Insurance Review, http://misbahkamal.blogspot.com/2008/09/blog-post.html

Here is the relevant section in Arabic:

استطراد لغوي
الأسماء المتداولة للوسيط عديدة، فالدارسون الأكاديميون في الغرب يميلون إلى استخدام مصطلح وسطاء التأمين insurance intermediaries في حين يستخدم العاملون في قطاع التأمين وكذلك العملاء مصطلح insurance broker كما نجد تعبير middleman أيضاً. وفي العالم العربي نجد استخدام مصطلحات سمسار التأمين أو السمسار أو الوسيط أو وسيط تأمين/إعادة التأمين، أو السمسرة/الوساطة في وصف النشاط.

ويبدو أن بعض هذه المصطلحات مستقاة من أصول غير عربية. ففي الفارسية يرد تعريف لمصطلح "سمسار" في قاموس فارسي- إنكليزي بأنه الشخص الذي يتاجر بالسلع المستعملة dealer in second-hand goods

(Haïm’s One-Volume Persian-English Dictionary, Farhang Moāser, [1953]) ويذكر التعريف أن الكلمة عربية من أصل فارسي. ويرد في نفس القاموس استخدام مصطلح "دلاّل" كمقابل للوسيط broker, middleman, dealer وفي التركية يرد استعمال قومسيونجي (بالتركية: komisyouncu) و دلاّل ( بالتركية:(simsar, komisyouncu, tellal للتعريف بالوسيط. وكلمة القومسيونجي، وكان دارجاً في العراق، هو الشخص الذي يقدم الخدمات لقاء عمولة commission وهو الأجر الذي يتقاضاه الوسيط من شركة التأمين.
وبحسب Dictionary Online Etymology فإن تاريخ كلمة الوسيط broker في اللغة الانكليزية هو:

“Broker 1377, from Anglo-Norm. brocour "small trader," from Anglo-Fr. abrokur "retailer of wine, tapster," perhaps Port. alborcar "barter," but more likely O.Fr. brocheor, from brochier "to broach, tap, pierce (a keg)," from broche "pointed tool" (see broach (n.)), giving original sense of "wine dealer," hence "retailer, middleman, agent." In M.E., used contemptuously of peddlers and pimps.” http://www.etymonline.com/index.php?term=broker

قطعاً لن يرتاح وسيط التأمين لوصفه بالديوث أو لربط مهنته بـ "سمسرة الفاحشة" حسب تعريف قاموس المورد: انكليزي عربي لكلمة pimp (الواردة في النص الإنكليزي أعلاه) كما كان مستعملاً بالإنكليزية بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر.
ويعرّف القاموس المحيط السِّمْسارُ كما يلي:

السِّمْسارُ، بالكسر: المُتَوَسِّطُ بين البائِعِ والمُشْتَرِي ج: سَماسِرَةٌ، ومالِكُ الشيءِ، وقَيِّمهُ، والسَّفيرُ بين المُحبِّينَ. وسِمْسارُ الأرضِ: العالِمُ بها.

http://www.baheth.info/all.jsp?term=سمسار

ونلاحظ هنا فكرة التوسط بين البائع والمشتري. كما نلاحظ فكرة العلم بالشئ وكما يرد في التعريف: العلمُ بالأرض. وهذا العلم بالأشياء، بالمعنى الواسع، هو ما يميز الوسيط المحترف في الأسواق المتقدمة عن غيره. وتعبير السمسرة شائع الاستعمال في العديد من البلدان العربية. ويرد في لسان العرب تعريف الدَّلاَّل، تحت مدخل دلل، بمعنى الشخص الذي يحمل عِلماً ويدل الناس عليه. يقول ابن منظور:
"وفي حديث علي، رضي الله عنه، في صفة الصحابة، رضي الله عنهم: ويخرجون من عنده أَدلَّة؛ هو جمع دَلِيل أَي بما قد علموا فيَدُلُّونَ عليه الناس، يعني يخرجون من عنده فُقَهَاء فجعلهم أَنفسهم أَدلَّة مبالغة. ودَلَلْت بهذا الطريق: عرفته، ودَلَلْتُ به أَدُلُّ دَلالة، وأَدْلَلت بالطريق إِدْلالاً. والدَّلاَّل الذي يجمع بين البَيِّعَيْن، والاسم الدَّلالة والدِّلالة، والدِّلالة: ما جعلته للدَّليل أَو الدَّلاَّل. وقال ابن دريد: الدَّلالة، بالفتح، حِرْفة الدَّلاَّل."
http://www.baheth.info/all.jsp?term=دلال

