إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/07/23

التأمين في العراق والعولمة مناقشه لردود الفعل على قانون التأمين رقم 10 لسنة 2005 وقانون الاستثمار العراقي لسنة 2006 مروان هاشم في أهمية اختلاف الرأي أقدم في هذه المناقشة وجهة نظر مختلفة عن ما قدمه الزملاء سابقا حول هذا الموضوع ولكن في النهاية سيكون للاختلاف معنى ايجابي لأننا جميعا نهدف إلى خدمه قطاع التامين، وهذا الاختلاف سيؤدي إلى رؤية أكثر وضوحا تساعد كل مهتم على اتخاذ أفضل القرارات. واعتبر مساهمتي محاوله متواضعة أقدمها للمهتمين بهذا الشأن لعلي أساهم في الاقتراب من حقيقة الأشياء ومعرفه ما يدور حولنا. لقد وجدت إن أفضل طريقه للتعامل مع قانون التامين رقم 10 وقانون الاستثمار رقم 13 هو فهم العولمة وربطها بتطورات ما حصل بعد 9/4/2003. وقد يعتبر البعض ان هذه مبالغه لا معنى لها فأجيب صبرا لنهاية المناقشة. كما ان الحافز الذي دفعني للاهتمام بهذا الموضوع هو اني وجدت معظم الزملاء يضعون في حسبانهم أملا كبيرا في تغيير هذين القانونين، وكانت آخر هذه المحاولات ما طرح في مؤتمر التامين الذي انعقد في بغداد يوم 28/6/2009. وهناك زملاء آخرين يتعاملون مع هذا الموضوع وكأنه خطأ إداري ارتكبه بول بريمر. وفي رأي انه لا دور للرجل سوى ان هذا حدث في زمن توليه لمنصبه وهو نفس ما كان سيحدث لو أن شخصا آخر من الجمهوريين أو الديمقراطيين تولى هذا المنصب لان الموضوع يتعلق بأهداف استراتيجيه لدوله سخرت كل إمكانياتها للوصول إلى تحقيق غايتها وهي أن تكون كل القوانين التي تحكم العالم تصب في مصلحتها. وهذا شئ طبيعي في تاريخ الأمم فالأقوى هو الذي يضع الشروط. الم يقل الخليفة العباسي عندما كانت بغداد تحكم العالم (اذهبي أيتها الغمامة حيثما شئت فخراجك عائد إلىَّ). وأرجو أن يفهم ان ما اطرحه من أفكار للمناقشة ليس دعوه للاستسلام بل هو دعوه للاستعداد الفكري والعملي للمقاومة الايجابية. والفهم الصحيح هو أهم عناصر المقاومة، ولا ادعي احتكار هذا الفهم دون غيرنا. مره ثانية، إن اختلاف الآراء يؤدي إلى الأفضل في تكوين قاعدة الوعي الجماعي للمواجهة. لذا سيكون الرد والاختلاف مفيداً لي وللآخرين للمشاركة في صنع هذا الوعي. تعريف العولمة[1] لا يوجد تعريف شامل وجامع لفكرة العولمة يوفي بكل أبعاد الموضوع لسببين. أولهما، إن معظم الباحثين يعرّفونه متأثرين بخلفياتهم الايدلوجية. والثاني، ان أصل الموضوع لم يصل إلى نهايته وانه ما زال في مرحله التطور وأمامنا الكثير من الزمن حتى نصل إلى بلوره تعريف شامل على ضوء معطيات ونتائج العولمة على ارض الواقع مستقبلا. لذا سنحاول إعطاء تعريف عام بعيد عن الادلجه الغرض منه إدخال المطلع إلى أجواء الموضوع. إن العولمة هي إبراز ظاهرة العام ضد الخاص والمنفتح ضد المنغلق والديمقراطي ضد الشمولي والعالمي ضد القومي والمحلي والوطني. وعلى هذا يترتب ما يلي: انتقال المعلومات والبضائع والأشخاص والخدمات ورأس المال دون عوائق تذكر. وحتى يتحقق ذلك لا بد من انتصار الانظمة الليبرالية على الانظمة الشمولية والدكتاتورية فيما يخص الجانب السياسي، وتغيير القوانين الاقتصادية بإزالة التعرفه الكمركيه وتسهيل انتقال رؤوس الأموال والخدمات دون قيود، وهذا فيما يخص الجانب الاقتصادي. حرية انتقال المعلومات والأفكار واتصال الناس فيما بينهم دون قيد أو مراقبه فيما يخص الجانب الثقافي. وسنركز على الجانب الاقتصادي والذي هو أكثر ما يهمنا في هذا الموضوع. يبدو ظاهريا من هذا انه سيؤدي إلى خير البشرية وتطورها ولكننا تعلمنا ان حساب الحقل لا يتطابق مع حساب البيدر، فهل ان منافع العولمة ونتائجها ستتوزع بين دول العالم، ولو بنسب متفاوتة، أم ان التقسيم الدولي الجديد في الإنتاج (تركز الصناعات الكيمياوية في ألمانيا والطائرات والحواسيب في الولايات المتحدة والسيارات في اليابان و كوريا وغيرها) سيؤدي إلى زيادة الدول الغنية غنىً والدول الفقيرة فقراً، وهل ستسمح دول العالم المتقدم بانتقال الأشخاص (العمالة الرخيصة) من دول العالم الثالث دون قيد مثلما تفرض عليها فتح أسواقها دون قيد أو شرط لنقل السلع الخدمات إليها؟. هنالك أسئلة كثيرة أجد ان الاجابة عليها تتطلب الاستعانة بالتاريخ. نبذه تاريخية عن العولمة البعض يعتبر ان العولمة كواقع جديد بدأ يتأسس في بداية القرن الخامس عشر بعد سقوط غرناطة وسيطرة الاستعمار البرتغالي والاسباني على طرق الملاحة الدولية واحتلالهما أهم مدن السواحل المعروفة كمراكز تجاريه، واكتشاف العالم الجديد [قارة أمريكا] بفضل التطور التقني في صناعه السفن الذي نجحوا في تحقيقه فأصبحت السفن قادرة على عبور المحيطات وهي تحمل الأسلحة الثقيلة إضافة إلى السلع والأشخاص. ويعتبر معظم الباحثين ان الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر هي البداية الحقيقية، وان ما أطلقه ادم سميت[2] بجملته المشهورة (دعه يعمل دعه يمر) هو الإعلان الأول لبداية العولمة. ولكن العولمة بقيت ولفترة طويلة في مراحلها الجنينية وتعطلت في ظهورها بشكل واضح لسببين: 1- ظهور المشروع القومي المتطرف (ألمانيا، ايطاليا، اليابان) والذي ادخل العالم في حربين كونيتين أثرت على التجارة الدولية وحولت الأنشطة الاقتصادية لخدمة المجهود الحربي. 2- ظهور المشروع الماركسي والذي كان يمثل القطب المعاكس لحركات القوى الرأسمالية. وقد انتهى تأثير المشروع الأول بعد خسارة دول المحور في الحرب العالمية الثانية، وكان لتحطيم جدار برلين عام 1989 بداية النهاية السريعة لتأثير المشروع الثاني وانتهاء فكرة تعدد الأقطاب. وكان للتطور الكبير في تقنيه الحواسيب الالكترونية ودخول خدمه الانترنيت وانتشار الفضائيات وتطور الاتصالات العامل المادي المساند لفكرة ظهور العولمة، فقد أصبح بمقدور تاجر بسيط في مكتبه إدارة أعماله التجارية ومشاريعه الاستثمارية في كافة أنحاء العالم وبدون تأخير. ودشنت تسعينات القرن العشرين بداية لمرحله جديدة من مراحل التطور التاريخي أو الرأسمالي يمكن تسميتها العولمة أو الكونية أو الكوكبية تختصر اقتصاديا بالكابيتاليه[3] أي سهوله انتقال رأس المال وسيطرته على العالم. فتحققت للعولمة بعدها الكوني بمبدأ (العالم قرية صغيره) بفضل التطور التقني لأنظمة الاتصال وبعدها العمودي صار يتركز على رأس المال.[4] ومن الممكن ان أجازف، مع التحفظ، فأقول: ليست "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"[5] بل العولمة هي أعلى مراحلها. وأنا هنا أوكد بان العولمة ليست مذهبا سياسيا أو ايدولوجيا في الأصل وان كان قد استغل عمليا فأصبحت العولمة وكأنها (الأمركة) لما حققته من منافع لها أو (الأوربه) أو (الشرق آسيويه) كما يحلو للبعض تسميتها. ومهما قيل فهي ظاهره تاريخيه وجزء من حركه التاريخ ومن حاول إنكارها واهم وخاسر، ومن حاول الهرولة اتجاهها دون وعي وفهم وتمعن هو كذلك من الخاسرين. لذا تنصب محاولتنا لفهم العولمة بالتعامل الايجابي مع حتميتها التاريخية بدلاً من الهروب منها، فاهمين أبعادها وقابلين التحدي. وهذا يتطلب تطوير إمكانياتنا المحلية والإقليمية مستفيدين من مظاهر العولمة ذاتها لصالحنا مثل انتقال الأفكار والمعرفة ومحاولة استقطاب حركه رأس المال وبأفضل الشروط. ولا يعتبر الموضوع من السهولة بمكان بل هو كثير الصعوبة والتعقيد، وإذا قيل قديما بان الناس ذهبوا إلى عبد المطلب يطلبون مساعدته ومشورته في التعامل مع جيش وفيل أبرهه، وهو يروم تدمير الكعبة، أجابهم عبد المطلب بان للكعبة رب يحميها. ومن المؤكد ان الرجل لا يقصد التخلي عن مسؤولياته ولكن ماذا يفعل في حينها لمواجهة جيش وفيل. فالعولمة أكبر من فيل أبرهه و نحن لسنا بأفضل من عبد المطلب إن قلنا: وللعراق رب يحميه. العراق والعولمة ما حدث للعراق قاس جدا فلا توجد دولة في العالم تخرج من سنوات الحرب وسنوات الحصار إلا وتلعب الحكومة دورا مؤثرا في إعادة بناء البنية التحتية المهدمة[6] وتقديم المعونة والدعم لتطوير اقتصادها. وهذا ما حصل في دول المعسكر الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية بينما في العراق واجهنا تحولاً سريعاً من النظام الشمولي المرتبك إلى الحرية الكاملة والتي وصفها البعض بالمنفلتة دون المرور بمرحلة إعادة التوازن أو التطور الطبيعي. وجاءت قوانين العولمة بغير وقتها المناسب حتى أصبح العراق مستورداً لعصير التمر ( الدبس) وكنا نقرا في كتاب الجغرافيا في عام 1967 للصف السادس الابتدائي ما نصه: "العراق أول دوله في العالم في إنتاج وتصدير التمور وتحقق عائدات التصدير المرتبة الثانية لخزينة الدولة بعد عائدات تصدير النفط." مره ثانيه إلى ماذا أريد أن أصل فقد يتوه القارئ بين وصف العولمة وذكر حتميتها التاريخية وبين تعاطفي مع ما حل من آثار العولمة وتبعاتها. ولكي أوصل فكرتي وارتب ما يبدو متناقضاً أذكر من حكايات التاريخ ما فعله طارق بن زياد بعد ان وصل إلى ارض اسبانيا. لو انه طلب من الأعداء إجراء مباراة لسباق الخيل يكون الفائز فيها هو الحاكم على اسبانيا أو انه دعى الله ان يمنحه عصا موسى لكي يشق بها البحر إذا هزم الجيش حتى يستطيع الهروب ما كان دخلَ التاريخ إنما قبل التحدي بشكل "أن نكون أو لا نكون." وإذا كان العدو أمام جيشه وخلفه البحر فالعولمة أمامنا وخلفنا وتحتنا وفوقنا يسارنا ويميننا. التامين في العراق و العولمة لو اطلع الإخوان على ما وقعه السياسيون وصدّقه البرلمانيون من اتفاقيات سياسيه واقتصاديه لما طالبوهم بتغيير قانون التامين وقانون الاستثمار. وعلى سبيل المثال، إن مشروع دخول العراق كمراقب في هيئة استثمار منظمة التعاون والتنمية يتطلب كما ينص في شروط الانتماء ملحق (1) الفقرة (5) ما يلي: - عدم وضع قيود على التجارة الدولية في ما يتعلق بالخدمات لا سيما المصارف والتأمين والخدمات المالية الأخرى.[7] كذلك يتضمن شروط الانتماء إلى منظمه التجارة العالمية شرط السماح بانتقال الخدمات دون قيد أو شرط. والاتجاه الجديد في هذا المجال ان بعض الاتفاقيات الدولية في السابق كانت تعطي امتيازات للدول حسب ظروفها الاقتصادية وخصوصا الدول النامية أما الآن فهي تؤكد على أما قبول الكل أو ترك الكل من الشروط وعلى اقل تقدير الالتزام بجدول زمني لإزالة أي قيد، أي بمعنى آخر لا يمكن للعراق بان يسمح للشركات متعددة الجنسية الاستثمار في العراق، من جهة، وخصوصا في مجال النفط، مع وضع شرط التأمين داخل العراق من جهة أخرى. هذا ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية. إن فكرة أن نأخذ ما نريد و نترك ما لا نريد أصبحت غير عمليه. ولنأخذ تجربة ماليزيا في هذا الموضوع عندما رغبت الانتماء إلى الاتفاقية العالمية لتجاره الخدمات. فمن أهم نقاط الاتفاقية[8] فتح أسواق المجموعة الأوربية والولايات المتحدة كلياً أمام المصارف وشركات التأمين، لكن الولايات المتحدة لن تسمح لشركات التأمين الماليزية بدخول أسواقها إلا إذا تخلت ماليزيا عن سياسة خفض الاستثمارات الامريكيه في شركات التأمين الماليزية إلى 51%. وإذا كان هذا ما حدث مع ماليزيا، وهي دوله مستقره سياسيا وإقليميا وحققت نسب نمو مرتفعه في الجانب الاقتصادي، فكيف سيكون حالنا ونحن في وضع لا يحسد عليه احد! لم تحاول ماليزيا رفض العولمة إنما مجرد رفض العولمة على الطريقة الامريكيه فجاء رد الفعل الأمريكي عن طريق وزير ماليتها عندما طرح في احد المؤتمرات[9]، منتقدا رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، ما يلي: اعذرني محمد ولكن على أي كوكب تعيش. أنت تتكلم عن المشاركة في العولمة وكأن ذلك يتضمن خيارا متاحا لك، العولمة ليست خيارا إنما حقيقة واقعه. وأنا اسأل إخوتي العراقيين على أي كوكب تعيشون، وما هي مقومات قوتكم حتى تختاروا ما تريدون و تتركون ما لا تجدوه مناسبا لكم؟ فمثلا مطالبة البعض ان يكون للجمعية دور في تعديل قانون التأمين والاستثمار بعيد جدا عن الواقع وهو يشبه ما إذا ما طالب احدهم جمعيه تسويق المنتجات الزراعية في الجولان ان تتدخل لإعادة الجزء المحتل إلى سوريا. لكن لجمعيه التأمين دور حقيقي سنشير إليه لاحقا. وهنالك أمثله أخرى كثيرة فيما يخص علاقة العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي[10] واتفاقيات تم عقدها أو سيتم عقدها مستقبلا إضافة إلى جوانب سياسيه لا نرغب الدخول فيها حتى لا ننجر إلى مساحة نظريه المؤامرة وهذا ما أتجنبه لغرض التركيز على الجانب الاقتصادي. ومره ثانيه، هذه ليست دعوه للاستسلام بل وضع الأمور في سياقها الصحيح والانطلاق في برنامج مقاومه ايجابي مبني على أسس علميه. اقتراحات للمواجهة مع العولمة فيما يخص قطاع التأمين 1- نظرة موسعة للعولمة. التعامل مع العولمة كحقيقة واقعه وقبول التحدي والاستفادة من مزايا العولمة فيما يخص المعلومات والاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال. ويتطلب ذلك التعامل الصحيح مع آليات العولمة، الحاسب الالكتروني والكومبيوتر فهما ليسا قطع ديكور تتزين بها دوائر التأمين واستخدامها كأجهزة طابعه [الحاسبة] و بريد الكتروني [الانترنيت] فهذه لا تمثل سوى 1 % من استخداماتها المتعددة. انها ثوره المعلومات والاتصالات وعلينا توسيع المعرفة بها والاستفادة منها وتوسيع دائرة الاتصالات والعلاقات فليس من المعقول ان نبقى على فكرة القناة الواحدة والمعيد الواحد والوسيط الواحد ولا نستفيد من الخبرات التنافسية. وعلينا جعل شرط الانتماء الوظيفي الأول هو الاستعداد المعرفي لهذين الأمرين وتدريب الكادر الوظيفي السابق عليهما. وهذا يعني مواكبه الحداثة والتطور بكل أشكالها وهو ما نبه إليه احد زملائنا في هذا المجال[11] إضافة إلى تصريحات الدكتور برهم صالح حول موضوع تحديث التامين.[12] 2- دور الدولة ومؤسساتها في زيادة أقساط التأمين. مساندة الدولة في زيادة أقساط التأمين فإذا كانت شركه [شل][13] تمتلك شركة تأمين فان الدولة العراقية يمكن اعتبارها شركه كبيره تمتلك ثلاثة شركات تأمين. المشكلة هي أن بعض الوزارات المشاركة في هذه الشركة الكبيرة تتجه نحو التأمين لدى شركات أجنبيه. وقد قامت شركات التأمين والجمعية بتنبيه الدولة بهذا الشأن عن طريق وزاره المالية ولكن الدعم يجب ان يكون اكبر. فمثلاً، إن دخول وزاره النفط في عقد مشاركة استثماري مع شركه [ شل ] يعطيها الحق، على اقل تقدير، المشاركة في أقساط التأمين وهو حق طبيعي للمشاركة العادلة. الدولة يجب ان تتحول إلى تاجر شاطر يعرف مصالحه ولا يفرط بها. 3- تطوير سياسة الاكتتاب والتعويض. وبناء على ما ذكر أعلاه من المطلوب انتهاج سياسة اكتتابيه وتعويضيه متطورة لخدمه هذا القطاع ليكون منافسا حقيقيا للآخرين وبفضل مثل هذه السياسة سيقتنع المواطنون في توجههم كأفراد أو مؤسسات للتأمين لدى الشركات العراقية. ان الالتزام بالعدالة في دفع التعويضات وتحديث إجراءات التأمين وكذلك التأكيد على موضوع النزاهة، وهي مواضيع أكدتها جمعية شركات التامين وإعادة التأمين العراقية كأهداف، عاكسة بذلك وعياً واستعداداً لمتطلبات التحديث ومواجهتها، هي من المقومات الضرورية لإحداث النقلة النوعية التي نتحدث عنها. 4- اعتماد مبدأ الكفاءة. اعتماد سياسة تعيين ونقل وترفيع وتطوير للكوادر مبني على أساس الكفاءة. وهذا يتطلب الانتقال من بيئة وقيم مجتمع البداوة، التي تعتمد آليات الشللية والمناطقيه والمذهبية والمصلحيه، إلى نظام الحداثة. وهذا يصعب تحقيقه دون وجود إرادة سياسيه قادرة على إجراء هذا التغير. ويبدو أن هنالك هوة واسعة بين قوانين العولمة وبين الآليات المعتمدة في دوائرنا الحكومية [شركات التأمين] وعلينا الاستعجال في تضييق هذه الهوة حتى نصل إلى شروط الاندماج الكامل بين قوانين العولمة الكونية وبين البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية. 5- الخصخصة كمدخل إلى العولمة. وفي رأي انه دون ذلك سنتجه حتماً نحو تحقيق ما تصبو إليه الأصوات الداعية إلى الخصخصة والذي تكلم عنه احد الزملاء[14]. وهذا يعني إننا، أي شركات التأمين العامة،قد فوتنا على أنفسنا فرصة النجاح في مواجهة متطلبات الانسجام مع العولمة. وفيما يخص الشركات الأهلية [القطاع الخاص] فهي ليست بأفضل حال؛ هي أيضا مقبله على مواجهة صعبه تتطلب، إضافة إلى المشتركات مع القطاع العام فيما يخص التحديث والتطور المعرفي، ضرورة زيادة رأس المال واندماج بعض الشركات الصغيرة فالمشروع التأميني المبني على أساس المشروع العائلي الصغير سوف لن يقاوم أي شركه أو وكاله أجنبيه تدخل العراق. إنها دعوه للجريئين في القطاع الخاص إلى تطوير الشركة المؤسساتية الراغبة في زيادة رأسمالها وإمكانياتها وتدخل السوق بقوه. واعتقد أن ذلك قابل للتحقيق وإمكانياته متوفرة حاليا. وكما قلنا فإننا ننتظر الجريئين والمجازفين ولكن بحسابات منطقيه. 6- بناء القدرات الاحتفاظية. التكتل المحلي الداعي إلى إنشاء قوه متوحدة في الإطار الوطني والابتعاد عن التفرد يؤدي ذلك في قطاع التأمين إلى زيادة القدرة المحلية في الاحتفاظ عن طريق سياسة إشباع الاحتفاظ المحلي والحصول على أفضل الشروط في سياسة التعاون الدولي (برنامج إعادة التأمين) وكذلك التعاون الإقليمي مع دول المنطقة لخلق قوه اقتصاديه إقليميه تنافس الآخرين وتقلل من آثار التسلط في وضع قوانين العولمة وتطبيقاتها العالمية. 7- مصطلحات الخطاب. يلاحظ المهتم والمتابع للوضع الاقتصادي في العراق ومن ضمنه قطاع التأمين زيادة مساحة استخدام المصطلحات الإنشائية والشعاراتيه والعاطفية على حساب المصطلحات الاقتصادية والاداريه والقانونية والتقنية. وبالنسبة للكثير من العاملين في هذا القطاع فإن لغة العولمة لا تتناسب مع ما ذكرناه و يجب ان تحل محلها البديل الثاني (لغة الاقتصاد و التقنية). وفي نهاية المناقشة لا ادعي إني استطعت الاحاطه بهذا الموضوع الكبير ولكني رغبت في تنبيه الآخرين إلى تغيير الطريقة في التعامل معه وقد احتاج أنا أيضا إلى من ينبهني لما لم أدركه عن غير قصد، وشكرا لصبركم. أتمنى على القارئة والقارئ المساهمة في نقد أطروحة هذه الورقة. مروان هاشم بغداد 23 تموز 2009 ملاحظة: هذه الورقة لا تعبر بأي حال عن انتماء كاتبها الوظيفي لشركة التأمين الوطنية بل هي أفكار خاصة به يتحمل وحده مسؤولية ما ورد فيها. [1] انصح لمن يريد الاطلاع على المزيد من المعلومات حول موضوع العولمة الرجوع إلى كتاب العرب والعولمة: مجموعه بحوث و مناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية. وتمتاز هذه البحوث بتنوعها الفكري حيث شارك فيها مجموعه كبيره من المفكرين العرب. والملاحظ ان هذا المركز قد نجح في الانتقال من المنهج المؤدلج إلى تطبيق مبدأ حرية الفكر وتعددية الآراء لرؤية ومعالجة مشاكلنا العربية وهذه النقلة تحسب له. تاريخ انعقاد الندوة 1997 بيروت الطبعة الأولى: بيروت، حزيران 1998 وهناك نسخه من الكتاب في مكتبة شركة التأمين الوطنية، بغداد. [2] 1723-1790 فيلسوف وباحث اقتصادي بريطاني هو أبو الاقتصاد الكلاسيكي ويعتبر كتابه الشهير ثروة الأمم (1776) أول كتاب تعرض فيه أفكار وأسس الليبرالية , وقد دعى إلى تسهيل انتقال السلع من بلد إلى آخر وتخصص كل دوله بإنتاج أي سلعه تكون كلفة إنتاجها الأقل بين باقي الدول. [3] الكابيتالية: كان المفروض أن توفر العولمة فرصة حرية انتقال الأشخاص والمعلومات ورأس المال ولكن في الحقيقة بقيت الدول الصناعية تحافظ على أسرارها العلمية والصناعية المهمة وتحميها بقوانين براءة الاختراع وغيرها (الملكية الفكرية) وترفض انتقال العمال. وهكذا بقي رأس المال وحده يمتلك حرية الانتقال فأراد البعض إرجاع توصيف النظام العالمي إلى حدوده الحقيقية لتسميتها بالكابيتالية وهو تعريب ملفق وتسمية غير شائعة وغير معترف بها والمقصود من استخدامها هو المعارضة أو التنبيه من آثار العولمة. [4] يقصد بالبعد العامودي هو ما قدمته العولمة من خلال تغيير القوانين الاقتصادية لإنهاء الحماية الكمركية وفتح الأسواق مما يساعد رأس المال العالمي في الأسواق الحرة بتفرده بعد أن كان رأس المال الوطني، وبفضل الحماية الكمركية، قادراً على المنافسة والاستمرار. بعد انتهاء هذه المنافسة توجه رأس المال إلى المزيد من التركز محققا بعدا راسيا اختراقياً في الدول النامية. [5] فلاديمير لينين، الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية (1916). [6] د. مجدي محمود شهاب، الاقتصاد المالي / نظريه ماليه الدولة - السياسات المالية للنظام الرأسمالي (بيروت: الدار الجامعية، 1990) ص 14. [7] اعتبر العراق رسميا أن الغرض من الانتماء إلى هيئة الاستثمار كمراقب سيساعده في الدخول وبسرعة إلى منظمه التجارة الدولية. [8] انظر: العرب والعولمة، مصدر سابق، مداخلة السيد هشام البساط، ص 408. [9] انظر: العرب والعولمة، مصدر سابق، مناقشة السيد محمد الأطرش، الهامش، ص 412. [10] البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منظمتين عالميتين تم إنشائهما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حسب مقررات مؤتمر بريتون وودز ويشار دائما إلى هيمنة الولايات المتحدة عليهما دور البنك الدولي تمويل البلدان لغرض التطوير وتقليل الفقر وتشجيع الاستثمار العالمي، أما صندوق النقد فيهتم بتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف وتصحيح الاختلاف في موازين المدفوعات. وتضع المنظمتين شروط اقتصادية وسياسية للدولة الراغبة في التعامل معها. [11] مصطفى نوري "التامين وتكنولوجيا المعلومات"، مجلة التامين العراقي، 17/11/2008. http://misbahkamal.blogspot.com/2008/11/blog-post_17.html [12] مصباح كمال، "إعادة رسملة وتحديث قطاع التامين العراقي" مجلة التامين العراقي، 20/5/2009. http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html [13] مصباح كمال، "الاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك"، مجلة التأمين العراقي، 13/5/2009. http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post.html [14] مصطفى نوري، "خصخصة التامين: سلبيات وايجابيات" مجلة التأمين العراقي، 24/6/2009. http://misbahkamal.blogspot.com/2009/06/blog-post_24.html

2009/07/19

