إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/04/22

Disaster and Recovery

الكوارث والانتعاش

جاك هيرشلايفر

هذه المقالة هي ترجمة بإذن خطي من ديفيد آر هندرسون، صاحب الحقوق، محرر الموسوعة الوجيزة للاقتصاد ، صندوق الحرية، 2008.

ترجمة مصباح كمال


تقديم

هذه الدراسة مكتوبة من موقف ليبرالي وقد آثرنا ترجمتها للعربية لأن لها بعض العلاقة بالحماية التأمينية وكذلك، بشمل غير مباشر، بالدمار متعدد الأوجه الذي حل بالعراق جراء سياسات النظام الدكتاتوري البائد وحروبه والغزو والاحتلال الأمريكي. تضم الدراسة أفكاراً مهمة بشأن الكوارث الطبيعية والبشرية من منظور اقتصادي وتأميني أيضاً.


الملاحظ أن رؤية كاتب الدراسة، رغم الإشارات التي يوردها بشأن التعاضد الاجتماعي عند وبعد وقوع الكوارث، تقوم على التقليل من دور الحكومات في مجابهة آثار الكوارث، والتأكيد على دور النشاط الفردي الخاص. فالكوارث من هذا المنظور تصبح سلعة قابلة للتسعير والتسويق من قبل شركات متخصصة يشير إلى إحداها بالاسم.

والكاتب بالطبع لا يستسيغ الاشتراكية ويستخدم تطبيقها السوفيتي كمثال للكوارث البشرية المدمرة.


ولو كان حياً في زماننا لربما أشار إلى الكساد المالي العظيم الذي أنتجه النظام الرأسمالي منذ آب 2007 ككارثة مالية (من مظاهرها إفلاس ما يقرب من 150 مصرف في الولايات المتحدة) كانت ستؤدي إلى عواقب وخيمة غير ما اختبرناه لولا تدخل الحكومات التي يحصر دورها بتحمل "مسؤولية صيانة وترميم البنية التحتية الاقتصادية - نظام القانون ونسق الانضباط، بالإضافة إلى وسائل النقل الأساسية والاتصالات."


هو لم يتحدث عن التوسع الاستعماري خارج المتروبولات الغربية من المنظور التاريخي البعيد المدى longue durée وما ترتب عليه من آثار اقتصادية سلبية كنمط من الكوارث البشرية التي ألحقت الدمار تاريخياً باقتصادات هذا العالم.


قد لا نختلف معه بشأن تقييمه لتطبيق الاشتراكية لكننا نود تقديم التعليق التالي. تقوم الاشتراكية، في نموذجها السوفيتي، على أساس اقتصاد مخطط مركزيا تسيطر فيه الدولة على جميع وسائل الإنتاج. وقد نشأت الاشتراكية، كفكرة ومشروع في أوروبا تاريخياً، كاستجابة للاختلال الاقتصادي والأخلاقي للرأسمالية. واقترنت تطبيقات الاشتراكية في القرن العشرين أيضاً بخلل اقتصادي وقسوة أخلاقية. ومع ذلك فإن فكرة ومثل الاشتراكية ما زالت قائمة كبديل للرأسمالية، ولكن ليس معروفاً إن كانت الاشتراكية، في شكل ما، ستعود في نهاية المطاف كقوة تنظيمية كبرى للشؤون الإنسانية. ولكن لا يمكن لأحد تقييم آفاقها بدقة دون الأخذ في الاعتبار دراما نشوء وانهيار الاشتراكية في التطبيق في زماننا.

مصباح كمال
________________________________________

الكوارث والانتعاش

جاك هيرشلايفر

انهزمت ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية وتعرضتا إلى القصف والدمار بالقنابل، ومع ذلك فقد شهدتا انتعاشاً بعد انتهاء الحرب أذهل العالم. ففي غضون عشر سنوات أصبحت هاتين الدولتين، مرة أخرى، قوتان اقتصاديتان كبيرتان. وبعد عقد من الزمان، استعاد كل منهما ليس فقط الازدهار ولكن تجاوزتا أيضا، من الناحية الاقتصادية، وفي نواح مهمة، بعض المنتصرين في الحرب.



شهدت العصور السابقة أيضاً السرعة المفاجئة للتعافي من الكوارث. فقد علق جون ستيوارت ميل [1806-1873]


إن ما يثير العجب غالباً السرعة الكبيرة التي تتعافى فيها البلدان من حالة الدمار، والاختفاء، في وقت قصير، لكل أثر للخسائر التي تحدثها الزلازل والفيضانات والأعاصير، وويلات الحرب. عدو يخرب بلداً بالنار والسيف، ويدمر أو ينهب تقريباً جميع الثروات المنقولة الموجودة فيها، ويلحق الأضرار بجميع السكان ولكن في غضون سنوات قليلة بعد ذلك يعود كل شيء كما كان عليه من قبل. (ميل 1896، الكتاب 1، الفصل 5، الفقرة I.5.19)



ومع ذلك، فإن الانتعاش الناجح هو بأي حال من الأحوال ليس أمراً عاماً. حضارة كريت القديمة ربما دمرها الزلزال أو لم يدمرها، وحضارة المايا دمرتها أو لم تدمرها الأمراض، ولكن في كلتا الحالتين فإن هاتين الحضارتين لم تشهدا انتعاشاً بعد الويلات التي لحقتهما. وأشهر مثال، بطبيعة الحال، هو العصور المظلمة التي تلت سقوط روما والتي استمرت لعدة قرون.



لقد قام علماء الاجتماع وعلماء النفس والمؤرخون ومخططي السياسات بدراسات مستفيضة لطبيعة ومصادر وعواقب الكوارث والانتعاش اللاحق، لكن الأدبيات الاقتصادية لم تولي الموضوع حقه من الاهتمام إلا بشكل متفرق وهو أمر مقلق. وكمثال واضح على ذلك المجلدات الأربعة السميكة لقاموس بالغريف الجديد: قاموس الاقتصاد The New Palgrave: A Dictionary of Economics (1987) التي أهملت هذه المواضيع تماما حتى أن عبارة "كارثة" و "انتعاش" لا تظهر في فهرس هذا العمل الموسوعي. وفوق ذلك، فإن الكوارث هي تجارب اقتصادية طبيعية، وهي موازية لاختبارات درجة الدمار التي يقوم بها المهندسون وعلماء الطبيعة لمعرفة قوة المواد والآلات. إن فهم السلوك تحت وطأة الظروف الشديدة التوتر تلقي الكثير من الضوء على الحياة الاقتصادية العادية.



السجل التاريخي



على الرغم من أن المآسي اليومية الصغيرة الحجم مثل حوادث السيارات والأمراض المعوقة وخيمة بما فيه الكفاية بالنسبة لأولئك الذين يتعرضون لها، فإن ما يعنينا هنا هو الأحداث الأكبر حجما. ومن المفيد أن نميز ابتداءً بين المصائب (متوسطة الحجم) التي تلحق بمجتمع محلي مثل الأعاصير والفيضانات أو الغارات الجوية، وبين الكوارث (كبيرة الحجم) التي تلحق المجتمع الأكبر كتلك المرتبطة بالمجاعة واسعة الانتشار والثورة الاجتماعية المدمرة، أو الهزيمة والقهر بعد حرب شاملة. ففي المجتمع المحلي فإن نسيج النظام الاجتماعي الأوسع يوفر شبكة أمان ضد المصائب، في حين أن وقوع الكوارث الواسعة النطاق التي تلحق بالمجتمع الأكبر تهدد النسيج الاجتماعي نفسه برمته. قد تؤدي المصائب في المجتمع المحلي إلى وقوع مئات أو آلاف القتلى، في حين أن الكوارث التي تصيب المجتمع الأكبر تؤدي إلى وقوع مئات الآلاف أو الملايين من القتلى. (كحالة خاصة، تعتبر حالات التضخم الجامح والكساد الاقتصادي الكبير أحداثاً تمتد آثارها على نطاق المجتمع الأكبر لا تؤدي مباشرة إلى خسائر بشرية كبيرة ومع ذلك فإن لها عواقب وخيمة).