وهنا أيضاُ نشهد أفكارا لها علاقة بالوساطة: الجمع بين البيِّعين (البائع والمشتري)، وكذلك المعرفة (العلم بالشئ)، والتعريف بالطريق (الإدلاء عليه). ونحن نميل إلى إشاعة استخدام تعبير وسيط التأمين/إعادة التأمين لحياديته وخلوه من صفات قيميه بدلاً من تعبير سمسار الذي أخذ بعداً سلبياً في العراق الجديد يرتبط بإنجاز المعاملات الرسمية في دولة مستغرقة في الفساد.

[3] Misbah Kamal, Munther Al-Aswad & Fouad Shamkar, “Insurance Agencies in Iraq: a preliminary attempt at stimulating research” (in Arabic), Iraq Insurance Review, January 2010, http://misbahkamal.blogspot.com/2010/01/1.html.

Mohammed Al-Kubaisi, “Insurance Agencies: an approach to understanding insurance service,” (in Arabic) Iraq Insurance Review, January 2010, http://misbahkamal.blogspot.com/2010/01/blog-post.html





2010/08/02

Work Accidents & Employer's Liability

إصابات العمل ومسؤولية رب العمل

مدخل أولي لدراسة دور التأمين


المحامي منذر عباس الأسود


نشرت هذه المقالة في الثقافة الجديدة، العدد 337، 2010. وننشره في مدونة مجلة التأمين العراقي بإذن من الكاتب.


أولا: الخلفية التاريخية والنظرية



إن نشأة وتطور نظام الضمان الاجتماعي في العالم ترتب على التقدم الصناعي وازدياد استخدام الآلة وازدياد حجم العمال وتجمعهم في مناطق أو مصانع كبيرة وزيادة المخاطر التي يتعرضون لها سواء كان هذا التعرض بشكل إصابات عمل أو أمراض مهنية. وقد عجز النظام القانوني في عكس هذه التطورات وفشل إلى حد كبير في حماية الطبقة العاملة إذ أن التعويض الذي ضمنه القانون للعامل لم يكن تلقائياً بل كان قائماً على مبدأ إثبات إهمال رب العمل. ولم يكن التعويض عن إصابات العمل كافيا لتحقيق الأمان الاجتماعي له في الحالات التي تخلف الإصابة عجزا دائما أو طويل الأمد أو قد تؤدي إلى الوفاة لأن التعويض كان يتمثل بمبلغ من المال يدفع للعامل دفعة واحدة.



لقد عرف أول قانون للتأمين الاجتماعي في ألمانيا حيث صدرت ثلاثة قوانين على التوالي: قانون 15 حزيران 1883للتأمين ضد المرض وقانون 6 تموز 1884 للتأمين ضد حوادث العمل وقانون 22 حزيران 1889 للتأمين ضد العجز والشيخوخة. واعتمدت هذه القوانين مبدأ التامين الإجباري الذي يمول عن طريق الاشتراكات التي يدفعها أصحاب العمل والعمال باستثناء التامين ضد إصابات العمل الذي يمول من اشتراكات أصحاب العمل.



في عام 1911 أصدرت انكلترا أول قانون للتأمين مقررا نظام التأمين الإجباري إلا أن هذا القانون لم يكن تنظيما للتأمين قائماً على افتراض مسؤولية رب العمل عن إصابات العمل لأن المشرع الانكليزي كان قد أقام مسؤولية صاحب العمل عن تعويض العامل عنها على أساس نظرية المخاطر المهنية التي كانت ترجع إلى قوانين تعود لسنة 1897. وتتأسس هذه النظرية على إثبات الخطأ على رب العمل الذي كانت له دفوع قانونية ضدها ممثلة بتحويل المسؤولية على العامل نفسه بإثبات إهمال العامل نفسه.



في عام 1928 أصدرت فرنسا قانون التأمين الاجتماعي ويقوم على مساهمة كل من العمال وأصحاب العمل في تمويل النظام للتأمين الصحي ضد العجز والشيخوخة والوفاة.



في أمريكا كان هناك مقترح مشروع للضمان الاجتماعي يتضمن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة والتأمين ضد البطالة حيث اقره الكونغرس الأمريكي في 14 آب 1935.