نقد "مؤتمر التأمين" وتصريحات وزير المالية مصباح كمال ملاحظة عن المؤتمر عقدت وزارة المالية "مؤتمراً" عن التأمين في بغداد يوم 28 حزيران 2009. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا لم يكن هذا مؤتمراً عاماً لقطاع التأمين العراقي إذ أن الدعوات كانت موجهة لشركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية) أصلاً وقبل أيام قليلة من انعقاده قام رئيس جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين بالاتصال بالمدراء المفوضين لشركات التأمين الخاصة ودعوتهم لحضور المؤتمر. ويبدو من التصريحات التي أدلى بها وزير المالية "أنه ومنذ فترة بدأ بالاجتماع والاستماع الى وجهات نظر مدراء شركات التأمين الثلاث." ومما يثير الدهشة انه لم يجتمع بممثلي شركات التأمين الخاصة وهو الداعي إلى ما يسميه الاقتصاد الحر ودعامته القطاع الخاص. مشروع تنظيم مؤتمر لقطاع التأمين العراقي كان موضوعاً للتداول خلال الشهور الماضية بين شركات التأمين العراقية العامة والخاصة، وكذلك في اجتماعات جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين. وكنا قد تخاطبنا، كتابة وشفاهاً، بشأن المؤتمر مع بعض أركان سوق التأمين العراقي، ولا يسع المجال الإشارة إليها جميعاً ونكتفي بالإشارة إلى رسالة لنا في آذار 2009 إلى السيد سعدون مشكل خميس الربيعي، المدير المفوض للشركة الأهلية للتأمين ، ذكرنا فيها الآتي: " .. وبالنسبة لمؤتمر التأمين العراقي، الذي ستقوم جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق بعقده خلال سنة 2009، هل أن جدول الأعمال، الذي أشرتُ إليه في رسالتي، سيتضمن الآتي: 1. تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2009. 2. تفعيل ديوان التأمين العراقي. 3. مراجعة قانون الاستثمار لسنة 2006 بما يتلاءم مع دور شركات التأمين العراقية في التأمين على الأصول المتواجدة داخل العراق. 4. توريدات البضائع إلى العراق (واعتقد بأن هذا البند له علاقة ببعض القرارات التوجيهية التي أصدرتها وزارة التخطيط وهي في غير صالح شركات التأمين العراقية. وقد ضمنتَ رأيك بشأن هذه الفقرة في رسالتك المؤرخة 23/12/2008 إلى ديوان التأمين العراقي/وزارة المالية). جدول الأعمال هذا، إن كان هو المتفق عليه، متماسك فيما يخص الوضع القانوني للنشاط التأميني في العراق مع تخصيص بند لتفعيل الديوان. وأنا أرى أن يبقى الجدول ضيقاً دون التوسع فيه بإدخال بنود عن العلاقة بين شركات التأمين الخاصة والعامة، وضع هذه الشركات في إقليم كوردستان، تطبيق قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 في الإقليم أو مراجعة هذا القانون وآلية إدارته .. الخ. هذه وغيرها من البنود يمكن أن تناقش في لقاءات أخرى وإن أثيرت في المؤتمر أرى أن يؤجل البحث فيها للتركيز على الضمان القانوني لحقوق شركات التأمين العراقية." ويبدو لنا ان الإعداد للمؤتمر كان دون المستوى المتوقع من حيث وضع جدول الأعمال، وتوزيع نصوص المحاضرات والمداخلات، ودعوة ممثلي شركات التأمين العراقية كافة للمشاركة قبل وقت مناسب مما يعزز التحفظات التي لمسناها مؤخراً من بعض الزملاء في الشركات الخاصة ان عدم الاهتمام بإشراك شركاتهم وراءه رغبة الشركات الحكومية في الاستئثار بسيطرة شركاتهم على السوق. كونه أول مؤتمر للتأمين كان يتطلب الإعداد اللائق به وتقديم الأوراق الأساسية مطبوعة وجاهزة للتوزيع على شركات التأمين والمعنيين بالشأن التأميني وعلى الصحفيين أيضاً لمساعدتهم في سبك الخبر جيداً والتعليق على مجريات المؤتمر في ضوء معلومات موثقة. ومن المعروف أن منظمي المؤتمرات غالباً ما يلجئون إلى إعداد نشرات يستفيد منها الصحفيون في كتابة تقاريرهم. لكن أياً من ذلك كان مفقوداً في مؤتمر أريد أن يكون الأول من نوعه في العراق، ولعلل أركان القطاع ينتبهون إلى ذلك في مؤتمراتهم القادمة. لعلنا متعسفين في قراءة الوضع وتقييمنا الأولي ليس صحيحاً ولذلك ًنرجو من أصحاب الشأن تصحيحه، وفي ذات الوقت نتمنى على الجمعية أو أحد المشاركين في المؤتمر توثيق أعمال هذا المؤتمر ونشره في مطبوع يوزع على جميع شركات التأمين العراقية والأطراف العراقية الأخرى ذات العلاقة لضمان المتابعة والتطوير بشأن تبني المقترحات المقدمة أو التي ستقدم من قبل اللجان[1] المنبثقة عن المؤتمر ومساءلة أصحاب الشأن عن اعتمادها ومدى تطبيقها. نعتقد ان الإعداد والتنسيق لهذا لمؤتمر كان دون المستوى المطلوب فهو لم يعتمد على تقديم بحوث بالمعنى الضيق لهذه الكلمة. واقتصرت مساهمة شركات التأمين على تقديم أوراق ذات طابع عمومي من قبل شركات التأمين الحكومية وذلك دليل آخر على عدم التهيئة المناسبة للمؤتمر. وانيطت مهمة عرض موقف شركات التأمين الخاصة، على عجل، إلى المدير المفوض للشركة الأهلية للتأمين الذي ارتجل كلمة أمام المؤتمرين لم تنقل فحواها إلينا إلا أن خطابه الذي كان قد أرسله إلى وزارة المالية في 23/12/2008، والذي لم ترد عليه الوزارة أو الديوان آنذاك (ليدللان من خلال سكوتهما على عدم اهتمامهما بقطاع التأمين العراقي) أصبح الصوت الوحيد الذي يدفع نحو إعادة النظر بقوانين التأمين القائمة وبغيرها من الضوابط والتوجيهات التي تمس مصالح شركات التأمين كافة، وإن كان انتدابه مناسباً. فهو كان قد خاطب الوزارة في أواخر 2008 بشأن قضايا قطاع التأمين، واستفاد من ذلك الخطاب، بعد تحديثه، لتكون ورقة عمل للمؤتمر.[2] تحليل ونقد تصريحات وزير المالية نسبت وكالة أنباء الإعلام العراقي/واع جملة من التصريحات لوزير المالية العراقي تحت عنوان "وزير المالية: غياب وعي التأمين سببه تقصير شركات التأمين" (واع، 29/6/2009) ومنها: "قال وزير المالية باقر جبر الزبيدي ان غياب وعي التامين لدى المواطن وعدم نشره بين ابناء الشعب هو تقصير من شركات التأمين بلا شك. واضاف الزبيدي انه ومنذ فترة بدأ بالاجتماع والاستماع الى وجهات نظر مدراء شركات التأمين الثلاث، مشيرا الى انه وجد ان هذا القطاع مهمل بشكل كبير ومتخلف خاصة بعد 1980 حيث انحدر انحدارا كبيرا في اقساط التأمين والاهتمام به وصولا الى ما مر به العراق من حصار اقتصادي، موضحا انه استلم قطاعا تأمينا مهملا بالكامل حيث بدأت الوزارة خطوات الاهتمام بالشركات الحكومية ودعم القطاع الخاص حتى وصلت الى مرحلة ان تكون ذا نقله نوعية عما كانت عليه سابقا ودعا الزبيدي الى زيادة الوعي التأميني لدى المواطن حيث ان هذا القطاع يحافظ على املاك المواطن ويدعم الاقتصاد الوطني."[3] بؤس الكتابة الصحفية عن التأمين. قبل أن نقوم بتحليل وتقييم هذه التصريحات نود الإشارة أولاً إلى الصياغة الركيكة للخبر[4] فالكاتب يفترض أن القارئ العادي يعرف من هي "شركات التأمين الثلاث" حتى من دون ذكر أسمائها أو تحديد عائديتها للقطاع العام أو القطاع الخاص. ولذلك نأمل أن يكون ما نسبه مراسل الوكالة للوزير صحيحاً كي لا نظلم الوزير بالقول أن أفكاره عن التأمين غير مكتملة أو مشوشة. ونأمل من القارئ أن يأخذ هذه الملاحظة بنظر الاعتبار. لننتقل الآن للتحاور مع بعض الأفكار التي وردت في هذه التصريحات. غياب وعي التامين لدى المواطن وعدم نشره بين أبناء الشعب هو تقصير من شركات التأمين بلا شك. نتفق مع الوزير أن الوعي بالتأمين، في صورته التجارية، غائب لدى المواطن. لكن غياب مثل هذا الوعي لم يدرس بعمق ولم يخضع للبحث ولا يتعدى ما كتب عنه في العراق عبارات ذات طابع عام. وحسب علمنا، لم يخضع الموضوع لمسح ميداني أو بحث أكاديمي. ومثل هذه الدراسات ضرورية لوضع السياسات المناسبة. صحيح أيضاً أن شركات التأمين لم تقم بما يكفي لنشر الوعي بالتأمين على المستوى الشعبي لكن المعروف أن هذه الشركات تعمل من خلال منتجيها لترويج وبيع الحماية التأمينية للأفراد والشركات. الثقافة التأمينية تكاد أن تكون معدومة في العراق وهذا موضوع يستحق البحث لكن المستغرب أن يبدأ الوزير تصريحه بالحديث عنه وكأن القضية الأساسية لقطاع التأمين العراقي تكمن في غياب الوعي به! الحالة التي يصفها الوزير، دون اهتمام بالتفاصيل، كانت موجودة قبل 2003 والوضع القائم هو من ذاك الحال، ولم يعمل الوزير وأقرانه ما يغير هذا الحال. تصريح الوزير هذا، إن كان ما نقل عنه صحيحاً، هو تحريف للنظر في القضية الأساسية، ونعني بها الإهمال القانوني والدولتي للتأمين: من خلال قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وتوجيهات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، وغياب ديوان التأمين في مراقبة حسن أداء الشركات لتعاقداتها مع الجمهور وقيامه بالدعاية التنويرية. ونضيف إلى ذلك، المنتفعين من عقود الدولة الاتحادية كما في عقود حكومة إقليم كوردستان والمحافظات في الاستيراد وفي الإعمار. أما إذا كان ما يشغل ذهن وزير المالية هو موضوع الكثافة التأمينية (إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، وتعبّر عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً الى عدد السكان) في العراق فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة موثقة. الوزير والمعلقين الآخرين يرددون كلاماً عن الموضوع لم يخضع للامتحان. هناك أسئلة بحاجة إلى فحص ومنها على سبيل المثال: هل للعادات الاجتماعية والثقافة الدينية المتوارثة دور في إضعاف الكثافة التأمينية؟ أم أن المسألة اقتصادية تكمن في عدم كفاية دخول الناس لشراء الحماية التأمينية؟ البحث الميداني والأكاديمي يمكن أن يشحذ الأسئلة ويوفر جواباً. لنتذكر أن محفظة التأمين العراقية كانت، تاريخياً، غير متوازنة فالمصدر الأساس لأقساط التأمين كان من الدولة ومؤسساتها المركزية والمحلية. ولنا هنا أن نتذكر الحجم الكبير لأقساط التأمين في سبعينات القرن الماضي والتي اقترنت بسياسة تخطيطية ناقصة عرفت باسم التنمية الانفجارية[5] وخلقت اختناقات اقتصادية عديدة. ومن الغريب أن الوزير، وهو عضو بارز في حزب سياسي قائم على دعائم دينية، لم يُشر من بعيد أو قريب إلى أشكال من العمل التأميني المستعار من التأمين التجاري الغربي والمكيّف مع بعض أحكام الشريعة الإسلامية والتي يمكن أن تساهم في زيادة الطلب على التأمين، وربما تسد فراغاً في ثقافة التأمين وتغطي على ما زعمه بتقصير شركات التأمين في عدم نشر وعي التامين لدى المواطن. القطاع مهمل بشكل كبير ومتخلف. استخدام صيغة المبني للمجهول وسيلة لحرف النظر عن الفاعل المسؤول عن الإهمال والتخلف. لم يحدد الوزير من يقف وراء الإهمال، في الماضي والحاضر، والتخلف، الذي نرى إنه قد حصره بتدني أقساط التأمين. لا نتوقع منه أن يسترسل في شرح الأسباب لكن الكلام المبهم الذي اعتمده لا يغني جوع القارئ المهتم للتعرّف على العوامل التي ساهمت في انحدار القطاع وتخلفه. ذكرَ 1980 كخط فاصل لما كان عليه واقع التأمين، من حيث الإقساط، وما آل إليه بعد ذلك لكنه لم يذكر لنا أن هذه السنة دشنت بدء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وما ترتب عليه من كبح التراكم في مختلف المجالات وخسارة الكوادر وتقلص فرص تنمية المهارات .. الخ. بدأت الوزارة خطوات الاهتمام بالشركات الحكومية ودعم القطاع الخاص حتى وصلت الى مرحلة ان تكون ذا نقله نوعية عما كانت عليه سابقا. ثم يؤكد لنا الوزير بدء وزارته خطوات الاهتمام بشركات التأمين الحكومية ودعم شركات التأمين الخاصة. نسأل ونحن نقرأ هذه العبارة أية خطوات وأي دعم؟ وماذا يعني بالنقلة النوعية؟ يبدو أن العجالة وعدم توخي الدقة والعودة إلى المصادر فرضت مواقف لا تعير اهتماماً بالقضايا الأساسية التي تشغل بال إدارات شركات التأمين ومنها، على سبيل المثال، النزيف المستمر لأقساط التأمين للخارج – النتيجة غير المقصودة لتبني قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. حاولنا جادين أن نكتشف المستور في تصريح الوزير هذا لكننا فشلنا فلعله أو من يرى رأيه أو جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق يستفيضون في إغناء معرفتنا الناقصة بخطواته المتعلقة بشركات التأمين الحكومية ودعمه لشركات القطاع الخاص في الوصول إلى "نقلة نوعية عما كانت عليه سابقا." تصريحات أخرى لوزير المالية ونسبت وكالة واع أيضاً تصريحات أخرى للوزير(29/6/2009) تحت عنوان "وزير المالية يطالب شركات التأمين بتامين المواطن العراقي" جاء فيها: "طلب وزير المالية باقر جبر الزبيدي من مدراء شركات التأمين الثلاثة التفكير جديا في تأمين المواطن العراقي ... مضيفا انه من الممكن ان يدفع المواطن قسطا وعن طريقها يؤمن بها على حساباته او على شركاته او على بيته ومن هذا المجال ان يؤمن حياة كريمة لعائلته عن طريق التأمين. واضاف الزبيدي ان هناك عشرين شركة تأمين قطاع خاص لكنها ذات رؤوس اموال محدودة ولهذا طلبت من الشركات الحكومية الثلاثة ان تفكر جديا في تأمين المواطن العراقي لحماية اموالهم فالكثير من البيوت تعرضت الى التخريب والتفجير دون تأمين وبالتالي تعرض اهلها الى الخسارة." وزير المالية يطلب من مدراء شركات التأمين الثلاثة التفكير جديا في تأمين المواطن العراقي. لن نذكر ثانية ركاكة صياغة التصريحات، ولا نصحح للوزير العدد الحقيقي شركات التأمين الخاصة المسجلة لدى ديوان التأمين العراقي. ولكن، لماذا لم يطلب الوزير من شركات القطاع الخاص التأمين على المواطن العراقي وحصر الموضوع بالشركات العامة وهو الذي يجب أن يقف على مسافة واحدة من الجميع؟ فهل السبب، كما يبدو، هو محدودية رؤوس أموال هذه الشركات وهي فعلاً صغيرة مقارنة برؤوس أموال الشركات العامة الثلاث. لكن المعروف أن الشركات الخاصة بالتوازي مع الشركات الحكومية تساهم، رغم محدودية رأسمالها، في تأمين المواطن العراقي. حجم أقساط التأمين التي تكتتب بها هذه الشركات ليس معروفاً لنا لكننا نعرف بأنها تكتتب بتأمين الحوادث الشخصية، مثلاً، والحريق وبعض الأعمال الهندسية وتستفرد إحداها بتأمين بعض مخاطر الخطوط الجوية العراقية، وأخرى تعمل على تأمين أخطار سياسية، وغيرها تمارس التأمين من خلال ترتيبات الواجهة لشركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية. هل يا ترى أن الوزير قد أحيط علماً بواقع سوق التأمين العراقي أم انه اكتفى بالاستماع لوجهات نظر الشركات العامة فقط؟ وإذ يتحدث الوزير عن حماية تأمينية للمواطن في أمواله العينية "فالكثير من البيوت تعرضت إلى التخريب والتفجير دون تأمين وبالتالي تعرض أهلها إلى الخسارة" كما ذكر. ربما أراد بهذا المقترح أنظمة الحماية التأمينية الوطنية من أخطار الإرهاب المطبقة في بعض الدول الغربية لكنه لم يشرح ذلك.[6] ولا نعرف، وقت كتابة هذه المقالة، موقف شركات التأمين العامة والخاصة من هذا المقترح أو، وهو مهم أيضاً، موقف وزارة المالية إذ أن نظاماً وطنياً للتأمين ضد أخطار الإرهاب يتطلب دوراً فاعلاً ودعماً مالياً كبيراً من الدولة. حصر الوزير دعوته بشركات التأمين الحكومية. وهنا يبرز سؤالنا مرة أخرى: لماذا الشركات العامة فقط وهو الداعي إلى تبني موقف دعم وتطوير الشركات الخاصة؟ وزير المالية ومزاعم منع الشركات الأجنبية من دخول سوق التامين العراقي ذكرت وكالة أصوات العراق (29/6/2009) في خبر يحمل عنواناً مثيراً وغريباً: "شركات التأمين تدعو لمنع الشركات الاجنبية من دخول سوق التامين العراقي" الموقف التالي: "دعا عدد من مدراء شركات التأمين، الاثنين، وزارة المالية الى التعاون في منع الشركات الاجنبية من دخول سوق التأمين العراقي، وجعله حكرا على القطاع الخاص الوطني. فيما رفض وزير المالية باقر جبر الزبيدي هذه الدعوة، مطالبا [هكذا] الشركات الاجنبية بدخول السوق، وعقد شراكات مع الشركات العراقية في مجال التامين. جاء ذلك في خلال مؤتمر عقدته وزارة المالية في بغداد لمناقشة اليات النهوض بمجال التأمين، وحضر المؤتمر وزير المالية باقر جبر الزبيدي، وعدد من مدراء شركات التامين والمصارف." مرة أخرى لن نعلق على ضعف صياغة المعلومات في هذا الخبر ولكن لا بد أن نسأل من هم مدراء شركات التأمين اللذين طلبوا تعاون وزارة المالية في "منع الشركات الأجنبية من دخول سوق التأمين العراقي، وجعله حكرا على القطاع الخاص الوطني." أهُمْ مدراء الشركات الحكومية أم الشركات الخاصة أو جميعهم؟ هل حقاً هم توجهوا بمثل هذه الدعوة لوزير المالية الذي قام بدوره برفضها لإيمانه المطلق بما يسميه الاقتصاد الحر- كما جاء في مكان آخر من الخبر: "من جانبه، قال وزير المالية باقر جبر الزبيدي في كلمة له خلال المؤتمر”نرفض التوجهات لمنع شركات التامين في باقي الدول من الدخول إلى العراق، ونحن ندعو هذه الشركات لتدخل السوق العراقية؛ كوننا نتجه نحو اقتصاد السوق الحر." هل يا ترى أن هذا التصريح يعني أن الوزير لم يطلع على قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي يضم أحكاماً متساهلة تجاه دخول شركات التأمين الأجنبية إلى العراق. شركات التأمين الأجنبية دخلت العراق قبل علم الوزير أو مباركته لاقتصاد السوق الحر، فقد شرّع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لممارسة شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية ومباشرة التأمين على الأصول العراقية دون أن تكون هذه الشركات متواجدة في العراق، ودون أن تسدد رسم الطابع على الوثائق التي تصدرها أو الضريبة المفروضة على دخل شركات التأمين العاملة في العراق. في حين أن قطاع التأمين العراقي يخسر مرتين: مرة بسبب حرمان شركاته من أقساط التأمين التي تسجل لصالح شركات التأمين الأجنبية، ومرة بسبب حرمان الشركات العراقية من عمولات إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري. وهناك خسائر أخرى تتمثل بالإبقاء على الحالة المتردية للقطاع في قدراته الاكتتابية وعدم تنمية مهارات كوادره وتطوير بنية السوق، وهذه وغيرها كانت مواضيع لدراسات لنا ولزملاء آخرين منشورة في هذه المدونة.[7] على مدراء شركات التأمين العراقية المعنيين بالأمر شرح موقفهم، وهل هم قاموا حقاً بصياغة موقف محدد تجاه رفض عمل شركات التأمين الأجنبية في العراق بالشكل الذي ورد في تصريح وزير المالية؟ أرى أن هناك سوء فهم لهذا الموضوع وأغلب الظن أن الأمر لا يعدو أن يكون صياغة ونقلاً خاطئاً من كاتب الخبر. ولعل مصدر الغموض والتشوش في الفهم سببه هذه الفقرة التي أوردتها أصوات العراق في نفس الخبر: "وقال مدير شركة التامين الوطنية صادق فاضل الخفاجي في كلمة له خلال المؤتمر”بعد اقرار قانون التامين في عام 2005 اصبح السوق مفتوح على مصراعيه للشركات الاجنبية لذلك نأمل ان يتم ايجاد حلول لهذه المشكلة بالتعاون مع وزارة المالية؛ حيث ان شركات التامين العراقية تعتمد على فروع الشركات الاجنبية حاليا في عملها، وليس لديها اي مكاتب في الاقطار العربية والدول الاجنبية."[8] وهنا أيضاً عدم دقة صحفية في نقل الخبر إذ لا يغيب عن ذهن مدير عام شركة التأمين الوطنية أن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 قد تسبب بالإضرار بمصالح شركات التأمين العراقية من خلال عدم النص على تأمين المصالح والأصول العراقية لدى شركات تأمين مسجلة في العراق. أي إن القانون، وفي غياب مثل هذا النص، أباح لطالبي التأمين إجراء التأمين خارج العراق. فالمقصود إذاً هو خلو القانون من فقرة تنص صراحة على حصر تأمين المصالح والأصول العراقية من قبل شركة تأمين مسجلة في العراق ومنع التأمين على تلك المصالح مع شركة أخرى في الخارج. وهو بهذا المعنى محق بالقول إن السوق قد أصبح مفتوحاً دون قيود لشركات التأمين الأجنبية. والمطلوب تصحيح الفهم المشوه لواقع التأمين. لعله من المفيد تذكير وزير المالية بما ثبتناه في دراسات سابقة واتفق عليه عموم سوق التأمين العراقي أن شركات التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل ديوان التأمين العراقي تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية - المسجلة والمجازة من قبل الديوان وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها - من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين. وقد نشأ هذا الوضع، الذي خسرت شركات التأمين العراقية بسببه ملايين الدولارات من الأقساط مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين وكذلك إيرادات الضريبة على شركات الـتأمين، لأن قانون تنظيم أعمال التأمين لا يضم مواد إضافية لضبط الاكتتاب وضمان الالتزام بما ورد فيه (المادتين 13 و 14 من القانون). كما أن القانون يؤكد على حرية شراء منتجات التأمين وخدماته من أي شركة للتأمين أو إعادة التأمين (المادة 81).[9] وقد ذكرنا أيضاً أن مسألة إعادة النظر بهذا القانون منوط بجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق (التي كان من الأحرى تنظيم مؤتمر التأمين معها) بالتنسيق مع الأجهزة المعنية في وزارة المالية و كذلك البرلمان. ولا نغالي إن قلنا أن هناك قناعة مشتركة لدى إدارات شركات التأمين العراقية كافة أن إعادة النظر في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 سيكون عاملاً أساسياً في تفعيل دور شركات التأمين في حماية الأصول العراقية، وفي زيادة حجم أقساط التأمين التي تكتتب بها، وفي إعدادها للتنافس الحقيقي مع شركات التأمين الأجنبية عندما تؤسس وجوداً قانونياً لها في العراق وتبدأ بتسديد الرسوم والضرائب على نشاطاتها. تحريم التأمين خارج العراق، أي التأمين خارج القواعد الرقابية، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية prohibition of non-admitted insurance يجب أن يكون مثبتاً في القانون. إن كان هذا يثير حفيظة وزير المالية المستغرق بمزايا الاقتصاد الحر نذكّره بأن النص على التحريم خارج القواعد الرقابية موجود في قوانين التأمين في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي قام مفوض التأمين في إحدى ولاياتها بتدبيج الأمر رقم 10 أيام "المستبد بأمره" بول بريمر. وزير المالية وتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وجاء في خبر أصوات العراق أيضاً: ان "قانون شركات التامين لسنة 2005 [هكذا ورد في الخبر، والعنوان الصحيح للقانون المعروف باسم الأمر رقم (10) هو قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005] يحتوي على العديد من الثغرات؛ لذلك ندعوا [هكذا] شركات التامين ان تضع مقترحاتها لتعديل القانون، وفق ما يخدم مصلحة الاقتصاد العراقي." يبدو أن موضوع تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لم يناقش كما يجب في المؤتمر. وقد ورد إلى علمنا أن ممثلي شركات التأمين العراقية انتدبوا المدير المفوض لشركة التأمين الأهلية (قطاع خاص) لتقديم مقترحاته التي كان قد تقدم بها أصلاً أواخر عام 2008 لوزارة المالية دون أن تهتم بها الوزارة وقت ذاك. وقد أضاف عليه المدير المفوض فقرتين في ورشة عمل، لم تتوفر لنا تفاصيله، هما: "1 [إعادة النظر في] انفراد شركة التأمين الوطنية في إدارة المكتب الموحد الخاص بالبطاقة البرتقالية للسيارات عبر دول الجوار. 2 إعادة النظر بالتأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث السيارات وضرورة مشاركة الشركات الخاصة لشمولها بفوائد هذا النوع من التأمين مع بقاء شركة التأمين الوطنية على إدارة هذا المشروع." وهكذا فإن المؤتمر لم يكن يستهدف إبراز ومعالجة قضية قانونية أساسية ترمي بثقلها السلبي على الواقع الحالي لقطاع التأمين العراقي ومستقبله. واكتفى الوزير بالطلب من شركات التأمين تقديم مقترحات ومنها مقترحات بشأن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005– وهو موقف إيجابي نرحب به إذ أنه لأول مرة يثار، وفي العلن، موضوع الجوانب السلبية في هذا القانون. وقد يكون من المفيد عند إعداد المقترحات من قبل اللجنة المشكلة في المؤتمر بهذا الشأن الإطلاع على الدراسات العديدة المنشورة في العراق والخارج.[10] وزير المالية وتقييمه لشركات التأمين الخاصة ورد في خبر أصوات العراق تصريح وزير المالية ان ”شركات التامين الخاصة في العراق غير قادرة لوحدها ان تستلم الاعتمادات كون رؤوس اموالها قليلة؛ لذلك تحتاج الى عقد شراكات مع الشركات العالمية." لا نعرف ما الذي قصده الوزير، أو كاتب الخبر، باستخدام تعبير استلام شركات التأمين للاعتمادات. لعله أراد الإشارة إلى أن مبالغ تأمين البضائع المستوردة الخاضعة للتأمين تتجاوز رأسمال شركات التأمين العراقية منفردة ومجتمعة. إن كان هذا صحيحاً فإنه كان يتحدث عن فرع التأمين البحري. لا نرغب مناقشة أهمية كفاية رأس المال لكنه من المفيد أن نذكر أن الطاقة الاكتتابية لشركات التأمين تتعزز من خلال الاحتياطيات الفنية والحرة لهذه الشركات والحماية الإعادية، الاتفاقية والاختيارية، التي توفرها شركات إعادة التأمين. ولذلك فإن الشركات الخاصة تستطيع الاكتتاب لوحدها، أو مجتمعة من خلال ما يعرف بالمشاركة، توفير التأمين لهذه الاعتمادات. والعلة لا تكمن في رأس المال بل في القرارات التوجيهية لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي.[11] المشكلة لا تكمن في رأس المال وإنما في حرمان شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، من إجراء التأمين على السلع المستوردة وذلك لسببين: أولاً، القرارات التوجيهية لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ذات العلاقة بالتأمين على الواردات العراقية. ثانياً، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي شرّع للترخيص بالتأمين خارج العراق دون المرور على شركات التأمين العراقية. نعم، شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، في وضعها الحالي غير قادرة لوحدها واعتماداً على إمكانياتها الذاتية توفير التأمين على ما نسميه بالأخطار الكبيرة، لكن ذلك لا يمنع من مشاركتها مع بعضها في الاكتتاب بهذه الأخطار ومن ثم إعادة تأمينها اتفاقياً أو اختيارياً. لعله من المفيد أن يقوم زملاء المهنة في العراق شرح آلية التأمين وإعادة التأمين لوزير المالية ولمستشاريه. شركات التأمين الخاصة والحاجة إلى عقد شراكات مع الشركات العالمية. بما أن حديث وزير المالية ينصّبُ على رأسمال شركات التأمين العراقية فإن ما يراد من "عقد الشراكات" التي يدعو لها هو مساهمة رأس المال الأجنبي في رأسمال شركات التأمين الخاصة، ربما لقناعته أن رأسمال الشركات العامة كافية. المشاركة التي يدعو لها هو أحد أشكال الاستثمار الأجنبي المباشر (direct foreign investment) غير العيني. مثل هذه الشراكة قائمة لدى عدد من شركات التأمين الخاصة، والتوجه موجود لدى غيرها من شركات التأمين الخاصة التي لم تستطع بعد في جذب شركاء أجانب إليها. إدارات شركات التأمين العراقية تعرف مشاكلها لكنها لم تلق بعد دعماً من وزارة المالية وغيرها من الوزارات والمؤسسات الرسمية. وما الموقف الذي أبان عنه وزير المالية إلا مصداقاً لغياب الدعم التي تطلبه شركات التأمين العراقية. وعلينا القول أن ما يمنع الشراكة الأجنبية هو عدم استقرار الوضع الأمني بالقدر الذي يطمئن المستثمر الأجنبي. القضية الأساسية التي لا يشير إليها وزير المالية في تصريحاته تكمن في غياب سياسة اقتصادية واضحة رغم الإشارات التي ترد في التصريحات لاستقدام الاستثمارات الأجنبية كإحدى وسائل التنمية الاقتصادية. الهروب نحو الاستثمار الأجنبي، كما هو معروض علينا، يعبر عن قصور في دراسة وفهم الواقع، وهو ترديد لوصفات جاهزة، وهو إعفاء للدولة ومؤسساتها لتكون الحاضنة لرأس المال الوطني – كما هو عليه الوضع في . وسيظل رأس المال الوطني ضعيفاً في مساهمته في التنمية الاقتصادية طالما أن التفكير منصب على أن مصادر التنمية موجودة في الخارج.[12] لنسأل أخيراً: ما هو دور وزارة المالية في دعم قطاع التأمين العراقي؟ في تصريحات سابقة له أراد وزير المالية الاستفادة من قطاع التأمين من خلال تفعيل شركات التأمين لتعزيز موارد الدولة (أنظر مصباح كمال: "تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/6-2009.html وقتها سألنا "ما الذي عملته وزارة المالية كمساهمة في تفعيل دور شركات التأمين؟ وسؤال آخر: هل كانت شركات التأمين في سبات وقد آن الأوان لتفعيل دورها؟ الوزير ومعاونوه ومستشاريه هم كمن يحاول استعمال إصبع لوقف "فيضان" هدر المال العام في غياب إستراتيجية اقتصادية واضحة وحكومة تفتقد إلى ممارسة المسؤولية الجماعية." لنسأل وزير المالية مجدداً: ما الذي عملته وزارته لقطاع التأمين العراقي بعد أن "استلم قطاعا تأمينا مهملا بالكامل حيث بدأت الوزارة خطوات الاهتمام بالشركات الحكومية ودعم القطاع الخاص حتى وصلت الى مرحلة ان تكون ذا نقله نوعية عما كانت عليه سابقا" كما يدعي في تصريحاته؟ هل له أن يوفر لنا جرداً بالقرارات التي اتخذتها الوزارة لصالح هذا القطاع؟ هل له أن يشرح لنا لماذا وضعت مخاطبة إحدى شركات التأمين الخاصة للوزارة في الحفظ ولم يقم الجهاز المعني في وزارته، ديوان التأمين العراقي أو الدائرة المسؤولة في الوزارة، مجرد الإقرار باستلام الخطاب؟ ما الذي عمله بالنسبة لتوفير الكادر المهني لديوان التأمين العراقي كي يستطيع القيام بمهامه؟ هل قام بمساءلة الديوان عن أداء دورها المنصوص عليه في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005؟ ما الذي عمله لتسهيل إعادة فتح فروع ومكاتب شركات التأمين العامة، وكذلك رغبة شركات التأمين الخاصة في فتح الفروع، في إقليم كوردستان؟ هل سيترك الجهود المبذولة لحد الآن مع حكومة إقليم كوردستان تذهب سدى وتبقى موضوعاً للمساومة من قبل حكومة الإقليم؟ ما هي الإجراءات التي اتخذها لتسهيل سفر مدراء وموظفي شركات التأمين العامة إلى الخارج لمتابعة أعمال شركاتهم؟ وهل أوعز بإعادة صياغة صلاحياتهم المالية بما يتيح لهم التواجد الفوري والسريع الذي تتطلبه بعض الصفقات في السوق الدولية للتأمين، وتسويق شركاتهم في المؤتمرات والندوات التأمينية العربية؟ هل قام أو مستشاريه بدراسة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005؟ هل أشار على الوزارات والمؤسسات الرسمية والمتعاقدين معها من العراقيين وغير العراقيين التأمين على أنشطتها لدى شركات التأمين العراقية؟ هل طالب محرري العقود الإنشائية للدولة النص على تأمين المخاطر في العراق مع شركات تأمين عراقية؟ هل سمع بنزيف أقساط التأمين من العراق إلى الخارج وعمل ما من شأنه وقف هذا النزيف؟ أو ليس هو مهتماً برفد الخزينة بالرسوم والضرائب المفروضة عل وثائق التأمين وشركات التأمين؟ هل سارع إلى الضغط على رفع تجميد أموال جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية؟ هل قام بتكليف شركة استشارية عراقية أو مؤسسة أكاديمية عراقية أو لجنة مشكلة من داخل قطاع التأمين العراقي بدراسة وبحث قضايا القطاع؟ كنا نتمنى أن يقوم زملاء المهنة في العراق أو جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين بمناقشة مهنية لتصريحات وزير المالية للتدليل على متابعتهم لما ينشر عن قطاع التأمين. ربما قالوا الكثير في المؤتمر واقترحوا وأوصوا وطالبوا لكن أياً من ذلك لم يصل إلى علمنا، ونحن بانتظار ما سيحققونه في أرض الواقع. لعل هذا المؤتمر سيشكل بداية لتوجه جاد لدراسة قضايا قطاع التأمين العراقي من موقف علمي يعتمد رؤية وطنية، ونعني بها رؤية تقوم على تقديم مصالح شركات التأمين العراقية على غيرها وتعمل من أجل تأسيس سوق اتحادي تأميني مشترك. وحتى تتوضح هذه الرؤية وتترجم نفسها في سياسة تأمينية وطنية ما علينا إلا المتابعة والرصد والمناقشة لأننا لا نملك من الأدوات غير النقد العلمي للواقع وتقديم ما نستطيعه من مقترحات. ونحن بانتظار مشاركة زملاء المهنة في هذا الجهد كي يكون ترحيبنا بالمؤتمر القادم، إن انعقد، أكثر حماساً. لندن 15 تموز 2009
[1] لا نعرف إن قام المؤتمر بتشكيل لجان متخصصة من ممثلي شركات التأمين العامة والخاصة لمتابعة المقترحات أو التوصيات. [2] ورقة العمل متوفرة لدينا لمن يود الإطلاع عليها أو يمكن طلبها مباشرة من الشركة الأهلية للتأمين على العنوان الإلكتروني التالي: info@aic-iraq.com [3] تصريحات الوزير، التي ستكون موضوعاً لمقالتنا، وردت في وكالة أنباء الإعلام العراقي/واع بتاريخ 29/6/2009، وكالة أصوات العراق (29/6/2009) وجريدة الحياة (2/7/2009)، وهي المصادر التي استطعنا التوفر عليها. وقد سألنا زميلاً لنا في بغداد إن كان الوزير قد ألقى كلمة مكتوبة على المؤتمرين فقيل لنا بأنه أرتجلها. أصوات العراق أوردت خبر المؤتمر وتصريحات وزير المالية تحت عنوان "شركات التأمين تدعو لمنع الشركات الأجنبية من دخول سوق التامين العراقي." [4] الكتابة الصحفية العراقية عن النشاط التأميني يثير الحزن لعدم دقة ووضوح ما ينشر من خبر أو تعليق. وقد نشرنا بهذا الشأن في مجلة التأمين العراقي (مدونة الإلكترونية) تعليقاً قصيراً في 5 آذار 2008 بعنوان: "ملاحظة نقدية على خبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران" نقتبس منه الفقرة التالية: "قلما تنشر الصحافة العراقية أخباراً وتعليقات عن النشاط التأميني في العراق. وقد يعود سبب ذلك إلى عدم اهتمام قراء الصحف بهذا النشاط أو عدم اهتمام المحررين بالموضوع. ونضيف إلى ذلك ضعف، أو قل انعدام المبادرة، لدى شركات التأمين ذاتها في ترويج دورها وإصدارها لمواد صحفية للنشر وهو أمر مألوف في العلاقات العامة. هذه الحالة ليست مقتصرة على العراق إذ أن صحافة العديد من الدول العربية أيضاً لا تبالي كثيراً بقطاع التأمين. ولعل هذا الوضع يفصح عن الدور الثانوي والضعيف الذي يحتله التأمين في مجمل النشاط الاقتصادي لهذه البلاد. وإن نهضت الفرصة لتوريد خبر أو نشر تعليق فإنه يكتب بلغة ضعيفة وعدم اهتمام بصحة المعلومات والصياغة اللغوية." http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html وقد قمنا فيما بعد بتحليل نماذج الكتابة الصحفية عن النشاط التأميني تحت عنوان "أخبار التأمين في الصحافة" يمكن قرأتها في المدونة باستخدام هذا الرابط: http://misbahkamal.blogspot.com/2008/07/1-5-2008.html [5] د. صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني (1951-2006) (بغداد/دمشق/بيروت، 2009)، الفصل الثالث: تخطيط التنمية في عقد السبعينات. [6] للتعرف على بعض هذه الأنظمة انظر د مصطفى رجب "الحلول الوطنية لتأمين خطر الإرهاب" التأمين العربي، العدد 99،كانون الأول/ديسمبر 2008. [7] أنظر على سبيل المثال: مصباح كمال "تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية" مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/6-2009.html [8] ربما جاء نقل ما ذكره مدير عام شركة التأمين الوطنية من قبل وكالة الأنباء أن "شركات التامين العراقية تعتمد على فروع الشركات الأجنبية حاليا في عملها" خاطئاً أو ناقصاً. فالشركات ليس لها مكاتب في إقليم كوردستان العراق فكيف يكون لها "مكاتب في الأقطار العربية والدول الأجنبية" ورأسمالها ضعيف وكذلك قدراتها الاكتتابية، وهل هي في وضع مالي وفني تستطيع فيه أن تلبي متطلبات هيئات الإشراف والرقابة في هذه الدول؟ [9] نفهم أهمية حرية الاختيار لكن هذه الحرية ليست مطلقة حتى في الديمقراطيات الغربية، فهي مقيدة بقوانين ومؤطرة بأعراف. المادة 81 جاءت مطلقة لتعزز حرية طالب التأمين شراء منتجات وخدمات التأمين من خارج العراق. وبالنسبة لشراء منتجات وخدمات إعادة التأمين فإن إعادة التأمين الإلزامي لنسبة من محافظ تأمين شركات التأمين العراقية لدى شركة إعادة التأمين العراقية قد ألغيت قبل 2003 ومن الطبيعي أن تبحث شركات التأمين العراقية، وكذلك شركة إعادة التأمين العراقية، عن أفضل معيدي التأمين لشراء الحماية الإعادية منهم. [10] تضم مجلة التأمين العراقي العديد من الدراسات عن هذا القانون ومنها: محمد الكبيسي: "دعوة لتعديل قانون تنظيم أعمال التامين لسنة 2005" http://misbahkamal.blogspot.com/2008/12/2005-2004.html ضياء هاشم: "مشاكل شركات التأمين الخاصة في العراق" http://misbahkamal.blogspot.com/2008/06/1964-2000.html فؤاد شمقار: "في الدفاع عن قطاع التأمين العراقي" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/1.html جبار عبد الخالق الخزرجي: "وقفة جادة مع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/01/2005-10-2005-3995-232005.html [11] أنظر: مصباح كمال "نزيف أقساط التأمين في العراق" مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/blog-post_23.html [12] كتبنا في نيسان 2009 دراسة بهذا الشأن تحت عنوان "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً" لتقدم في الندوة العلمية حول "أداء السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة" المزمع عقدها في برلين في النصف الأول من شهر آب/أغسطس 2009. لم تنشر الورقة بعد.