تعتبر الكوارث متوسطة الحجم الني تصيب المجتمع المحلي أحداثاً متكررة نسبياً، مما يجعل التعميم التجريبي ممكناً. فقد لوحظ في مثل هذه الكوارث تكيّف الأفراد والمجتمعات المحلية مع آثارها. فالناجين من الضحايا ليسوا مغلوبين على أمرهم، فبعد وقت قصير جدا من الصدمة يبدؤون بمساعدة أنفسهم وبعضهم البعض. وفي الفترة التي تلي وقع الصدمة مباشرة يكون التماثل مع المجتمع قوياً، مُعززاً للجهود التعاونية والإيثارية الرامية إلى الإنقاذ والإغاثة والإصلاح. بعد زلزال سان فرانسيسكو عام 1989، على سبيل المثال، هُرع سكان حي فقير عفويا للمساعدة على إنقاذ سائقي السيارات المحاصرين بسبب انهيار طريق سريع. وبعد الزلزال الذي أصاب مدينة أنكورج [في ولاية ألاسكا] عام 1964 خفضت محلات السوبر ماركت المحلية أسعار المواد الضرورية في حين تعاون المستهلكون عموما مع هذا السلوك من خلال تقنين المشتريات.



من ناحية أخرى، هناك بعض الحالات الخطيرة للسلوك المعادي للمجتمع. ففي حين أن حسن النية والتعاون ساد في مدينة نيويورك خلال انقطاع التيار الكهربائي عام 1965، فإن انقطاع التيار الكهربائي ثانية في عام 1977 جلب معه العنف والنهب الكبير. تجارب سيئة مشابهة وقعت بعد إعصار هيوﮔو Hurricane Hugo الذي ضرب الجزر العذراء Virgin Islands عام 1989. ومع ذلك، وكما بيّن راسل دينز وتوماس درابيك Russel Dynes & Thomas Drabek، فإن السلوك الاجتماعي الإيجابي كان، تاريخيا، هو الغالب في مثل هذه الحالات. وفي حين أن الحالات المعاكسة ليست نادرة فإن لهذه الحالات عادة جذور واضحة إلى حدٍ ما – ومنها، على سبيل المثال، وجود شعور قوي سابق بالظلم لدى أعضاء المجتمع المحلي. وكتعميم أكثر موثوقية فإن الأزمات تُطلق دائما تقريبا تدفقاً للدعم من خارج المنطقة المنكوبة، وهي الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ "السلوك المتقارب “convergence behavior”." والمثير للدهشة في كثير من الأحيان، أن المجتمعات التي تسير صوب التعافي تتجاوز المعدلات السابقة للتقدم نظرا لظهور قادة جدد، وتعزز التماسك الاجتماعي، وإبطال العمل بالمواقف والقواعد التي عفا عليها الزمن.



وكمثال محدد، فإن الغارات بالقنابل على هامبورغ في تموز / يوليو وأغسطس 1943 كانت كوارث مكثفة للغاية أصابت المجتمع الأكبر. وكما يحدث عادة في مثل هذه الحالات، أثبت الناس أنهم اشد صلابة من الهياكل المادية. دمرت الغارات نحو 50 في المائة من المباني في المدينة، في حين أن الأربعين ألف شخص الذين قتلوا كانوا يشكلون أقل من 3 في المائة من السكان المعرضين للخطر. غادر المدينة حوالي نصف الناجين وعاد حوالي 300,000 منهم في فترة التعافي، في حين أن حوالي 500,000 تم إجلاؤهم بشكل دائم إلى مناطق أخرى في أنحاء ألمانيا. وأغلقت "المنطقة الميتة" “dead zone” من المدينة للتركيز على الإصلاحات في المناطق التي كانت أقل تعرضاً لأضرار بالغة. الكهرباء والغاز والخدمات البرقية أصبحت كلها كافية في غضون بضعة أيام بعد انتهاء الهجمات. وظلت إمدادات المياه مشكلة صعبة واستخدمت الشاحنات الصهريجية لتوفير المياه. نظام النقل تعافى جزئيا فقط بسبب الأضرار الجسيمة وحركة المرور الكثيفة، ولكن خدمات الخطوط الرئيسية للسكك الحديدية استؤنفت في غضون أيام قليلة. في اليوم السابع أعيد فتح البنك المركزي لهامبورغ وبدأ نشاط الأعمال يجري بشكل طبيعي. هامبورغ لم تكن مدينة ميتة ففي غضون بضعة أشهر، حسبما ذكرت الهيئة الأمريكية لمسح القصف الاستراتيجي US Strategic Bombing Survey، استعادت المدينة 80 في المائة من طاقتها الإنتاجية السابقة.



لننظر الآن إلى كارثة واسعة النطاق حقاً: المحاولة البلشفية لفرض "شيوعية الحرب" “War Communism في روسيا بدءً من 1917 حتي 1921، بالاستغناء عن الأسواق وحتى استخدام النقود. لقد كان الاقتصاد الروسي يسير نحو الانحدار الشديد خلال الحرب الأهلية السابقة [؟] فقد انخفض الإنتاج الصناعي إلى 20 في المائة فقط من مستوى ما قبل الحرب، وتقلصت المساحة المزروعة في القطاع الزراعي إلى نحو 70 في المائة. وبعد الانتصار النهائي الأحمر فإن الاقتصاد، بدلا من أن يتعافى، دخل في دوامة الانحدار الكلي. وبهذا الصدد يستشهد الكسندر بايكوف بلينين:



على الجبهة الاقتصادية، وفي محاولتنا للتحول نحو الشيوعية، عانينا، مع حلول ربيع عام 1921، هزيمة أكثر خطورة من أي وقت سابق لحقت بنا من قبل كولجاك و دينيكين و بيلسودسكي Kolchak ، Denikin ، Pilsudsky. الاستيلاء الإلزامي في القرى والنهج الشيوعي تجاه مشاكل إعادة الإعمار في المدن - هذه هي السياسة التي ... أثبتت أنها السبب الرئيسي لأزمة اقتصادية وسياسية عميقة. (Baykov 1947 ، ص 48)



يبدو التفسير أنه، في البداية، كان البلاشفة قد أسسوا السيطرة المباشرة فقط على "الصروح الشامخة" للصناعة (أي السيطرة على عدد صغير نسبيا من المصانع الكبيرة الموجودة أساسا في المدن الكبرى). خارج هذا القطاع، حافظت طائفة متنوعة من المشروعات الخاصة والتعاونية على استمرار سير الصناعة والتجارة في حددوها الأدنى على الأقل. لقد سمح الانتصار العسكري للشيوعيين توجيه انتباههم إلى تصفية هذه المشروعات المتبقية. إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الرأسماليين الصغار الذين بقوا على أمل هزيمة السوفيت رحلوا في النهاية وتخلوا عن أعمالهم ومشاريعهم. وهكذا نرى قيام مفارقة الانهيار الاقتصادي بعد الانتصار السياسي والعسكري.



التحول في منتصف عام 1921 إلى السياسة الاقتصادية الجديدة New Economic Policy (NEP) (النيب)، واستعادة التبادل النقدي، وتوسيع المجال أمام المشاريع الخاصة، أدى على الفور تقريبا إلى انتعاش كبير. إن هذا الانتعاش نفسه، بوصفه سمة ملحوظة، والذي خلق طلباً على العملة كوسيلة للتبادل، سمح للسوفيت استخدام المطابع للحصول على الموارد من خلال التضخم الواسع من معروض كتلة النقود. لقد وفرت السياسة الاقتصادية الجديدة للاقتصاد فرصة لالتقاط الأنفاس قبل الشروع في الخطط الخمسية الستالينية، والدفع نحو العمل الجماعي والتصنيع.



العوامل المساعدة والمعوقة للانتعاش



أحد العوامل المواتية للإنعاش هو التحول الحتمي للطلب من الحاجات الأقل ضرورة، الذي يحرر الموارد للإنقاذ العاجل والإصلاح وإعادة التأهيل. وفي جانب العرض، تتدفق الموارد المستوردة (الهدايا، وعائدات التأمين، والقروض التجارية، وغيرها) من مناطق الدعم الخارجي إلى المناطق المتضررة. والأكثر أهمية، وخاصة في المدى الطويل، هو احتياطي الطاقة الإنتاجية. فالعمال يعملون لساعات أطول، والأطفال يتركون المدرسة، ويعود كبار السن المتقاعدين إلى العمل. كما يمكن تشغيل المكائن وهياكل الإنتاج بطاقتها القصوى. وكذلك إحلال البدائل، مثل الخيام بدلاً من المنازل، أو الشاحنات بدلاً من الحافلات والقطارات – والتي تساهم في التوسع في توفير الضروريات. وأخيرا، يمكن الاسترخاء في تطبيق الضوابط الرقابية التي تخنق التجارة والصناعة أو تعليق هذه الضوابط. كما يمكن وضع الأنشطة الضارة اجتماعيا، مثل الجريمة والتقاضي الطفيلي، تحت سيطرة أكثر صرامة.