وشهدت روسيا مولد أول نظام للتأمينات الاجتماعية بعد الثورة البلشفية سنة 1917.



كما أصدر المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية اتفاقية تحمل رقم 102 لعام 1952 واقترح فيها للدول المنظمة إليها على تطبيق الضمان الاجتماعي ومنها طوارئ العمل . وقد شهدت تسعينيات القرن العشرين تطور ملحوظاً في أنظمة التأمينات والضمانات الاجتماعية العربية على صعيد برامج التأمين أو على صعيد الأداء أو التمويل. كما أن الحكومات العربية أدرجت التأمينات الاجتماعية في سُلم أولوياتها لما لها من دور ايجابي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.



ثانيا: الخلفية التاريخية للضمان الاجتماعي في العراق والقوانين المنظمة



أ – تطور التشريع



أصدرت الحكومة العراقية أول قانون للضمان الاجتماعي للعمال برقم 27 لسنة 1956 إلا أن هذا القانون لم يكن في حقيقة الأمر قانونا للضمان الاجتماعي رغم إطلاق هذه التسمية عليه وإنما كان خليطا من التأمين والادخار الإلزاميين.



من حيث أسلوب التمويل قرر القانون أن يتم بمساهمة ثلاث أطراف هي العامل وصاحب العمل والدولة. أما من حيث الحقوق التي تنشأ للعامل فقد كانت لا تتجاوز في كل الأحوال رصيد العامل في حالات العجز الدائم والشيخوخة والوفاة.



أي إن الوصف لهذا القانون بأنه قانون للتأمين والادخار الإلزاميين يرجع إلى أن ما يحصل عليه العامل كان يتحدد دائما بالرصيد المتجمع له من اشتراكاته (الادخار الإلزامي) والتأمين لمصلحته (اشتراكات صاحب العمل والدولة).



على أن هذا القانون كان يكتنفه القصور من نواحي عديدة أخرى. فقد استبعد أهم المخاطر التي يتعرض لها العمال من أحكامه وهي إصابات العمل التي ظلت مسؤولية صاحب العمل عنها خاضعة لأحكام قانون العمل. كما أن نطاق سريانه على الأشخاص كان محدود جدا إذ لم يكن يسري إلا على المشاريع الصناعية الكبيرة التي يشتغل فيها أكثر من (30) عامل.



ثم صدر قانون الضمان الاجتماعي رقم 140 لسنة 1964. وتعرض قانون الضمان الاجتماعي رقم 27 لسنة 1956 إلى نقد شديد نتيجة قصوره وعيوبه لأن هذا القانون كان عاجزا عن تحقيق الأمان الاجتماعي للطبقات الكادحة التي أعلنت ثورة 14 تموز 1958 التزامها بقضاياها. ولهذا تمت الاستعانة بمنظمة العمل الدولية التي أرسلت خبيرين إلى العراق، ووضعت المنظمة في ضوء الدراسات التي قاما بها مشروعاً لقانون الضمان الاجتماعي إلا انه لم تتهيأ الفرصة لإصداره حينذاك. وأخيرا شرع القانون رقم 140 وصدر في 10-10-1964 على أن ينفذ بعد سنة من نشره في الجريدة الرسمية أي في 10-10-1965 إلا إن نفاذه تأجل بعد ذلك إلى 1-4-1966.



ليس هناك شك في أن هذا القانون يعتبر أول خطوة حقيقة في ميدان التأمين الاجتماعي للعمال في العراق رغم انه كان ينطوي على الكثير من النواقص.



ب – نطاق السريان والمخاطر التي يغطيها القانون



جاء النص على تطبيق القانون تدريجيا وعلى مراحل من دون أن يحدد طبيعتها ومواعيد حلولها وإنما أحال ذلك إلى صدور نظام (نظام الخدمة المضمونة ) بتاريخ 28-شباط-1966.



أما من حيث المكان فقد نص على تطبيقه في مناطق وحرمان مناطق أخرى من شموله.



أما بالنسبة للمخاطر المضمونة فقد قسمها القانون إلى ثلاثة فروع:



1- المرض: يشمل المرض والولادة والوفاة.

2- التقاعد: يشمل العجز والشيخوخة والخلف.

3- إصابات العمل يشمل أيضا الأمراض المهنية.