2009/07/09

نحو رفض مقترح تأسيس اتحاد لشركات التأمين العراقية: حوار مهني مع السيد عبد السادة الساعدي مصباح كمال

حاول الزميل المحامي منذر عباس الأسود نشر مقالتنا الحوارية في جريدة البينة إلا أن هيئة التحرير أهملتها ولم تبين السبب. بعدها أوصل زميلنا مقالتنا للسيد عبد السادة الساعدي ولم يرد منه أي جواب. آثرنا لذلك نشر مقالتنا في المدونة لأن موضوعها قضية تمس قطاع التأمين العراقي برمته.

نشرت جريدة البينة في صفحة "قضايا" مقالة في جزأين للسيد عبد السادة الساعدي تحت عنوان "نحو تأسيس اتحاد لشركات التأمين في العراق" (البيئة، العددان 808 و 810، 26 و28 كانون الثاني 2009). وقد تفضل السيد المحامي منذر عباس الأسود بتوصيلها إلينا. قام الزميل المحامي بالتصدي لبعض المعلومات والآراء التي وردت في المقالة. (البينة، العدد 228، 1 آذار 2009 ). ولا يسع المرء إلا أن يسر بنشر المقالة ومن ثم التعليق عليها، لشحة ما ينشر في الصحافة العراقية عن واقع التأمين وقضاياه الأساسية، وفقر المتابعة لما ينشر. ولذلك فان إقدام المحامي الأسود على التعليق يستحق منا الشكر لأنه فيما كتب أفاد القارئ من خلال تقديم معلومات مختصرة وسريعة عن التأمين في العراق وكذلك تصحيح بعض المغالطات التي تضمنتها مقالة السيد الساعدي. وقد رأينا أنه من المناسب مناقشة مقالة الساعدي بتفصيل أكبر إتماما للفائدة وتوسيعا لدائرة النقاش رغم أن التأمين، كمفهوم وآلية وممارسة، لا يجد له مكانا كبيراً في تفكير الناس وحتى لدى إدارات معظم المؤسسات الحكومية والتجارية. لكننا نؤمل أنفسنا باهتمام القراء المعنيين بالنشاط التأميني. نشكر السيد الساعدي على إثارته لبعض القضايا التي تستحق التأمل والكثير من التحليل والبحث. ---oOo--- يبدأ الساعدي مقالته بالقول أن "الغاية من تأسيس شركات التأمين هي لتحقيق الأرباح" ثم يضيف بأنها تقوم بتوفير "الحماية والضمان للثروة الوطنية والبشرية". وهذا القول صحيح بالنسبة لشركات التأمين التجاري إذ أن الغاية الربحية، بالمعنى الضيق، مفقودة في الأنماط المختلفة للتأمين الاجتماعي وفي التأمين التكافلي. لم نجد مبررا لهذا المدخل إذ أنه لا يستقيم مع موضوع المقالة: مقترح تأسيس اتحاد جديد لشركات التأمين العراقية. ولم يكتفي الكاتب بهذا المدخل بل راح يسترسل في التحدث عن العلاقة التعاقدية بين شركة التامين والمؤمن له، ويقحم موضوع التعويض في عرضه ويذكر، في السياق الخطأ، حلول شركة التأمين " محل مالك الوحدة الاقتصادية [هكذا]". والحلول، كما يعرف العاملون في التأمين، مفهوم قانوني له شروطه وينصب على حق شركة التأمين بالرجوع على مسبب الضرر الذي يلحق بالمؤمن له. من درس منا في الفرع الأدبي، في مرحلة ما قبل الجامعة، يعرف أن إقحام العبارات غير الضرورية والمفاهيم غير المرتبطة مباشرة بالموضوع قيد الدرس يدخل في باب الحشو. ونأمل من الكاتب أن يتخلص من الحشو مستقبلا. بعد ذلك يتحول الكاتب نحو شن هجوم على ما يسميه تخلف شركات التأمين الحكومية "التي كانت تحتكر خدمات التامين .. في تقديم خدماتها للمستفيدين والسوق العراقية.." مقالته سجالية وفيها ما يقترب من إدانة لأفراد ومؤسسات لا ينهض بها الواقع، في الماضي أو الحاضر، كما أشار المحامي منذر الأسود في تعليقه، ما لم يكيف هذا الواقع من خلال التحليل الملموس لتقديم صورة موضوعية ومنصفة. ومن المؤسف أن الموقف السجالي للكاتب يلقي ظلا سلبيا على مشروعه لتأسيس اتحاد شركات التامين. ولولا هذا الموقف لكنا قد تحاورنا معه بصيغة مختلفة. ---oOo--- اتحاد شركات التأمين التي يدعو لها السيد الساعدي يذكرنا، من خلال تركيبته ووظائفه وموقعه في السوق، بالمؤسسة العامة للتأمين التي ألغيت سنة 1987 وتم تحويل بعض مهامها الإشرافية والرقابية إلى وزارة المالية آنذاك. فاللجان الدائمة في اتحاده المقترح تذكرنا بمثيلاتها في المؤسسة (راجع: النظام الداخلي للمؤسسة العامة للتأمين والمنشآت التابعة لها وفق قانون المؤسسات العامة رقم 166 لسنة 1965 http://www.iraqilegislations.org/LoadLawBook.aspx?SC=020119983852826 لا نريد استعادة التفاصيل ونكتفي بالقول ان المؤسسة كانت تقوم بمهام الرقابة على شركات التأمين، وكانت تضم مجلساً للإدارة ولجنة استشارية، وعددا من الدوائر المختصة: الدائرة الفنية، الدائرة المالية، الدائرة القانونية، و دائرة العلاقات العامة. وكان تنظيم النشاط التدريبي لتأهيل كوادر الشركات أحد أهم النشاطات التي تولتها دائرة العلاقات العامة. ---oOo--- في عرضه لمشروعه لم يذكر لنا الكاتب شيئاً عن مصير ديوان التأمين العراقي (الجهاز الرقابي) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق (المعنية بمصالح الشركات). وكلاهما تأسسا بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، في حين ان مشروع الساعدي لا ينهض على أساس قانوني واضح. اكتفى بالقول إن الديوان والجمعية لا تقومان بوظائفهما. فهو يجزم أن "وزارة المالية ومن خلال ديوان التأمين المعطل ستكون عاجزة عن الإشراف على هكذا عدد من الشركات [يقصد شركات التأمين الخاصة الذي قدر عددها خطأً بثلاثين شركة وسنأتي على ذكرها فيما بعد] ... وبدليل أن ديوان التأمين ليس لديه حتى الآن كادر واحد ذو خبرة وكفاءة في أعمال التأمين .." أما "جمعية التامين الموجودة بالاسم فقط فليس لها أي دور في هذا المجال [هل يقصد الإشراف والرقابة وهي ليس، ويجب أن لا تكون، ضمن مهام الجمعية؟] كما أن طبيعتها التشكيلية لا تؤهلها للقيام بالواجبات المطلوبة .." أهذا سبب كافٍ لخلق كيان جديد يسميه اتحاداً يجمع، خطأً، بين الوظيفة الرقابية ومصالح شركات التأمين؟ وهل أن تأسيس اتحاده المقترح سيلغي وجودهما مثلاً؟ لم يوضح الكاتب هذا الأمر. إن كان الديوان معطلاً، وقد وصفه البعض بأنه ولد ميتاً وهو قول قاسي جداً ربما ينم عن يأس في تحقيق التقدم، أليس من المناسب تحليل أسباب الوضع الذي هو عليه، وتقديم مقترحات لتفعليه من خلال استخدام الكوادر المؤهلة مثلاً؟ وكذا الأمر بالنسبة للجمعية. لم الرجوع إلى دائرة الصفر بدلاً من البناء و إعادة البناء على ما هو قائم؟ يذكرنا مشروع السيد الساعدي بقرارات الاحتلال الأمريكي (سلطة "المستبد بأمره" بول بريمر الثالث) في تفكيك مؤسسات الدولة العراقية دون اعتبار لعواقب هذه القرارات التي ما زال العراق وأهله يعاني منها ودفع عنها ثمناً بشرياً ومادياً باهضاً. نعرف أن التغيير صفة ملازمة للحياة لكنه لا يلغي الاستفادة من التراكم المعرفي والعملي، فبفضل التراكم تجترح الحلول وتقدم المقترحات وتجدد المؤسسات. لذلك لا نرى سبباً كافياً لتجاوز المؤسسات التنظيمية لقطاع التأمين (الديوان والجمعية)، ولعل وراء اقتراح مشروع لتأسيس اتـحاد جديد لشركات التأمين أغراض معينة لم يفصح عنها الكاتب. نأمل منه أن يكشف عنها بدلاً من الاحتماء وراء تسفيه ماضي النشاط التأمين والقراءة التعسفية لتاريخه والانتقاص مما تبقى منه بعد 2003 وكأنه بذلك يؤسس أرضية صلبة لإطلاق الاتحاد. لقد صبّ الكاتب غضبه المبطن على أفراد ومؤسسات ونسى، أو تناسى، قضايا أساسية تمس الوضع الحالي لشركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، ومستقبلها في ظل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. فهو ليس معنياً بتسريب أقساط التأمين المباشر إلى شركات تأمين أجنبية بفضل هذا القانون الذي لم ينص على تأمين الأصول والمسؤوليات مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة العمل من قبل ديوان التأمين كما هو الحال في أسواق التأمين العربية. كما أنه ليس معنياً بالتنظيم الوطني لسوق التأمين (الفيدرالي الذي لم يتشكل بعد)، وقضايا أخرى تستحق الدراسة. في مقالة لنا بعنوان "جدول أعمال: مسح سريع لبعض قضايا وهموم السوق العراقي للتأمين،" منشورة في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، استعرضنا خمسة عشر موضوعاً اعتبرناها، وقتها، تستحق الاهتمام والبحث. شملت عناوين هذه المواضيع، حسب تسلسلها الألفبائي، ما يلي: إحصائيات السوق، تأمين السيارات الداخلة إلى إقليم كوردستان، تجاوز شركات التأمين العراقية من قبل الشركات الأجنبية والمؤسسات الحكومية وحكومة إقليم كوردستان، جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين، ديوان التأمين العراقي، الشركات العراقية في إقليم كوردستان، شركة إعادة التأمين العراقية، عضوية شركات القطاع الخاص في الاتحاد العام العربي للتأمين، قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الكوادر الفنية في قطاع التأمين، مجلة للتأمين، المكتب الموحد، منظمة التجارة العالمية وعضوية العراق، وزارة المالية. (يمكن قراءة هذه المقالة باستخدام الرابط التالي: http://misbahkamal.blogspot.com/2008_04_01_archive.html) لا نتوقع من الكاتب أن يتناول مثل هذه القضايا في مقالة واحدة لكننا نتوقع منه الإشارة إلى بعضها خاصة وأنه كرسّ القسم الأول من مقالته لتقديم ما نراه صورة ناقصة، إن لم تكن مشوهة، عن تاريخ التأمين في العراق وواقعه الحالي. ففي زعمه عن تخلف شركات التأمين الحكومية، وهو موضوع بحاجة إلى دراسة معمقة موضوعية، أكد ما يلي: وقد تخلفت شركات التأمين الحكومية التي كانت تحتكر خدمات التأمين كثيراً في تقديم خدماتها للمستفيدين والسوق العراقية قياساً على التطورات السريعة التي شهدتها خدمات شركات التأمين العالمية للمستفيدين والأسواق وذلك يعود إلى جملة من العوامل التي وراء هذا التخلف والتي كان منها سيطرة الدولة المطلقة على هذا القطاع وتسيره وفق مفهوم المركزية الضيقة لسياسة الدولة الاقتصادية والخدماتية وبسبب هذا تجاهلت الشركات الحكومية تلبية الكثير من حاجات السوق إلى الخدمات التأمينية رغم تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتغير سلوك المستهلك العراقي إضافة إلى العقود [هكذا] المركزية الصارمة التي وضعتها الدولة على حركة الشركات وجهل الوزراء التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي تقدمه للاقتصاد والمجتمع إضافة إلى فرض إدارات هزيلة غير كفؤة ولا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة الشركات وكذلك إخضاعها تماما تحت هيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وربطها بعجلة المجهود الحربي الدائمي للنظام البائد لأكثر من ثلاثون [هكذا] سنة." لا نعرف عن أية فترة يتحدث الكاتب فمنذ تأميم شركات التأمين سنة 1964 مرَّ قطاع التأمين بتغييرات متعددة ومنها بدأ التغيير في بنية سوق التأمين بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، وتأسيس أول شركة تأمين خاصة بفضل هذا القانون سنة 2000. هو يعزي تخلف شركات التأمين المؤممة المحتكرة للنشاط التأميني خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود إلى: سيطرة الدولة المطلقة على قطاع التأمين جهل الوزراء التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي يقدمه التأمين للاقتصاد والمجتمع فرض إدارات هزيلة غير كفؤة ولا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة الشركات إخضاع الشركات لهيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وربطها بعجلة المجهود الحربي الدائمي للنظام البائد هذه العوامل قابلة للنقاش في ضوء التجربة التاريخية. إطلاقها دون تقييد لا يساعد في فهم ما يعنيه الكاتب بتخلف شركات التأمين الحكومية. فهو لم يحدد لنا معيار التخلف: أهو حجم أقساط التأمين المكتتبة، أهو كفاءة العاملين في الشركات الحكومية، أهو الفشل في حماية أصول الدولة والمؤسسات التجارية الخاصة والأفراد، أهو الامتناع عن تسديد المطالبات بالتعويض، أهو الفشل في إدارة إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري، أهو القصور في السياسة الاستثمارية .. الخ. هل حقاً أن إدارات شركات التأمين وإعادة التأمين الحكومية كانت هزيلة؟ أحقاً أن مدراء من طبقة د. مصطفى رجب (شركة إعادة التأمين العراقية)، أ. عبد الباقي رضا (شركة التأمين الوطنية)، أ. مدحت الجراح (الشركة العراقية للتأمين)، على سبيل المثال مع الاعتذار للآخرين ممن لم نذكرهم، ومعاونيهم الفنيين كانوا فعلاً غير كفوئين، وكانت إمكانياتهم الفنية واللغوية وخبراتهم هزيلة؟ وأين نضع الآخرين من ممارسي التأمين العراقيين ممن أداروا ويديرون شركات التأمين في بعض أسواق التأمين العربية أو يحتلون مواقع مهمة فيها؟ هل هناك حقاً علاقة سببية بين سيطرة الدولة على قطاع التأمين والتخلف المزعوم للقطاع؟ هل أخضعنا هذه العلاقة للتحليل، لبيان تخلف القطاع أو تعثره أو تحسين مكانته مقارنة بالماضي أو مقارنة مع أسواق التأمين العربية آنذاك، في ضوء بعض الاعتبارات ومنها إيرادات أقساط التأمين، والاستثمارات، وتدريب العاملين .. الخ. وأمر آخر، هل أن سيطرة الدولة تحد من حسن الإدارة الفنية لشركات التأمين؟ هل كانت الشركات الحكومية تتمتع بدرجة من الاستقلالية في إدارة شؤونها الفنية وفي تعاملها مع شركات إعادة التأمين والوسطاء الدوليين؟ هل أن "جهل الوزراء الذين تعاقبوا على إدارة الوزارة التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي يقدمه التأمين للاقتصاد والمجتمع" كان، على سبيل المثال، حائلاً دون تعظيم الشركات لأقساطها وإدخال منتجات تأمينية جديدة؟ ترى هل أن هذا الجهل قد توقف الآن، وأن الوزراء المعنيين بقطاع التأمين يعملون بدأب على إخراج القطاع من تخلفه التاريخي؟ قد لا نختلف مع الكاتب حول الآثار السلبية لإخضاع الشركات، في فترة معينة، لهيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وبعدها ربط الشركات بعجلة المجهود الحربي الدائمي لـ "مهندس المقابر الجماعية" ونظامه البائد. لكنه لم يحدد لنا ما هي هذه الآثار. هذا الجانب من الموضوع لم يخضع للدراسة وما كتب عنه ظل محصوراً بالتعميمات رغم أننا قد حاولنا تلمس بعض جوانبه في دراسات سابقة لنا. السؤال الكبير الذي يستحق البحث هو مدى تماهي قطاع التأمين، في الفترة التي يخصها الكاتب بتعميماته، مع سياسات الحزب الشمولي الحاكم منذ 1968 لحين إسقاطه في 2003 وفيما إذا كان لهذا الحزب سياسة تأمينية يمكن تحديد ملامحها وإخضاعها للتحليل؟ وما نتذكره هو الثناء على قطاع التأمين في أحد مؤتمرات حزب البعث لكننا لا نتذكر التاريخ وتفاصيل الثناء. نزعم أن تاريخ النشاط التأميني في العراق لم يخضع للبحث الموضوعي على المستوى الأكاديمي أو مستوى شركات التأمين ذاتها. البحث في هذا التاريخ بات مطلوباً لا للتنبوء بمجريات الأحداث في المستقبل (الموقف التاريخاني) بل الاستفادة من نتائج الدراسة في تجنب الوقوع في أخطاء وممارسات غير مثمرة أو غير أخلاقية أو تنتقص من استقلالية شركات التأمين في إدارة شؤونها، وفي إثارة الأسئلة عن التوجهات المستقبلية. وقد قمنا بدراسة بعض جوانب النشاط التأميني أثناء فترة الحكم الشمولي (1968-2003) نشرنا بعضها في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية وفي مطبوعات أخرى، إلا أن هذه الدراسة ناقصة في المعلومات وفي البيانات وفي الربط مع حركة الاقتصاد العراقي والتغيير في البنية الاجتماعية. ---oOo--- مما يؤسف له أن السيد الساعدي لا يبالي بصحة المعلومات التي يقدمها. فهو يؤكد: "وبعد 9/4/2003 اتاحة [هكذا] سياسة الاقتصاد الحر التي تبناها نظام الحكم الجديد في العراق فرصة سانحة لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاع التأمين بشكل متسارع مما ساعد على ظهور ما يناهز ثلاثين شركة أهلية تمارس أعمالها الآن في سوق التأمين العراقية عدا تلك التي تحت قيد التأسيس والتي يتوقع أن يصل عدد الشركات بنهاية العام الحالي إلى مئة شركة استناداً إلى طلبات حجز الأسماء التجارية المقدمة إلى غرفة التجارة." تقديم معلومات خاطئة عن عدد الشركات أمر يستوجب التصحيح من قبل الكاتب أو من محرر صفحة قضايا في الجريدة كي لا تنطبع المعلومة الخاطئة في ذهن القارئ. كان بإمكان السيد الساعدي مخاطبة ديوان التأمين العراقي لمعرفة عدد شركات التأمين المجازة من قبل الديوان لممارسة التأمين وقت كتابته لمقالته. وقد أكد الديوان (رسالة إلكترونية مؤرخة في 10 شباط 2009) صحة المعلومات المتوفرة لدينا أن هناك سبعة عشر شركة تأمين بضمنها شركة متخصصة بإعادة التأمين. ومع ذلك فإن السيد الساعدي يثير قضية أساسية ترتبط بازدياد عدد شركات التأمين وضعف الرقابة على أعمالها ونعني بها قيام الفرص لغسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال، الذي يشجع عليه أيضاً مناخ الفساد الإداري والمالي القائم. فهو يتوقع مع تعاظم عدد شركات التأمين قيام: "منافسة شديدة وحامية للفوز بأكبر عدد من عقود التأمين ... وحتماً ستتسبب هكذا منافسة بحصول عدد هائل من المشاكل المعقدة بين الشركات على الصعيد التسويقي وجمهور المؤمن لهم، وستظهر حتماً المخالفات المالية والفنية والقانونية. [إزاء ذلك] من الذي يتولى مراقبة عمليات غسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج تحت أغطية الإعادة الوهمية؟" لنلاحظ أولاً أن المنافسة (التامة أو الناقصة) صفة ملازمة لما يسمى بالاقتصاد الحر، وهي تؤدي إلى بروز ممارسات غير سليمة، اقتصادياً وقانونياً، وغير أخلاقية على الصعيد التسويقي وجمهور المؤمن لهم. وهذا هو الوضع الذي يستدعي وجود نظام رقابي جيد لضبط عمل الشركات وحماية حقوق ومصالح المؤمن لهم، أفراداً ومؤسسات، من سوء تصرفها. يخشى الكاتب، ونشاركه في ذلك، أن يؤدي الوضع التنافسي المنفلت، غير الخاضع لرقابة واضحة وصارمة، بين شركات التأمين، إلى الاتجار بغسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج تحت أغطية الإعادة الوهمية. وهذه، أي الإعادة الوهمية، مسألة مهمة تمس مصالح مساهمي شركات التأمين والاقتصاد الوطني لعل الكاتب يجد الفرصة المناسبة للتوسع في الكتابة عنها. وربما يعرف أن تاريخ سوق لويدز في لندن، على سبيل المثال، وهو السوق الأكثر عراقة في تاريخ التأمين، قد شهد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي حالات عديدة من أغطية إعادة التأمين الوهمية بسبب غياب الرقابة المستقلة على أعمال السوق إذ أن لويدز كانت وقتها تتمتع بامتياز الرقابة الداخلية على عمل وكلاء الاكتتاب والنقابات الاكتتابية. وهو وضع، أي الرقابة الداخلية، لم ينتبه السيد الساعدي إلى آثارها السلبية المحتملة عندما ذكر أن "الاتحاد المأمول سيشكل من رحم الشركات ومن كوادرها فهو المؤهل الوحيد للقيام بالأعمال التي تناط به." يناقض الكاتب نفسه فيما يخص القبول بالمنافسة بين شركات التأمين، الصفة المرتبطة بالاقتصاد الحر، عندما يقرر في مشروعه أن "لجنة شؤون التسويق واللجنة الفنية مسؤولة عن إدارة الخطر [خطر من؟] وتحديد الأسعار العامة." التدخل في تحديد الأسعار يذكر بالتعرفات الملزمة. كيف يستقيم تحديد الأسعار (من قبل الدولة أو هيئات الرقابة أو جمعيات شركات التأمين) مع المنافسة المفتوحة؟ أهو معني بتحديد حد أدنى لسعر التأمين؟ هذا يذكرنا مرة أخرى بأحد الوظائف التي كانت المؤسسة العامة للتأمين تقوم بها. ---oOo--- لن نجادل في تفاصيل مشروع الكاتب لتأسيس "إتحاد شركات التأمين في العراق" الذي يريد منه أن يكون جامعاً لتنظيم العلاقة بين شركات التأمين وتطويرها، وتنظيم المنافسة بينها وكذلك القيام بالوظيفة الرقابية على الشركات. ويبدو أن الكاتب يسئ فهم الوظيفة الرقابية مثلما يسئ فهم الاقتصاد الحر. وظيفة الإشراف والرقابة يجب أن تكون مستقلة عن شركات التأمين وهي كذلك في الدول الأخرى ذات الاقتصاد الحر. والكاتب في تبريره للمشروع يقدم معلومة خاطئة عندما يقول أن المشروع سيكون مساوياً لما هو قائم "بالدول العربية والإقليمية والعالمية ذات النشاط الاقتصادي الحر" فالهيئات الرقابية في هذه الدول تتمتع باستقلالية ولا تخضع لتدخل أطراف أخرى سياسية أو تجارية. ونضيف: إن اتحاده المقترح لا يستطيع أن يقوم بوظيفته ما لم يكن مسلحاً بسلطات قانونية ذات طبيعة إلزامية تجاه شركات التأمين، وهو ما لم يأتي على ذكره. ---oOo--- قراءتنا لمقالة السيد الساعدي ولدت لديناً انطباعاً، نتمنى أن يكون خاطئاً، أن منطلقها يتسم بشئ من الكيدية تجاه شركات التأمين العامة ودور الدولة، وكلاهما يخضعان للمناقشة، وموقفه يقوم على ما يشبه مناكفة العاملين في مؤسسات قطاع التأمين العراقي. نأمل منه أن يزيل هذا الانطباع لدينا من خلال إعادة النظر في تقييمه لتاريخ التأمين في العراق وكتابة أطروحته مجدداً آملين منه أيضاً أن يراجع مشروعه دون شطب ما هو قائم. وإن أراد تجاوز ما هو موجود فالأحرى به أن يصرح بذلك ويقنعنا بضرورة التجاوز كي تكتمل أطروحته. مصباح كمال لندن 18 آذار 2009
تعليق على مقالة إيمان شياع: واقع المرأة في شركة التأمين الوطنية ورد في هذه المقالة الممتعة إشارة، عند مقارنة عمل المرأة في قطاع التأمين العراقي مع عملها في دول أخرى، إلى أن سوقاً عريقاً للتأمين كسوق لويدز لم يشهد عمل المرأة داخله إلا في سبعينات القرن الماضي. http://misbahkamal.blogspot.com/2009/04/blog-post_27.html ولتأكيد هذه الإشارة أود الاقتباس من كتاب عن سوق لويدز صدر عام 1982 يرد فيه فقرة عن عمل المرأة في لويدز ومع شركات وساطة التأمين، نترجمه أدناه. Godfrey Hodgson, Lloyd’s of London: a reputation at risk (Harmandsworth: Penguin Books, 1984), p 128. يقول مؤلف الكاتب: "قبل اثنتي عشر سنة لم تكن أية امرأة عضواً في لويدز، ولم تطأ قدما سيدة قاعتها الاكتتابية The Room. واليوم هناك ما يقرب من 4,000 اسم نسائي Name [العضو الاكتتابي المساهم في رأسمال النقابة الاكتتابية] في لويدز. وبدأت النساء بارتقاء جُل المواقع الوظيفية في مجتمع لويدز. فهناك نساء عاملات كمساعدات للمكتتبين يجلسن في المكتب الاكتتابي underwriting box [سمي المكتب بالإنجليزية بالصندوقbox لصغر حجم المكاتب، وهي موجودة داخل القاعة الاكتتابية التي يرتادها وسطاء التأمين المعتمدين من قبل لويدز للتفاوض مع المكتتبين وإبرام عقود التأمين] وهناك سيدات يحتلن مواقع تنفيذية لدى شركات وساطة التأمين." ويذكر الكاتب أن أول وسيطة للتأمين مارست العمل داخل القاعة الاكتتابية كانت السيدة مورين صويج. وأذكر أن السيد سمير سلمان عبد الأحد، عندما كان يدير مكتب شركة إعادة التأمين العراقية في لندن في ثمانينات القرن الماضي (يعمل الآن مع إحدى الشركات الوطنية للتأمين في دولة الإمارات العربية)، كان قد أخبرني بأنها كانت متزوجة من مواطن عراقي. نتمنى على الكاتبة أن تُكمل دراستها عن موقع المرأة في قطاع التأمين العراقي بتوسيعها لتشمل شركات تأمين أخرى، وكذلك إشكاليات عمل النساء داخل هذه الشركات. مصباح كمال 1 أيار 2009

2009/07/05

Iraq's Insurance Market

IRAQ’S INSURANCE MARKET: general personal remarks Misbah G A Kamal Senior Research Consultant, UIB, London The writer asserts that the views expressed in this article are personal and do not reflect in any way the views and policies of UIB. Arabic readers can refer to the writer’s blog Iraq Insurance Review for more information and analysis: http://misbahkamal.blogspot.com/2009/04/328-2008-67-76.html