بالنسبة للكوارث متوسطة الحجم فإن المشاكل الرئيسية تكنولوجية وتوزيعية (على سبيل المثال، ندرة الموارد المحلية أو توفر تعويض عادل). ولكن بالنسبة للمصائب واسعة النطاق فإن بقاء النظام الاجتماعي نفسه هو الذي يكون على المحك. إن انتشار المجاعات والأوبئة والثورات الاجتماعية المدمرة، والحروب المدمرة، وحتى الكساد التجاري الحاد وحالات التضخم النقدي الجامح جميعها تهدد شبكة الترتيبات التي تدعم التقسيم المحكم للعمل الذي تعتمد عليه الاقتصادات الحديثة.



تاريخيا، فإن الجانب الأكثر انكشافاً لآثار الكوارث على هذا التقسيم للعمل كان تبادل المواد الغذائية والسلع المصنعة، من خلال النقود، بين المناطق الريفية والحضرية. بالمقابل، فإن العلامة الأكثر وضوحا على الانهيار [عقب الكوارث] هي حركة السكان من المدن إلى الريف، كما حصل بوضوح في العصور القديمة من إفراغ المدن من سكانها مع تدهور الإمبراطورية الرومانية. وفي العصور الحديثة انخفض سكان موسكو وبطرسبورغ بنسبة تزيد على 50 في المائة بين عامي 1917 و 1920، أثناء الحرب الأهلية الروسية. وبالمثل، ولكن ليس إلى ما يقرب من ذلك بدرجة كبيرة، انخفض عدد السكان في المناطق الحضرية الألمانية واليابانية على حد سواء انخفاضا كبيرا في نهاية وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية. وحتى في الولايات المتحدة، فقد شهدت فترة الكساد 1929-1935 توقفاً، وإلى حد ما تغيراً في الاتجاه على المدى البعيد نحو التحضر.



كان السبب وراء انهيار التبادل النقدي في ظل شيوعية الحرب الروسية يكمن في قرار مؤدلج لمحاولة تحطيم نظام الحوافز الخاصة التي سبق لها أن عملت لتغذية المدن [من قبل الريف]. وبالنسبة لليابان وألمانيا، فقد كانت هناك عملية مختلفة نوعا ما "تضخم مقموع"، كما كان يحدث غالبا في وقت سابق، وعلى سبيل المثال خلال الثورة الفرنسية والكونفدرالية الجنوبية خلال الحرب الأهلية الأمريكية.



وتبدأ عملية التدهور مع وطأة الضغوطات العسكرية أو الاقتصادية، كالخسائر الإقليمية، وتعطل وسائل النقل، أو تدابير تمويل الحرب التضخمية، التي تستتبع معها بالضرورة ندرة في المواد الغذائية. والخطوة الحاسمة الخادعة إزاء ذلك هو اللجوء إلى وضع سقف أعلى لأسعار المواد الغذائية، وذلك بهدف توزيع"الحصص بعدل" أو ببساطة كبح الاضطرابات في المناطق الحضرية. ولكن النتيجة هي أن المزارعين يعملون على الحد من إرسال المواد الغذائية إلى المدن. في ظل هذه الأوضاع تظهر آليات غير رسمية للتوزيع: الأسواق السوداء، والمقايضة، والرحلات المضنية (رحلات يومية مضنية لسكان المدن إلى الريف)، وكلها تنطوي على خسائر ناجمة عن ارتفاع تكاليف المعاملات transaction costs. ومع بدء فقد المدن لسكانها ينخفض الإنتاج الصناعي. في غضون ذلك قد تحاول الحكومة مصادرة المحاصيل الزراعية باستخدام القوة العسكرية. وهذا يهدد بالتسبب في انهيار عام لإنتاج الغذاء. عند هذه النقطة، إن لم يكن قبلها وكما يشهد التاريخ، تتنازل الحكومات عن سياستها. على سبيل المثال، عندما وقعت الحكومة البلشفية تحت الضغط لجأت إلى إدخال السياسة الاقتصادية الجديدة. في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ولحسن الحظ، فإن دوامة الانحدار لم تتقدم بما يكفي نحو القاع قبل قيام ايرهارد Erhard (انظر المعجزة الاقتصادية الألمانية) وإصلاحات دوج Dodge [Joseph Morell Dodge] باستعادة سير العمل بنظام الأسعار.



قضايا السياسات العامة: دور الحكومة



هناك اتفاق واسع النطاق على أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولية صيانة وترميم البنية التحتية الاقتصادية - نظام القانون ونسق الانضباط، بالإضافة إلى وسائل النقل الأساسية والاتصالات.



وبالنسبة للكوارث متوسطة الحجم التي تلحق بمجتمع محلي، فإن السؤال الرئيسي لخطة العمل هو مدى الأنشطة الإضافية التي يتعين على الحكومة القيام بها، سواء في مرحلة التخطيط أو مرحلة التعافي، والتي قد تعرقل أو تحل محل جهود القطاع الخاص. فالمنح أو القروض المدعومة تعمل على تخريب البواعث للحماية الذاتية لدى القطاع الخاص. على سبيل المثال، فإن التأمين على الفيضانات المدعم من الحكومة يدفع نحو الإفراط في البناء في المناطق المعرضة للفيضانات. وبالمثل، فإن بعض أشكال الإغاثة الحكومية يعيق تعافي النشاطات التجارية العادية. فالتوزيع المجاني للأغذية، على سبيل المثال، قد يؤدي إلى إبطاء استعادة قنوات التسويق العادية. وهناك أمر آخر، وهو أيضا قابل للمناقشة، وهو إلى أي مدى يجب على الحكومة تقديم حوافز إضافية للاستعداد لمواجهة الكوارث فضلا عن توفيرها، كراعية، شبكة أمان بالنسبة لأولئك الذين كانوا في وضع يسمح لهم بالتصرف الخاص لكنهم فشلوا في القيام بذلك [بسبب خطط الحكومة]. وكما استعرض جورج هورج Horwich George، على الرغم من أن الحكومة خلقت المثبطات للتصرف الخاص، فقد ظهرت إلى حيز الوجود شركات تجارية لمجابهة الكوارث (على سبيل المثال، شركة Disaster Masters في مدينة نيويورك) جنبا إلى جنب مع إصدار نشرة خاصة بهذا النشاط تحت عنوان المجلة الشهرية للمخاطر Hazard Monthly.



عندما يتعلق الأمر بالكوارث كبيرة الحجم التي تطال المجتمع الأكبر، على أي حال، فإن أطراف القطاع الخاص بالكاد تستطيع أن تحمي نفسها ما خلا اللجوء ربما إلى الهجرة. وتشير التجربة التاريخية إلى أن التعافي والانتعاش يتوقف على قدرة الحكومة على صون أو استعادة حقوق الملكية جنبا إلى جنب مع نظام السوق الذي يدعم التقسيم الاقتصادي للعمل.



مع تبني نظرة أكثر اتساعا، يمكن اعتبار موضوع الكوارث والتعافي منها كحالة خاصة ضمن المشكلة العامة للتنمية الاقتصادية. وكما برهنت الأحداث في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين بقوة، فإن الاشتراكية عرّضت دول أوروبا الشرقية لعقود من الكوارث الاقتصادية. بعضها، مثل بولندا واستونيا وجمهورية التشيك، بدأت تتعافى بشكل جيد من هذه الكوارث، والبعض الآخر، مثل أوكرانيا، ما زالت تناضل.



جاك هيرشلايفير (1925-2005) كان أستاذاً للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، حتى وفاته.



Jack Hirshleifer, Disaster and Recovery, The Concise Encyclopaedia of Economics, Liberty Fund Inc, 2008.



This article is translated, with permission, from David R. Henderson, ed., The Concise Encyclopedia of Economics, Liberty Fund, 2008.





مراجع إضافية للمزيد من الإطلاع

[هذه المراجع من وضع كاتب المقالة-المترجم]

Anderson, J. L., and Eric L. Jones. “Natural Disasters and the Historical Response.” Australian Economic History Review 28 (1988): 3–20.


Baykov, Alexander. The Development of the Soviet Economic System. New York: Macmillan, 1947.


Dacy, Douglas C., and Howard Kunreuther. The Economics of Natural Disasters. New York: Free Press, 1969.


Douty, Christopher M. The Economics of Localized Disasters. New York: Arno Press, 1977.


Drabek, Thomas E. Human System Responses to Disaster. New York: Springer-Verlag, 1986.


Dynes, Russell R. Organized Behavior in Disasters. Lexington, Mass: Heath Lexington Books, 1970.