أما بالنسبة للمشمولين فقد نص القانون على أن كل (مستخدم) يكون خاضعا للضمان الإلزامي بشرط اشتغاله في مشروع من مشاريع القطاع الخاص يتجاوز عدد عماله العشرين أو في دائرة أو مؤسسة رسمية أو شبه رسمية مدنية كانت أم عسكرية ومن دون تحديد للعدد بشرط أن لا يكون خاضعا لقوانين التقاعد للدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.



ولا يهم بعد هذا إذا كان العامل يشتغل في مشروع خاص أو عام أو مختلط أو صناعي أو تجاري أو كان عراقيا أو أجنبيا.



ولغرض احتساب الحد الأدنى اللازم لخضوع المشروع في القطاع الخاص للقانون في حالة توزع العمال على أكثر من محل واحد فان مجموع عددهم في مختلف محلات العمل هو المعول عليه.



ج: قانون رقم 112 لسنة 1969



سجّل صدور قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 112 لسنة 1969 تقدماً إذ جاءت أحكامه على نحو روعي فيها إنصاف العمال على اختلاف درجاتهم ومدد خدمتهم وظروفها.



ولكن يبدو أن هذا القانون قد وضُع على عجل وبطريقة أفقدت واضعيه الفرصة لتطوير شكل ومضمون الضمان الاجتماعي في العراق فاقتصرت مهمتهم على زيادة حقوق المضمونين من حيث الكم فقط. ولذلك فإن القانون لم يصمد طويلا في التطبيق.



د: قانون رقم 39 لسنة 1971



الغي القانون رقم 112 لسنة 1969 وصدر قانون جديد حقق تغييرا جذريا في نظام الضمان الاجتماعي في العراق وكان يحمل رقم 39 لسنة 1971. وجاء هذا القانون ليشكل نقلة نوعية في فن ومضمون الضمان الاجتماعي. ويمكن تحديد أهم الملامح الرئيسة للتغيير الذي أحدثه هذا القانون كما يلي:



1- التغيير في النظام

إن كلا من القانونين رقم 140 لسنة 1964 و 112 لسنة 1969 اعتمدا مبدأ تقسيم العمال إلى خمسة أصناف وقد تخلى القانون الجديد هذا التقسيم.



2-التغيير في الشمول والموضوع

أ‌- من حيث الشمول:جاء القانون الجديد مقررا مبدأ الشمول التام لجميع العمال بالضمان الاجتماعي على أن يتم هذا الشمول تدريجيا وضمن اجل زمني محدد.

ب‌- من حيث الموضوع: أصبح لأول مرة في العراق نظام حقيقي للضمان الاجتماعي في حالات المرض والولادة والخدمات.



3-التغيير في الجوهر والمحتوى

 في ظل هذا القانون الجديد لم يعد مقياس استحقاق التعويض أو المكافأة أو الراتب ما يكون قد أدخره العامل أثناء قدرته على العمل بل أصبح الأساس الجوهري الأول للاستحقاق هو وجود الحاجة الفعلية للحماية الاجتماعية.



هـ – نطاق سريان قانون رقم 39 لسنة 1971



1- من حيث المكان: لم يحدد بنص صريح إلا انه يمكن استنتاج ذلك على نحو غير مباشر من بعض نصوصه. ويستفاد من المادة (2) منه إن القانون يسري على جميع أرجاء العراق حيث لم يرد في القانون أي قيد يقيد إطلاق هذا النص، أي أن النطاق المكاني لسريان قانون الضمان الاجتماعي هو جميع أرجاء العراق دون أي استثناء.



2- من حيث الزمان والأشخاص:

– من حيث الزمان:

يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره واعتبارا من 1-4-1971 وعلى جميع العمال المشمولين بأحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 112 لسنة 1969 المعدل.
– من حيث الأشخاص:

تقرر بموجب قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل)المرقم 150 في 19-3-1987 أن يقتصر سريان أحكام قانون العمل على عمال القطاع الخاص والمختلط والتعاوني فقط مع ملاحظة حكم قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1634 في 20-12-1978 الذي قضى بتطبيق أحكام القانون على المشاريع التي تستخدم خمسة عمال فأكثر، مما يعني أن العمال الذين يعملون في مشاريع تستخدم اقل من هذا العدد لا زالوا غير مشمولين بأحكام القانون.



و: نطاق التغطية



المرض – العجز والشيخوخة – إصابات العمل



وما يهمنا هو ضمان إصابات العمل. إن الحماية في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 لا تقتصر على الإصابات التي تقع في محل العمل بل تمتد إلى الإصابات التي تقع في الطريق إلى العمل أو العودة منه كما تشمل الأمراض المهنية التي تعتبر بحكم إصابات العمل.