This essay was first published in the Dubai-based journal Policy, Vol 06, Issue 03, May/June 2009, pp 38-40, under the title Iraq’s Difficult Journey. Although the origins of insurance are traced to Iraq’s ancient codes, the Hammurabi Code being the most famous (circa 1760 BC), the insurance sector of Iraq today has nothing to boast about save its survival under the most difficult conditions of wars, sanctions, invasion and occupation and lack of security. The first privately owned Iraqi insurance company was established in 1946 followed in 1950 by the formation of the state owned National Insurance Company. Prior to these dates, the market was made up of Arab and foreign insurance companies and agencies. In 1958, the second privately owned insurance company was established. By 1964, all insurance companies were nationalised and reconstituted into three specialist companies: life, general and reinsurance. In its heydays, Iraq’s insurance market was a pioneering market in the Arab world. Though state-owned, it had first class insurance and reinsurance professionals at management level with a growing number of mid-tier staff developed through regular training programmes that also benefited other Arab insurance markets. Those were the days when research for post-graduate diplomas was undertaken at Iraqi universities. Many of the practitioners in the market ended up managing Arab insurance companies or assuming important leading positions – a move that began in the 1970s. But the years of wars (1980-1988), the invasion of Kuwait (1990) and the harsh UN sanctions (1990-2003) have devastated the insurance sector in terms of manpower loss, isolation from international developments, loss of treaty protection, falling effective demand for insurance protection. The sector has a lot of catching up to do to but that is not easy under conditions marked by legal discrimination against Iraqi insurers, the slow improvement in the security conditions and the relegation of insurance to the bottom of the insured’s quest for financial security against risk. The Iraqi insurance market, up until 1997, was made up of three state-owned companies: National Insurance Co (NIC), Iraq Life Insurance Co (ILIC) and Iraq Reinsurance Co (Iraq Re). The restriction of the activities of NIC to non-life business and ILIC to life business was ended in 1988 (ILIC’s name was changed to Iraq Insurance Co). Both companies were permitted to transact all classes of insurance thereby a measure of competition was introduced to the market. 1988 also witnessed the compulsory cession to Iraq Re. A year earlier, the State Insurance Organisation, the supervisory body, was abolished. Between 1988 and 1997 the companies were attached to the Ministry of Finance and the office of Insurance Supervisor was set up at the ministry The nationalisation era ended in 1997 when a law was passed to ‘commercialise’ the state-owned companies and simultaneously permit the formation of private insurance companies. The first private insurance company was formed in 2000. Thereafter many others were formed. Today, the market is made of the three public companies (including a specialist reinsurance company) and fourteen private companies (all very small at this stage). Three of these companies operate in Iraqi Kurdistan. More companies are planned. In 1990, following Iraq’s invasion of Kuwait and the comprehensive UN economic sanctions the three state-owned companies lost their treaty protections. The long sanctions regime (1990-2003) undermined the insurance sector and to date the sector is still weak. During the sanction’s regime, the market utilised its own local resources to provide limited treaty protection. In effect, business was retained by the insurers and Iraq Re. Almost immediately after the US invasion of Iraq (March 2003), a crash privatisation scheme of the state owned insurance companies was hastily put together (Summer of 2003) by the US occupation administration (illegal under international law). This was part of the project for the total restructuring of the Iraqi economy. The scheme entailed the splitting of the companies to four specialist risk carriers: motor, marine and aviation, non-marine and lie & pensions. (for a critique see my article in MEES (Middle East Economic Survey) Vol. 47. No. 19 (10 May 2004) pp D1-D5). The scheme was not implemented and its documents were shelved at the Ministry of Finance. Thereafter, the focus was shifted to writing a new insurance law. Like the failed privatisation programme, a draft was hastily prepared and subjected to scant review by Iraqi insurance practitioners. The weakness of the insurance sector was not helped by the hasty enactment of the Insurance Regulatory Act 2005, drafted by a US insurance commissioner based on the Jordanian Insurance Law 1999. Lately, the Association of Iraqi Insurance & Reinsurance Companies had made representations to the competent authorities to have certain provisions of the regulatory law amended as they run counter to the interests of domestic companies. This new law follows international standards including the core principles advocated by the International Association of Insurance Supervisors (IAIS). It has many positive features including provisions for the creation of the Insurance Diwan (the insurance supervisory commission) and the Association of Iraqi Insurance & Reinsurance Companies. While the latter has began to show some activity, the Diwan, so far, has not been able to discharge its function. It is poorly staffed and has no enforcement power. Regrettably, the act was drafted to favour foreign interests. This was not accidental. By being silent on the issue of non-admitted insurance, it has provided legal cover for siphoning premiums worth millions of dollars to Arab and foreign insurers that should have been written by Iraqi insurance companies. If those who drafted the law can make provisions for cut through arrangements surely they would have been in a position to regulate non-admitted insurance. There is no specific requirement that insurance should be purchased from insurance companies registered in Iraq and licensed by the Diwan. Iraqi insurance companies are also disadvantaged by the directives issued by the Ministry of Planning thereby denying them the opportunity of insuring imported assets. Other ministries ignore the presence of Iraqi insurance companies as happened in the agreement between Iraq and Jordan on the concessionary sale of Iraqi crude to Jordan. UN organs and NGOs also ignore Iraqi insurance companies. The investment laws of Iraq and the Kurdish Regional Government (KRG) leave the option of insuring with Iraqi or foreign insurers to the investors. For the time being, the crumbs are left to Iraqi insurers generating a meagre volume of premium for the market. There are other problems affecting the market. One of them is the failure so far to develop a truly federal insurance market. Public and private insurance companies made representations to the KRG to re/open branches in the region but these attempts have not been fully successful yet. At one time the KRG drafted an insurance supervisory bill but to date it has not been put on the statute book. The Compulsory Motor Insurance Law of 1980 and its amendments remain out of bounds in the Kurdish Region. This was an outstanding piece of legislation. It departed from contractual liability and embedded it in law (presumption of liability). This state of affairs reflects some legacy problems inherited from the pre-2003 regime and its discriminatory and oppressive policies against the Kurdish people of Iraq. Then there is the problem of international facultative reinsurance support. When an Iraqi insurance company succeeds in writing a piece of business and seeks facultative reinsurance from the international market, some interested reinsurers, and to date their number is limited, decline to reinsure an Iraqi insurance company. They even decline to accept an Iraqi insurance company as a fronting company. Others are barred by their own treaty protections from writing Iraqi business and some find the adverse security conditions unacceptable from an underwriting point of view. So far, no concerted effort has been made by Iraqi insurers to international reinsurers to engage their capacity for Iraqi risks. Iraq insurers, based on available information, have not visited such reinsurers to establish and develop relationships. The state-owned companies, although they are formally independent, as self-financing entities regulated by Law 21 of 1997 and its 2004 amendment, are closely tied to the Ministry of Finance to the extent that travel authorisation for their officers had to be approved by the ministry. Such bureaucratic control adds a further burden on these companies and stifles initiative. At present, the individual insurance companies, public and private, do not have separate treaty protections. Iraq Re negotiated a common treaty programme with the Munich Re in 2004 for the whole Iraqi market. The bouquet of treaties is made up of the following: Fire Quota Share and Surplus Engineering Quota Share and Surplus Cargo Quota Share General Accident Quota Share Motor, Fire, Engineering, Cargo and General XL for Protecting Retentions. A London-based adviser and three London market broking firms are involved as co-brokers in the treaties. The treaties have various exclusions reflecting the current underwriting assessment of the security and other conditions of Iraq. Market-wide data are not publicly available; even the Report on Iraq’s Insurance Market, submitted to the 27th conference of the General Arab Insurance Federation (GAIF), Manama 26-28 February 2008, which is the latest available, is incomplete. The latest published data (al-Tameen al-Arabi, quarterly journal of GAIF, issue no. 100, March 2009) is restricted to the National Insurance Company (2007 written premium: ID 7,525,657,000[1] Co) and Iraq Re (2007 premium USD 5,991,000). It appears that other Iraqi insurance companies have not responded to GAIF’s request for data. Insurance density and penetration is very low and because of the lack of proper statistics (national income, population and written premium), they are difficult to calculate. Despite the ascendancy of religiously based parties that are dominant in the make up of the present government as well as various sectors of the public space, Islamic takaful has not surfaced in the insurance sector. Takaful has been promoted elsewhere is a medium for developing insurance among pious people who would normally consider insurance to be unlawful under strict interpretation of Shariah provisions. If the present trends continue, it will be a long time before the market comes out of its doldrums. Published in the Dubai-based journal Policy, Vol 06, Issue 03, May/June 2009, pp 38-40, under the title Iraq’s Difficult Journey. [1] Rate of Exchange per the Central Bank of Iraq has been hovering around ID 1,170 to 1 USD.