Fritz, Charles E. “Disaster.” In R. K. Merton and R. A. Nisbet, eds., Contemporary Social Problems. New York: Harcourt, Brace, Jovanovich, 1961.


Hirshleifer, Jack. Economic Behaviour in Adversity. Chicago: University of Chicago Press, 1987.


Horwich, George. “Disasters and Market Response.” Cato Journal 9 (1990): 531–555.


Iklé, Fred Charles. The Social Impact of Bomb Destruction. Norman: University of Oklahoma Press, 1958.


Mill, John Stuart. Principles of Political Economy. New York: D. Appleton, 1896. Available online at: http://www.econlib.org/library/Mill/mlP.html


Prince, Samuel Henry. Catastrophe and Social Change. New York: Columbia University Press, 1920.


Sorokin, Pitirim A. Man and Society in Calamity. New York: Dutton, 1942.



Copyright ©2008
Liberty Fund, Inc.
All Rights Reserved

2010/04/11

مدخل لدراسة

شرط الاختراق، شرط الحجز، وشرط تحويل المنافع

في ظل القوانين العراقية



المحامي منذر عباس الأسود



تقديم

ترجع خلفية هذه الورقة إلى استفسار تقدمتُ به إلى الزميل المحامي منذر عباس الأسود. وعلى إثر ذلك تبادلنا الرسائل، أدرجها أدناه بعد حذف الألقاب وعبارات المجاملة، للتوصل إلى مزيد من التوضيح. لكن المادة الأساسية في الورقة هي التي تحمل عنوان "شرط الاختراق، شرط الحجز، شرط تحويل المنافع" الذي كتبها الزميل الأسود.
كلانا نطمح أن يساهم زملاء آخرون بالبحث والمناقشة في الموضوع لأنه، في تقديرنا، سيكون، مع تعاظم عدد المشاريع التي تنفذها الشركات الأجنبية في العراق، من ضمن المطالب التي ستتقدم بها هذه الشركات وكذلك ممولو المشاريع ومستشاريهم القانونيين لشركات التأمين العراقية للنظر في إدراج هذه الشروط أو إحداها في عقد التأمين وإعادة التأمين – حسب مقتضى الحال. ولنا تجربة بهذا المجال في دول أخرى لكن الأمانة المهنية تحول دون الإفصاح عنها.
مصباح كمال

لندن نيسان 2010
________________________________________

رسالة مصباح كمال إلى منذر الأسود - 12 آذار 2010

لي سؤال أود أن أقرأ رأيك بشأنه. يرد في المادة 362 من القانون المدني العراقي ما يلي:
"مادة 362
يجوز للدائن أن يُحّول إلى غيره ما له من حق على مَدينه إلا إذا حال دون ذلك نص في القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام، وتتم الحوالة دون حالة [حاجة؟] إلى رضاء المحال عليه."
أعرف أن حوالة الحق subrogation‏‏‏ بموجب وثائق التأمين على الممتلكات تخضع لمثل هذا القيد القانوني. لكنني لا أعرف إن كانت هناك نصوص قانونية مغايرة لما ورد في نص هذه المادة.
خلفية هذا السؤال نابعة من قيام شركة أجنبية (مؤمن لها) اعتماد ما يعرف باسم شرط الاختراق ((Cut Through Clause‏‏‏ في عقود التأمين التي تبرمها. وفي ظني أن إدخال هذا الشرط في وثيقة التأمين ليس قانونياً باستثناء ما ورد في الأمر رقم 10 قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005

"المادة-71
أولاً- لا يجوز الاعتراض على تفعيل شرط الاختراق من قبل المؤمن له أو المستفيد من وثيقة التأمين.

ثانياً- يقصد بشرط الاختراق لأغراض هذه المادة الشرط الذي تتضمنه عقود إعادة التأمين بأن تنهض مسؤولية معيد التأمين عن حصته من الخسارة المعاد تأمينها لديه في حالة تصفية المؤمن أمام المؤمن له وليس المصفي، فتنشأ علاقة مباشرة بين المؤمن له أو المستفيد من وثيقة التأمين ومعيد التأمين، بخلاف الأصل في القاعدة العامة الذي تنصرف فيه العلاقة بين المؤمن ومعيد التأمين."
وشرط اللجوء إلى تفعيل شرط الاختراق هذا مقيد بحالة واحدة وهي تصفية شركة التأمين.
وتعرف بأن شركات التأمين وكذلك معيدو التأمين المحترفين يترددون كثيراً بقبول شرط الاختراق في صيغة مطلقة ما لم يكن مسموحاً به قانونياً. وفي ظل هذا الوضع وبغية تحقيق المراد من التحويل القانوني لمنفعة وثيقة التأمين من شركة التأمين إلى المؤمن له، أو من المؤمن له إلى المؤسسة الممولة للمشروع، فإن المؤمن له وشركة التأمين ومعيد التأمين يميلون إلى صياغة اتفاق ((Assignment Agreement‏‏‏ لتحويل منفعة وثيقة إعادة التأمين لصالح المؤمن له في حالات إعسار شركة التأمين أو تصفيتها (كما يرد في قانون تنظيم أعمال التأمين) أو في حالة وجود قرض حيث يرغب الدائن (lender‏‏‏) ممارسة رقابة وسيطرة على منافع وثيقة التأمين (كالأموال المترتبة على تسوية المطالبات وحرص الدائن على ضمان صرف هذه الأموال على تصليح الأضرار). وهذا الاتفاق يقضي بتحويل (assignment‏‏‏) المنفعة من شركة التأمين أو المؤمن له مباشرة إلى الدائن. ومن تجربتي فإن ممارسة حق التحويل من قبل الدائن أو الطرف الممول للمشروع عادة ما يكون مقيداً كأن يمارس هذا الطرف حق التحويل بالنسبة لمبالغ التعويض التي تتجاوز حداً معيناً (تعرف أن مؤسسات التمويل تخشى من سوء استخدام مبالغ التعويض لأغراض لا علاقة لها بتصليح ضرر، أي أنها معنية بالحد من الخطر المعنوي).
وسؤالي هو مدى صلاحية اتفاقات تحويل المنافع بموجب القوانين العراقية رغم أنني ميال إلى القول بأن مثل هذه الاتفاقات مقبولة ضمن هذه القوانين. لكنني أشك في موقفي لأنني لا أتوفر على نصوص جميع القوانين ذات العلاقة.
سأكون شاكراً لو تفضلت بتقديم جواب على سؤالي.
________________________________________
جواب منذر الأسود - 15 آذار 2010