ثالثا: الاشتراكات في صندوق التقاعد والضمان



إن مصادر تمويل صندوق التقاعد وضمان العمال بموجب قانون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رقم 29 لسنة 1987 تتكون مما يلي:



1- الموجودات النقدية والعينية التي آلت من المؤسسة العامة للتقاعد والضمان الاجتماعي للعمال الملغاة.

2- مصادر تمويل دورية تتحدد أساسا بما يلي:

أ‌- الاشتراكات التي يلتزم بدفعها العمال وأصحاب العمل.

ب‌- حصة الصندوق من الأرباح وفقا لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1964 والبالغة 14% من الأرباح.

ت‌- عائد استثمار فائض أموال الصندوق.

ث‌- الغرامات القضائية التي تفرض على المخالفين لأحكام قانون الضمان والفوائد التأخيرية المترتبة على أصحاب العمل الذين يتأخرون عن تأدية الاشتراكات.



والاشتراك هو استقطاع نقدي إجباري يتحمله الممول يدفعه مساهمة منه في تمويل التأمينات الاجتماعية، وقد عرفته المادة الأولى من قانون الضمان الاجتماعي بأنه (المبلغ الواجب دفعه على الجهات التي يحددها القانون لقاء أي من الخدمات أو التعويضات أو المكافأة أو الرواتب التي تقدمها المؤسسة للشخص المضمون وفقا لأحكام هذا القانون). إن القانون لا يلزم العمال إلا بالمساهمة في تمويل التقاعد، في حين يلزم الإدارات وأصحاب العمل بتمويل ضمان جميع المخاطر المقررة في القانون.



واعتمد قانون رقم 39 لسنة 1971 أسلوب تحديد الاشتراك على أساس نسبة مئوية من الأجر حيث قضت المادة 27 منه بما يلي:



- يستقطع من العامل المضمون نسبة 5% من اجر العامل لقاء اشتراكه في المؤسسة.



- نسبة 12% من الأجور على جميع أصحاب العمل ما عدا الذين استثنوا من أحكام المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 101 لسنة 1964 المعدل.

رابعا: التعريف القانوني لإصابة العمل
هي الإصابة نتيجة حادث وقع للعامل أثناء تأدية العمل أو بسببه ويعتبر في حكم ذلك كل حادث يتم خلال فترة ذهابه لعمله أو عودته منه. أي المقصود بالإصابة هي ضرر جسماني ينشأ عن واقعة خارجية مباغته وعنيفة.


وتنقسم إصابات العمل إلى:


1- الإصابات المباشرة التي تحدث:

- في موقع العمل.

- خلال فترة ذهاب العامل من والى العمل.

- بسبب العمل لأية مهمة تناط للعامل من قبل صاحب العمل خارج أوقات العمل.



2- الأمراض المهنية التي يتعرض إليها العمال لمخاطر مهنية فيزيائية أو كيماوية أو حيوية.



3- الإصابات بسبب الإجهاد والإرهاق اللذان قد يصيبا العامل في حالة إناطته للقيام بمسؤوليات إضافية وساعات عمل إضافية.



وقد ينتج أو لا ينتج عن الإصابة ضرر والذي بدوره قد يؤدي أو لا يؤدي إلى عجز.



خامسا: شروط إصابات العمل



يشترط في الحادث الذي تنشأ عنه الإصابة أن يقع أثناء العمل فإذا لم يقع أثناء العمل فقد يكون العمل هو سبب وقوعه كما في أدناه.



1- وقوع الحادث أثناء العمل:

يعتبر الحادث قد وقع أثناء العمل إذا كان قد وقع أثناء الفترة المحددة للقيام بالعمل والقيام بالعمل وبالتالي يتحقق الوصف ولو انتفت السببية بين العمل والحادث. وفي حالة وقوع الإصابة أثناء العمل فإنها تعتبر إصابة عمل أيا كان السبب إذ قد يكون سببها قوة قاهرة ولا يرجع إلى ظروف العمل أو نتيجة اعتداء شخص ثالث ففي كل هذه الحالات تعتبر الإصابة إصابة عمل.