بالإشارة إلى رسالتكم في 12-3-2010 حول طلبكم منا إبداء الرأي بخصوص شرط الاختراق ومدى صلاحيات اتفاقات تحويل المنافع بموجب القوانين العراقية – وبصراحة إن الدخول في مثل هذا الموضوع سيأخذنا إلى شرح شرط الحلول وحوالة الحق وقد يتسع إلى أمور كثيرة. لذا أحببت أن ابدي رأينا بصورة موجزة:
-إن أحكام وثائق التأمين تكاد تتفق لدى جميع شركات التأمين، وعلى فرض الاختلاف بينها فإنه يكون ثانويا. والسبب في ذلك أن أسواق التأمين الرئيسية التي تقبل إعادة تأمين العقود المبرمة من قبل شركات التأمين المباشرين هي التي تفرض بشكل مباشر وضع بنود وثائق التأمين لأنها ستتحمل نتائج الأخطار التي تقبلها باعتبارها معيدة لها.
وهكذا تبدو وثائق التأمين في الوطن العربي متماثلة لأنها مستوحاة بشكل غير مباشر من أسواق إعادة التأمين وخاصة سوق التأمين الانكليزي.
وكما هو معروف فإن وثائق التأمين مهيأة ابتداء من قبل شركات التأمين ولا يملك المؤمن له المناقشة في بنودها إذ أنها عقود إذعان فليس أمام المؤمن له إلا أن يذعن لما ورد فيها أو لا يتعاقد.
وهذا ما يتطابق مع أحكام المادة 167/1 من القانون المدني العراقي التي نصت ( القبول في عقود الإذعان ينحصر في مجرد التسليم بمشروع عقد ذي نظام مقرر بصفة الموجب ولا يقبل فيه مناقشة ).
أي أن من المعروف إن إعادة التأمين يختلف عن التـأمين المباشر من حيث أنها لا تنشئ أي علاقة بين معيد التأمين والمؤمن له بل يظل المؤمن له خارج نطاق عقد الإعادة بينما في التأمين المباشر تكون شركة التأمين هي المسؤولة مباشرة في مواجهة المؤمن له إذ أن عقد إعادة التأمين عقد متميز عن عقد التأمين الأصلي، والمؤمن له في عقد التامين الأصلي أجنبي عن عقد الإعادة، والخصومة منتفية من الناحية القانونية بينه وبين معيد التأمين ولا تربطه علاقة إلا بالمؤمن المباشر الذي ابرم عقد التأمين الأصلي.
لذا فإن عقد إعادة التأمين لا يعتبر، بخلاف عقد التأمين، من عقود الإذعان إذ إن طرفيه في مركز واحد من القوة ويتمكنان من مناقشة شروط وبنود العقد بحرية.
إن عقد حوالة الحق يتم بمجرد توافق إرادي بين المحيل والمحال له وحدهما ولا شأن برضاء المدين، وإذا تم العقد انقطعت العلاقة بين الدائن الأصلي والمدين وأصبح الدائن الجديد هو الدائن له مباشرة. وهذا يعني إخضاع شرط الحلول لأحكام المواد 362-364 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته.
واعتماداً على هذه الأحكام يجوز للدائن أن يحول إلى غيره ما له من حق على مدينه دون حاجة إلى إستحصال موافقة المدين ويقوم الشخص الثالث الذي نقل إليه الدين مقام الدائن بكل ما يتعلق بذلك الدين اعتبارا من تاريخ نقله إلا إذا حال دون ذلك نص في القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام. وكما اشرنا تتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المحال عليه وهذا ما نصت عليه أحكام المادة 362 من القانون المدني العراقي. ومن هنا يتضح أن شرط الحلول يتفق مع حوالة الحق في جوانب ويختلف عنها في جوانب أخرى.
عليه فان شركات إعادة التأمين، وخاصة في حالة الأخطار الكبيرة، تلجأ بعد الاتفاق مع شركات التأمين عند إبرام عقد إعادة التأمين إلى تفعيل شرط الاختراق، ولشركات التامين أن ترفض أو تقبل. لكن شركات التامين في العراق ملزمة بتطبيق المادة 71 من الأمر رقم 10 قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي تنص "أولا - لا يجوز الاعتراض على تفعيل شرط الاختراق من المؤمن له أو المستفيد من وثيقة التأمين."
وقد فسرت الفقرة ثانيا من نفس المادة شرط الاختراق بأنه "الشرط الذي تتضمنه عقود إعادة التأمين بأن تنهض مسؤولية معيد التأمين عن حصته من الخسارة المعاد تأمينها لديه في حالة تصفية المؤمن أمام المؤمن له وليس المصفي، فتنشأ علاقة مباشرة بين المؤمن له أو المستفيد من وثيقة التأمين ومعيد التامين، بخلاف الأصل في القاعدة العامة الذي تنصرف فيه العلاقة بين المؤمن ومعيد التامين."
ولو رجعنا إلى النص الأصلي لشرط الاختراق:
"The cut-through clause is a provision in a reinsurance agreement which clarifies, should the primary insurer becomes insolvent, the reinsurer is still liable for its stated share of the loss but that payment will be made directly to the insured and not to the insurer as is normally done."

فإنه يشير إلى وجود حكم في اتفاق إعادة التأمين حيث انه في حالة الإعسار لا يزال معيد التأمين مسؤولا عن حصته المعلنة للخسارة ولكن أن يتم الدفع مباشرة للمؤمن له وليس لشركة التأمين كما هو متبع عادة.
والخلاصة: انه لا يتعارض هذا الشرط مع القانون العراقي، وهذه الاتفاقات مقبولة ومسموح به قانونا وتتلاءم مع أحكام المادة 362 من القانون المدني العراقي التي اشرنا إليها وان الشرط – شرط الاختراق – أصبح ملزما لشركات التأمين بتطبيقه بموجب المادة 71 من أمر رقم 10 لسنة 2005

هذا هو رأينا واجتهادنا.
________________________________________

رسالة مصباح كمال إلى منذر الأسود - 18 آذار 2010

أعتذر عن تأخير الإجابة وأشكرك على الرأي الذي ضمنته في رسالتك، وهو رأي يحصر موضوع تحويل منافع وثيقة التأمين assignment‏‏ في شرط الحلول subrogation‏‏.
حق شركة التأمين بالحلول محل المؤمن، تجاه مسبب الضرر، يتأسس على التزام شركة التأمين لتعويض المؤمن له عن الأضرار التي تلحق به. وأرى أن حق التحويل ربما يكون أوسع من مجرد الرجوع على مسبب الضرر لاستحصال التعويض منه أو مساهمة منه في التعويض.
وللفائدة أود أن أضيف بأن هناك ما يشبه المفهوم المشترك بين تحويل المنافع، وشرط الحلول وحق الحجز lien‏‏. وهذا الأخير، وكما تعرف، هو حق الدائن في ممتلكات المَدين. وهذا الحق يجيز للدائن أن يحجز هذه الممتلكات إلى أن يسدد مَدينه الدين، أو إلى أن ينجز المَدين عملاً ما أو يفي بالتزام معين. ويمكن أن يتخذ الحق شكلاً تعاقدياً (اتفاق بين طرفين) أو قانونياً (منصوصاً عليه في القانون).
أعرف بأن العرض والتحليل ضمن معطيات القانون العراقي يستغرق وقتاً وجهداً مما لا أريد تحميلك به. وقد تتفق معي أن الموضوع يستحق الاهتمام مع احتمال الدخول القوي للشركات الصناعية الأجنبية للعراق والمؤسسات التمويلية العالمية وقيام فرص لإدخال شرط الاختراق أو شرط الحجز أو شرط تحويل المنافع في وثائق التأمين وعقود إعادة التأمين الاختياري. مثل هذا التطور يستوجب الرصد وضمان الالتزام بالقواعد القانونية وعدم قبول الضغط التجاري على شركات التأمين العراقية.
أشكرك ثانية على اهتمامك.
________________________________________

جواب منذر الأسود - 2 نيسان 2010

تسلمت رسالتكم الأخيرة في 18-3-2010.

أود إعلامكم أن موضوع‎ المفهوم المشترك بين تحويل المنافع وشرط الحلول وحق الحجز، كما أعلمتكم في إجابتي لكم في 15-3-2010، بخصوص شرط الاختراق يتطلب الدخول بشرح شرط الحلول وشرط الحق والوفاء ومبدأ التعويض وغيره. وقد يستغرق ذلك وقتا طويلا ويتطلب كتابة بحث طويل حول الموضوع ولكني سأقوم‎ بشرح موجز لتلك الأمور.
إن ما نكتبه يكون له دور فعال في رفع مستوى الوعي بدور القانون وممارسة التأمين‎. وكما تقول أنتَ "لعله يساعد أيضا في الكشف عن ضحالة المعرفة التأمينية لدى بعض‎ العاملين والاهم من ذلك خلق الحافز لديهم لتطوير معرفتهم" وكذلك كما أشرتم برسالتكم في 19-3-2020 "يبدو أن هذا‎ الموضوع لا يشغل بالهم وبال غيرهم من أركان التامين في العراق‎ ونظل نأمل!".
هذا وان الرصد وضمان الالتزام بالقواعد القانونية وعدم قبول الضغط التجاري على شركات التأمين العراقية يقع على عاتق مسؤولي شركات التامين العراقية وجمعية التامين. وآمل أن أكون قد وفقت لما تصبو إليه.
________________________________________
شرط الاختراق، شرط الحجز، شرط تحويل المنافع

المحامي منذر الأسود

أولا: يجب أن نتعرف على مبدأ التعويض في التامين

من المعروف أن مبدأ التأمين في التعويض يقتضي تعويض المؤمن له عما يلحقه من ضرر نتيجة تحقق الخطر المؤمن منه بحيث يعاد المركز المالي للمؤمن له إلى الوضع الذي كان عليه قبل تحقق الخطر، فلا يجوز أن يتجاوز التعويض قيمة الضرر الذي يحيق بالمؤمن له.



ومن المعروف أيضاً أن التعويض الحقيقي إنما يجري تقديره على أساس الخسارة الحاصلة نتيجة الخطر المؤمن ضده، وان المؤمن ملزم بتعويض المستفيد عن قيمة الضرر الذي أصابه فعلا والناشئ من وقوع الخطر المؤمن ضده. والعبرة في ذلك هو ضمان إعادة المؤمن له إلى وضعه الذي كان عليه قبل تحقق الخطر منه، على أن لا يتجاوز التعويض قيمة التأمين حيث أن المبلغ التأميني المتفق عليه ابتداء هو الحد الأعلى لالتزام المؤمن بالتعويض.