2- وقوع الحادث بسبب العمل:

يشترط لاعتبار الإصابة إصابة عمل أن تقع بسبب العمل. والمقصود بذلك الإصابة الناشئة عن الحوادث التي تربطها بالعمل رابطة سببية ولو أنها وقعت في غير مكان العمل أو زمانه. لذلك، يقتضي إثبات الارتباط بين العمل والحادث، أي إثبات أنه لولا العمل لما وقع الحادث. إذن لا يشترط أن يكون الحادث ناشئا عن العمل بالذات، أي عن مادية العمل لأنه في هذه الحالة يكون أساس التعويض مبنيا على مخاطر المهنة وهذا لا يتفق مع قصد المشرع.



سادسا :الإجراءات والتحقيق عند وقوع الإصابة



ألزم القانون أصحاب العمل بالتبليغ عن وقوع الإصابة حال وقوعها إلى كل من الشرطة وقسم تفتيش العمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.



ويترتب على أصحاب العمل الأتي:



1- على صاحب العمل المبادرة فورا للعناية بالعامل الذي يتعرض لإصابة عمل أثناء العمل أو بسببه.



2- تأمين إيصال العامل المصاب لأقرب مركز طبي تعتمده دائرة الضمان (عندما تستوجب ذلك).



3- الالتزام بدفع الأجر الكامل لليوم الذي وقعت فيه الإصابة للعامل المصاب وعن الأيام التي يتأخر فيها إيصاله إلى المركز الطبي المعتمد.



سابعا: التحقيق وتحديد المسؤولية



يقع على لجنة تفتيش العمل المختصة واجب التحقيق الفوري عن أسباب وقوع الإصابة وبيان ظروفها وجميع الملابسات التي رافقتها وإذا ظهر أن مسؤولية الإصابة تقع على العامل أو على صاحب العمل أو على جهة ثالثة بينت ذلك بوضوح في تقريرها.



إن تقرير التفتيش يعتبر مستندا رسميا يركن إليه في توجيه المسؤولية وتحديد المتسبب في حدوث الإصابة. ولذلك يقتضي في هذه الحالة أن يكون التقرير واضحا بحيث يحدد المسؤولية بشكل دقيق.



إن القانون النافذ لا يقر للعامل المصاب حق الخيار في الرجوع على المتسبب بالإصابة وإنما اكتفى برجوع دائرة الضمان على الغير المتسبب بالإصابة الذي يلزم بدفع التعويض الذي تقرره المحكمة وفقا للقواعد العامة في القانون المدني.



ثامنا: التزامات دائرة الضمان في حالة وقوع الإصابة



عندما تتوفر الشروط التي حددها القانون للإصابة تترتب للعامل المصاب حقوق تتناسب مع جسامة الإصابة ودرجة العجز الناشئ عنها.



1- تلتزم الدائرة برعاية ومعالجة العامل المصاب عند إخطارها بالحادث وحتى شفائه تماما أو وفاته.



2- يعتبر العامل من تاريخ إصابته وحتى شفائه أو ثبوت عجزه بحالة إجازة بدون اجر أي أن صاحب العمل لا يدفع أجرا إلى العامل المصاب إذ يستحق في هذه الحالة تعويض إجازة إصابة طوال فترة معالجته يساوي كامل أجره الذي دفعه عند الاشتراك الأخير.



3- المكافأة التعويضية: إذا نشأ عن الإصابة عجز يقل عن 35% من العجز الكامل يستحق العامل المصاب مكافأة تعويضية تمنح دفعة واحدة على أساس الرصيد الناجم عن نسبة عجزه الجزئي مضروبة بمبلغ إجمالي يساوي راتب تقاعد الإصابة بالكامل عن أربع سنوات.



4- الراتب التقاعدي عن العجز الجزئي: قد يؤدي حادث العمل إلى إصابة احد أعضاء جسم العامل بضرر بحيث يؤثر ذلك على قدرة العامل في العمل والكسب، وقد يكون عجزا جزئيا دائما. إن العجز يتقرر بعد شفاء العامل تماما.



5- الراتب التقاعدي عن العجز الكامل: إن العجز الكامل هو الذي تتحدد درجته بـ 100% وهو الذي يَحُول كلية وبصفة مستديمة بين العامل المضمون وبين مزاولته لأية مهنة أو عمل يكتسب منه. وفي هذه الحالة يستحق راتبا تقاعدياً عن العجز المذكور على أساس 80% من متوسط الأجر في سنة عمله الأخيرة أو خلال مدة عمله إن كانت اقل من سنة. أما في حالة الوفاة للعامل المتقاعد المصاب بعجز كامل فيحول راتبه إلى خلفه.