إن سبب التزام المؤمن بتعويض المؤمن لا يتأسس على فعل الغير ولكن بسبب عقد التأمين حيث أنه ليس هناك أية علاقات قانونية أو عقدية بين المؤمن والغير المتسبب في الخسارة تصلح أن تكون أساسا لدعوى قضائية. ولكن، مع ذلك، لا يجوز لهذا الغير أن يتفادى مسؤوليته عن الخسارة التي لحقت بالمؤمن له لان شخصا أخر قد دفع التعويض عنها.



ولهذا حرص المشرع العراقي عند تنظيمه لعقد التأمين على إبراز الخصيصة التعويضية لهذا العقد. فنص في المادة الأولى من قانون (السيكورتاه) العثماني الصادر في 19 أغسطس سنة 1321 م على أن التامين هو تعهدٌ بالتعويض. ثم أوضح إرادته هذه في المادة 989 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 بتحديد التزام المؤمن: "يلتزم المؤمن بتعويض المستفيد عن الضرر الناشئ من وقوع الخطر المؤمن ضده على أن لا يجاوز ذلك قيمة التامين." ولهذا حرصت شركات التامين في العراق على إيراد نصوص في وثائقها تحدد التزامها بتعويض المؤمن له عما يلحقه من ضرر في حدود مبلغ التأمين.



أساس مبدأ التعويض

يستند مبدأ التعويض إلى أساسين مهمين هما:



1- الخشية من تعمد إحداث الخطر

ويخشى تعمد إحداث الخطر لان معظم الأخطار المؤمن منها يمكن أن تقع بإرادة الإنسان فيحتمل أن يعمل المؤمن له على إحداث وقوع الخطر إذا كانت له مصلحة في تحققه. لهذا فلا يجوز أن يتفق المؤمن له على تقاضي مبلغ يزيد عن قيمة الشيء عند تحقق الخطر. لذا اعتبرت الصفة التعويضية من النظام العام ومنع الاتفاق على خلافها.



أو:



2- الخشية من المضاربة على حدوث الخطر

وهي أخطار مؤمن منها خارجة عن قدرة الإنسان من حيث التحكم بوقوعها كالحوادث الطبيعية، فلا يخشى أن يتعمد المؤمن له إحداث الخطر. ولكن إذا توقع المؤمن له، عند تحقق الخطر، الحصول على مبلغ يفوق الضرر الذي يحيق به فان ذلك قد يغريه بالمغالاة في قيمة الشيء موضوع التامين على أمل الكسب عند تحقق الخطر. لذا فان مبدأ التعويض يقتضي أن لا يستوفي المؤمن له مبلغا يزيد عن الخسارة التي لحقت به.



ثانيا :التزامات المؤمن في عقد التامين

أشارت المواد التالية من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 إلى التزامات المؤمن في عقد التامين:



المادة 988 ( متى تحقق الخطر، أو حل اجل العقد، أصبح التعويض أو المبلغ المستحق بمقتضى عقد التامين واجب الأداء)



المادة 989 (يلتزم المؤمن بتعويض المستفيد عن الضرر الناشئ من وقوع الخطر المؤمن ضده، على أن لا يجاوز ذلك قيمة التأمين ).



المادة 998 (في التأمين على الحياة، لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التأمين حقٌ في الحلول محل المؤمن له أو المستفيد في حقوقه قبل من تسبب في الحادث المؤمن منه أو قبل المسؤول عن هذا الحادث ).



بعكس التأمين ضد الحريق، حيث أشارت المادة (1001) من نفس القانون ( يحل المؤمن قانونا محل المستفيد بما يدفعه من تعويض عن الحريق قبل من تسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسؤولية المؤمن، وتبرأ ذمة المؤمن قبل المستفيد من كل التعويض أو بعضه إذا أصبح هذا الحلول متعذرا لسبب راجع إلى المستفيد )



ثالثا: نطاق تطبيق مبدأ التعويض

يطبق مبدأ التعويض في التأمين - (من الأضرار، الذي يراد به تعويض المؤمن له عما يلحقه من ضرر فلا يمكن تعيين مبلغ التعويض فيه ابتداء لعدم معرفة مقدار الضرر الذي يتوقع حصوله عند تحقق الخطر المؤمن منه، وإنما يتم تحديد مبلغ التامين بحيث يساوي مصلحة المؤمن له المراد ضمان ما يمكن أن يلحقها من ضرر، سواء عن طريق تضرر الشيء المؤمن عليه أو تحقق مسؤولية المؤمن له. ويتخذ كل من قيمة الضرر ومبلغ التامين حدين للتعويض يدفع الأقل منهما عند تحقق الخطر )



(لا يطبق على الأشخاص الذي لا يكون الهدف منه تعويض ضرر مادي محتمل بقدر ما هو التزام يترتب على المؤمن بأداء مبلغ معين عند تحقق الخطر) فلا يمكن تقدير مصلحة الإنسان في حياته أو سلامة جسمه بثمن، أي لا تقوم خسارته فيها بالنقود.



وهناك فارق كبير بين التامين من الأضرار والتامين على الأشخاص حيث لا يشترط في التامين على الأشخاص توافر عنصر المصلحة. هناك من يقول بان التامين على الأشخاص يخضع لمبدأ التعويض شأنه شأن التامين من الأضرار فلابد من مصلحة تأمينية للمؤمن له في عدم وقوع الخطر – أي مصلحة في عدم تحقق الحادث المؤمن منه، ويقابل المصلحة في عدم تحقق الحادث ضرر يعادلها في تحققه. ولما كان هذا الضرر يصعب تقويمه في التامين على الأشخاص إذ هو ضرر معنوي فقد جعل مبلغ التامين في التأمين على الأشخاص هو التقويم الجزافي لهذا الضرر المعنوي إذ إن كلا من التأمين من الأضرار والتـأمين على الأشخاص هو تعهد بأداء مبلغ مقابل قسط مناسب للخطر يتعهد بأدائه المؤمن عند تحقق الخطر المؤمن منه ويكون هذا المبلغ في ذاته متناسبا مع القسط.



رابعا: النتائج المترتبة عل تطبيق مبدأ التعويض

1- لا يتحدد مقدار التعويض من الأضرار مقدما في عقد التامين لان هذا العقد يرمي إلى جبر الضرر الذي لا يمكن معرفة مقداره إلا بعد تحقق الخطر.

2- لا يستطيع المؤمن له الذي يبرم أكثر من وثيقة تامين ضد خطر واحد الحصول على مبلغ يزيد عن الضرر الذي يحيق به.

3- إذا تحقق الخطر المؤمن منه وكان الغير مسؤولا عن تعويض الضرر الناشئ عنه فلا يستطيع المؤمن له الجمع بين تعويض التامين (من قبل شركة التأمين) والمسؤولية (من قبل مسبب الضرر) لأن الجمع سيؤدي إلى تقاضي تعويض يزيد عن الضرر الذي لحق به.

ولا يقصد به تعويض ضرر يحل بالمؤمن له ,كما لا يعتبر مبلغ التأمين تقويما جزافيا للضرر المعنوي لان مبلغ التأمين لا يقاس بالضرر بل هو مبلغ يتعهد المؤمن بأدائه عند وقوع الخطر سواء حصل ضرر ام لم يحصل..



إن القانون المدني العراقي في المادة (988) فرق بين التزام المؤمن بتعويض المؤمن له والتزامه بالمبلغ المتفق عليه في الوثيقة، فهو يلتزم بتعويض المؤمن له عما يلحقه من ضرر في التأمين من الأضرار كما يتضح ذلك في نص أحكام المادتين (988) و (1002) مدني عراقي، بينما يكون التزامه في التأمين على الأشخاص بدفع المبلغ المتفق عليه لانتفاء الصفة التعويضية في هذا النوع من التأمين الذي لا ينظر فيه إلى ضرر يلحق بالمؤمن له أو المستفيد بل يجوز أن يعقد المؤمن له تأمينه بأي مبلغ يشاء ولدى أكثر من مؤمن أيضا، حيث من النتائج الأساسية لتطبيق مبدأ التعويض منع المؤمن له من الجمع بين تعويضي التأمين والمسؤولية، لان هذا الجمع سيؤدي إلى الحصول على تعويض يفوق الخسارة التي تلحق به.



وتتلخص النتائج المترتبة على مبدأ التعويض بالاتي:



1- نقل جميع حقوق المؤمن له تجاه الطرف الثالث إلى المؤمن.