6- حالة وفاة العامل نتيجة إصابة العمل: يستحق راتب تقاعد الإصابة الكامل الذي يمثل 80%من متوسط اجر العامل المتوفي في سنة عمله الأخيرة أو خلال مدة عمله إن كانت اقل من سنة.



7- حالة تكرار الإصابة: إذا تكررت الإصابة للعامل الواحد تراعى القواعد التالية:



1- إذا كانت نسبة العجز في إصابته الأخيرة مضافة إلى نسبة عجزه السابقة لا تبلغ 35% من العجز الكامل يمنح مكافأة نقدية على أساس نسبة العجز في الإصابة الأخيرة مضروبة بمبلغ إجمالي يساوي راتب تقاعد الإصابة عن أربع سنوات.



2- إذا كانت نسبة العجز في إصابته الأخيرة مضافة إلى نسبة عجزه السابقة قد بلغت 35% من العجز الكامل فأكثر يمنح راتب تقاعد إصابة على أساس مجموع نسب العجز التي إصابته دون الرجوع عليه بما سبق ا نتقاضاه من مكافاءات تعويضية عن إصابته السابقة.



تاسعا: دور شركات التأمين



إن تأمين إصابات العمل في العراق لا يتم عن طريق شركات التأمين وإنما يطبق قانون الضمان الاجتماعي ومن خلال دائرة الضمان الاجتماعي. كما انه برأينا لا يوجد هناك دور لنقابات العمال وتنظيمات أرباب العمل في الاهتمام بالحماية التأمينية وتطويعها ضمن متطلبات القانون حيث لم المس ذلك.



إن دور شركات التأمين العراقية، في الوقت الحاضر، هو أنها تقوم بإصدار وثيقة تأمين من الحوادث الشخصية لمن يرغب من الشركات أو المصانع والمعامل. تغطي هذه الوثيقة الإصابات البدنية العرضية الناجمة فقط عن عوامل عنيفة وخارجية ومرئية تؤدي بمفردها ودون تدخل أي سبب أخر إلى الوفاة أو العطل الجزئي أو العطل الكلي الدائم المانع من مزاولة المصاب لعمله أو أي عمل أخر، وفقا لما يرد في جدول المنافع للوثيقة، لقاء قسط تأمين سنوي يحدد في جدول الوثيقة. وتتعهد شركة التامين بان تدفع للمؤمن عليهم أو للمستفيدين أو للورثة الشرعيين في حالة الوفاة المبلغ أو المبالغ المذكورة في الجدول شريطة أن تقع الإصابة خلال مدة التأمين المذكورة فيها.



ويدفع مبلغ أية منفعة بموجب وثيقة التأمين خلال شهر من تاريخ ثبوت الإصابة وما يترتب عليها بعد أن تكون الشركة قد اقتنعت بصحتها، وان مثل هذا المبلغ عند دفعه سيكون خاليا من أية فوائد تأخيرية قد يدعى بها.



إن هذا النوع من التأمين يلجأ إليه الكثير من الأشخاص لحماية أنفسهم من المخاطر التي تواجههم إلا أن الذي حد من فاعليته في تحقيق ألامان الاجتماعي انه لم يكن بمقدور كل الأفراد اللجوء إليه إذ إن الانتفاع منه رهين بتوفر القدرة المالية على دفع أقساط التأمين، وهذا ما لا يتاح لأكثر الناس حاجة إلى الأمان وهم الفقراء. فحماية المؤمن عليه ترتبط بقدر القسط الذي يؤديه للمؤمن لا بالمخاطر الاجتماعية التي يواجهها، وما ينشأ عنها من أضرار.



وقد كان هذا التأمين الأساس الفني الذي قام عليه نظام التأمين الاجتماعي مع حرص هذا الأخير على تجنب مساوئ الأول فجاء التأمين الاجتماعي إلزاميا لا يستهدف الربح ساعيا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، محققا مبدأ التضامن بأجلى صورة.


بغداد
آذار 2010


المراجع:

د. عدنان العابد، د. يوسف الياس، قانون الضمان الاجتماعي (بغداد، د.ن، د. ت، توزيع: المكتبة القانونية)

وثيقة التأمين من الحوادث الشخصية ( الجماعية ) المستخدمة من قبل شركات التأمين العراقية.