2- يترتب بذلك حق شخصي للمؤمن قبل الجهة التي تسببت في إحداث الضرر.

3- حلول المؤمن محل المؤمن له – مبدأ الحلول



خامسا: الوفاء مع الحلول ( القانوني والاتفاقي )

التكييف القانوني للوفاء مع الحلول، انه وفاء للحق بالنسبة إلى الدائن وانتقالا للحق بالنسبة إلى المدين.



أولا: الحلول القانوني: من الملاحظ أن التشريعات المختلفة اتجهت إلى إدراج نصوص قانونية (سواء في القوانين المدنية والتجارية أو القوانين المنظمة لعقد التامين ) تشير إلى الحلول القانوني للمؤمن محل المؤمن له تجاه مسببي الضرر. لذا فان القانون العراقي أعطى الحق للمؤمن بالرجوع قضائيا على مسبب الضرر حتى وان لم يكن مبلغ التعويض قد دفع إلى المؤمن له، وهو ما يجري في تطبيقات القضاء العراقي، وما استقر عليه وهو تحقق خصومة المؤمن قبل مسبب الضرر قبل دفعه لمبلغ التعويض وذلك استنادا إلى أحكام المادة (6) من قانون المرافعات المدنية العراقي لوجود مصلحة محتملة.



والسبب هو إن للمؤمن مصلحة في إقامته للدعوى حيث هناك ما يدعوه إلى التخوف من إلحاق الضرر به على أن يتم دفع مبلغ التعويض خلال المرافعة في الدعوى وقبل حسمها وان يتم إثبات ذلك بإبراز وصل المخالصة الموقع من قبل المؤمن له أو إشعار دائن.



الآثار المترتبة على حق الحلول القانوني

1- لا تحل شركة التامين (المؤمن) محل المؤمن له إلا في حدود ما دفعت من تعويض إليه.

2- إذا رجع المؤمن ورجع المؤمن له على مسبب الضرر في وقت واحد فإن المؤمن له هو الذين يستوفي حقه أولا.

3- يفقد المؤمن له حقه في الرجوع على مسبب الضرر بالقدر الذي يقع فيه الحلول.

إذا تعذر أو استحال الحلول أو أصبح غير مجد بفعل المؤمن له فان المؤمن يعفى من مسؤوليته أما إعفاء تاما أو جزئيا حسب الأحوال، وكذلك إذا تنازل المؤمن له عن دعواه ضد مسبب الضرر اعتمادا على التامين.

4- إذا تعذر أو استحال الحلول أو أصبح غير مجد بفعل المؤمن له فان المؤمن يعفى من مسؤوليته أما إعفاء تاما أو جزئيا حسب الأحوال، وكذلك إذا تنازل المؤمن له عن دعواه ضد مسبب الضرر اعتمادا على التامين.



وقد عالج القانون المدني العراقي الحلول الشخصي في المادة 379 حيث أشارت إلى الحالات التي تحيل فيها الموفى الدائن قانونا وهي:



(إذا دفع الدين شخص غير المدين حل الدافع محل الدائن بحكم القانون في الأحوال الآتية:



أ: إذا كان ملزما بالدين مع المدين أو ملزما بوفائه عنه.

ب: إذا كان دائنا ووفى دائنا أخر مقدما عليه بما له من تامين عيني ولو لم يكن للدافع أي تامين.

ج: إذا كان قد اشترى عقارا ودفع ثمنه تسديدا لأحد الدائنين الذين خصص العقار لضمان حقوقهم.

د: إذا كان هناك نص يقرر للدافع حق الحلول)



ولا تطبق الحالتان الواردتان في الفقرتين الثانية والثالثة على وفاء المؤمن للتعويض إلى المؤمن له. وتتعلق الفقرة الرابعة بحالة وجود نص قانوني يقرر رجوع الموفي على المدين.



فإذا دفع المؤمن التعويض إلى المؤمن له وفاء لالتزامه الذي يفرضه عليه عقد التامين فهل يحل محل المؤمن له في حقوقه قبل الغير المسؤول عن الضرر موضوع التامين استنادا إلى نص أحكام المادة 379 /أ والنصوص الموافقة لها؟



وقد اختلف الرأي في الإجابة بين مؤيد ورافض، وذهب رأي إلى حلول المؤمن محل المؤمن له لأنه قد دفع دين الغير، والرأي الأخر ذهب إلى عدم إمكان هذا الحلول لان المؤمن يعد مدينا قد دفع دينه الخاص.



إن غالبية الفقه والقضاء تذهب إلى عدم جواز الاستناد إلى أحكام الوفاء مع الحلول لتخويل المؤمن الرجوع على الغير المسؤول عن الضرر ويدعم رأي هذه الأغلبية نص القانون المدني العراقي حيث جاءت المادة 379 انه (إذا دفع شخص غير المدين حل الدافع محل الدائن بحكم القانون) كما اشرنا سابقا إليه. لهذا اتجه القضاء إلى منع شركات التامين من الحلول محل المؤمن له استنادا إلى القواعد العامة في الوفاء مع الحلول فوجدت هذه الشركات إن مصلحتها تكمن في أن تضع في وثائق التامين شرط الحلول تحل بمقتضاه الشركة محل المؤمن له في حقوقه قبل الغير المسؤولة عن تحقيق الخطر المؤمن منه.



عليه فما هو التكييف القانوني لهذا الشرط؟ فهل يعتبر حلولا اتفاقيا بين المؤمن والمؤمن له وفقا لأحكام المادة 380 الفقرة (1) مدني عراقي أم حوالة حق حسب أحكام المواد (362- 364) مدني عراقي:



م 362: يجوز للدائن أن يحول إلى غيره ما له من حق على مدينه إلا إذا حال دون ذلك نص في القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام. وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المحال عليه.



م 363: لا تكون الحوالة نافذة في حق المحال عليه أو في حق الغير إلا إذا قبلها المحال عليه أو أعلنت له على أن نفاذها في حق الغير بقبول المحال عليه يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التأريخ.



م 364: لا تجوز حوالة الحق إلا بقدر ما يكون منه قابلا للحجز.



لذا يجب أن نتعرف على شرط الحلول:



إن وثائق التامين نجدها مهيأة ابتداء من قبل شركات التامين ولا يملك المؤمن له المناقشة في بنودها وليس أمام المؤمن له إلا أن يذعن لما ورد فيها أو لا يتعاقد.



ونلاحظ إن معظم وثائق التامين تصف رجوع المؤمن على الغير المسؤول عن الضرر بأنه ( حلول اتفاقي ) وتخول شروطها بملاحقة المسؤول قبل دفع التعويض.



إن تكييف التصرف القانوني يستند إلى عناصر هذا التصرف وقصد المتعاقدين منه، فلا عبرة بتسمية تضعها وثائق التامين لهذا الشرط فهذه التسمية لا تجعل منه ( حلولا اتفاقيا ) ما لم تتوافر الشروط التي يتطلبها القانون لمثل هذا الحلول فالأمور بمقاصدها.



فهل تنسجم تلك التسمية مع الشروط التي وضعها القانون للحلول ألاتفاقي؟ لو رجعنا إلى أحكام المادة 380 الفقرة (1) من القانون المدني العراقي لوجدتنا أنها تشترط ثلاث شروط للحلول ألاتفاقي الذي يتم بين الدائن والموفى. وتنص المادة المذكورة (للدائن الذي استوفى حقه من غير المدين أن يتفق مع هذا الغير على أن يحل محله حتى لو لم يقبل المدين ذلك ويكون الاتفاق بورقة رسمية لا يجوز أن يتأخر تأريخها عن وقت الوفاء )



ويقتضي تحقق الشروط الثلاثة أن يحل الموفي ( المؤمن ) محل الدائن ( المؤمن له ) في الحق ذاته بما له من خصائص وما يلحقه من دفوع وبحدود المبلغ الذي قبضه الدائن ( المؤمن له ). ولا يؤثر في هذا التحديد كون أصل الدين يزيد عن ما دفعه الموفي لان الوفاء مع الحلول يختلف عن حوالة الحق بفارق جوهري. ويبدو الشبه بين أحكام الحلول ألاتفاقي في الوفاء مع الحلول وشرط الحلول الذي يرد في وثائق التامين.



ويظهر الاختلاف بين وفاء المؤمن والوفاء الذي يقوم به غير المدين من حيث أن الأخير لا يفي بدين مترتب بذمته هو بل يسدد دينا بذمته للغير.



ومن جهة أخرى، لا يقع الحلول ألاتفاقي إلا على حق حل أداؤه فعلا ولا يعد الاتفاق على الحلول قبل ذلك حلولا اتفاقيا وإنما يمكن أن يعتبر بمجرد وعد بالحلول.



ومن الواضح أن حق المؤمن له قبل الغير المسؤول لا يعد مستحقا عند إبرام عقد التامين لأنه لا ينشأ إلا عند تحقق الخطر. وهكذا لا يمكن اعتبار شرط الحلول حلولا اتفاقيا من هذه الجهة أيضا.



وهكذا يتضح عدم إمكان تطبيق أحكام الحلول ألاتفاقي على شرط الحلول، ولكن هل يمكن اعتباره حوالة حق؟ وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة اللاحقة.



سادسا: شرط حوالة الحق

اعتبر جانب من الفقه شرط الحلول حوالة حق محتمل من المؤمن له إلى المؤمن مشروطة بتحقق الخطر المؤمن منه.



فعقد الحوالة يتم بمجرد توافق إرادتي المحيل والمحال له وحدهما ولا شان برضاء المدين، وإذا تم العقد انقطعت العلاقة بين الدائن الأصلي والمدين وأصبح الدائن الجديد هو الدائن له مباشرة.



ويقتضي هذا الرأي باعتبار شرط الحلول على انه حوالة حق محتمل من المؤمن له إلى المؤمن إخضاعه لأحكام المواد 362-364 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته حيث يجوز للدائن أن يحول إلى غيره ما له من حق على مدينه دون حاجة إلى إستحصال موافقة المدين (المحال عليه ) أي تتم الحوالة بالاتفاق بين الدائن والغير دون حاجة إلى موافقة المدين , إلا إنها لا تنفذ في حق المحال عليه إلا إذا قبلها أو أعلنت له. وبالرجوع إلى أحكام هذه المواد يتضح أنها تقتضي الأتي:



1- تنصّبُ الحوالة على الحقوق الشخصية إلا إذا حال دون ذلك اتفاق المتعاقدين أو طبيعة العقد أو القانون. ويستوي الحق في قابليته للحوالة أن يكون مدنيا أو تجاريا.

2- إذا انعقدت الحوالة بين المحيل والمحال له انتقل الحق المحال به كله إلى المحال له.

3- إذا حال الدائن إلى المحال له جزء من الدين مستبقيا الجزء الأخر لنفسه.

4- إذا رجع المؤمن على الغير المسؤول وتعذر الحصول على التعويض منه فان أحكام حوالة الحق تقضي بان يضمن المحيل ( المؤمن له ) صحة الدين ووجوده وبقائه فهو ضامن للمحال له.



لهذا نجد أن حوالة الحق هي الأخرى تختلف مع شرط الحلول طبقا للدافع العملي لعلاقات المؤمن بالمؤمن له المبنية عل طبيعة عقد التامين.



ويتضح مما عرضناه إن شرط الحلول يتفق مع حوالة الحق في جوانب ويختلف عنها في جوانب أخرى مثله مثل الحلول ألاتفاقي. إن الاتفاق على (شرط الحلول) يتم قبل وجود حق للمؤمن له قبل الغير المسؤول. وهذا الاتفاق يجوز في حوالة الحق دون الحلول لان حوالة الحق المستقبل أو الاحتمالي جائزة قانونا في حين لا يتم الحلول ألاتفاقي إلا في الحقوق المحالة وبعد دفع الدين إلى الدائن، فيصح الاتفاق على الحوالة عند إبرام عقد التامين دون الحلول ألاتفاقي لان حق المؤمن له المحتمل لا يكون قد حل بعد.



ويخول شرط الحلول المؤمن الرجوع على المسؤول عن الضرر حتى قبل دفع التعويض وهذا جائز في الحوالة في حين لا يحل الموفي في الوفاء مع الحلول إلا عند دفع دين الدائن. وهناك أمران أساسيان يفرقان بين حوالة الحق وما يحتاج إليه سوق التامين وهما:



- رجوع المحال بكامل الحق المحال به. في حين يتحدد رجوع المؤمن بالمبلغ الذي يدفعه إلى المؤمن له، وإذا تزاحم المحال له والمحيل في الرجوع على المدين تقاسما ما يحصلان عليه قسمة الغرماء. وليس الأمر كذلك في التامين حيث يتقدم المؤمن له في استيفاء باقي التعويض ثم يستطيع المؤمن الرجوع بالمبلغ الذي دفعه إلى المؤمن له.



طرق رجوع المؤمن على مسبب الضرر

لقد أعطي حق الرجوع قبل مسبب الضرر إلى المؤمن بدعوى شخصية مباشرة مستندة إلى الفعل الضار وطبقا لقواعد المسؤولية (القواعد العامة). إن الرجوع على مسبب الضرر بالاستناد إلى حوالة الحق يعطي الحق إلى المحال له (المؤمن) بممارسة حق الرجوع إلى المحال عليه (مسبب الضرر) حتى قبل قيامه بدفع التعويض المستحق. واستنادا إلى ذلك فان المؤمن إذا ألزم بالدفع عن هلاك أو ضرر تقع تبعتها على شخص ثالث فله أن يمارس حقوق المؤمن له الذي عوضه وان يرفع دعاواه.



سابعا : شرط الحجز

استنادا إلى أحكام المادة (75) من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 العراقي نصت ( إذا كانت أموال المدين المطلوب حجزها موجودة لدى الغير , فيبلغ الغير بقرار الحجز ويفهم بأن لا يسلم الأموال المذكورة لأحد , وانه مسؤول عنها , وليس له حق التصرف بها إلا بقرار من المنفذ0العدل , وله أن يبدي ما يشاء من بيانات واعتراضات وينظم الموظف القائم بالتنفيذ بذلك .



أنواع الحجز : الحجز التحفظي

من أنواع شرط الحجز هو الحجز التحفظي على أموال المدين حيث لا يوقع الحجز التحفظي إلا اقتضاء لحق محقق الوجود وحال الأداء.



فالدين غير محقق الوجود لا يجوز توقيع الحجز بمقتضاه ولو بإذن من القاضي. وعلى ذلك فلا يجوز الحجز بدين احتمالي أو معلق على شرط موقوف أو بناء على حكم بتقديم حساب قبل أن يصفي الحساب. كما يجوز الحجز بدين متى كان بيد الدائن دليل ظاهر على دينه.



إلا انه ينبغي قبل توقيع الحجز صدور أمر من القاضي بتقدير الدين حتى لو كان الالتزام ثابت بحكم نهائي. وعلى ذلك فليس للمضرور أن يوقع الحجز التحفظي على من تسبب بالضرر الذي تأكدت مسؤوليته بحكم قضائي ما دام مبلغ التعويض لم يحدد بعد إلا بعد استصدار أمر من القاضي بتقدير التعويض مؤقتا وبتوقيع الحجز.



كذلك لا يجوز توقيع الحجز بدين لم يحل اجله لان في ذلك حرمان للمدين من الأجل ولكن يجوز توقيع الحجز في حالة سقوط الأجل أو إذا كان الأجل مقرر لمصلحة الدائن.



أما في حالة حجز ما للمدين لدى الغير:



1-يجب أن يكون الدين المراد توقيع الحجز ضمانا له محقق الوجود حال الأداء.

2- يجب أن يكون المحجوز لديه مدين مباشر للمدين.

3- يجب أن يكون المحجوز لديه دين مستقل في حيازته عن المدين.

4- لا يشترط أن يكون ما للمدين لدى المحجوز لديه المراد توقيع الحجز عليه حال الأداء.



لذلك يكفي لتوقيع الحجز التحفظي أن يكون دين الحاجز حال الأداء ومحقق الوجود ولا يلزم أن يكون معين المقدار.



عليه وبالرغم من أن الدائن له الحق بموجب هذا الشرط حبس أو حجز ممتلكات (أموال) المدين إلى أن يسدد المدين دينه أو إلى أن يقوم المدين بانجاز عمل ما أو يفي بالتزام معين.



وأخيرا، وبعد الإطلاع على جميع وثائق التامين التي تستخدم في العراق واتفاقيات الإعادة ووثائقها، لم أجد أنها تتضمن شرط الحجز. وكما أسلفنا لا يستطيع المؤمن له الطلب من شركات التامين تضمين ذلك الشرط في وثائقها لصالحه لان وثائق التامين هي مهيأة ابتداء من قبل شركات التامين ولا يملك المؤمن له حق المناقشة في بنودها لأنها عقود إذعان فليس أمام المؤمن له إلا أن يذعن لما ورد فيها أو لا يتعاقد.



بغداد

2 نيسان 2010